برز من ضمن الأفلام ( 20 فيلما )التي شاركت في مسابقة مهرجان كان 66 الأفلام التالية: فيلم " الماضي للايراني أصغر فرهادي، وفيلم" نبراسكا " للامريكي مايكل باين و " حياة عادل" للفرنسي من أصل تونسي عبد اللطيف كشيش وغيرها
التي حققت لنفسها حضورا قويا على مستوى التفاعل والتعاطف معها، فإما الوقوع في هواها والاعجاب بها بحيث انها تصبح في التو أكبرمنا، كما وقع لنا مع فيلم " الجمال الكبير " للايطالي بولو سارانتينو المشارك في المسابقة، ورشحناه للحصول على سعفة كان الذهبية، وكتبنا عنه بأستفاضة. وإما نبذها والقطيعة معها ،والرفض التام للفيلم، كما وقع لنا مع فيلم " جريجري "GRIGRI من اخراج المخرج محمد صالح هارون من التشاد ، وهو الفيلم الوحيد الذي مثل قارة إفريقيا للأسف فيCANNES 66 ، وكنا نتوقع أن يكون ممثلا لفورة وديناميكية شباب القارة وابداعاتهم الملهمة على كافة المستويات وفي جميع المجالات، إلا أنه جاء للأسف مخيبا لكل الآمال، وخذلنا بشكل منقطع النظير، فلم يكن لا من ناحية الموضوع ولا من ناحية الشكل أي في " كليته الفنية الشمولية "، لم يكن يستحق أصلا أن يعرض في المهرجان وليس فقط في المسابقة فذاك شرف كبير لم يكن بالقطع يستحقه هذا الفيلم المفبرك المصنوع المضلل المخادع الضحل الزبالة ، إن في موضوعه.. أو تمثيله !.
هارون مخرج يغسل أكثر بياضا
فلم يكن جريجري " سوى مجرد " نمرة " في الاخراج، ولم يكن هناك فيلما بالمرة بل شييء " جامد "هو أشبه مايكون بـ" سلاطة روسية " لاشك من النوع " الاستشراقي " الفولكلوري الذي يعجب الفرنسيين الذين مولوه وأنتجوه .يحكي الفيلم عن شاب معوق صاحب عاهة يدعى " جريجري " لكنه عندما يرقص يتغلب على إعاقته، ويتفوق في رقصه حتى على المغفور له مايكل جاكسون ، ويتعرف جريجرى على فتاة شابة مومس ، تطلب منه أن يعد لها البوما للصور لكى تتقدم بها الى مسابقة على شكل اختبار لاختيار فتاة اعلانات. وتسقط كما نعرف من بعد في ذلك الاختبار، ويبدو ان مهنة التصوير التي يعمل بها جريجري بالنهار، والنمر الراقصة التي يعرضها على زبائن البارات والحانات الافريقية في الليل ، لاتكفيان لسد احتياجات الأسرة ..
ولذلك يساعد جريجري والدته في غسل الملابس في النهر كما كل الأسر الفقيرة الافريقية المعدمة من الغلابة الشقيانيين المعذبين في افريقيا وكل أرض ويبحث جريجري في نفس الوقت عن عمل ثابت ثم يشترك مع عصابة تشادية في تهريب البضائع والبنزين وعندما يمرض عم جريجوري الذي سهر على تربيته، ويرقد للعلاج في أحد المستشفيات ، يحتاج جريجري لـدفع مصاريف العلاج المكلف الباهظة، فيحتال على العصابة التي يشتغل معها ويسرق أموالها ويذهب ليعطيها لعمه ، وبالطبع يتعرض للعقاب على يد أحد أفراد العصابة الذي يهدده بالقتل اذا لم تسترد العصابة المبلغ الذي سرقه فيهرب مع الفتاة المومس الى الريف، ثم يستقر بهما المطاف في قرية تعطف على جريجري وزوجته المومس ، وعندما تعثرالعصابة على جريجري بعد طول بحث، وترسل شريرا لكي ينتقم منه ويقتله، اذا بكل نساء القرية يهبون للدفاع عن جريجري المسكين الغلبان، وينهالون بالعصىعلى رجل العصابة حتى يلفظ أنفاسه ويموت وتتعاهد النساء على الاحتفاظ بذلك السرويقمن بحرق جثة الضحية داخل السيارة ثم حرق السيارة أيضا لاخفاء معالم الجريمة. وينتهى الفيلم الذي لانعرف ماهى مشكلته وماهى قضيته، غير تقديم هذا الافريقي المعوق الغلبان في " نمر " استعراضية راقصة والتبليغ فقط عن موهبته..
نظرة " استشراقية " فولكلورية كارت بوستال
وقد عرفنا ذلك في أول مشهد من الفيلم ثم كان الله يحب المحسنين، اذ يفتتح بنمرة راقصة لجريجري وهو أصلا ليس من التشاد بل من بوركينا فاسو في أحد الملاهى الليلية ،ثم من بعدها ينتهى الفيلم أو لن تجد فيلما أو سينما وادهشتاه بالمرة.وتبدأ عملية " فبركة" FABRICATION فيلم على حس الإعاقة وموهبة جريجري في الرقص،واحاطتهما بموضوعات وحكايات تقليدية جد " نمطية " مصنوعة ومفبركة دخلت ومنذ زمن طويل متحف التاريخ والانثروبولوجيا ، وشاهدناها مئات المرات في أتفه وأحط نماذج السينما الافريقية التي تلف وتدور في فلك الانتاج الفرنسي الانتهازي.والوسط السينمائي الفرنسي الموبوء حاليا بالمنتجين الانتهازيين الذين يتربصون للمساعدات والمنح التي تمنحها الدول الاوروبية لسينمات العالم الثالث ، ونهبها عن طريق انتاج مثل هذا النوع التافه السخيف من الأفلام المسلوقة الفولكلورية التي تتمتليء بالاكليشيهات غير الضارة وغيرالمؤذية ، التي لاتحمل هما أو قضية. بل تحمل "فولكلورا" ساذجا وتافها وعبيطاولاتطرح مشاكل القارة الحقيقية وتسأل إن افريقيا كيف حالك مع الحروب والمجاعات والألم..
وبعض هؤلاء المنتجين من الموظفين الحكوميين الفرنسيين الرسميين و يعرفون من أين تؤكل الكتف لصنع أفلام افريقية تجعلنا نضحك من استهبالها وعبطها وهى تلمع في ورق سوليفان، وبحيث يذهب الجزءالأكبرمن ميزانية الفيلم الى جيوبهم ويصرف الجزء المتبقي على حفلات الدعاية للفيلم وبعض النقاد الفرنسيين والافارقة المأجورين.ومرة أخرى أتعجب اشد العجب من اختيارفيلم " جريجري "للمسابقة، ووضع فيلم " عمر" للفلسطيني هاني أبو أسعد في قسم " نظرة خاصة " على هامش المسابقة، على الرغم من جودته الفنية العالية المتميزة التي شهد بها الجميع والحفاوة التي تم بها استقبال الفيلم من الجمهور والنقاد في آن، و قد كان " عمر "الذي اعتبره البعض " تحفة " سينمائية ومن دون مغالات أو شطط يستحق المشاركة في مسابقة المهرجان الرسمية وعن جدارة في محل ذلك الجريجري التافه المحتال والعبيط . خسارة !