تدخل (الكلمة) عامها الثامن مليئة بالاعتزاز بقدرتها على تأكيد استمرار الثقافة الحرة المستقلة، والمثقف الحريص على شرف الكلمة واستقلال الفكر في عالم عربي موبوء بالتبعية والتخبط والهوان. فأهم ما أنجزته (الكلمة) وقد واصلت رحلتها لسبع سنوات الآن، حافظت فيها على موعدها المنتظم مع القارئ احتراما منها لعهدها معه، واكتسبت بشكل مطرد المزيد من القراء على الدوام، حتى أصبحت أحد أهم المنابر الثقافية التي ينتظرها القارئ العربي، مطلع كل شهر. لا من المحيط إلى الخليج، كما كان القول الشائع حول امتداد رقعة العالم العربي فحسب، ولكن في كل أرجاء العالم. فقد وصلت (الكلمة) بسبب انطلاقها مع مطلع عام 2007 في الفضاء الالكتروني الذي لا يعترف بأي حدود جغرافية أو سياسية، ويصل إلى شتى أرجاء الكرة الأرضية، إلى كل قارئ عربي أينما كان، من استراليا حتى الأمريكتين، ومن أقاصي الصين واليابان حتى ما كان يطلق عليه اسم مجاهل أفريقيا. ولا تزال رسائل القراء التي ترد إلى (الكلمة) من أصقاع لم تقرأ فيها من قبل أي مجلة أدبية عربية حال صدورها، تثير دهشة أسرة التحرير، وتؤكد أن ما يبذلونه فيها من جهد وعرق لا يذهب بددا، وليس عبثا بأي حال من الأحوال. ولايزال تزايد أعداد القراء الذي كسر حاجز النص مليون كل شهر يشحذ عزمنا على المزيد من الإصرار والاستمرار حبا لثقافتنا ولقرائنا.
لقد استطاعت (الكلمة) بفضل تفاني فريق العمل فيها في خدمة الثقافة العربية، وإيمانه برسالتها، وحرصه على استقلالها، أن تبرهن على قدرة العمل الثقافي الجماعي المستقل على الاستمرار والتطور دون أن يكون وراءه أي دعم مادي أو سياسي. فقد استطاعت أسرة تحرير (الكلمة) الصغيرة، التي ما كان بإمكان المجلة الاستمرار دون وفاء كل منهم بدوره فيها وبشكل شهري منتظم، أن تقوم بما لا تستطيع الكثير من المؤسسات العربية المدعومة بالمال والنفوذ القيام به، من استمرار في الصدور لسبع سنوات، ومن احترام دوري لموعدها مع القارئ في مطلع كل شهر. حتى أولاها القارئ ثقته، وبرهنت له باستمرارها وتفانيها على جدارتها بتلك الثقة. وما تراكم أعداد (الكلمة) في موقعها بما تنطوي عليه من ذخر كبير من المواد النقدية والثقافية والإبداعية إلا الدليل الواضح على نمو هذا العمل وتحوله إلى مرجع لا غنى عنه لمعرفة حاضر الثقافة العربية وراهنها وطموحاتها معا.
وقد تمكنت (الكلمة) عبر مسيرتها التي تواصلت الآن لسبع سنوات، وتدخل بهذا العدد عامها الثامن من أن تجلب إلى الفضاء الالكتروني كل معايير الجودة الأدبية والصرامة الفكرية التي أرستها مسيرة المجلة الأدبية والثقافية الشهرية في عالمنا العربي منذ أن أصدر رفاعة رافع الطهطاوي مجلته الثقافية (روضة المدارس) في النصف الأول من القرن التاسع عشر وحتى اليوم. لذلك حرصت (الكلمة) منذ البداية على أن تطور مع مسيرتها الثقافية أرشيفا رقميا لأسلافها، مستهدفة به أرهاف الذاكرة الثقافية العربية من ناحية، وإتاحة مواده للباحثين من ناحية أخرى. وأرشيف المجلات الأدبية والثقافية والفكرية العربية الرقمي هو فكرة (الكلمة) منذ انطلاقتها الأولى، وهو أيضا مسجل باسمها مع انطلاقتها الثانية وحصولها على ترقيم دولي للدوريات الالكترونية من دار الكتب الوطنية البريطانية، مدون على صدر صفحتها العربية، ورقم آخر لطبعتها الانجليزية مدون على صدر صفحتها الانجليزية، ومسجلة بهما معا الحقوق القانونية لفكرة (المجلة) وأرشيف المجلات والدوريات العربية الرقمي. والذي احتل ولايزال يحتل مكانا مرموقا على صفحتها الرئيسية، بالرغم من عدم تمكن (الكلمة) من إتاحته للقارئ في الوقت الراهن.
وقد استطاعت (الكلمة) أن تطرح على القارئ أفضل ما يصلها من أعمال أدبية وإبداعية. وأن تؤكد سلامة الثقافة العربية في عالم عربي، آخر ما يمكن أن نصفه به أنه سليم. وأن تجسد حرص القطاع الأكبر من كتابها ومبدعيها على إرهاف العقل النقدي فيها، والتصدي للعقل الغيبي أو القطيعي الذي يعطل الفكر، ويكرس الاستخذاء والتبعية. بالصورة التي تحول معها وجود منبر ثقافي حرّ ومستقل مثل (الكلمة) إلى شهادة حية على قدرة تلك الثقافة على رفض كل السلبيات التي ينوء بها كاهل الإنسان العربي. لذلك فإن (الكلمة) وهي تتمنى للثقافة العربية الازدهار في عام جديد، تحرص على أن ترهف وعي الإنسان العربي النقدي والعقلي، كي يكون العقل هاديه في طموحه إلى نيل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية الذي بورته ثورات الربيع العربي، ونبراسه في هزيمة مؤامرات الثورة المضادة التي يعج بها العالم العربي حتى ضببت دياجيرها الرؤية، وهو الضباب الذي يضع على الثقافة وعلى (الكلمة) معها عبء إزاحته، وإنارة الطريق إلى مستقبل يحقق فيه الإنسان العربي الحرية والعدل والكرامة الإنسانية.
و(الكلمة) إذ تحرص على التفاف القراء حولها، تناشدهم المزيد من الدعم لمشروعها، والوقوف إلى جانبه كتابة وقراءة. والترويج له ومساندته، وحث كل من يستطيع أن يعلن فيها على الاتصال بها. كما أنها ترحب بتوسيع أفق اهتماماتها، حيث تطمح المجلة أن تكون بحق، كما كان شعار مجلة (المجلة) المصرية القديمة يقول، سجلا للثقافة الرفيعة بكل تبدياتها من المحيط إلى الخليج، وحتى كل المنافي العربية، وبكل الإسهامات الثقافية المتنوعة فيها، وخاصة تلك التي لا يصلها منها الكثير في مجالات السينما والفن التشكيلي. كما ترجو (الكلمة) من قرائها في عامها الجديد المزيد من التفاعل الخلاق معها. صحيح أنها تدرك أن قارئ المجلة الثقافية من أكثر القراء عزوفا عن التعليق على ما يقرأ على عكس قارئ الصحيفة اليومية، لكنها تود هنا أن تحث قراءها على المزيد من التفاعل مع ما ينشر فيها من مواد، وأن يشارك القراء في اختيار بعض المواد التي يرون أن من الضروري أن تظل حاضرة على صفحتها الرئيسية. والواقع أن أحد محرري (الكلمة) وهو منصر القفاش، يقترح أن تعقد المجلة مسابقات للقصة القصيرة والشعر والدراسات النقدية، أو بالأحرى في كل فرع من فروع المجلة وأبوابها المختلفة، على أن تنشر النصوص الفائزة في عدد سنوي خاص من (الكلمة) لا يحمل النص الفائز فحسب، وإنما أيضا مبررات تميزه، في نوع من الحوار النقدي والعقلي بين كتاب (الكلمة) الجدد وأسرة تحريرها. وهناك العديد من الأفكار والاقتراحات التي ترود مسيرة المجلة في عامها الجديد، لكن المجلة أيضا مفتوحة لآراء قرائها واقتراحاتهم التي نرحب بها مع مطلع العام الجديد، ونرجو أن يزيد فيه التفاعل على مختلف المستويات بين المجلة وقرائها.