يقرأ الناقد المصري ثلاث روايات للروائي المصري تفصح عن سمات محددة ونهج محدد، يكشف عن خصوصية في الكتابة الروائية، حددها الناقد في التمهيد لخروج الشخصية إلي النور، الشخصية الواقعية، لعبة العصا والجزرة، والرومانسية التي تدفع إلى أخذ الأمور بالتعقل والهدوء، باعثة في النفس راحة مفتقدة.

محمد قطب.. يجسد سمات جيل من الروائيين

شوقي عبدالحميد يحيى

مثلما يستمع ويستمتع الإنسان بصوت عبد الوهاب وسط عديد الأصوات المتشابهة الزاعقة الصاخبة. كذلك وسط أجواء الروايات الحادة الكلمات، والصادمة في المواجهة والمقتحمة لكل ما هو في عداد التابوهات. الساكنة وسط المدينة، بصخبه وأضوائه المتوهجة والكاشفة لكل ما تشوه في المجتمع المصري، تأتي أعمال الروائي "محمد قطب" ساكنة البراح والعدد المحدود والمعدود من البشر. إلا أنه أبدا لم يغادر هموم البشر. غير أنه غلفها بسحر الإسلوب وجمال الوصف، وكأنها تتمثل الآية [ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب].

فها هي "حميدة" في "إمرأة عابرة"  تعيش في حجرة واحدة مع أمها وزوج أمها. فما النتيجة التي يمكن أن تترتب علي ذلك؟. وها هو "صابر في "الطرف الآخر من البيت"  يعاني الفقر والخوف والملاحقات الأمنية، فيهرب إلي السعودية، فلم تكن الحياة فيها بأفضل مما تركه في مصر.

 وها هو "سيد"  ساكن العشوائيات في "حرث الأحلام" يعاني شظف العيش بعد أن عجزت الأم عن الحركة وسرح الروماتيزم في عظامها ولم يعد لها مع أخته عائل إلاه، فيضطر لترك المدرسة مبكرا ويلجأ للعمل في سن لم ينعم فيها حتي بالطفولة.

وإذا كان كل من "حميدة" في "إمرأة عابرة" و"صابر" في "الطرف الآخر من البيت" قد استسلم للمقادير وريح الحياة تعبث بهم وتتقاذفهم بين دروبها. فإن "سيد" في "حرث الأحلام" بعد أن ضاقت به السبل، مع بقية سكان العشوائية، لم يكن أمامهم إلا التوحد ليخرجوا سائرين في مظاهرة سبق بها محمد قطب الثورات العربية، في مسيرة إلي الرجل الكبير الطيب، ليحصلوا علي سكن آدمي، إلا أن المحيطين بالرجل الكبير هدموا الجسور التي تفصل بينهم والوصول للرجل الكبير (الطيب)، فغرقوا في المياه الفاصلة. ليدشن للثورات العربية  قبل أن تندلع علي أرض الواقع بتسع سنوات، وهو ما يثير التساؤل، كيف أن مثل هذا العمل لم يأخذ نصيبه من الأضواء وسط الروايات التي قدمت علي أنها قد بشرت، أو تنبأت، أو حرضت علي الثورة قبل قيامها؟!. وهو ما يسجل السبق له عن الكثير منها. فهي وإن كانت قد استخدمت منهج المظاهرة في العام 2002. للتعبير عن قدرة الجموع الشعبية، وحدها، في التغيير، فلم يستخدم ذات الرؤية – فيما أعلم – إلا محمد سلماوي في عام 2010 في روايته "أجنحة الفراشة".

و لم يكن الأمر عشوائيا، حيث أن الهم العام، النابع اساسا، والمنعكس في ذات الوقت علي الهم الفردي، وهو ما يتبدي بشكل واضح في "الطرف الآخر من البيت" والذي اعتبر فيه الكاتب كل من مصر والسعودية بيت واحد، فمصر طرف منه، والسعودية هي الطرف الآخر. وما عاناه "صابر" الذي يحمل من اسمه الكثير، وهو الاسم المعبرلا عن فرد، وإنما عن شعب، فهو وإن كان قد فر من مصر بعد أن ضاق عليه الخناق، وأصبح الخوف من حديث السياسة هو الرعب الذي يلازمه حتي كانت هذه الصورة المجسمة:

{نتر نفسه عاليا، فانسكبت بقايا الشاي علي بنطاله، واحتوي الوجوه، وقاس الحركة، وتصور رد الفعل، وأرهف الأذن.. خشي أن يكون أحد قد سمع.. ولام نفسه.. كيف وصل الحديث إلي هذا الحد الذي يؤذن بضرر.. وهو الذي نأي بنفسه عن جدل السياسة.. ولعن كل ما يأتي من جذرها اللغوي}ص132.

وإن كان هذا هو حاله في بيته، مصر، فالأمر لا يختلف عنه في الطرف الآخر من البيت. فإن كان المشهد في البداية يبدأ من ضغط الحاجة التي تلح عليه من الجانب الشخصي – والذي يعكس في ذات الآن الجانب المجتمعي - متمثلا في الحبيبة التي تكون هي التلميذة التي يعطيها الدرس الخصوصي في البيت، فهي نفس الحالة، التي تصنع الدائرية في تقنية العمل، لنعيش نفس المشهد مرة أخري في الطرف الآخر، حيث تصر الزوجة الشابة لحارس المعهد علي أن تأخذ درسا خصوصيا من صابر تحديدا، ذلك الذي راقبته، وعلمت أن من يمشي بجوار الحائطن وإن استطاع فداخل الحيط ذاته. ويثور الشك والخوف عندما تتوسط الزوجة الأولي، العجوز، للحارس نفسه، في ذلك الأمر. وعندما يرتاب "صابر" في الأمر يطلب أن يكون الطلب من الزوج ذاته، ولا يلبث أن يستجيب الزوج الواقع تحت تأثير شباب الزوجة وعجزه البدني والمعنوي أمامها. الأمر الذي يزيد من تخوف "صابر". فما حمل هذا الزوج، الحارس، له من ود فيما قبل. ثم تحدد المرأة كنهه في إهانة لا تختلف عن ما لحقه في مصر، فلم يكن في نظرها سوي "كلاف" {لحقته الإهانة، ووصله المعني.....  ما الذي يجبره علي فعل شئ لا يرضاه! أهو الخوف من إنهاء عقده! أهو الذعر الذي يفقده الصمود، واتخاذ رأي ينبع منه ولا يفرض عليه!!... أحس بالإهانة.. وشعر بالوحدة.. وبعزلة.. كأنها اليتم.. أصبح الآن.. في عينيها لايزيد عن كلاف.. يعتني بالبهائم}ص350.

وقد انطلق "محمد قطب" من الحالة الفردية للحالة المجتمعية، ليجسد أزمة جيل بأكمله، بل أزمة شعب عاني مرارة الهزيمة المزلزلة في يونيو 1967، وحالة القلق التي أعقبتها والفوران المجتمعي الذي ساد المجتمع قبيل 1973، لتظل الرواية هي المؤرخ الحقيقي لحياة الشعوب، بعد أن فعل صاحب النكسة ما فعل، ويجسدها عبارة موجزة تحمل من الشحنة المعنوية ما يجسد تاريخا وحقبة زمنية: {مات صاحب النكسة وخلف يأسا شديدا}.

غير أن المصري رغم المعاناة، ورغم ما تكبده في تلك الحرب اللعينة، لم يفرط في وطنيته ولم يسمح لغيره أن يتخذها مطية يهين مصر بها، وهو ما شاع في تلك الفترة، والأمر أن يأتي ذلك مِن مَن كانت التضحية بالدرجة الأولي من أجلهم. فيستحضر "محمد قطب" العديد من الجنسيات العربية مع"صابر" للعمل بالسعودية، وكأنه يقيم إجتماعا لجامعة الدول العربية، ومن بينهم الفلسطيني بالطبع، والذي يلمح للإساءة لمصرن فينبري له طصابر":

{لكنه مصري، يزهو بمصريته.ز ويحب وطنه، وإن كان يكابد مرارة الهزيمة.ز ويدين السلطة الحاكمة، وعزلتها عن الشعب وخداعها له،وقمعها لإرادته، إلا أنه يرفض التشفي وإن جاء ممن رهنت مصر قدرها بسببهم}ص253.

ودراسة الروايات الثلاث، تفصح عن سمات محددة ونهج محدد، يكشف عن خصوصية في الكتابة الروائية، وإن كانت تمثل نظرة وفهم جيل من الروائيين للرواية، إلا أنه يظل لمحمد قطب بصمته الخاصة عليها، والتي يمكن توضيحها في الآتي:

1 - التمهيد لخروج الشخصية إلي النور

إذا كانت الرواية، هي الجنس الأدبي الأكثر استفادة واستخدما لغيره من الأنواع الأدبية أو الفنية، إلا أنه يبقي دائما قائما علي الحكي. علي الوصف والإيحاء، ليظل استخدام الحوار أو غيره من أساليب الإبداع الأخري في الخلفية. وهو ما يبدو واضحا في أعمال محمد قطب الروائية، حيث نشعروكأننا في مسرح، ولكننا لانغادر الرواية، سواء بالحكي أو الوصف، فيتم التمهيد لخروج الشخصية إلي حيز الوجود، بالكثير من الموسيقي التصويرية الممهدة، فنقرأ الكثير من أجواء البيئة، والظروف المحيطة، ثم بعض الصفات التي ترسم الشخصية، قبل أن يبوح لنا باسمها، أو نتعرف علي كينونتها. فنقرأ مع بداية السطور الأولي من "حرث الأحلام":

{كأنه كان يتلهف علي انبلاج الصباح لتخرجه من نومه المخطوف وأشباحه المرعبة.. لعل الضوء الذي يوشح الأفق يهديه إلي سنبلة تكتنز بالحنطة.. تتماوج علي ساقها الذهبي، تخرجه من ألمه النفسي، وتكفه عن الندب الذي يأكل القلب.. فالأيام تتوالي في مسخ لا يتغير، يعكر ماء الحياة، ويصنع قبحا يفترس الدروب والنفوس......}ص7 ويبدأ الشخص في الحركة علي الأرض ولكن من وراء غلالة قد تكون شفافة، غير أننا لا نتعرف علي الشخص باسمه، وكأن الإضاءة اكتملت وتركزت فتنطق زوجته في الصفحة الثالثة عشر{ كده تهرب يا سيد وتسيبني؟} ليشخص سيد بآدميته أمام عين المشاهد/القارئ.

فمن هذه المقدمة، ودون أن نعرف الشخص، بذاته نتعرف علي أنه شخص يعاني الأرق والقلق، يعاني من آلام نفسي أو منغصات، تمر ايامه برتابة لامعالم لها، تزيده كل يوم بالقبح المفترس للنفوس.

ويستمر الوصف، وتحديد المعالم متواترة، حيث تلعب بأحاسيس القارئ وتزيد من تشوقه وتلهفه للتعرف علي من يكون ذلك الشخص. ثم يخرج اسمه، وكأنه عرضا علي لسان الزوجة، وكأن الإسم لم يعد له كل تلك الأهمية، فقد عرفته عزيزي القارئ طوال الصفحات السابقة.

وفي "امرأة عابرة" نتعرف علي المرأةن تداعب هذه، وتشاكس أخري، مرحة علي الدوام:

{كانت تراها جميلة، وكانت تتيه بهذا الحسن، تدخل بين النسوة وتمد أصابعها ولا تخجلن تحكي عن أمور تخلب اللب وتلاصقهن حتي تسمع ضحكهن، أو شهقاتهن..كانت بها شقاوة محببة } غير أن طارئا بدا علي المرأة. ولما كان "محمد قطب" يتوقف عند أبواب الغرفن ولا يقتحمها، نجدها يوجز المشكلة في أضيق الكلمات، التي تعبر عن جيل مضي، قبل أن يقتحم الشباب كل محرم. فتنحصر المشكلة في {مر عليها الرجل عابرا، لكنه ترك في أحشائها ماءه الذي تكون}.

2 – الشخصية الواقعية

وبعد أن تم تهيئة المسرح لخروج الممثلين، لا نجد ممثلين، وإنما نجد بشرا حقيقتين، نستطيع التعرف عليهم فيما بيننا. حيث نجد الإنسان، البشر، بسوءاته وتناقضاته.

ولا أدل علي ذلك من تلك المرأة التي أتت "حميدة" صارخة تبحث عن الخلاص. فقد هامت بأحد العابرين، الذي لم تعرف عنه سوي أنه راق لها، تمنحه نفسها، فينبت ماؤه في أعماقها نبتا بدا في التحرك بأحشائها. تسألها "حميدة عن أحوال زوجها، فتجيب المرأة بأنه لا يقربها من عامين. فتشور عليها "حميدة" والأمر في البداية أن تتقرب إليه وتتهيأ له.. {تدعك الجسد، وتتعطر، وتقتحم، وتنام معه، علها أن تحرص علي أن يقربها، ليس شرطا أن يلجها، لكن عليهأن يُمني، وتدعي أنها حجزت ماءه.. وقتها من ينكر الأمر أو يعاند..}

انتفضت معترضة وقالت غاضبة: لا أحب أن ينسب إليه

- حل يرضي ويبعد الفضيحة. تعترض المرأة مستنجدة ب{الشرع} فتضحك حميدة متعجبة {تخافين الشرع؟!} وترد المرأة بأنها لا تحب أن يكون لأبنائها أخ من الزنا!!!!!!

3 - لعبة العصا والجزرة

إلي جانب ما سبق استخدم "محمد قطب" أكثر من وسيلة للإمساك بقارئه ودفعه للأمام جاريا لا متمهلا، وكأنه في سباق للجري،مثل الجمل القصيرة المتسارعة    التي تشعرك باللهاث. بينما تلك الجملة القصيرة تحمل عالما، أو تفجر قضية يمكن أن تكتب في صفحات. فنقرأ مثلا تلك الجملة التي تثير قضية المراة ومشكلتها الأزلية مع الرجل، والتي يمكن أن تطيح بأمن الأسرة، حيث تحكي المرأة قصتها معه:

{كان حلو اللسان، غلبني بحديثه،لم أتعود كلاما حلوا.. كان الكلام يخرج منه كالشهد، خدرني، أغواني الكلام.... } ثم تأتي الجملة / القضية { بعد أسبوع ران صمت طويل.. أخذ الجسد وترك الروح}ص470

 لجأ أيضا إلي اللعب علي أفق التوقع، جاعلا قارئه دائم العطش للمعرفة، فيبدأ الحكي خاصة في المواقف الحميمة بين الرجل والمرأة، وهو ما لم يعد محظورا وصفه في العديد من روايات الشباب، حيث يدخلون غرف النوم واصفين كل ما يحدث فيه، غير أن "محمد قطب" يدخل بك إلي ما يشبه غرفة النوم، ويخدعك بأنه سيصف لك ما يحدث هناك، لكنه عند النقطة التي تتوقع فيها أن يتم الفعل، تجده دخل بك في منطقة أخري، إما بتغيير الحدث، أو تغيير الشخصية، أو تغيير الضمير الذي تلاعب به كثيرا لخلق نوع من الحركية في الرواية. ففي "إمرأة عابرة، تصبح "حميدة" هي الشاهد الوحيد لممارسات الأم مع زوجها، ويصل بها المشهد إلي ذروته، لكن محمد قطب يسعي فقط للتشويق والإيحاء، فيقف بنا عندما تقترب الذروة:

{كان زوج الأم يعكف ليله في احتساء القهوة بالزنجبيل الحار، ويستحلب في فمه أخلاطا من أعشاب برية، ثم يقوم مترنحا إلي الفراش.. حيث تنتظره امرأة طازجة.

لم تنس البنت تهويمة الأم كلما انزوت بعيدا.. وظلال البسمة التي تمر بغتة علي الوجه فتفرد ملامحه وتشي برغبة كامنة.

ولم يكن الرجل – وهو يقترب – يشعر بها.. ولم يدر بخاطره أن البنت تشعر بدبيب النمل الساري في العصب ويلوي الحشا، حتي إذا تشابكت الأرجل وعلت الأنفاس هجت من مكمنها.. إلي الخلاء – يأخذها الفعل ويدهشها – بعيدا عن تأوهات الأم، وصرخات الرجل.}ص400.

حيث نجد هنا - أيضا – المسرح وقد تهيأ للفعل، الرجل استعد لليلة ساخنة، والمرأة يغمرها سعادة داخلية. إلا أن الشاهد الوحيد – ومعه القارئ – يفر ويهرب إلي الخلاء............

4 -  الرومانسية

إذا كانت الرواية قد نزعت مؤخرا إلي ما يمكن تسميته ب"الواقعية العنيفة" والتي راحت تنهل من الواقع "الخشن" مفرداته، اللفظية، والوصفية، الأمر الذي معه أصبحنا نقرأ الواقع "بعبله" علي الصفحات. فقد عاد بنا محمد قطب إلي زمن الرومانسية، كي نستظل بها من قيظ الواقع و"خشونته"، فعاد بنا إلي الوصف، ووصف الطبيعة والتوحد معها، الأمر الذي يعتبر من أهم خصائص الرومانسية، وكأنه يدفعنا دفعا لأخذ الأمور بالتعقل والهدوء، باعثا في النفس راحة مفتقدة، وسكينة مستبعدة.

فبعد أن تشتد الضغوط علي "صابر" في غربته "الطرف الآخر من البيت"، ويشعر بالهوان الذي يجعله يفكر في الهروب المرتد، أي العودة إلي أرض بلده من جديد، يتذكر زوجة أبيه التي تتوقع منه دعما، فهي التي ربته، وأخته التي زوجها أبوه صغيرة، تنتظر الملابس والمساعدة المالية، وزوجته التي تطالبه بتحمل الغربة من أجلها فتلك سفرتها. فيأخذه الكاتب ويأخذنا إلي حضن الطبيعة:

{كان الوقت خريفا. وفلتات الريح الهادئة تتوالي علي فترات بعيدة. والجو.. لازال تقبض عليه الرطوبة.. وسعفات النخيل تتمايل في حذر خفي.. وبدا المكان يستعد ليقظة مباغتة، وينفض عنه عباءته الساخنة التي جعلته يطوي داخلها كائناته. وبدأت الشوارع المؤدية إلي برحة السوق تتعرف علي أقدامها، والناس يخبون في أرديتهم ويوقعون علي أديمها في خفة لها شكل الوطء الثقيل}ص221.

وفي "إمرأة عابرة" وبعد أن فرت حميدة إلي الصحراء التي لم تجد فيها سوي "عبد الرحمن"الذي أحبها في صمت، فبدت الحياة من حولها جافة خشنة. يأتي "عمران" بين العابرين الذين يلجأون إلي المكان بحثا عن شربة ماء، أو كوب من الشاي، في مقهي لم يكن إلا لالتقاط الأنفاس واختلاس المتع الصغيرة. وكان "عمران" هو الذي ساقاها ماء الحياة قبل أن تهجر إلي الهجير. فتعود إليها الحياة، وتتبدل الرؤي:

{بهت الرجل، ورأي أمامه تغيرا وانقلابا، كما لو أن سيلا مر بالمكان، فغطي السطح والرمل، وانساب في الأخاديد، وأجبر الطيور أن تحلق وتهيم.. والبذور أن تنمو من جديد.. فيشق الأرض نبت عفي، بهيئة مغايرة، وأوراق نضرة تشير إلي تجربة الموت، وروعة الحياة}ص485.

  إلا أن تلك الرومانسية لم تنسنا الحركة المتسارعة المتمثلة في تغيير الأزمنة والضمائر الدؤوبة التي تجعلنا في حالة دائمة من اليقظة والترقب. وإذا ما أضفنا إليها تناول المشاكل الإنسانية والحياتية للفرد والمجتمع، بل ورؤية المستقبل، أو ما ستؤدي إليه نتائج الواقع الضاغط، من ثورة محتملة، بخروج الجماهير الغاضبة. فنحن أمام كتابة تمد فروعها في جو الحاضر، وتستمد جذورها من عمق الماضي، فنعيش فيها الأصالة والمعاصرة.

 

Em:shyehia@yahoo.com