للمرة الثانية يخصنا الشاعر المغربي بمخطوطه الشعري الجديد، فبعدما قدمت له الكلمة ديوانه الأول، يستضيف الشاعر قراء {الكلمة} الى عوالم ديوانه الثاني وهي تحتفي بالكتابة والمرأة. ومن خلال الاحتفاء بهذين التيمتين تلتئم قصائد الديوان في ديدن واحد لعله وجع الكتابة، إذ يصيغ الشاعر بعضا من شذرياته القصيرة.

عطشٌ قاب نخب أو أدنى (ديوان العدد)

محمد الديهاجي

جداريات

                         كُلُّ ما لا يؤنّث لا يُعوّل عليه" "

ابن عربي

 

كوجيطو

برؤية النّفري:

ضاق التّنفُّسُ

فاتّسعت رئتاي

وبلُغة المتنبي:

الريحُ تحتي...

والشمسُ على رأسي

أنا النّاسكُ السكرانُ

المُسكرُ في خمرة الحُبّ

كفزّاعة جاثمة

لا طيرٌ يطير..

ولا وحشٌ يسير.....

 لُعاب

هو الرّمشُ

يرمي بقوس الفراش

إذ تخلعُ شفتيها امرأةٌ

بين ذراعين

فيرتديك اللُّعابُ

 

 

موجة

في عنفوان موجة

أجل

كانت موجة

على شطّ شفاه

- والليلُ شاهدٌ -

فتّت القمرُ قلبه

بعبارات ناشفة

 

 

على صدر قديم

أنت

وأنا

الامتدادُ

لا يومئ بسرّه

المدى

على صدر قديم

لم تينعي بعد

 

 

بعد قليل من المطر

 يخيطُ النعاسُ

 إضبارات الحلم

 وأنت

 لم

 تينعي بعد

 

 

عطش قاب نخب أو أدنى

فارعٌ

هذا الحب

والليلةُ باردةٌ

والعطشُ

قاب نخب

أو

أدنى

 

 

نوستالجيا

تفركُ

الريشةُ جفن هايكو

يتهيّأُ الخيالُ

و"قفا نبك.." لا تكتمُ البعير

تنفلقُ الصحراءُ

والقصيدةُ

سادرةٌ في طللها

 

 

مقايضة

بالفحم

كان قلبُك يُقايضُ

قلبها

فيما كانت

طيورُ خيالاتكما

تعصرُ خمرا

لما تبقى

من الأسرار الراعفه

 

 

بين يدي فزاعة

باكرا

فقس العدم

بيضه

باكرا هطل الفراغُ

على قلوب ركيكة

وانتحر الأُقحوانُ

بين يدي فزاعة

فأين

تجوسين

أيتها الشهوات

 

 

محو

كأنّي...

لا أتبعُ يدي اليُمنى

        الواثقة جدّا

إلّا لتمحو خُطواتها

هبّةُ يُسراي،

تلك التي تحدّرت من نخلة النّسيان

حتى أفرطت في حنقها

 

 

غواية

القصيدة القابعةُ

في صالة الُمخيّلة

استدرجتني ، على مهل ،

إلى أقصى غوايتها

...ثمّة غُمُوضٌ كثيفٌ

ونعناعٌ أقلّ ...

وكنتُ وحدي ..آه

يا وحدي

أتسلّقُ سرو ظلّي

مُتلصّصا على اللّاقصيده

 

 

مناوشاتٌ وشيكة

1

كلما جالستُ الكأس

وضاجعتها بشفتين شاردتين

وشت بنا العربدة

2

نصبتُ للقصيدة فخّا

بين نهدي امرأة

واستنفرتُ جيش حواسي

لم تأت القصيدةُ

فوقعتُ في الفخ

3

فتح قلبي بابه سهوا

تسلّلت إليه

نسمةُ هواء

ذات الأرداف العارية

فضرب الريحُ

كفّا بكف

4  

عجبا

بنقرة من فأرة

تتورّطُ ريشتي عُنوة  

في الشّذوذ الكاليغرافي

5

على عزلة النهر

وقفتُ دثرتُه بجرحي

في الضفّة الأخرى

كان الحصادُ

يستعطفُ المناجل

6

هذا الحذاء

فتح فمه للريح ،مرة أخرى،

وتقيّأ بضع مسامير

غدا

ستشتكيه أصابعُ رجلي

للإسكافي

7

تسلّلتُ ، بسُرعة ،

إلى الخارج

أحكمتُ إقفال الباب

كانت أخلاقي تُناديني

من النافذة

8

اليوم فاتح ماي

يهتفُ العمّالُ ملء الحناجر

تخرجُ من أفواههم

عكازات النحو

وبضعُ خطابة

يهتفُ العمال

يسقط....

يسقط ..

سقط سيبوبه

وسقط المطر

دون أن يسقط الفساد

ينفضُّ الجمعُ

وما يزالُ في حنجرتي

ذيلُ حتى ..

9

كاندفاعة ثور إسباني

تركُضُ أيامي

تسّاقطُ مني أشيائي

رُطبا..رطبا

فراشاتُ حواسي

بضعُ سعادة

وكسرةُ قمر

بالكاد شحذتها

إلاّ زيتُ ذنوبي

كأني في مقلاة حامية

10

هذا الصباح

فتحتُ النافذة

الشّارعُ أشهى ..

كبئر ماء في الخلاء

وليس ثمة دلال

11

على الورقة

أرسُمُ علمي

فوق القمم

أرسمُ حلما برتبة قبلة

أرسُمُ شُقّة على خد حبيبة

أرسم موناليزا بوشم أمازيغي

وبهبّة من ريح في النافذة

طارت الورقة

وكم

وكم ..

من الأشياء

لازالت تنقصني

12

ثملا

يتعثّرُ في حبال

خُطبته العصماء

وأنا

لا أكُفُّ عن التصفيق

بعضُ الكفّ من الكف...

13

الجوُّ حارٌّ

وظلي..

يكفيني لتلطيف ما تبقى

من القبل...

كان ظلي يُوشوشُ لظلها

وراء ظهري

 14

دخلت قلبي

كما تدخُلُ فندقا من خمسة نجوم

ولأني شاعرٌ..ورأسُ مالي سلالُ كلمات

أهديتُها قصيدة

طوتها كفوطة...

و أحرقتها في منفضة مشاعري

ثم خرجت من القلب بأدب

مثلما دخلت

مخلفة حريقا بالداخل

15

على شُرفة القصيدة

أقترفُ النّظر المُخضّب

من شرر الأفق البعيد

ها الشاعرُ ..بمفرده

يُحاربُ...

يُسقط مشاة التفاعيل تباعا

بصواريخ الإيقاع ..بشماريخ

الجذبة..بفتوحات الصمت

وصلصال التكوين

مخلفا وراء ظهره" الخليل"

سجين محبسيه :

البحر.........والقافية

16

الوردُ مُتعبٌ..

وتأويلُنا الفسفوري لتعبه

نخلةُ غباء

أما أنا..

فقد تعبتُ من تعب الورد

ولم يبق في يدي

سوى وردة

من تعب .. لا أعرفُ لمن أقدّمُها

17

المرأة

التي خرجت من القلب

كما تخرج من حانة

في هزيع الليل

لم تجد سيارة أجرة

والمطرُ الخفيفُ يبلّلُ عنوستها

فكّرت في الرجوع..

كان قلبي اعتزل الغرام

18

بكثير من العفّة

كان علي أن أُقبّل عثرتي

وأن أمرّن شفتيّ تأهُّبا لقبلة قادمة

حتى أفوز بفشل أقل..

19

قطاراتٌ تعبرُ جمجمة رأسي

وليس ثمة محطّة

وحده الطريقُ ..

سالكٌ جهة الصُّداع النصفي

20

في مأدبة اللّئام

تكفيني نُميمةٌ على صحن

وسكينٌ يضاجعُ فورشيط

لتخمد كلُّ شهواتي

21

تتسلّلُ ...

كهمسة إلى شُقّة الحلم

دون استئذان

أجلسُ إليها..نشربُ معا كؤوس قصيدة معتّقة

نخلعُ ثيابنا من شدّة اللّياقة

وفي منتصف الحلم

 يتعطلُ الكهرباء

بسبب سوء التقدير

فتصدمُ شهوتي شهوتها..وتمرُّ

دون اعتذار

 22

لأن الأرض

تدور حولنا كرحى قديمة

ببغال من جنس البشر

أدمنتُ الأصفار

23

كُلّما حاولتُ الفرار مني إليك

إلا وأجدُني

مدسُوسا في دولاب نهديك

فأين المفر؟

24

الطفلة التي أحببتها قديما

تُناديني من مكان ما

في القلب..لنلعب الغُمّيضة

أكلما كبرتُ صرتُ طفلا ..؟

25

تسألُني

لماذا عيناك تسبقُك كُلّما رأتني؟

أُجيبها :

بل عظامي الهشة

 من تجرُّ جسدي الرخو للخلف ...

مخافة العاصفة

26

كانت عندما تُقهقهُ بالمقهى الأثير

تطير من فمها

أشياءُ أشبه بالضفادع

وتنُقُّ في غدير فمي

ومع كلّ هذا الفائض في العطش

كنتُ لا أتوقّفُ عن إبداء مشاعر الحب والإعجاب

أمام استغراب الخلّان

27

عند كلّ مساء

أعود إلى بيتي

مُثقلا بحروب النهار

تُحاصرني أخلاقي التي هربتُ منها صباحا

تضعُ المسدّس على صُدغي

فأعترفُ لها..

بكلّ ما اقترفتُه من حُبّ

وبكل مشاعري التي نشرتُها في المقاهي

والحدائق

وغُرفة السّطح

أعترفُ لها بانزياحاتي

ولساني الطويل

أعترفُ بكلّ المناهد

والخُصور التي ادّخرتُها في ثلاجة العين

حينها تبكي كثيرا

تُقبّلني ..

ثم تضغطُ على الزّناد

28

عبثا يُحاولُ النايُ الإمساك

بطيوره المُحلّقة جهة الشجرة الملعونة

الشجرة التي نبتت في القلب

وكبرت على طاعة الشمس

ولا زلتُ أستظلُّ بها من فداحة

قشرتنا المثقوبة

كغربال

29

جارتي

تكرهُ الأكسيجين

برئتين مشبعتين بثاني أكسيد الكاربون

هي تبيعُ الهوى المأكسد

للطيور الجريحة

أما أنا

فلا أكفُّ عن إحصاء القتلى

من ثُقب في الإبرة

30

الكوابيس تلتهمُ المارة

والجالسون بالمقهى

يتقيأون ألسنتهم كالأفاعي

وأنا أمارسُ عاداتي السرية

بكثير من الغثيان

وأقاومُ برودة الطقس

بإشعال حطب الذاكرة

يحرقني لهيبُ جرح تدلى من ذات المكان

فأطلُبُ فنجان قهوة...

بدلا من رجال المطافئ

31

خاتمُ الزواج هذا

يُطوّقُني من كلّ الجهات

تماما كشُرطي

بعينين جاحظتين

حتى وأنا أتقيّأُ امرأة

في المنام

32

أحجزُ مقعدا في واجهة المقهى

أطلقُ ساقيّ للاّشئ

ولساني السائب

يمتدُّ للرصيف المقابل

يلحسُ سيقانا ناعمة

فيما السياراتُ تدوسُه

ولا يتوب

33

وأنا طفلٌ

كنتُ أنحازُ لانزياحات الحلوى

ضد إمبريالية النُّصح :

(الحلوى تأكلُ الأسنان)

كبرت أسناني..

وأنا لازلتُ أحاولُ إثبات خطأ النظرية

34

سرُّك في بئر..

آه كم أخشى عليك مني

35

كثيرا ما أبحثُ

عن امرأة تُشبه الحلم

عن غُربة تُشبه الوطن

وعن وطن يُشبه قصيدة نثر

لا شيء..غير عرق اللعنة

يدهنُني

وأشياء من جنس المكافأة

36

عبثا...

تُحاول القصيدة سحب شفتيها

من الطّابق الرابع

فيما أنا أضاجعها بالنيابة

ودون اكتراث

37

أنا موجود

فهل أنا أفكر؟

هذا السؤال

كبُر وشاخ في طاحونة الجمجمة

هذه المرة

قرّر الانتحار

بالاختباء في قراب الجواب

38

كان دائما يقولُ لي

كُن شيئا غير الإنسان

وستكتشفُ ، وقتها ، أنّك كُنت الفشل بعينه

وما زلتُ أحاول

39

رأسي غُرفةُ إنعاش

تتّسعُ لكُلّ الجرحى

والمعطوبين

والكؤوس الرديئة،وأغاني الرّاي،والحانة الشبيهة بخرقة

وبائع الحُمُّص المقلي...

إلّا أنا؟

فلأنسحب بكرامة

40

في سكرات الحبّ المُدوّخة

عادة ما أتنفّسُ

المُباغتة بنهم

ترقُّبا لحبّ مبتور

وشيك

41

النساءُ اللّواتي ينتظرن قلبي

هدية فالانتين

أخذتهن الرجفة

لما أدركن بعد فوات الأوان

حقيقة قلبي..

....................

لم يكن سوى وديعة بنكية

 

 

 ثمة حفرٌ صديقة

 1

النومُ شاعلٌ

هذه الليلة..

كعمود كهرباء

من قالت له هيت لك؟

2

عيبُ الذُّباب

أنه يطيرُ..

 ونحن نهمُّ به

3

مُشكلة البحر

أن له معدة بهذا الحجم

وشهيتُهُ مفتوحةٌ للموج

لهذا السّبب

يُصيبُنا الدّوارُ

كلما نظرنا إليه من فوق

4

في الليل

يذهبُ النهارُ

ليبيت عند الشمس

5

حين تُقفلُ المقاهي بالليل

تنتقمُ الكؤوسُ

من الشفاه

التي استباحتها نهارا

6

الطيورُ لا تسقطُ

عادة

لأنه ليس ثمة حفر

7

الشمسُ

تشرق دائما

كأنها لا تنسى

8

شجرةُ الصفصاف

هذه..

تتسلّقُ نفسها

ولا تصل...

9

حين يسهرُ القمرُ

لا يُكلّمُ أحدا

تُرى من يُغضبه

 

 10

يُفتحُ البابُ

لكي لا تنفجر الغُرفةُ

من شدة الفراغ

11

يسألُ

لماذا القردةُ

تموتُ ضحكا

كلما رأته

نسي أننا نُشبهها

12

ذاك الكتابُ المهملُ

على الرّف

يقرأُ كفّه

يُريدُ الاطمئنان على القارئ

13

الشمسُ في الصيف

كامرأة في الأربعين

بنهدين في الجراب

 14

مدّ النهارُ عُنُقه

ليرضع من ثدي الأرض

فاصطدم بالبحر

15

الليلةُ المقمرةُ

شفيفةٌ جدا

كأنها محجّبةٌ تركيةٌ

على كنبة

 16

الظلامُ

نقابُ الخيانة

17

الكأسُ الفارغةُ

توشوشُ في أذن الفراغ الذي فيها

وتسأله عن مصير القطرة المتبقية

18

كان عليك

أن تقول لها

باي باي

تلك التي ترقُدُ عند غار نملة

19

عند كل صباح

وبدون سابق إنذار

تعضُّ سريري

أشعة شمس مراهقة

فينتصبُ النومُ من اللّذة

20

ما القيامةُ

سوى رصيف تقفُ عليه أخطاؤنا

بأقدام مُنهكة

في انتظار حصتها من الشّواء

21

 منذ قرون خلت

ونحن نمشي على الأرض

نركض فوقها..ندكُّ...

ولا تهوي

لأنها قليلةُ النفس

22

الغثيانُ

رغبةٌ في إعادة الأمور لنصابها

وحدهُ التّقيُّؤ يُفسد المحاولة

23

الاستعارةُ

بئرُ معنى لا ينضُبُ

 حفرته ،قديما، ليليث

نكاية بالفحولة

24

مزاجُ المرأة

من مزاج الريح

كلاهما يُحدثُ زوابع

ويرحلُ في صمت

25

لكي تبدو أكثر نقاء

عليك أن تغتسل

بماء أخطائك

26

ما يُقلقُ النحلة

فكرة التخلص من العسل

يا له من سخاء..

27

كالأفعى

هو خداعُك يا ليليث

هو خداعك المزدان بأكثر من قناع

أنت أيتها المرأة، أنت أيتها الحبيبة

ترياق

        لو..

لو أنّ لي خُيول الريح

لاستنفرتُ جرحى النعومة

لأفتح سوء تأويلها للورد

لو أنّ لي نسغ الثُّمالة

لمدحتُ الكأس الفارغة

إلاّ من آثار شفتيها

لو أن لعينيّ

أشعّة فوق بنفسجية

لصوّرتُ كيف تُقدّمُ فاكهتها للريح

في قيظ الاشتعال

دون اعتبار لأخلاقنا المنشورة على الرمل

ولا لخجل البحر..

لو أن لي عينين بسعة الصبّ

لقرأتُ لها قصيدة

أهجو فيها سوء الطّالع

ودسستُ في يدها بضع عفّتي

وانصرفتُ..

 

 

مفارقات مرقعة بكلمات

كلما أصغيتُ

لكوكب الشرق

إلا وأوقدت نارا قديمة في أطلال

أزعُمُ أنني رمّمتُها

ومع كلّ هذه القسوة

أحبُّها ..

كلما حاولتُ مهاتفة حبيبة

شاخت في أناي

خرج صوتٌ ناعمٌ ليُهينني بلا توقف

(رصيدُك غيرُ كاف...)

كأنّه يعرفُ حجم إفلاسي

أنا الخبرُ الذي فقد رجولتهُ

في حروب بدائية دفاعا عن قلبه

قضيتُ العُمر كلّه

أبحثُ عن مبتدئ محذوف

تقديرُه "هي"

 

 

حفل تنكري

القلبُ

مُشرعٌ على ضفة ذكراك

والنّهرُ الهرمُ

ذاك الذي يمُرُّ بين اليوم والأمس

 يستجدي همس آخر لقاء مغمور بالألق

على طاولة المهبّ

لم يكن ثمة

حبلُ سُرة يؤجلُ الوداع

ولا حتى شعرة معاوية بين محاربين

أنهكتهما حروب اللّياقة

فقط ، كانت طيور الفداحة

تبني أعشاشها في قلبينا

والنافذة الصّدئة تُطلُّ بحنق على

ميدان الغرام

حيث حفلُ الوداع تنكري

وحيث الألسُنُ تشبك الرياح اللّواقح

 

شاعر من المغرب