يكتب الناقد المغربي أن هذا النص الدرامي اعتمد على تراث شعبي مغربي، وأن اللوحة هي أساس التركيب في هذا النص. لذلك لا يوجد فيه حدث ينمو ويتطور من بداية النص الدرامي إلى نهايته بشكل متسلسل ومترابط، فالنص الدرامي الذي يستعمل تقنية اللوحات يختلف تركيب بنيته الدرامية عن تركيب البنية الدرامية التقليدية.

صناعة الفرجة

أحمد بلخيري

أثبت المسرح، عبر تاريخه الطويل، أنه فن مركب ومطواع. هو مركب لأن فيه تأتلف الفنون رغم اختلاف وسائل التعبير فيها، ائتلاف ينتج عنه ما يمكن تسميته بالجملة المسرحية، وتتصارع فيه الأفكار والرغبات المختلفة. وهو مطواع لأنه منفتح على الفلسفة، والتاريخ، والأسطورة، والدين، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، والعادات والتقاليد، والتراث الشعبي ومنه الفنون الشعبية.... إنه كذلك،بعبارة مختصرة، لأنه مرتبط بالإنسان، وهذا الأخير متعدد الأبعاد. يصوغ المسرح كل ذلك بأسلوب درامي يمكن، في أشكال درامية ومسرحية، تطعيمه بالسرد. وقد جرب المبدع أحمد الفطناسي الكتابة بهما معا، أي الكتابة بالسرد فكانت أعماله الأدبية السردية، والكتابة الدرامية فكان هذا النص الدرامي:"عيط الكية".

 لقد التفت مبدعون مسرحيون مغاربة إلى التراث الشعبي، ومنه الذاكرة الشعبية، فاستفادوا منه في بناء نصوص درامية وعروض مسرحية، تشكل كلها اليوم جزء من التراث الدرامي والمسرحي المغربي. من ذلك على سبيل المثال نصوص درامية للطيب الصديقي1 وسمها ب" بساط ترفيهي" في عناوينها الفرعية. ومصدر كلمة " بساط " هو التراث الشعبي المغربي. وكذلك نصوص درامية لأحمد الطيب العلج منها النصان الدراميان "الأرض والذئاب" و" الجمل المسروق"، وقد جمعا معا في كتاب واحد2.

في مستهل " كلمة " لأحمد الطيب العلج (1928-2012) خاصة ب " الأرض والذئاب " قال هذا الأخير: " في هذه المسرحية أو مشروع المسرحية أربع حكايات من القصص أو النوادر الشعبية المتداولة شفويا على ألسنة الناس، حاولت روايتها من وجهة نظري وبطريقة مسرحية، وجعلتها مقترح تمثيليات يمكن أن تكون قابلة للعرض فوق الركح وذلك لما وجدت فيها من عناصر درامية تتشكل من سخرية مرة حلوة وأشخاص يتحلون بجاذبية ممتعة تسلي وتضحك، لتحيل الضاحك على التأمل وتدعوه إلى التفكير وإعمال العقل"3. مصدر الكتابة إذن هو " أربع حكايات من القصص أو النوادر الشعبية المتداولة شفويا على ألسنة الناس"، يرجع فضل أدرمتها إلى الكاتب. هذا، ويدعو النص الدرامي "الجمل المسروق" إلى التساؤل والبحث عن دلالة هذا الجمل فيه وعمن سرقه؟.

    ومن العروض المسرحية المغربية التي وظفت البساط توظيفا جمع بين المتعة الفنية والفائدة الفكرية مسرحية "البسايطية" التي فازت بجائزة مهرجان مكناس سنة 2006. " رجع المؤلف عبد اللطيف فردوس إلى شكل تراثي مغربي يدعى "البساط"، ومن خلاله كتب نصا دراميا عنوانه "البسايطية". هذا النص الدرامي وكذلك العرض المسرحي يجمع بين الفرجة ونقد الواقع"4.

 في إطار صناعة الفرجة يندرج  النص الدرامي "عيط الكية" لأحمد الفطناسي. لهذا تمت الإشارة في النص إلى السمايرية والبسايطية، وفرجة البساط، وبيلماون، وأسايس، والرقصة، وكان للمداح دور في بناء النص. هذا علاوة على ذكر كلمات الفرجة، والحلقة، والرما، والتبوريدة، فضلا عن بعض المحكيات الفرجوية. كما استعملت فيه بعض أدوات صناعة الفرجة ومنها الناقوس، والبندير، والرش، والرقص، والأغنية. وكانت لغة الحوار الدرامي فيه من الدارجة المغربية المحكية ذات النطق المميز حين نطق بعض الكلمات. هذا النطق المميز، النبر Le timbre، مؤشر اجتماعي يساعد في تصنيف الشخصيات الدرامية اجتماعيا. وقد يكون أيضا مؤشرا مجاليا يتعلق بالمجال المرجعي المفترض أن الشخصيات ترتبط به. من هذا النبر في النص الدرامي على سبيل المثال: " الناير : شتي لمخازنيه آش گالووووا؟ ". النبر في هذه الجملة يوجد في " گالووووا". ومنه كذلك: "الجماعه ׃ آآآآ الحفيض الله .. شد شد عودك آآآهداك .. آهاو.. آهاو .. آر لمكاحل ها الحبه ...". وفي النص تمت الإشارة إلى تحولات مثل تحول العسل إلى قطران. والعسل والقطران وكذلك بعض الحيوانات المذكورة في النص هي كلها استعارات.

  ولا تخرج أسماء الشخصيات عن نطاق الفرجة، من هذه الأسماء اسم لمسيح. هذا وتجدر الإشارة إلى أن اللوحة هي أساس التركيب في هذا النص الدرامي. لذلك لا يوجد فيه حدث ينمو ويتطور من بداية النص الدرامي إلى نهايته بشكل متسلسل ومترابط. إن النص الدرامي الذي يستعمل تقنية اللوحات يختلف تركيب بنيته الدرامية عن تركيب البنية الدرامية التقليدية. كل ذلك يدل على أن الكاتب اعتمد على تراث شعبي مغربي في كتابة هذا النص الدرامي. هذا الأخير تم عرضه، حيث كان المؤلف هو المخرج أيضا، بفضل فرقة همزة وصل للإبداع  بآسفي.

 

هوامش:

1-       منها على سبيل المثال: مقامات بديع الزمان الهمذاني بساط ترفيهي، البوكيلي للطباعة والنشر والتوزيع، القنيطرة، المغرب،ط/1، 1998. أبو حيان التوحيدي بساط ترفيهي، البوكيلي للطباعة والنشر والتوزيع، القنيطرة، المغرب، ط/1، 2002.

2-       أحمد الطيب العلج، -الأرض والذئاب-الجمل المسروق، منشورات وزارة الشؤون الثقافية، د ذ س ط.

3-       نفسه، ص/10.

4-       أحمد بلخيري، سيميائيات المسرح، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، ط/1، 2010، ص/125.