الكلمات المفاتيح : المكتبة الإلكترونية ـ النص العربي ـ المكتبة الأصلية ـ المكتبات الفرعية ـ المكتبة الرقمية .
1 . تقديم :
يفترض التمييز الذي أقمناه بين الإلكتروني والرقمي ، إدخاله في حديثنا عن المكتبة العربية المتحققة في الفضاء الشبكي ، فنفرق ، بناء على ذلك بين المكتبة الإلكترونية والمكتبة الرقمية . وفيما يتصل بما هو منجز على الصعيد العربي ، نجد أنفسنا أمام مكتبات إلكترونية ، لا رقمية . ولما كان ما هو متحقق حتى في البلدان التي سبقتنا إلى الأخذ بأسباب الرقميات ، في المجال الذي نتحدث فيه هنا ، عبارة عن مكتبات إلكترونية أكثر منها رقمية ، نؤكد أن طموحنا أكبر من الوقوف على ما هو إلكتروني ، وأن مسعانا الأبعد هو تحقيق البعد الرقمي باعتباره الرهان الأساس لكل الإنتاجات الممكنة والمفترضة .
سنعمل على إبراز حدود المكتبة الإلكترونية العربية وقصورها عن تحقيق التواصل معها على النحو المطلوب ، وذلك بهدف تحقيق قصد واحد . ليس هذا القصد بالضرورة هو انتقاد التجربة الإلكترونية العربية كما يمكن أن يتبادر إلى أذهان بعض القراء أو بعض المسؤولين عن هذه المواقع التي تضم هذه المكتبات . ولكن القصد الذي نرمي إليه هو تجسيد أن تلك الحدود وهذا القصور يجب أن يدفعا بنا إلى التفكير في الأحسن ، والعمل على تجويد مستوى مكتباتنا للوصول إلى المرمى الأبعد ، مع الزمن . هذا المرمى الأبعد ، غير متوفر الآن ، لأسباب كثيرة ، هو تحقيق المستوى الرقمي باعتباره مرحلة جديدة في الإعلام والتواصل علينا الارتقاء إليها بوعي ورؤية واضحة وتخطيط مسبق .
2 . المكتبات الإلكترونية العربية صارت واقعا :
2 . 1 . صار الفضاء الشبكي العربي يزخر بالعديد من المكتبات الإلكترونية التي يتزايد عدد المواقع التي يتضمنها مع الأيام . كما أنها تغتني باطراد بإضافة الجديد من الكتب والمصادر العربية باستمرار. ويمكننا القول ، بابتهاج واغتباط كبيرين، بأن الإقدام على تقديم الكتاب العربي التراثي ساهم بشكل كبير جدا في إتاحة العديد من المؤلفات والمصنفات العربية القديمة ، وبعض الحديثة ، في الفضاء الشبكي . وصار من المتيسر على القارئ والمستعمل الحصول على بغيته من العديد من عيون النصوص العربية الأساسية وأمهاتها، في مختلف المعارف والاختصاصات، بسهولة ويسر بمجرد دخول هذا الفضاء الشبكي.
تظل مكتبة " الوراق " ( المجمع الثقافي العربي ) من أهم التجارب العربية في مضمار المكتبة الإلكترونية العربية . فهي علاوة على ريادتها في هذا النطاق تضم أعدادا هائلة من المصنفات العربية وفي مختلف المجالات إلى حد أنها صارت مصدرا أساسيا ، ليس للمستعمل العربي فقط ، ولكنها باتت ، أيضا ، موردا هاما بالنسبة للعديد من المكتبات الإلكترونية التي تعود إليها لنقل بعض ما تتضمنه من كتب ، لتدرجها ضمن أبوابها الخاصة .
يمكننا الإشارة إلى بعض هذه المكتبات للتمثيل فقط ، لأنها من الكثرة ، بحيث صار الآن من الصعوبة بمكان الإحاطة بها جميعا . من هذه المكتبات الهامة نذكر :
ـ مكتبة المشكاة ـ صيد الفوائد ـ المكتبة الوقفية ـ المكتبة الشاملة ـ المصطفى ـ روح الإسلام ـ أم الكتاب ـ المكتبة العربية ،،،
كل هذه المكتبات وأمثالها يمكننا تصفحها في الفضاء الشبكي وتحميل النص العربي منها مجانا . وهناك مكتبات أخرى لا تسمح إلا بملخصات الكتب ، أو فهارسها. كما أن هناك أخريات يتم الدخول عن طريق التسجيل والأداء ، أو بالتسجيل والمشاركة في المنتدى بعدد معين من الرسائل لتفعيل إمكانية التحميل ،،،
2 . 2 . نجد إلى جانب هذه المكتبات التي يضمها الفضاء الشبكي أخريات هي عبارة عن أقراص مدمجة محدودة السعة أو أقراص رقمية (DVD) أو أقراض صلبة متحركة ( خارجية ) كبيرة السعة . ولا يمكننا استعمال هذا النوع من المكتبات بدون الحاسوب وعتاده المتلائم معها .
كل هذه المكتبات الإلكترونية العربية تقف وراءها مؤسسات حكومية أو شبه حكومية أو شركات أو أفراد . ومنها ما يسعى إلى الربح ، كما أن من بينها ما لا يهدف إلا إلى توسيع مجال استعمال الكتاب العربي ـ الإسلامي القديم والحديث وتمكين أكبر عدد من القراء من التواصل معه .
إننا لا نفاضل بين هذه المكتبات ، بناء على أي اعتبار . إن لكل منها فائدتها ومشروعيتها وصلاحياتها الخاصة والعامة ، وضروراتها وإكراهاتها . وملاحظاتنا النقدية ستتوجه إلى أسلوب عملها لاعتبار واحد ووحيد ، نركز عليه دائما ، هو البعد العلمي في ممارساتها وطرائق اشتغالها . ونحن نضعه فوق كل اعتبار لأننا بمقتضاه ، نروم الجواب عن مثل هذه الأسئلة :هل هذه المكتبات تقدم الخدمة الفضلى للقارئ والمستعمل للتواصل مع ، والاستفادة من ، هذا المنتوج أم لا؟
هذا هو الاعتبار الأوحد الذي ننطلق منه في تقويم العمل والنظر إلى مدى مساهمته في خدمة الثقافة العربية . أما باقي الاعتبارات المتصلة بنوعية المؤسسة ( تجارية ـ غير تجارية ) ، أو طبيعتها ( رسمية أو شعبية ) أو عدد المساهمين فيها ( جماعات أو أفراد ) أو إيديولوجيتها ( إسلامية ـ غير إسلامية ) فلا تهمنا .
2 . 3 . إن ما يهمنا هو الكتاب العربي والنص العربي ، وما يعنينا أيضا هو هل هذا النص وذاك الكتاب مقدمان بكيفية : تضمن الاستفادة منه بصورة مضبوطة ومعقولة وملائمة، وذلك عن طريق :
1 ـ الحفاظ على الأمانة في نقل النص . والمقصود بذلك ألا يعرض مبتورا أو مشوها ، كيفما كان نوع أو طبيعة هذا التشويه .
2 ـ تيسير التعامل معه على الشاشة مع مراعاة طبيعة هذا الوسيط ( الحاسوب ) .
هذان هما الشرطان اللذان نحتكم إليهما في قراءة هذه المكتبات ، و ما خلاهما من الاعتبارات فلا يهمنا بالدرجة الأولى ، لأننا نؤمن بضرورة الحرية في التعامل مع النص العربي القديم باعتباره ملكية جماعية ، وهو تراثنا المشترك الذي ينبغي أن يتنافس المتنافسون في خدمته وتقديمه للأجيال القادمة على النحو الذي يتطابق مع الإمكانيات التي سيتوفرون عليها ، وليس متاحة لنا حاليا . إن للشرطين اللذين نحتكم لهما بعدان : تقني وعلمي . وبدون تحققهما معا بكيفية متلائمة ، لا يمكننا إلا أن نظل نثير مشاكل النشر والكتاب الإلكتروني العربي باستمرار.
3 . " الوراق" العربي مرة أخرى :
3 . 1 . عندما صدر كتابي " من النص إلى النص المترابط " ( 2005) اتصل بي هاتفيا بعض المسؤولين من " الوراق " . كان على مايبدو متوترا ، بحيث أحرجتني نبرة حديثه. أخبرني بأنني ظلمت الوراق ، وأنني بالغت في انتقاده . فبينت له ، والهاتف لا يسمح بالتفاصيل ، بأنني عبرت عن وجهة نظري ، ولقد نوهت بتجربة الوراق العربي إلى حد أنني قارنته بالوراق الأمريكي . وأنني في حديثي عن الوراق وعن النشر الإلكتروني العربي ، كنت أحلل بشكل موضوعي ذهنية سائدة ، غير متقصد الإساءة إلى أحد أو التنقيص من أي تجربة أو الإعلاء من أخرى لسبب أو لآخر . كان هدفي الأساس ، وهو حاضر أبدا في كل كتاباتي ، هو الارتقاء بالثقافة العربية إلى أعلى المستويات لتكون في مستوى الثقافة العالمية التي يحز في نفسي تقدمها المطرد وسبقها لنا في كل المجالات ، رغم أن الإمكانات عندنا متوفرة ،،، وأن نقدي ، حين يكون حادا أحيانا ، فهو من باب الغيرة على هذه الثقافة ، والغرض من وراء لك ، التحسيس بحجم التمايز بيننا وبين الآخرين ، والتحفيز وحشد الهمة ليس إلا.
3 . 2 . عندما زرت موقع الوراق بعد هذه المكالمة التي تكررت ، بعد ذلك ، من لدن أعضاء آخرين من الوراق ، بهدف إزالة ما تسببت فيه المكالمة الأولى من إحراج ، وجدت إشارة إلى الكتاب والرأي الذي عبرت عنه مع رد بسيط ، وكأنه يكذب ما قلت . وتبين لي أن الرد غير مقنع بتاتا ، وأن الموقع الأمريكي الذي قارنت به الوراق العربي يقدم خدمات مجانية ، ويمكن تحميل الكتب والموسوعات المختلفة منه بكل سهولة ويسر عكس ما يدعيه صاحب الرد .
3 . 3. حين أعود إلى الوراق مرة أخرى ، فلأنوه بتجربته وريادته مجددا ، من جهة ، ولأشير إلى أنه صار مرجعا معتمدا للعديد من المكتبات الإلكترونية العربية التي تتزود بما يزخر به من مصادر ومراجع ، من جهة أخرى ، ولتأكيد أنه مطالب بالارتقاء إلى مستوى أعلى مما عليه الآن ، ليظل الرائد والمرجع أبدا ، من جهة ثالثة .
4 . المكتبة الإلكترونية العربية : الواقع والمرتجى .
4 . 1 . توفير النص :
يبدو لي من خلال المتابعة المتواصلة أن لمنشئي هذه المكتبات الإلكترونية هدفا واحدا ووحيدا هو " توفير " النص العربي القديم في الفضاء الشبكي. إن توفير النص العربي هام جدا ، ولا يمكن أن يعترض عليه أحد . إنني أشجع على توفير النص العربي وإمكان الحصول عليه عبر الشبكة ، لأنه يخدم المستعمل العربي والأجنبي الذي يفتقد العديد من النصوص التي هو في أمس الحاجة إليها. ولا شك أن من يبحث عن مصدر عربي ب" الريق الناشف " ، كما يقول المثل المغربي، ويجده في إحدى هذه المكتبات ، كالعاثر على الكنز .
لا اعتراض إذن على المجهود الكبير المبذول في هذا السبيل ، على أي هيئة أو صيغة. وإني أنوه بالعمل الذي يتم الاضطلاع به من قبل المسؤولين على هذه المكتبات الإلكترونية ، وخير دليل على ذلك ، هو أني دائم التردد عليه ومتابعة الجديد فيها ، وتحميل الممكن منها وما أراه ضروريا بالنسبة إلي .
4 . 2 . أحادية الرصيد النصي :
ما أسجله من خلال معاينة أغلب هذه المكتبات العربية ، أيضا ، هو تشابه النصوص التي تعمل على توفيرها ، الشيء الذي يجعل من بعضها ، يكاد يتحول إلى نسخة من بعضها الآخر . ويعود السبب في ذلك إلى أنها تقترض من بعضها البعض ، أو أن بعضها يقدم بعض النصوص ، فتتصيده المواقع الأخرى ، وتضمه إلى رصيدها النصي. وأسجل هنا أن بعض المواقع مثل الوراق وصيد الفوائد والمشكاة والشاملة ،،، تظل من "المكتبات الأصلية " للعديد من المكتبات . وللتمثيل على ذلك ، أجد أن النص الجديد الذي تعرضه مكتبة صيد الفوائد بصيغة الوورد ، يظهر لي في مكتبة المشكاة بالصيغة نفسها أو بصيغة الشاملة ، وما يظهر في المشكاة ، أجده في مواقع أخرى .
إن التعاون بين المواقع هام جدا ، كما أن التبادل يغنيها ، ويضاعف من رصيدها النصي ، ولا سيما إذا كان متبادلا . أما إذا كان من جهة واحدة ، فإن المستعمل سيصبح أكثر ترددا على المكتبة الأصلية ، ويتجنب المكتبة الفرعية ، وخاصة إذا كانت تقدم الكتب المقترضة بالصيغة نفسها .
يؤدي تشابه الرصيد النصي ، لأن لها " مصدرا " مركزيا ينطلق منه إلى أحادية التوجه ، لأنه يجعلنا نرى نصا واحدا يرحل عبر العديد من المواقع . وعندما يكون هذا المصدر ذا توجه محدد ، فإنه سينتقي النصوص التي تتلاءم مع تصورات أصحابه . وبذلك ينعدم التنوع ، وتهيمن أنواع معينة من النصوص على حساب أخريات ، لا تقل أهمية ، تاريخيا وثقافيا ، عن تلك التي يقدمها هذا المصدر المركزي أو ذاك لاعتبارات خاصة تتصل بكيفية تمثل المسؤولين للأشياء والعالم .
إن نتيجة هذا العمل تبدو لنا بجلاء في هيمنة نصوص على حساب أخريات تنتمي إلى الثقافة نفسها . لست ضد تكرار المصادر نفسها في العديد من المواقع لأن المستعمل لايمكنه أن تظل علاقته بالفضاء الشبكي علاقة تجوال دائم ، وإلا انتفت الاستفادة من التواجد فيه . كما أنني لست ضد الاختيار الذي يتبناه المسؤولون عن المكتبة الإلكترونية على النحو الذي يريدون ، لأن هذا يدخل في إطار حرية أي جهة في العمل وفق توجهها الخاص ورؤيتها المحددة .
لكن ، ما أريد التشديد عليه من وراء تسجيل هذه الملاحظة هو أن التنوع مطلب ضروري ، وأن تعدد الاتجاهات مقصد مرغوب فيه ، وإلا ظل تعاملنا مع تراثنا ضيقا وانتقائيا ، وبذلك نستعيد التصورات التي كانت مهيمنة في القرن العشرين ونقدمها في عصر آخر ، وكأن لا شيء تغير . إن التراث العربي كل متكامل ، وحين نتقصد " توفير النص " العربي في الفضاء الشبكي ، فالمطلوب ، في تقديري ، هو الانفتاح على النص العربي ، في مختلف حقبه ، وأجناسه ، وفضاءاته الجغرافية المتعددة. ولما كان من المستحيل الإحاطة بكل هذا من قبل جهة معينة ، لا بد من تضافر جهود الأقطار العربية ، فتقدم لنا ما يتصل برقعتها الجغرافية ، فيكون التكامل والتنوع والتعدد .
يتطلب هذا التوجه الذي يقضي بضرورة توفر النص العربي في الفضاء الشبكي تعدد المصادر، وتنوع الجهات الداعمة لذلك ، كي يتأتى لنا في الزمن المنظور إمكان الإحاطة بأكبر عدد من النصوص العربية . ولنا في تجربة " المكتبة الوطنية " الفرنسية المثال ، وكذلك في بعض المكتبات الأمريكية التي عندها طموح استيعاب ليس فقط التراث الوطني ، أو الغربي فقط ، وإنما الترث الإنساني بأكمله .
إن هذا التعدد ضروري لأنه سيلبي مختلف الحاجيات التي تستدعيها الاهتمامات المتعددة . لكن أحادية الرصيد النصي ، ولا سيما عندما منطلقها هو " المصدر المركزي"
المعين ستتولد عنها مضاعفات سلبية ، لعل أهمها يكمن في ما يمكن تسميته ب"المحاكاة".
4 . 3 . محاكاة النص :
إن الأحادية المتعلقة بالمصدر لا تؤدي فقط إلى تكرار نص معين ولكنها تؤدي ، أيضا، إلى انتقاله بالمواصفات نفسها التي نجدها في الموقع المصدر. ومعنى ذلك ، بتعبير آخر، أن النص العربي الذي يكون في هذا الموقع :
ـ غير محقق .
ـ غير مصحح.
ـ غير مشكول .
ـ غير مفهرس ،
سينتقل بكل هذه النقائص إلى المواقع الأخرى التي ستصبح فرعية، وهي لا تعمل إلا على نقل ذلك النص الموجود أمامها كما هو ( المحاكاة ).
بناء على هذه المحاكاة، سيكون هناك نص واحد بمواصفاته ونقائصه، لكنه متعدد بتعدد المواقع والصيغ التي تقدم لنا بها هذه المواقع هذا النص. فهل المسؤولية هنا مسؤولية المكتبة الأصلية أم المكتبات الفرعية ؟ أم أن المسؤولية مشتركة بين الأصل والفرع؟
سأضرب مثالا لهذه المحاكاة ومضاعفاتها السلبية من خلال اشتغالي بكتاب " الرسالة المستطرفة " للكتاني . لقد تبين لي من خلال زيارة العديد من المواقع التي يوجد بها هذا الكتاب أنه مقدم بلا علامات ترقيم . كما أن هناك بعض الكتب نجدها مبتورة ناقصة ،،، وقس على ذلك . في وضع كهذا كيف يمكن للنص العربي المقدم من خلال المكتبة الإلكترونية أن يكون مفيدا وصالحا للاستعمال؟ صحيح هذه الصورة لا تنسحب على كل الكتب المقدمة ، ولكن عندما تكون مثل هذه العينات من الكتب التي تقدم مشوهة ومبتورة موجودة وبكثرة في الفضاء الشبكي العربي ، ستفقد الثقة ، وتقل المردودية .
إن المحاكاة لا تخدم النص العربي في الفضاء الشبكي . وكما أكدنا ضرورة ممارسة التبادل والتقارض بين المكتبات الإلكترونية العربية ، نؤكد أهمية ذلك بناء على أساس التبادل الإيجابي والتقارض المنتج . ومعنى ذلك أن تشتغل هذه المكتبات بمبدأ الإنتاجية والقيمة المضافة : كأن تهتم مكتبة مثلا بتوفير النص عن طريق رقنه ورقمه . وتعمل مكتبة أخرى ، تقترض الكتاب من موقع آخر ، بشكل النص إن لم يكن مشكولا . بينما تعمل مكتبة أخرى على إضافة الفهارس المدققة ، وفيها يبدو لنا اجتهاد القائمين على الموقع ، لا الاكتفاء بما هو مقدم في الكتاب المطبوع .
لا أفهم ، مثلا ، ما معنى : فصل ـ فصل آخر ـ فصل ،،، عندما يكون في فهرس مصدر عربي قديم ؟ إنه ، ببساطة ، بلا معنى. صحيح نجد في كتاب للجاحظ مثل هذه العناوين . لكن ماذا تفيد القارئ عندما نقدمها له في الفهرست ؟ هنا نجد أقصى درجات المحاكاة . فليس المطلوب ، في مثل هذه الحالات نقل المناصات والعناوين كما هي في المصدر المقدم ، بل المطلوب : قراءة محتوى " فصل " و" فصل آخر " ،،، واقتراح عنوان يتطابق مع مضمون الفقرة التي جاءت تحمل أحد هذه العناوين المبهمة ،،، وبذلك سيكون للعنوان معنى .
ويمكن لمكتبة أخرى تقديم المجهودات السابقة من خلال برنامج من البرامج الخاصة بالكتب الإلكترونية مثل الشاملة مثلا أو برنامج الكتاب الإلكتروني ( وورك شوب) أو برنامج الدليل المساعد ،،،
بدون تجاوز المحاكاة في أفدح صورها ، لا يمكننا تحقيق إنتاج كتاب إلكتروني عربي طموح ومتطور . بل إن الكتاب الإلكتروني في هذا الوضع ، سيكون غير قادر على الانتقال إلى المرحلة الرقمية ، لأن أدنى الشروط الإلكترونية غير متوفر . والأدهى والأمر في هذا السياق ، أن الكتاب الإلكتروني ، كتحصيل حاصل ، سيكون أقل من الكتاب الورقي ، فأحرى أن يكون منافسا له ، أو بديلا عنه .
5 . خطوة إلى الأمام ، خطوتان إلى الوراء :
5 . 1 . نعتبر الترقيم ، كما نتصوره ، مرحلة متقدمة بالقياس إلى التحقيق ، لأنه علاوة على كونه يقدم لنا النص العربي محققا ، يجعله قابلا للتلقي من خلال شاشة الحاسوب بكيفية مطابقة لمقتضياته في الإنتاج والتلقي . ولذلك فإن تمييزنا بين الإلكتروني والرقمي يستند إلى هذا العمل المرحلي . لكن تأمل الكتاب الإلكتروني وفق الأشكال التي يتحقق بواسطتها في الفضاء الشبكي ، يدفعنا إلى استخلاص ما يلي :
5 . 1 . 1. إن النص الإلكتروني العربي القديم يقدم إلينا بصيغة ما قبل مرحلة التحقيق . إنه بلامحقق ، وبلا مقدمة ولا هوامش تفسيرية ، ولا شكل ،،،
إن النسخ الإلكترونية السائدة ، من الكتاب العربي القديم ، هي أقرب ما تكون إلى الطبعة الحجرية عندما كانت المطبعة ما تزال بدائية ، وقبل ظهور علم التحقيق في الثقافة العربية الحديثة ، من جهة ، كما أنها من جهة أخرى ، أقرب ما تكون إلى الطبعة التجارية .
إن المكتبة الإلكترونية العربية، رغم الواقع الذي صارت عليه ، ورغم التقدم الذي حصل في مجال توفير النص العربي في الفضاء الشبكي ( وهنا نؤكد أننا خطونا خطوة)، أقرب ما تكون إلى مرحلة بدائية بالقياس إلى المرتجى الذي لا يمكن أن يتحقق إلا بالانتقال إلى المرحلة الرقمية . بل إنها، وهي إلكترونية دون مستوى ما تقدمه لنا الكتب المحققة ( وهنا نؤكد أننا خطونا خطوتين إلى الوراء ) .
5 . 1 . 2 . هذا الوضع يجعل الكتاب الإلكتروني أقل فائدة من الكتاب الورقي المحقق . إن القائمين على هذه المكتبات لم ينطلقوا من الكتاب العربي المحقق ، ليحولوه إلى كتاب إلكتروني ، ولكن من النص العربي عاريا من أي مجهود علمي بذل فيه من قبل علماء أفذاذ من أمثال : عبد السلام هارون ومحمود شاكر ،،،
5 . 2 . لا يمكن ، في تصوري ، أن نقدم مكتبة إلكترونية عربية عصرية بدون تضافر عمل التقني ، المبرمج ، وعمل المحقق العالم . وبكلمة ، بدون عبد السلام هارون الذي يتعامل مع الحاسوب ، ويتقن تكنولوجيا الإعلام والتواصل .
لا يمكننا تحديث الثقافة العربية بدون ممارسة الترقيم ، ترقيم نص النص العربي قديمه وحديثه . والمقصود بعملية الترقيم الانتقال إلى مرحلة جديدة من الإنتاج والتلقي . وتجاوز النص الإلكتروني العربي الحالي رهين بتوفير الأسس الضرورية في الكتابة الرقمية ، من جهة ، ومن جهة أخرى تطوير الدرس الأدبي والفيلولجي ليواكب التطور الرقمي . وهنا يأتي دور الجامعة والبحث الأكاديمي ، وذلك ما سنتعرض له في الدارسة القادمة حول : ترقيم النص العربي وتطوير البحث الجامعي .