يرى الكاتب أن الممثلة نعيمة المشرقي ساهمت إيجابيا في ذاكرة التاريخ الفني للتلفزيون والسينما. ففي أدائها تتبدى احترافية رفيعة اكتسبتها بالدراسة والممارسة. فهي تدرس الشخصية من جميع جوانبها، وتقوم بتطويع قدراتها الجسدية وتوظيف طاقاتها يوافق الموقف الدرامي وإبلاغ الرسالة الفنية.

نعيمة المشرقي والإبداع في التمثيل

أحمد بلخيري

التشخيص في الدراما التلفزيونية، وفي السينما، وفي المسرح، والتشخيص الفني بصفة عامة، ليس أمرا سهلا. فهو يحتاج من الممثل، بالإضافة إلى الموهبة التي هي المنطلق، إلى دراسة كيفية استخدام ما سماه محمد الكغاط بالآلة، في كتابه "الممثل وآلته"، استجابة لمختلف المواقف والأوضاع والحالات التي تختلف تبعا لاختلاف الشخصيات التي يقوم بأدائها، وتبعا أيضا لمختلف مواقف وأوضاع وحالات الشخصية الواحدة في العمل الفني الواحد. آلة الممثل هي جسده. في الإبداع الفني يغدو جسد الممثل مستودعا لعلامات مختلفة بصرية (اللباس والماكياج) وحركية (حركة الوجه واليدين والجسد بصفة عامة) وسمعية (طريقة نطق الكلمات). كل هذه العلامات يتعين أن تكون مدروسة من لدن المخرج دراسة متقَنَة، تراعى فيها حتى مختلف الجزئيات التي قد تبدو بسيطة، لكنها قد تكون حاسمة في تحديد الدلالة الفنية أو تساهم في توجيهها نحو الوجهة الدلالية الفنية المقصودة. تكون هذه الدراسة من الناحية النظرية. لكن تحويل النظري المرسوم في الذهن أو على الورق إلى المشاهدة يكون للممثل دور أساسي فيه، لذا فهو شريك في الإبداع الفني في فنون العرض. لهذا يحرص المخرجون الذين يحترمون الفن على التدقيق في اختيار الممثلين بناء على مهاراتهم وقدراتهم في التشخيص، كل حسب الدور الذي يناسبه.

من الناحية الإحصائية، وهي هنا تقديرية فقط لانعدام وجود دليل إحصائي، يمكن القول بأن مخرجين مختلفين ينتمون إلى أنواع فنية مختلفة تقوم على التشخيص، قد وقع اختيارهم على الممثلة المبدعة نعيمة المشرقي لأداء أدوار فنية مختلفة كذلك. وهي أدوار، من الناحية الكمية، ليست بالقليلة أخذا بعين الاعتبار مسار حياتها الفنية إلى اليوم . هذا الاختيار هو في حد ذاته شهادة من لدن من لديهم تكوين وحس فنيان، أي المخرجين، على القدرات الهائلة لهذه الممثلة المبدعة.

يمكن القول، بأن الممثلة نعيمة المشرقي تقوم بأداء أدوارها بطريقة احترافية اكتسبتها عن طريق الدراسة والممارسة. الطريقة الاحترافية تُحتم دراسة الشخصية الفنية المطلوب أداء دورها داخل العمل الفني من جميع الجوانب المتعلقة بها، لاسيما من الناحيتين النفسية والاجتماعية من لدن الممثل. ويبدو لي أن هذه الدراسة تقوم بها الممثلة المقتدرة نعيمة المشرقي، قبل الإقدام على تشخيص أي دور يُسند إليها. يمكن تقديم أدلة على ذلك من خلال أدوار فنية قامت بأدائها، لكن المقام لا يسمح بذلك الآن.

بناء على مشاهدتي لها وهي تقوم بأداء أدوار فنية في الدراما التلفزيونية وفي السينما، اتضح لي أنها تقوم بتطويع قدراتها الجسدية من أجل إتقان أداء الأدوار التي أُسندت إليها. من بين تلك القدرات الجسدية سلامة وفصاحة نطق مخارج الحروف، ورفع أو خفض الصوت تبعا للحالة والموقف الدرامي، في انسجام مع نظرات العينين، والحركة، وملامح الوجه، حيث تتضافر هذه العناصر الجسدية كلها مع الحالة والموقف الدراميين من أجل إبلاغ الرسالة الفنية المطلوبة. يمكن، متى توفرت شروط ذلك وعلى رأسها إعادة مشاهدة أدوارها في الدراما التلفزيونية بطريقة تقنية تُمَكن الدارس من تدقيق ملاحظاته وتحليله، تقديمُ أدلة مشهدية على كل ما سبق ذكره، وكذلك بالنسبة للأدوار التي قامت بأدائها في السينما، ومنها دورها في الفيلم السينمائي "للا حبي" الذي قام بإخراجه المخرج السينمائي محمد عبد الرحمن التازي.

باختصار، لقد ساهمت الفنانة نعيمة المشرقي، بدون شك، من موقعها باعتبارها ممثلة، في الإبداع الفني المغربي طيلة عقود من الزمن مساهمة ستبقى راسخة في ذاكرة التاريخ الفني. بفضل هذا الإبداع صار لهذا الاسم وقع خاص إيجابي جدا في الأوساط الفنية، وكذلك في أوساط الجماهير التي تمكنت من مشاهدتها وهي تؤدي أدوارا سواء في الدراما التلفزيونية أم في السينما. حب للتمثيل والإبداع وسلاسة وإتقان في الأداء من بين المزايا التي تتميز بها هذه الممثلة المغربية المبدعة: نعيمة المشرقي.