عن هذا السؤال، يحاول عبّاس شبلاق، الزميل الباحث في جامعة أكسفورد، الإجابة في كتابه الصادر في شهر أيار/مايو 2015 عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية ببيروت تحت عنوان: "هجرة أو تهجير: ظروف وملابسات هجرة يهود العراق". وقد استند شبلاق، في إعداد هذا الكتاب، إلى الوثائق البريطانية والعراقية التي أُفرج عنها والمتعلقة بهجرة الطائفة اليهودية "على النحو الذي تمت فيه، إذ كانت هجرة من دون رغبتها، ومن وراء ظهرها، وساهم في تنفيذها أكثر من طرف محلي ودولي، وبتخطيط مُسبق من الحركة الصهيونية". كما استفاد من حوارات عديدة أجراها مع عدد من اليهود العراقيين في بلدان عديدة، ومن حوارات وكتابات عدد من الأكاديميين والمثقفين من اليهود العراقيين في إسرائيل.
يكتب عباس شبلاق أن اليهود في العراق شكّلوا طائفة دينية متجذرة ومتجانسة نسبياً، واستطاعوا عبر القرون المحافظة على هويتهم وثقافتهم المجتمعية وتقاليدهم، دون أن يمنعهم هذا من أن يكونوا مواطنين أصليين، أو من أن يندمجوا في المجتمع العراقي اندماجاً كاملاً. ومع أنه من الصعب التحقق بدقة من عددهم، فإن الإدارة البريطانية قدّرت سنة 1920 مجموع السكان في العراق بـ 500. 1.754 نسمة، بلغ عدد اليهود بينهم في ذلك الوقت 58.000 شخص. أما وفقاً للإحصاءات العراقية الرسمية المرتكزة على إحصاء السكان لسنة 1947، فبلغ عدد أفراد الطائفة اليهودية 117.000 شخص، أو 6،2 في المئة من المجموع الكلي للسكان البالغ 5،4 ملايين نسمة. ورجّحت مصادر غير رسمية في الطائفة اليهودية نفسها أن العدد الحقيقي لليهود في أواخر الأربعينيات كان أعلى من الرقم الرسمي بنحو عشرة آلاف إلى عشرين ألفاً.
وقد أقام 74 في المئة من يهود العراق في مدينتَي بغداد والبصرة، وفقاً لإحصاء السكان لسنة 1947، في حين سكن 5،22 في المئة منهم في مدن أخرى. أما اليهود الباقون الذين بلغت نسبتهم 5،3 في المئة فقد عاشوا في مناطق اعتبرتها السلطات العراقية مناطق ريفية. وأدار اليهود، على غرار غيرهم من غير المسلمين، الشؤون الخاصة بطائفتهم في ظل نظام الملة. وكان هناك مجلسان: أحدهما دنيوي يُعرف باسم المجلس الجسماني، والآخر روحي يُعرف باسم المجلس الروحاني. وتقلص مع الوقت نفوذ المجلس الروحاني الذي تكوّن من رجال الدين، ومُنحت السلطة للمجلس الزمني الذي كان يتم اختيار أعضائه كل سنتين لإدارة الشؤون المدنية، مثل التعليم والصحة والأعمال الخيرية والشؤون المالية، كما مُنح صلاحيات فرض الضرائب على الجماعات وإدارة الإيرادات.
وقد تحسن الوضع الاقتصادي لليهود العراقيين بشكل ثابت بعد الحرب العالمية الأولى، كما ارتقى نظام التعليم اليهودي وأصبح أكثر انتشاراً، وكانت نسبة خريجي الجامعات بينهم أعلى كثيراً من نسبة سائر العراقيين. وبرز عدد كبير من الكتّاب والشعراء اليهود المتميزين ممن كانت أعمالهم المكتوبة باللغة العربية تحظى بتقدير كبير، وشارك عدد من اليهود في إنشاء الصحف والمجلات وتحريرها، كما تميّز كثيرون من يهود العراق بالموسيقى. وصارت الطائفة اليهودية، منذ أواخر القرن التاسع عشر، تلعب دوراً بارزاً في مجالات الائتمان والمصارف والتجارة الخارجية. وفي عشرينيات القرن العشرين، شكّل يهود بغداد أكبر مجموعة تجارية، سواء من حيث العدد أو الثراء، وبلغ عدد أعضاء غرفة تجارة بغداد من اليهود 212 عضواً، أو 43 في المئة من مجموع الأعضاء البالغ 498 عضواً. كما برز دور اليهود العراقيين في مجال الخدمة المدنية، فكانت أغلبية الموظفين العاملين في خط سكة الحديد وميناء البصرة وشركة النفط العراقية من اليهود، كما كان ساسون حكيم حسقيل وزيراً للمالية في أول حكومة ألّفها السير بيرسي كوكس المفوض السامي البريطاني في العراق. واحتفظ اليهود بمكانتهم البارزة في الخدمة المدنية بعد الاستقلال.
اليهود وأحداث "الفرهود"
يتطرق عباس شبلاق في الفصل الثاني من كتابه إلى موقف الحركة الوطنية التحررية من اليهود، فيشير إلى أن الوطنيين العراقيين نظروا إلى اليهود بينهم باعتبارهم "إخواناً لهم ورفاق طريق". وحثت قيادة ثورة العشرين ضد البريطانيين العراقيين المسلمين على توحيد نشاطاتهم السياسية مع رفاقهم المواطنين اليهود والمسيحيين. وشارك عدد من يهود بغداد المسلمين والمسيحيين، سنة 1929، في إدانة السياسة البريطانية في فلسطين.
ثم يتوقف عند ما سمي بأحداث "الفرهود"، فيذكر أن اليهود البغداديين واجهوا أول عملية عنف كبيرة ضدهم بعد قضاء البريطانيين على حركة رشيد عالي الكيلاني في ربيع 1941. ففي 1 حزيران من ذلك العام، اندلعت في العاصمة طوال يومين أعمال شغب، تخللتها عمليات نهب بيوت ومخازن، وجُرح وقُتل خلالها نحو 250-300 شخص، أكثرهم من اليهود. وسميت أعمال العنف هذه "الفرهود"، وهي تعني لدى العراقيين عمليات النهب في غياب القانون والنظام. ويقدّر بعض المحللين، أن الأوضاع الاقتصادية المتردية في ذلك الوقت كانت من الأسباب التي أدت إلى أعمال الشغب تلك. ويرجح أن السلطات البريطانية، التي لم تبدِ أي حماسة لوقفها، أرادت استغلال هذه الأحداث لاستعادة نفوذها المتراجع بعد تنامي قوى المعارضة المطالبة بالحرية والديمقراطية.
لقد تركت أحداث "الفرهود" صدمة نفسية لدى اليهود في العراق، وأضعفت إحساسهم بالأمان، إلا أنها لم تفضِ إلى حدوث تحوّل تجاه الصهيونية، وهو التحوّل الذي حدث فقط بعد ثمانية أعوام أو تسعة أعوام لاحقة. وعلى العكس من ذلك، شجعت تلك الأحداث أغلبية اليهود من الجيل الجديد المثقف على الانخراط في العمل السياسي والابتعاد عن العزلة السياسية في المجتمع العراقي. وقد أصيب المبعوثون الصهيونيون، الذين قدموا إلى العراق خلال الحرب العالمية الثانية، بالدهشة من عدم استجابة يهود العراق لهم في تلك الأثناء، مع أن الوجود البريطاني قدم، بلا شك، فرصاً مؤاتية لإنعاش النشاطات الصهيونية.
تداعيات أحداث فلسطين على الوضع السياسي في العراق
تركّز الصراع الرئيسي بين الصهيونية والشيوعية في أواخر الأربعينيات –كما يتابع شبلاق- على النفوذ في أوساط أجيال الطائفة اليهودية الشابة، والتأثير فيها. وقد تمكن الشيوعيون العراقيون، بعد رفض السلطات العراقية إعطاء حزبهم حق العمل العلني بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، من الحصول، في 16 آذار/ مارس 1946، على ترخيص رسمي لإنشاء "عصبة مكافحة الصهيونية"، التي نجحت في جذب كثيرين من المثقفين اليهود، وحظيت صحيفتها اليومية، "العصبة"، بانتشار واسع بين صفوفهم. وسرعان ما اتخذت "عصبة مكافحة الصهيونية" لنفسها دور المتحدث الجريء والناطق باسم الطائفة اليهودية في العراق بشأن القضية الفلسطينية. وفي حين أشارت التقارير إلى أن الحركة الصهيونية هددت زعماء العصبة بالقتل إذا لم تكف عن نشاطها، قررت السلطات العراقية حل العصبة بعد ثلاثة أشهر من حصولها على الترخيص، كما ألغت رخصة جريدتها، واعتُقل زعماؤها وأحيلوا على المحاكم العسكرية، وحُكم عليهم بالسجن فترات متعددة.
وقد جددت الحركة الصهيونية نشاطاتها في العراق، بعد قيام إسرائيل، بإصرار ومصادر دعم أكبر، وبهدف واضح هو حث يهود العراق على الهجرة إليها. وأخذ وضع اليهود يتدهور بعد قيام دولة إسرائيل، إذ فرضت الحكومة العراقية قيوداً صارمة على سفرهم إلى الخارج وعلى بيع أملاكهم، وسعت إلى إقصائهم عن الجيش والشرطة والخدمات العامة. كما بدأت تقل الفرص الاقتصادية التي أتيحت لهم في الماضي. ومارست السلطات العراقية الأحكام العرفية، التي استخدمت بصورة مباشرة ضد الشيوعيين في معظم الحالات، ضد اليهود في صيف سنة 1948، الأمر الذي استغلته الأبواق الصهيونية على الساحة الدولية، كما استغلت إعدام رجل الأعمال اليهودي شفيق عدس علناً، في مدينة البصرة، في أيلول/ سبتمبر 1948 بتهمة بيع مخلفات الجيش البريطاني لإسرائيل، وحملة الاعتقالات التي طاولت ناشطين صهيونيين في تشرين الأول/ أكتوبر 1949. وباستغلالها كل هذه الإجراءات، وبيانات العناصر القومية العربية المتطرفة التي خلطت بين اليهودية والصهيونية، نجحت الحركة الصهيونية في رفع درجة قلق اليهود ونشر الذعر فيما بينهم.
حيثيات قانون إسقاط الجنسية
يخصص عباس شبلاق الفصل الرابع من كتابه لعرض حيثيات صدور هذا القانون وتداعياته. فقد أقرت حكومة توفيق السويدي في 4 مارس/ آذار 1950 القانون رقم 1 لسنة 1950 بعد الموافقة عليه في مجلسي النواب والأعيان. وجاء القانون الجديد ملحقاً لمرسوم إسقاط الجنسية العراقية (رقم 62 لسنة 1933)، الذي خوّل مجلس الوزراء "إسقاط الجنسية العراقية عن أي مواطن عراقي يرغب باختياره الحر في مغادرة العراق نهائياً". وتمثلت الحجة الرئيسية للحكومة العراقية لسن هذا القانون في ارتفاع نسبة المهاجرين اليهود بصورة غير شرعية. بيد أن هناك من يعتقد أن صدور هذا القانون جاء نتيجة ضغوط مارسها البريطانيون والأميركيون والحكومة الإسرائيلية على الحكومة العراقية، إذ إن التطورات التي أعقبت الموافقة عليه أدت، في النهاية، إلى إجلاء الطائفة اليهودية بأكملها تقريباً إلى إسرائيل بين صيف سنة 1950 وصيف سنة 1951.
وكانت الحكومة البريطانية بالذات قد بدأت تنظر جدياً، منذ أواخر صيف سنة 1949، في مشروع لتبادل 100.000 لاجئ فلسطيني في مقابل عدد مساو من اليهود العراقيين. بيد أن مشروع التبادل هذا، الذي كان يفترض موافقة الطرفين عليه، ما لبث أن أهمل من أصحابه، في أواخر سنة 1949، وإن لم يدفن نهائياً.
ومع أن الحكومة العراقية لم تضع حين أصدرت قانون إسقاط الجنسية أي قيود على أملاك الراغبين في الهجرة، فإنها عادت وأصدرت في 8 آذار/ مارس 1951 قانوناً بتجميد أملاك اليهود العراقيين الذين أُسقطت عنهم الجنسية، وذلك بعد شيوع أنباء عن نقل كمية كبيرة من أموال اليهود إلى خارج العراق بأساليب غير مشروعة. وبينما كان من الصعب تقدير المبالغ المهربة على وجه التحديد، فإن نائب حاكم المصرف الوطني قدّر الأموال المهربة منذ آذار/ مارس 1951 (في الوقت الذي كان 40000 يهودي قد تركوا العراق تقريباً) بأنها تتجاوز عشرة ملايين دينار.
الهجرة الجماعية ودوافعها
يقدّر مؤلف الكتاب في فصله الخامس أن أكثرية اليهود في العراق مالت إلى الاعتقاد أن الصعوبات التي صارت الطائفة تواجهها، بعد قيام دولة إسرائيل، هي قضية موقتة ولا بد من أن تزول. وقد عزز هذا الاعتقاد إجراءات تخفيف القيود التي فرضتها الحكومة، والوعود التي أطلقتها برفعها بالكامل، وبالتالي التقدير في الأوساط المؤثرة في الطائفة بأن الأسوأ قد مضى بلا رجعة. لذا، كانت أغلبيتهم ترى أن مستقبلها في العراق، وتنشد التعايش مع الوضع الجديد الناجم عن تأسيس إسرائيل. ومع ذلك، تشير مصادر موثوق بها لدى الطائفة إلى أنه حتى أواخر سنة 1950 غادر العراق نحو 10000 يهودي بوسائل غير شرعية.
ثم حدث تطوران على درجة كبيرة من الأهمية كان لهما تأثير عميق في التشجيع على حدوث هجرة جماعية لليهود العراقيين: أولهما، في 7 أيار/ مايو 1950، حين عُقدت اتفاقية لنقل اليهود بين توفيق السويدي، رئيس الحكومة العراقية آنذاك، وبين شلومو هليل، المبعوث الإسرائيلي، وُضعت بموجبها عملية إجلاء اليهود في أيدي السلطات الإسرائيلية؛ ثانيهما، بدأت سلسلة من التفجيرات استهدفت أماكن يهودية عامة في الوقت نفسه الذي كان هليل يفاوض في بغداد بشأن صفقة إجلائهم. وبالتالي، تصاعدت هذه الاعتداءات خلال النصف الأول من سنة 1951. لقد أطلقت إسرائيل على عملية التهجير من العراق اسم "حسقيل ونحميا"، وأوفدت شلومو هليل، اليهودي العراقي الذي استوطن فلسطين وأحد عملاء جهاز الموساد، في مهمة خاصة إلى العراق.
وتلبس هليل صفة رسمية غير حقيقية بأنه يعمل مندوباً لشركة أميركية مسجلة تسمى "شركة الشرق الأدنى للنقل الجوي"، كانت تملكها في الواقع الوكالة اليهودية، وأسستها الحركة الصهيونية لنقل المهاجرين اليهود إلى إسرائيل. ويتضح من الوثائق البريطانية أن الأميركيين، لا البريطانيين كما ساد الاعتقاد، هم الذين وقفوا وراء بعثة هليل إلى العراق، واستخدموا نفوذهم للتأثير في كل الأطراف المعنية، بمن فيها البريطانيون، لتسهيل مهمته. أما الرسميون العراقيون فكانوا معنيين بالمنافع الشخصية التي يمكن أن يجنوها من تلك العملية. وفي 15 تشرين الأول/ أكتوبر 1950، تقرر مضاعفة عدد رحلات شركة "الشرق الأدنى للنقل الجوي" من العراق إلى اثنتين يومياً. وبعد سنة، وُجهت اتهامات بالفساد في مجلس الأعيان إلى أربعة وزراء في قضية رشوة، بينهم توفيق السويدي ونوري السعيد وصالح جبر. وأثير هذا الموضوع مجدداً، بعد ثورة 14 تموز/ يوليو 1958، ووُجهت اتهامات إلى السويدي بالحصول على ربح شخصي جراء الصفقة مع هليل في عملية السفر.
في هذه الفترة، وقعت سلسلة من التفجيرات في بغداد استهدفت أماكن عامة لليهود، أو أماكن كانوا يرتادونها عادة، وكان تأثيرها قوي في هجرتهم. فما بين 8 نيسان/ أبريل 1950 و 10 حزيران/ يونيو 1951، وقعت خمسة انفجارات لم يعرف أحد هوية المسؤول عنها، إلى أن أعلنت الحكومة العراقية في 26 حزيران/ يونيو 1951 عن اكتشاف خلية تجسس في بغداد يديرها أجنبيان ألقي القبض عليهما، وهما يهودا تاجر، ومواطن بريطاني يدعى روبرت رودني كان عميلاً للموساد. واكتشفت السلطات، خلال التحري والتحقيقات، كمية من المتفجرات والأسلحة والوثائق وقوائم بأسماء أعضاء في الخلايا الصهيونية. وقرئت لدى محاكمة أعضاء هذه الخلية نسخة عن النشرة التي وزعها الصهيونيون بعد إلقاء القنابل، تحذر الطائفة اليهودية من النتائج الوخيمة في حال بقائها في العراق، وتنصح لليهود العودة إلى "وطنهم الطبيعي، إسرائيل".
لم تقر الدوائر الرسمية الإسرائيلية طبعاً، بوقوفها وراء الحملات وعمليات العنف التي مورست ضد اليهود، واستغرق الأمر بعض الوقت لكشف ذلك، إذ جاء الدليل بعد أكثر من عامين على خروج يهود العراق، لكن من مصر لا من العراق. ففي تموز/ يوليو 1954، عندما انفجرت في مصر القضية التي عرفت بـ "فضيحة لافون"، اعترف وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك في تعليقه على تلك الفضيحة، بصورة غير مباشرة، بتورط الحكومة الإسرائيلية في التفجيرات في العراق. المهم أن التفجيرات حققت الغرض الذي توخاه من كان وراءها. فبعد أول اعتداء بالقنابل، أخذ الآلاف من اليهود يصطفون أمام مكاتب التسجيل للهجرة. وفي 5 حزيرن/ يونيو 1951، وصل كل اولئك الذين سُجلوا، وعددهم 105000 نسمة إلى إسرائيل. وبحسب الإحصاءات الإسرائيلية، فإن 124646 يهودياً من مواليد العراق قدموا خلال الفترة منذ تاريخ إقامة إسرائيل في 15 أيار/ مايو 1948 وأواخر سنة 1953.
الصهيونية تزرع مسألة يهودية في الشرق
في خاتمة كتابه، الذي تألف من فصول خمسة وعدد من الملاحق، يعتبر عباس شبلاق أن دراسة حالة يهود العراق، وهجرتهم الجماعية إلى إسرائيل في الفترة 1950-1951، ربما تكون النموذج الأفضل لتحليل وفهم العلاقة بين الحركة الصهيونية ويهود الشرق، والعرب منهم خاصة. فالحركة الصهيونية تبنت –كما يكتب- المنظور الاستعماري الأوروبي وأساليبه بالكامل، وذلك عبر اقتلاع يهود الشرق بصورة قسرية، ونفي وتشويه موروثهم الثقافي وروايتهم وتاريخهم الحافل الممتد قروناً طويلة في المجتمعات العربية والإسلامية. وإذا كانت الحركة الصهيونية والقوى الاستعمارية المساندة لها ترى "أنها نجحت في حل المسألة اليهودية المستعصية في أوروبا، كما تدعي، وهو أمر يكتنفه الشك، فإنها زرعت بلا ريب مسألة يهودية في الشرق، لا عن طريق إقامة وطن لليهود على حساب الشعب الفلسطيني فحسب، بل أيضاً، وهو الأهم، بسبب الطبيعة التوسعية لهذا الكيان وحرص قياداته على إدامة وتغذية الصراع مع المحيط العربي".