نـادية بوطاهر وعبد الحكيم جابري
نظم مختبر حوار الثقافات والأبحاث المتوسطية بكلية الآداب بتطوان ومختبر السرديات بكلية الآداب بن مسيك بالبيضاء يومه الخميس 7ماي 2015 بقاعة الندوات العميد محمد الكتاني بكلية الآداب تطوان يوما دراسيا في موضوع "رحلات ابن عثمان المكناسي : النص والرؤية" .
افتتح الندوة السيد عميد كلية الآداب محمد سعد الزموري الذي رحب بالحضور والضيوف والسادة الأساتذة المشاركين في الندوة منوها بموضوع هذه الندوة حول أهم سفير عرفه المغرب على مر العصور. أما كلمة مختبر السرديات في شخص الأستاذ شعيب حليفي فقد انصبت في ثلاث دلالات أساسية أولا: قيمة هذا التعاون المعرفي بين المختبرات، ثانيا: موضوع الاهتمام بالرحلة الذي أصبح ضرورة ملحة، وثالثا: موضوع الندوة ابن عثمان المكناسي الذي يعتبر كنزا في الثقافة المغربية لكن لم يعط حقه من الدراسة. وختمت هذه الجلسة الافتتاحية بكلمة مختبر حوار الثقافات والأبحاث المتوسطية ألقاها مصطفى الغاشي الذي اعتبر هذه الندوة محاولة للإمساك بتلابيب وأهم القضايا المتناولة في رحلات المكناسي الثلاث.
بعد ذلك انطلقت أشغال الجلسة الأولى التي ترأسها الأستاذ شعيب حليفي؛ افتتحت أشغالها بورقة الأستاذ نزار التجديتي( آداب تطوان ) بعنوان "رحلة ابن عثمان إلى صقلية ونابولي بين الفتنة والحسرة" وقد بين فيها ان المكناسي كان مفتونا في رحلته بمجموعة من الأمور منها فتنة أهوال البحر وفتنة التعامل مع النصارى وفتنة التطور والإزدهار والمنجز الذي تعرفه أوروبا آنذاك ثم فتنة الجمال الإنساني والفني، وفتنة الرفقاء وما سببوه من مشاكل ساهمت في تعطيل مهمته كسفير. أما الحسرة فلخصها الباحث في عدم تطويع المغاربة للبحر مقابل تطويعه من قبل الأوربيين وتقدم الصناعات البحرية لديهم كما تحسر على تأخر المغاربة في مجال العمران والحضارة والتعامل والعلاقات الإنسانية.
وتناولت الأستاذة مليكة الزاهيدي (آداب المحمدية ) في ورقتها " جزيرة مالطا في رحلة البدر السافر لهداية المسافر ..." زمن الرحلة وأهدافها وارتباط اسم مالطة بالقرصنة والأسر والتي كانت سوقا كبيرة للأسرى، وأكدت أن رحلة ابن عثمان تعد أول نص عربي عن جزيرة مالطة. وتوقفت عند أهم صعوبات تحرير الأسرى شتى منها عدم التنازل عن المبادئ والقيم الإسلامية وعدم اختلاطه بالمالطيين ثم حضور الرجل المسلم مع وعيه بالاختلاف مع كل المظاهر الحضارية في مالطة كما أبرزت الصعوبات الفقهية التي واجهت الرحالة في التعامل مع الآخر.
أما الأستاذ محمد رضى بودشار( باحث – وزان ) فقد ركز في ورقته "إسبانيا من منظور مغربي: قراءة في رحلة الإكسير" على في بدايتها على إسبانيا خلال عصر الملك كارلوس الثالث التي كانت تعرف نوعا من الجفاء مع المغرب وإن حاول الخروج بها من التخلف؛ ثم المكون العربي الإسلامي لاسبانيا عبر التوقف على الآثار الاسلامية الموجودة بإسبانيا حسب ابن عثمان من بنايات وأشجار وقد استدعى التاريخ للحديث عن كثير من البلدات، كما توقف عند بعض العائلات المسلة التي لم تغادر اسبانيا ثم اطلع على مخطوطات الاسكوريال. وأكد أن للآخر تجليات، دينية تجلت في محاكم التفتيش، وسياسية تمثلت في توسعهم وسيطرتهم على أمريكا والهجوم على المسلمين، وعلى المستوى وتمثل في إشادته بالمؤسسات الاجتماعية واحترام القوانين واستنكاره للاختلاط بين الرجال والنساء.
واختتمت هذه الجلسة بورقة الاستاذ مبارك الغروسي ( باحث – طنجة ) "بلد المواصلات ،صورة إسبانيا في رحلة الإكسير " (باللغة الفرنسية) انطلقت من أن الرحالة لا يهتم إلا بما يعدمه في بلده، فلفت انتباهه كون البلاد موصولة بشبكة من هامة من المواصلات التي لا تجعل السفر قطعة من النار إذ يسهل الانتقال من بلدة إلى أخرى عبر شبكة المواصلات والقناطر المتينة مقارنة مع تلك التي تركها العرب وكيف أذهبها السيل، والبريد وسرعته وسهولته وتيسيره للاتصالات الإدارية بين كل الأقاليم كما وصف البنية التحتية للطرق وأمنها واهتم بالعمران واهم ما أثاره هو وجود مدن بلا أسوار مما يمكنها من التوسع كما أعجب بالنزل والفنادق التي تسير انتقال المسافرين. واختتم مداخلته بمجموعة من الأسئلة من أهمها: هل كان ابن عثمان يطرح هذه المستجدات كنموذج للسلطان ليتبعها؟.
أما الجلسة الثانية فقد نسق أشغالها الأستاذ نزار التجديثي نزار التجديتي، وقد افتتحت بورقة الأستاذ مصطفى الغاشي الموسومة ب"ملاحظات حول رحلات ابن عثمان إلى أوروبا والدولة العثمانية" محددا السياق الزمني للرحلات وهو سعي المغرب إلى الإصلاح، حيث اعتبر أن ابن عثمان كان محظوظا لأنه وُجد في فترة السلطان محمد ابن عبد الله وهي فترة الانفتاح على الضفة الشمالية. ونبه إلى غياب دراسات لرحلاته الثلاث كما أشار إلى تأخر تحقيق رحلاته. وتساءل عن الحظوة التي كانت لابن عثمان لدى الحكام في أوربا. وارجع ذلك إلى حاجة الأوربيين آنذاك إلى شخصية متفتحة مثله وكان وسيطا دوليا في حل العديد من التوترات فكانت رحلته إلى الباب العالي في مهمة لصالح اسبانيا، انطلاقا من مجموعة من الإشارات أهمها سفره عبر سفينة حربية اسبانية، وكذا نجاح دبلوماسيته في أوروبا وفشلها في الدولة العثمانية، على الرغم من كل ما قام به من فك للأسرى المسلمين، كما انه لم يتحدث عن مهمته بالقسطنطينية، واتخذ الذهاب إلى الحج كمخرج للتستر على مهمته السرية.
وتطرق بوشعيب الساوري (باحث- الدار البيضاء) في ورقته "صورة الآخر المسلم في رحلة الإحراز" ركز فيها منطلق ابن عثمان في رحلته من اعتقاد أن الآخر يشارك الأنا الانتماء العقدي، فارتأى صاحبها التركيز على العيان كاختيار معرفي تذكيه الرغبة في معرفة الآخر المسلم وفهم سرّ نجاحه، سواء من قِبل الرحالة أو من قِبل مرسِله السلطان سيدي محمد بن عبد الله، لكنها لم تستطع التخلص من السياق الحضاري المشحون بالتصادم الذي ميز علاقة المغرب بأوربا، فكان حاضرا بدوره في تقييم منجز الآخر المسلم وأفعاله، فكان موجها للرحالة فترتب عنه تشكيل موقفين من الآخر ومنجزه الأول موسوم بالتنويه والثناء على أفعال الخادمة للأفق النظري المشترك كالكرم والامتثال لتعاليم الإسلام والثاني موسوم بالاستنكار والنقد لكل ما يخالفه من أفعال كالأنانية والتنافس على كثرة الأتباع والتساهل مع النصارى في تولي أعلى المناصب.
في حين قدم محمد البغيال (باحث – تطوان) في ورقته " البعد النقدي في رواية ابن عثمان المكناسي في رحلة الإحراز" منطلقا من كون نقد ابن عثمان يتميز بالمصداقية والموضوعية والحياد بعيدا عن الأحكام المسبقة. وصنف انتقادات ابن عثمان إلى انتقادات صريحة وأخرى ضمنية. كانتقاده للسلطة العثمانية والجهاز القضائي العثماني وانتقادات تتعلق بالبروتوكول والجفاء في الاستقبال، والعلاقة بين العرب والأتراك وأيضا الظروف التي تمت فيها هذه الرحلة وانتقاده للوفد السفاري المرافق له من شيوخ وكتاب، ثم انتقاد العمارة العثمانية، وانتقاد ما رآه في طريقه إلى الحج والبلدان الجزائرية التي اعتبرها موغلة في البداوة.
واختتمت هذه الجلسة بورقة الأستاذة وفاء بوعصاب (المدرسة العليا للأساتذة مارتيل) الموسومة ب" من تجربة الغيرية إلى خطاب الحداثة في البدر السافر لابن عثمان المكناسي، وقد افتتحتها بحاجة المغاربة الملحة على الاهتمام بتاريخهم، وعوائقها التي تمثلت في القطيعة التي أحدثتتها الحماية للمغاربة مع ماضيهم. ثم حاولت وضع الرحلة في سياقها التاريخي الذي تميز بانفتاح المغرب الحذر على أوربا. وتحدثت بعد ذلك عن الصعوبات التي واجهت ابن عثمان وأولها الاختلاف الذي يمنع الرحالة من الانفتاح على الآخر. كما أكدت انه سعى إلى وصف المنجز الحداثي من مصانع وغيرها مع الدقة والتي تعكس سعيه الى المعرفة، فيدعو القارئ بطريقة غير مباشرة إلى تقبل منجزات الحداثة.
وفي نهاية هذا اليوم الدراسي، استعاد الحاضرون برفقة المتدخلين في جلسة النقاش الختامية، الأسئلة حول ابن عثمان المكناسي وقضايا الحداثة. كما اختتم شعيب حليفي اللقاء مؤكدا على ضرورة استمرار اللقاءات حول ابن عثمان المكناسي وكافة النصوص الرحلية باعتبارها نصا قادرا على ربط أسئلة الحاضر بهواجسنا التي كانت دائما حاضرا في كتابات الأدباء المتنورين .