إهداء:
إلى كافةِ شُركائي في الْخيبةِ:
كمْ كنَّا سُعداءَ ونحنُ "ندْفعُ ماءَ النَّهرِ إلى الْحافةِ
كيْ تبْقى أطروحةُ الْفيضِ قائمةً".
فتح الله بوعزّة
مَقامُ الْفرحِ
أرى شاعراً
ينْفخُ الماءَ في غيمةٍ
في حَجرٍ راكضٍ
بين نافذتينِ
أرى
قمراً راقصاً بين سُنْبُلَتَيْنِ
و شهقةِ طِفلٍ
خَلا بِضفائرِهِ
في سوادِ الكلامِ
أرى ـ في الجوار ـ صبايا
صرَفْنَ الحَمامَ إلى أَهلِهِ
و سَهوْنَ طويلاً
أرى
أن نبيتَ هنا ليلةً
الشِّتاءُ على كَتِفَيَّ
وفيرٌ!
اشْتِهاء
جُثَّةٌ تَدفعُ جُثَّةً
تَتَشابَكُ أَيْديهِمَا فِي عِناقٍ طَويلٍ
بِالْكادِ يَكْتَمِلُ السَّهْوُ
بِالْكادِ تَتَّصِلُ الخُطوةُ بالخُطوةِ
و الرَّقصةُ بالرَّقصةِ
في غبشِ الفجرِ
ثَمَّةَ ـ بينهما ـ حفْرةٌ
و منازلُ عائمةٌ، و كلامٌ كثيرٌ
تدورُ الجثَّةُ حولَ الْجثَّةِ
لا شيءَ يُغْري الرُّمَاةَ بِصَيْدي
بِالْكادِ أَطْرَحُ جَمراً
وَ أَمضي إلى غَيمةٍ زَرقاءَ
لأَوْلادٍ يحرسونَ مدامِعَنَا
منْ غبارِ الْخَيلِ وَ بَردِ الأَمَاِسي
تدورُ الجثَّةُ حولَ الْجثَّةِ
لا ضوءٌ يُدفِئُ أطرافَ الغَريبِ
و لا أَعْشابٌ
لَعلَّ الضُّيوفَ اكْتَفَوْا بِالنَّبيذِ
وَ لَفُّوا الغنائِمَ في وَرقٍ مَصقولٍ
وَ راحُوا
لَعلَّ الْغريبَ اكْتَفى بِوَساوِسِهِ
و توارى خَلْفَ الْخَيْمَةِ
قَالَ لِلْجُثَّةِ الْأُخْرى:
أشْتَهِي أَنْ أُوغِلَ فِي الْأَحْراشِ
كَأَيِّ حَرٍيقٍ
كَأَيِّ فَتَى بَالِغٍ
يَطْرَحُ تِيناً أَحْمَرَ فِي الْعَراءِ
فَهَلْ تَرْقُصِينَ مَعِي؟
كِتَابُ الْعَثراتِ
(1)
فِي الْحُبِّ كَمَا فِي الْحَرْبِ
تَحُطُّ الطُّيُورُ عَلَى جُثَّتِي !
(2)
لاَ أَرَى
لاَ أَسْمَعُ
لاَ أَبْرَحُ مِعْطَفِي
لَكِنِّيْ
أُحِيطُ
بِكُلِّ الْمَرَايَا انكسرت!
(3)
لاَ أَذْكُرُ مَاضِيَ
لاَ أَذْكُرُ حَاضِرِيْ
مَائِعٌ وَقْتِي
لاَ أُطِيقُ الْبُكَاءَ بِدَاخِلِهِ!
(4)
نَادِراً مَا أَحِنُّ إِلَى أَحَدٍ
نَادِراً مَا أَضْحَكُ
أَوْ أَبْكِي
أَلِهَذَا تَعْلُو الطُّيُورُ إِلَى آخِرِيْ؟
(5)
لاَ أَسْأَلُ
لاَ أُسْأَلُ
الرِّيحُ دَلِيلِيْ
إِلَى الْعَالَمِ!
(6)
قَلَّمَا يُخْطِئُ حَدْسِيْ:
خِلاَّنِيَ لاَ يَكْنِسُونَ الْغُبَارَ الْمَيِّتَ
في الشَّارِعِ الْخَلْفِيِّ
لِتُفَّاحَةِ آدَمَ!
(7)
لاَ أُقْبِلُ
لاَ أُدْبِرُ
دَائِماً تَأْتِي الْعَثَرَاتُ
إِلَيَّ بِعَفْوِيَّةٍ تَامَّةٍ!
(8)
الطُّيُورُ الَّتِي لاَ تَشْرَبُ مِنْ لَثْغَتِي
فُضْلَةٌ
وَ الطُّيُورُ الَّتِي تَنْقُرُ جَمْرَةَ الْعَاشِقِ
فُضْلَةٌ
جَمْرَةُ الْعَاشِقِ أَيْضاً فُضْلَةٌ
وَ الْبَاقِي نَشِيدٌ حَرْبِيٌ
يَتَثَاءَبُ كُلَّ صَبَاحَ
عَلَى حَافَةِ الرَّعْشَةْ!
(9)
في الشَّتَاتِ كَمَا فِي الْحُبِّ
يَضِيقُ كِلانَا بِصَاحِبِهِ
وَ كِلانَا يَشُدُّ الرِّحَالَ إِلَيَّ
كِلانَا مِنْ شِدَّةِ السَّهْوِ
يَطْوِي الْحَكَايَا
إِلَى قَبْضَةِ سَهْوٍ فِي يَدِي!
(10)
قبلَ أنْ أُولَدَ
نَافِياً طَرَفَيَّ إِلَى الأَعْلى
تَدَحْرَجَتِ الأَوْقاتُ قُبَالَةَ بَابِيْ
وَ اكْتَمَلَتْ دَهْشَتِي!
(11)
قَبْلَ ذلكَ
قَبْلَ تَمَامِ الْحَمامِ عَلى شَفَتَيَّ
وقبلَ انْتِظَامِ الْخُيولِ البَرِّيَّةِ
فِي مُتُونِ اللِّسَانِ
تَمَلَّيْتُ رِيِحِيْ
طَوِيلاً
وَ زَوَّجُتُهَا غَيْرِيْ!
قَبْلَ ذلكَ
سِرْتُ عَلى عُشْبٍ أَبْيَضَ
مَائِعٍ
عَالٍ بَعْضَ الشَّيْءِ
تَقْطُرُهُ مُوسيقَى خَافِتَةٌ
وَ صَبايَا يَنْثُرْنَ أَعْشَابَهُنَّ
عَلى عُشْبٍ آخَرَ يَجْفَلُ فِي دَمِي
كُلَّما اخْتَمَرَتْ رَغْوَةٌ فِي الأَعَالِي
بَيْنَ اللُّهاثِ وَ مَا يُشْبِهُ الرَّقْصَةَ الأُولَى
بِجَنَاحَيْنِ مِنْ طِينٍ !
(12)
قَبْلَ ذلكَ
رَتّبْتُ أَخْطَائِيْ
وَ فَرَشْتُ مَسَاءً لِلْفَوْضَى!
كُرْسِيٌّ شَاغِرٌ
عَبْرَ النَّافِذَةِ الْعُلْيَا، جَنْبَ اللَّوْحَةِ
لَوْحَةِ "فَانْ غُوغْ" مُبَاشَرَةً
ثَمَّةَ رَجُلٌ يَرْعَى أَنْسَابَ الْهَوَاءِ
عَلَى رَأْسِهِ شَهْقَةٌ وَ ظِلالٌ
وَ يَنْتَابُهُ مَطَرٌ مُسْرِعٌ
كُلَّمَا حَدَّقَ فِي الْخَوَاءِ الْمُمْتَدِّ
مِنْ حَلْقِهِ حَتَّى آخِرِ حَفْلَةِ رَقْصٍ
ثَمَّةَ آثَارُ هَدِيلٍ
كُرْسِيٌّ شَاغِرٌ
وَ رَصَاصٌ قَدِيمٌ
وَ امْرَأَةٌ تَشْغَلُ يَدَهَا بِكَمَائِنَ بَرِّيَّةٍ
لاَ يُفْلِتُ مِنْهَا لُهَاثٌ
أَصَابِعُهَا الْبَتْرَاءُ تُعِدُّ الْغُبَارَ
لِحَكْيٍ طَوِيلٍ هَمَّازٍ
ثَمَّةَ أَيْضاً، جَنْبَ اللَّوْحَةِ
آثَارُ خُطَى وَ ضَفَائِرُ تَبْدُو بَرِّيَّةً
يَسَّاقَطُ مِنْ حَوْلِهَا مَطَرٌ بُنِّيٌّ
وَ مَنادِيلُ يَابِسَةٌ
وَ عَيَاءٌ شَدِيدُ الْمُلُوحَةِ
مِثْلَ مَكَائِد شَتْوِيَّةٍ
لاَ تُخْطِئُهَا جُثَّةٌ
بَيْنَمَا يَفْتَحُ الرَّجُلُ بَابَا آخَرَ لِلْمَنْفَى
يَسَّاقَطُ مِنْ رَحْلِهِ بَلَلٌ
وَ ثُغَاءٌ خَفِيفٌ
جَنْبَ اللَّوْحَةِ
لَوْحَةِ "فَانْ غُوغْ" مُبَاشَرَةً!
نِسْوَةٌ مَرِحَاتٌ يُضِفْنَ السُّعَالَ إلى قَهْوَةِ الْعَاشِقِ
مُنْذُ نَهْرَيْنِ وَ نيفٍ، يأتي الْغُرَباءُ إِلَيَّ
مِنَ الْعَثَراتِ الْبَعيدةِ
مِنْ حَرَجٍ بَائِتٍ وَمَعابرَ مجدولةٍ يأتونَ
وَمِنْ غَسَقٍ نَيِّئٍ
مُدْبِرٍ
لا يُطيقُ التَّحَايا
مِنْ وَلَهٍ مَارِجٍ يأتونَ إليَّ جَحافلَ مَوْتى
يَنْزَلِقُونَ إلى مِعْطَفِي
لاَ يَلْتَفِتُونَ إلى بَدَدٍ عالٍ بِالِجوارِ
أنا الظِّل الْمارد/ الْبارد/ اللافح/ الْمُرْتَدُّ إلى طُهْرِهِ
و أنا الماءُ الأرجوانيُّ المفتونُ بِغَزْوَتِهِ الأولى، و بواكيرِ السَّبَايا
لا أَذْكُرُ مَنْ دَعانِي حينَ تَهَاوى الطِّينُ الأَسْوَدُ
و امْتَزَجَتْ أَعْتَابِي بِأَلْواحِ مَنْ ذابوا في الطِّينِ الأَسْوَدِ
لا أَذْكُرُ خوخَ من كان يَهمي، جِواري، بِلا سَبَبٍ
حِينَما هَتَكَتْ نِسْوَةٌ أَعْطَاف الْمَدينَةِ
و اخْتَلَعَتْ مُدُنٌ أَعْطَاف مَدائنَ أُخْرى
و انْهَمَرَ الْخوخُ ثَانِيةً
صَاحَ الغُرَبَاءُ سَلاماً!
لا أَذْكُرُ كيفَ امْتَلأتْ، في يَدَيَّ
سنابلُ عُشَّاقِيَ عنْ آخِرِها
واعْتَلَتْ نَخْلَةٌ قَامَتِي كيْ تُطِلَّ على مَطَرٍ
مُطْبِقٍ بِأَظَافرهِ الدَّكْنَاءِ
عَلَى أَعْطَافِ مَدَائِنَ تَهْتِكُهَا نِسْوَةٌ
لا أَذْكُرُ كَيْفَ تنَاثَرْنَ في الْعَثَرَاتِ الْقَديمَةِ
مثلَ سنابل عُشَّاقِيْ!
أنا الْمَاءُ الأرجوانيُّ الْمَفْتُونُ بِغَزْوَتِهِ الأُولى وَ بَواكِيرِ السَّبَايا
أَذْكُرُ أَنَّ الرِّيحَ وَهَتْ مِنِّي، وَانْحَنَتْ أَسْلابُ الطِّينِ على كَتِفِي
حَجَراً بَعْدَ آخَرَ عادتْ قوافلُ خِلاَّنِي
و أَشَرْتُ إِلَيْهِمْ: هذا مأوايَ
فِي رِقَّتِي عنفوانُ الوقتِ!
خذوا أثراً
و خذوا بَلَلاً
تجدوا رِقَّتِي فِي نوايا الْحَجَرِ!
صاحَ الْغُرَباءُ: قُبَالَةَ بَابِكَ بَابَانِ
حُجَّابٌ كُثُرٌ
وطَواحينُ مَصْفُوفَةٌ ومعَابِرُ شَتَّى
قُبَالَةَ بَابِكَ قَشٌّ وأَرْدَانُ سَابِلَةٍ
ومَكائِدُ مُضْمَرَةٌ
وتَوابِيتُ مَنْقوعَةٌ فِي عَراءٍ هلاميْ
قُبَالَةَ بَابِكَ صَلْصَالٌ أَمْلَسُ
لا يُدْرِكُهُ الْحَرْفُ الغامضُ/الفاضحُ/ الْمُرْتَدُّ إلى طُهْرِهِ
مِنْ أَيْنَ نَمُرُّ إليكَ؟
حَوَالَيْنَا دُخانٌ كَثِيفٌ يَرْشَحُ بِالدَّمِ
أَدْراجٌ صَدِئَتْ
لَغَطٌ مُوغِلٌ في الدُّوَارِ
ومَأْواكَ لاَ يُشْبِهُ أَوْجَاعَنَا!
نَذْكُرُ مَنْ دَعاكَ مَساءَ تَهَاوَى الطِّينُ الأَسْوَدُ
نَذْكُرُ مَنْ ذَابَ فِي الطِّينِ الأَسْوَدِ
مُطْبِقاً بِأَصَابعِهِ الْجَرْدَاءِ
عَلى رَغْوَةِ نِسْوَةٍ مَرِحَاتٍ
يُضِفْنَ السُّعَالَ إلى قَهْوَةِ الْعَاشِقِ!
قَهْوَةُ الْعَاشِقِ دَمُهُ فِي الطَّريقِ إِلَى بَابِكَ
لا يَذوبُ ولاَ يَحْيَى
يُودِعُ نِصْفَهُ كَفِّيَ
يُودِعُ رِيحَهُ نِصْفَكَ
وقُبَيْلَ انْصِرَافِكَ / قَبْلَ انْصِرافي
يُلَمْلِمُ رِيشَ صَحَابَتِهِ
وبَقايا الشَّهيقِ عَلى كَفَّيْنَا!
قَهْوَةُ الْعَاشِقِ سَهْوُهُ
وَدَمُ الْعَاشِقِ قَهْوَةُ الْمَعْشُوقِ
خُذوا أثَراً
وَخُذوا بَلَلاً
مِنْ نَوايَا الْحَمَامِ عَلى بابِ الْمَشْتَى
تَجِدوا دَمُهُ
وَ بَقايا السُّعالِ عَلى بَاِبي!
مِنْ دَمِ الْعَاشِقِ نَصْعَدُ السُّلَّمَ الْخَلْفِيَّ إِلَيْكَ
وَمِنْ دَمِهِ نَغْزِلُ حَيْرَةَ الْمَعْشُوقِ
نَشُدُّ الْبَرَارِي إِلَى بَعْضِهَا
بِخُيُوطٍ حَرِيرِيَّةٍ تَتَفَتَّتُ بَيْنَ يَدَيْكَ سَرِيعاً
وَنُكْمِلُ رَتْقَ مَسَارِبِهَا
بِأَصَابِعَ مَلْفُوفَةٍ فِي دَمِ الْعَاشِقِ
حَجَراً بَعْدَ آخَرَ يَأْتِي خِلاَّنُكَ الْمَشَّاءونَ/ الْمُغْرَقُونَ
مِنَ الْعَثَرَاتِ الْبَعِيدَةِ
مِنْ حَكْيٍ طَارِئٍ وبَيَاتٍ قَدِيمٍ
مِنْ رَغْوَةِ نِسْوَةٍ مَرِحَاتٍ
يُضِفْنَ السُّعَالَ إِلَى دَهْشَةِ الْعَاشِقِ
مِنْ أَيْنَ نَمُرُّ إِلَى بَابِكَ
أَيُّهَا الْمَفْتُونُ بِغَزْوَتِهِ الْأُولى وبَوَاكِيرِ السَّبَايَا؟
هُوِيةٌ
اَلْفتى الْغامضُ جدًّا
ذو اللِّسانِ المالِحِ جدًا
و الْعَينَيْنِ المائلتينِ إلى
ضوضاءِ الْفَراشاتِ
في آخرِ الشَّارِعِ
نَسيَ الليلَ في جيْبِهِ
نَسيَ الحُلْمَ في كَفِّي
و الشارعَ في حَشْوِ الجثَّةِ!
***
الشَّامَاتُ الخَمْسُ انْطَفأتْ
لمْ يَبْقَ منَ الشَّفَتَيْنِ سوى ماءٍ نَزْرٍ
يَتَهَجَّى مَساربَهُ بينَ الشَّهقةِ و المنْفى
النَّايُ ذو الْعَيْنَيْنِ الْغائِرَتَيْنِ
تَمدّدَ خَلْفَ بَياتِ الخُيولِ
وَ كَيْدِ اللَّواتِي وَهَبْنَ الْعَذارَى
نصفَ اللُّهَاثِ
وَ نِصْفَ الْبُكَاءِ
و باقي اللَّظَى!
***
الكمنجاتُ أعجازُ رُكبانٍ
بعثرَ الشَّوقُ أشياءَهُمْ
و معابرَ دخَّانِهِمْ
***
الشتاءُ
على جانِبِي
محْضُ وشْمٍ قديمٍ
أخْلَفَ رغوتَهُ
يا إِلَهِي!
هذا لَيْسَ أَنا.
مناديلُ الغريبِ
لي وشمٌ أحرسُه من رذاذِ المساءِ
و كيدِ اللواتي نثرنَ الجدائلَ فوقَ السطوحِ
و قلنَ: تعالَ..إلى نذْرِنا
لي بحرٌ صغيرٌ
أحمله دائما في جيبي
أغري أسماكَه بالكلامِ
عن الصيدِ و الشرفاتِ الخبيئةِ
في طيَّاتِ الْيدِ
أطرح موجَه للنِّزالِ و أهْذي
كمن كسب الحربَ
و انقبضتْ روحُه بغتةً!
لي حصان خلعتُ حوافرَهُ
و انصرفْتُ إلى أقرب حانةٍ للأعداءِ
دون لسان واقٍ..
لي عنبٌ دائمُ الغربةِ
و عصافيرُ موعودةٌ بالوصالِ
متى أزهرتْ في البراري قاماتُ موتايَ
موتايَ كثرٌ: أبي و سلالتُهُ
من رعاةِ الغيمِ على عتباتِ الحروبِ
و سربُ غزالاتٍ عادياتٍ
إلى عنب دائمِ الْغربةِ
حُرَّاسُ الوَرْدِ ذووا القُبَّعاتِ
المنْصوبةِ للرمايةِ موتايَ
لي أثرٌ من ندى و دمٍ
في معابرِهِمْ!
لي أوجاعٌ أخفيها عن أُمِّي
كي لا تكسرَ رغبتي في الهزيمةِ
لي عاشقاتٌ يذبلُ فوق أياديهنَّ الكلامُ
و حين أغادرهنّ كظيماً
لا يعتذرنَ، و لا يهْجُرنَ يدي!
لي وقتٌ للنخوةِ:
أكسر ما لدي من الأقْدَاحِ
و أبْكي بِلادي
لي ما يكفي منَ الشهوةِ:
أرْخي ريشي
و أشدُّ الترابَ إلى ركبتيَّ بِعَطفٍ شديدٍ
و تخذلُني الخيلُ في الرقصةِ القُصوى
لي منَ الحزنِ ما يكفي
كي أرجَّ الأرضَ و أدفعَها نحوَ الحافةِ
في طرْفةِ عيْنٍ
و لي طيشُ الشِّتاءِ:
أدسُّ الوساوسَ في أكمامِ الصّبايا
الْمتَّكِئاتِ على فرحٍ غامضٍ
لي
ما بعثرَ السردُ من مَطرٍ
عالقٍ بِشبابيكِ الْجيرانِ
و لي بحرٌ أطرحُ موجَهُ للْعناقِ
و أعْدو
كمن خسرَ الحربَ
و انبسطتْ يدُهُ بغتةً!
يَغْزِلُ الْمَاءَ فِي صَبْرٍ بَارِدٍ
ـ 1 ـ
مَاذَا لَوْ صَرَفْنَا الْعَصَافِيرَ/ كُلَّ عَصَافِيرِ الْأَرْضِ
خَلْفَ نَوَايَا الْيَدِ الْمَمْدُودَةِ فِي عَطْفٍ بَارِدٍ
واتَّكَأْنَا عَلَى قَشٍّ رَطْبٍ، نَتَبَادَلُ حُلْوَ الرَّصَاصِ
وبَغْيَ الْغَرِيبِ عَلَى الْغَرِيبِ
ونَكْنِسُ مَا فِي الْحَديقَةِ مِنْ نسْغٍ أَوْ مَطَرْ؟
ـ 2 ـ
مَاَذَا لَوْ حَمَلْتُ الْجِهَاتِ/
جَمِيعَ الْجِهَاتِ إِلَى الْخَارِجِ
وَ تَرَدَّدْتُ وَقْتاً قَصِيراً قُبَيْلَ الْعُوَاءِ
كَمَا يَفْعَلُ الْمَوْتَى
حِينَمَا يَفْرَغُونَ مِنَ الرَّعْشَةِ الأُولَى؟
ـ 3 ـ
مَاذَا لَوْ رَسَمْنَا قَبَائِلَ تَدْنُو مِنْ بَعْضِهَا
يَعْلُو بَعْضُهَا بَعْضاً فِي بُطْءٍ شَدِيدٍ
وَ خَلْفَ مَدَامِعِهَا
يَعْقِرُ الْمَارَّةُ نُوقَهُمْ وَ جَدَائِلَ فِتْيَتِهِمْ
وَ بَقَايَا الْحِرَانِ عَلَى حَافَةِ الْوَادِي؟
ـ 4 ـ
مَا رَأْيُكَ لَوْ نَقْضِي بَعْضَ الأَوْقَاتِ مَعاً
فُوهَةُ الْقَلْبِ مَفْتُوحَةٌ عَنْ آخِرِهَا
وَ الرَّقْصُ عَلَى الْجَمْرِ يَسْتَلْزِمُ لاَعِبَيْنِ اثْنَيْنِ:
أَنَا أَخْدَشُ بَلَحَ السُّرَّةِ
بَيْنَمَا تَسْرَحُ أَنْتَ بِالدَّمِ وَ الْمِعْطَفِ؟
مَا رَأْيُكَ لَوْ غَيًّرْنَا الأَدْوَارَ قَلِيلاً
أَنْتَ تَشُدُّ الطَّيْرَ إِلَى أَطْرَافِيْ
وَ تَرْمِي نَاصِيَتِي بِالْغُبَارِ
كَأَنَّكَ تَصْطَادُ الطَّيْرَ حَقًّا
كَأَنَّكَ لاَ تَنْوِي قَتْلِي
بَيْنَمَا أَتَظَاهَرُ بِالْحِكْمَةِ وَ السَّهْوِ
كَأَنِّيَ آخِرُ مَنْ يَغْزِلُ الْمَاءَ فِي صَبْرٍ بَارِدٍ؟
ـ 5 ـ
مَاذَا لَوْ
تَسْتَدْرِجُ زرع الآخَرِينَ إِلَى حُلْمِي
بَيْنَمَا أَفْتَحُ فِي اللِّسَانِ
مَسَارِبَ أُخْرِى لِلدَّهْشَةِ؟
مُشاهَدَاتٌ مِنْ بُرْجٍ مَائِلٍ
لِلْغريبِ مواعيدُهُ:
يفْتحُ رِئَتَيْهِ لأَوَّلِ طَيْرٍ
يَحُطُّ على شرفةٍ في الخلاء القصي
وَ يَحْشو أصابِعَهُ بالنَّشيدِ
و يَمْضِي إلى سهوِهِ
فَرِحاً باللَّيْلِ الذي
يعلو كعبَهُ!
في الصَّباحِ يَمُدُّ سنابِلَهُ
كيْ تُطِلَّ السَّباياَ
على مَلَلِ الحُرَّاسْ!
في المسَاءِ يَخُطُّ على حَجرٍ
باقةَ ورْدٍ وشتاءً رخواً و نافذةً للصَّهيلِ
على ظاهرِ كَفِّهِ يتثاءبُ برْدٌ يابسٌ!
في المساءِ يَعُدُّ منَازِلَهُ:
صيدٌ واحدٌ أفلتَ هذا العامَ
صيدٌ قليلُ الْهواءْ!
الليلُ الذي يعلو كعْبَهُ
صارَ عُشْباً
و صارَ حذاءً للْعاشِقِ!
في الغرفةِ فَوْضى
نوايا و أسماءٌ تسْقُطُ من كلِّ الجهاتِ
من السَّقفِ و الحيطانِ و عدَّادِ الماءِ ..
حمَّالةُ القلْبِ
لا تعْمَلُ جيداً!
بردٌ يابسٌ هذا المساءَ
أفكِّرُ كيف تدلى الليلُ إلى آخر ِالشّارعِ
بقميصٍ شفّافٍ!
مِنْ بَعيدٍ
تضيءُ الصّبايا شموعَ العيدِ
يَهَبْنَ الطّيرَ لساناً
يَهَبْنَ الشتاءَ رخاوتَهُ
لم أرَ جيدا كيفَ انْكَسَرَ الياسَمينُ
وَ كيفَ عادَ الرّماةُ إلى لغْوهمْ
في دقائقَ معدوداتٍ!
مِنْ بَعيدٍ
يُطِلُّ الهواءُ على نفْسِهِ:
لم ألْبسْ قميصاً هذا اليومَ
وَ لمْ أحملْ أغراضي كالعادةِ
لَمْ ينَبِّهْني أحدٌ
أبْدو غيرَ مكْترثٍ
بالْغبارِ الذي يَستريحُ على قدميّْ!
عرباتٌ تسيرُ إلى آخرِ الشَّارعِ
عرباتٌ أخْرى تأْتي مِنْ آخِرِ الشَّارعِ
هذا الآخِرُ لا تَجِفُّ مَدامِعُهُ!
قاتلٌ أم مقتولٌ هذا الْقادمُ نحوي
قوساًيَحْملُ أم فسيلةَ ريْحانٍ؟
دمْعةً يحملُ أم سِكيناً ؟
يا فَتى
أَيْقِظِ الْقلبَ
كي أبْصرَ ماذا يحْدثُ خلْفَ الظلمةِ!
لم أفتحْ بابي هذا الصباحَ
خواءٌ كثيفٌ في الخارجِ
لا أنْوي الْبَقاءَ هُنا
لا أنْوي الْبَقاءَ هُناكَ
رفيفُ الحمامِ يلائِمُني!
غايتي أنْ أضُمَّ الماءَ
و أحْمِلَ رايَاتِهِ!
باعْتبارِ ما كانَ
(1)
المِمْحاةُ أوَّلُ أخْطائِي
بدلاً مِنْ سَهْوِ الشُّهودِ
مَحَوْتُ لِسانِي
وخَطْوَ الْحِصانْ!
(2)
الْخَوَاءُ إِطَارٌ نُورَانِيّْ
نَظَرِيٌّ إِلَى حَدٍّ مَا
دَائِرِيُّ الشَّكْلِ
يَرَاهُ الْحَزَانَى فَقَطْ!
(3)
الطُّبُولُ مَدىً
الطُّبُولُ مَمَاتٌ
وبَيْنَهُما رَقْصٌ مُعْجَمٌ
لاَ يَبْلُغُهُ الآيِلُونَ إِلَى نَزْلَةِ سَهْوٍ!
(4)
الْحَائِطُ عَبَّارَةٌ
هَجَرَتْ عُشْبَ الْوَادِي
واسْتبَاحَتْ أَحْيَازَ الْمَطَرِ!
(5)
الْحُروفُ هَواءٌ
تَكَلَّسَ مُنْذُ عَنَادٍ قَديمٍ
مُنْذُ ارْتَخَتْ
فِي الْبَرَارِي صَنَوْبَرَةُ الْعَاشِقِ!
(6)
الْجُسُورُ ثُغَاءٌ
تَكَلَّسَ مُنْذُ حَنِينٍ قَدِيمٍ
مُنْذُ تَدَاعَى النّْبْشُ إِلَى رَغْوَتِي!
(7)
الْجُثّةُ بَابٌ
مِنْ خَشَبِ الأَرْزِ الْبَرِّيِّ
عَتيِقٌ
رَخْوٌ
يَحْمِيهِ الْقَانُونُ
مَقَابِضُهُ
لاَ تُبَاعُ وَ لاَ تُنْقَعُ فِي الْمَاءْ!
(8)
الْغرْبةُ أنْ تسْرحَ
أبعدَ مِمَّا أنتَ
حولكَ زرعٌ كثيفٌ
وطيرٌ
وامْرأةٌ بِزَنابقَ بَيْضاءَ
تَنْكَأُ وشماً قديماً
في كاحِلِكْ!
(9)
رِيحُ النِّسْوَةِ
قِنْدِيلُ الْغَرِيبِ
يَدِبُّ بِمَكْرٍ شَدِيدٍ
عَلَى حَافَةِ الدُّخَّانْ!
(10)
اَلْعَصَافِيرُ خَاتِمَةُ النَّسْلِ
حَشْدٌ قَلِيلٌ بِحَجْمِ الْكَلاَمِ
تَوَقَّفَ عَنْ حُلمِهِ بَغْتَةً!
رِيحٌ تُشْبِهُ رِيحِيَ
فِي الْخَارِجِ دُخَّانٌ يُسْنِدُ دُخَّاناً
وخَلْفَهُمَا امْرَأَةٌ هَوْجَاءُ
تُعَتِّقُ فَاكِهَتِي فِي عَياءٍ قَديمٍ
وتطْرَحُنِي جَنْبَ الْحَائِطِ
حَائِطِ الْمَوْتَى!
ثَمَّةَ رِيحٌ تُشْبِهُ رِيحِيَ
حِينَ اتَّكَأْتُ عَلَى خَاصِرَةِ الْغَزَالِ
ودَثَّرْتُ أُنْثَاهُ ورَغْوَتِي!
ثَمَّةَ مَنْ يَعْوي فِي الْخارِجِ
عابِثاً بالأَشْجارِ والشُّرُفاتِ
ومَا فِي الْحَديقَةِ مِنْ سُرُرِ
وَقَنادِيلَ لَيْلِيَّةٍ
وأَبَارِيقَ صُفَّتْ عَلى مَهَلٍ!
ثَمَّةَ نِسْوَةٌ يَغْزِلْنَ الْغُبارَ
بِعَطْفٍ شَدِيدٍ
عَلى مَذْبَحِ الأَوَّلِينْ!
ثَمَّةَ مَا يَكْفِي الْحَقائبَ في الْخَارجِ
مَطَرٌ مِلْحَاحٌ
ومَوْتَى يَسَّاقَطونَ مِنَ الأَعْلى!
ثَمَّةَ في الْخَارِجِ ما يَكْفِي
نِسْوةٌ مرحاتٌ يَسِرْنَ عَلَى مَاءٍ خَافِقٍ
مُسْرِعَاتٍ إلى سَهْوِهِنَّ
يُغِظْنَ غُبَارَ الطَّلْعِ عَلى سَرْجِهِ فِي الأَعَالِي
مُتَّقِدَاتٍ يَهَبْنَ الْعَراءَ سُلالَتَهُ!
ثَمَّةَ في الْخَارِجِ ما يَكْفِينِي
فَراشَاتٌ ومَعَابِرُ لِلْهَذَيَانِ
وَ جِسْرٌ إِلَى الْهَاوِيَهْ!
بِمَحْضِ بَنَادِقِهِ
لَمْ أَرَ ـ حِينَ ارْتَبَكَ النَّائِمُ ـ مَا يَدْعُو إلى الْخَوفِ
ثَمَّةَ وادٍ سَحِيقٌ، نَعَمْ
و جَماجِمُ هَائِمَةٌ تَعْلُوهَا أعْشابٌ بيضاءُ
و بَعْضٌ منْ آثارِ الفَوْضَى
ثَمَّ عَصَافيرُ بَيْضَاءُ
وَلَّتْ مَنَاقِيرَها جِهَةَ الْوَادِي
حَجَرٌ باسِطٌ رغوةَ الوَقْتِ بينَ يَدَيْهِ
هواءٌ أبيضُ/ فَاكِهَةٌ مِنْ بَقايا أَبِي
تركتْ في السَّهْوِ الأخيرِ نُدوباً و أَمْشاجاً
شَهْقَةٌ تُوهِمُ الحُرَّاسَ
بأنَّ الإمبراطورَ الذي
بَعْثرَ الحَكْيَ و الدَّمَ ...لَيْسَ سِوايْ!
حينَ ارْتَبَكَ النَّائِمُ
كانتْ شَمْسٌ بَيْضَاءُ تَميلُ إلى طعْمِ الحَافِرِ
كانَ الْحَافِرُ مَشْدوداً إلى أَعْطَافِ الْغَزَالِ
و كان اللسانُ أميراً يَفْتَحُ
بَوَّابَةَ الْحِصْنِ لِلْغُرَبَاءِ
بِمَحْضِ بَنَادِقِهِ!
حينَ ارْتَعَشَ النَّائِمُ
فِي الْخَلاءِ الْمُوَارَبِ شَيْئاً مَا
فِي الْخَلاءِ الْقديمِ
رَأَيْتُ قراصِنَةً يُتْلِفونَ جَدائلَهُمْ
كلما اقْتَرَبَتْ قطْعَانُ المَاعِزِ من غَيْمَةِ المَعْنَى
وَ رُغاءً بِحَجْمِ الْغَدِ
مَوْتَى يَطْرَحُونَ يَتَامَاهُمْ
كُلَّمَا اقْتَرَبَتْ غَيْمَةُ الْمَعْنَى
من قطْعَانِ المَاعِزِ... !
و رَأَيْتُ اللُّهاثَ الذي لَمْلَمَ أَعْطافَ الْجَوَارِيْ
حينَ اخْتَلَى الْمَاءُ بِالْمَاءِ
و انْتَصَبَتْ في الْحَلْقِ قِبَابٌ عَالِيَةٌ
لاَ يُخْطِئُهَا النَّهْرُ الْجَوَّالُ!
رَأَيْتُ يَدِيْ تَقْذِفُ رَأْسِيْ خَلْفَ الْحَافِرِ
والْحَافِرَ يَقْذِفُهُ نَحْوَ الْغَابَةِ
حَيْثُ يَتَّسِعُ اللَّيْلُ وَ الْبَرْدُ
وَ بَيْدَاءُ الإِمْبرَاطُورِ الذي
بَعْثَرَ الدَّمَ وَ الْحَكْيَ الْمَمْدُودَ إلى آخِرِي!
هَلْ رَأَى النائمُ مَا رَأَيْتْ... ؟
قُبعةٌ الحَلَّاجِ
ـ 1 ـ
مَنْ أوْدعَ شهقتَهُ في يدي؟
مَنْ أطفأ المصباحَ
و رَصَّ جراحَ القبيلةِ صفّا صفّا؟
من فكَّكَ ألواحَ البهاءِ
و بعْثرَ أعشابَ البدْوِ في الطُّرقاتِ
و باغتَنِي بالمديحِ دقائقَ معدوداتٍ
و رَصَّ العساكرَ صفّا صفّا
قبالةَ بابِي و سقفِ الإشارةْ؟
ـ 2 ـ
يا حَلاّجُ من أين يأتي الدمعُ؟
ـ مِنَ الأُمْسياتِ البعيدةِ
مِنْ رفرفاتِ الطَّيرِ على عتباتِ الكمائنِ
يَطلعُ من حلْقٍ مفتوحٍ على عَطشٍ طارئٍ
و احتمالاتٍ أخرى
مِنْ كلامٍ نقطعُهُ نِصْفَ أحياءٍ
مغمضي الأعينِ
و نطلعُ منْهُ حفاةً
بلا قمصانٍ تسندُ رغوتَنا!
ـ 3 ـ
يا حَلاّجُ كيف وجدتَ الموتَ؟
ـ أشهى من ضوضاءِ الكرزِ الشَّتْوِيِّ
و أعلى من سهوٍ يدفعُ الحافةَ نحوَ الحافةِ
أبهى من طيرٍ يَبُلُّ سنابلَ أُنثاهُ في فرحٍ
كلما اعتدلتْ في العينِ خطوطُ البشارةْ
و كيف وجدتَ الموتى؟
ـ قناديل أولادٍ عائدينَ منَ الإنشادِ
حفاةً، بِنِصْفِ حرائقهمْ
و قليلٍ منَ العثراتِ
و كيف وجدتَ يدي؟
ـ هوجاء كعادتها
تطرحُ في البقايا/ جوارَ أبي
بعضاً من نوايا رطوبتِهَا
ـ 4 ـ
يا حلاجُ، خِلاَّنُكَ العميانُ
طيورُ الأَقاصي الهلامِيَّةُ
يزحفونَ على رغوةِ الوقتِ نحوَ الأعْلى
خفافاً من دمهِمْ و سنابلِهِمْ
و القبيلةُ ليستْ هناك، و ليستْ هنا
قلْ لهمْ: ها نهرٌ آخرُ
يطلع من شهقةِ الْوِلدانِ بلا عِوَجٍ
قل لهم: ها ظهرُ الحصانِ
و ها حدُّ الخوفِ
ها أوصافُ العدوّْ
قلْ لهمْ: إنِّيَ موعودٌ بالرَّعشةِ
موعودٌ بالرَّجفةِ
موعودٌ بالموتِ
أعْني الذهابَ إلى حاضرٍ آخرَ
يتموجٌ في غابرِ الأبدانِ و بابِ العبارةِ
قلْ: إنِّيَ اشْتَعَلَ الرَّملُ في حافِري
مثلَ " برْجِ أدونيسَ" تماما
و انتشَرتْ في الصَّحارى قناديلُ أحْبابي
قُلْ: إنِّيَ آتٍ
خطوي بطيءٌ، نعمْ
لكني آتٍ بما يشبهُ الرَّعشةَ
و رفيفَ الحمَامِ
و ما يشبهُ الأمشاج الملْفوفةَ
في مناديلِ الْموتى
آمينْ!
فِي دَقَائِقَ مَعْدُودَاتٍ
ـ 1 ـ
فِي دَقَائِقَ مَعْدُودَاتٍ
فِي الْوَقْتِ الْمَائِلِ
تَنْتَهِي الْبَجَعَاتُ مِنَ الرَّقْصِ:
تَغْسِلُ مَاءَ الْحَوْضِ
وعُرْيَ السِّباحَةِ
والصَّحْوَ الْمَشْدُودَ إِلَى قَدَمَيّْ!
ـ 2 ـ
فِي دَقَائِقَ مَعْدُودَاتٍ
فِي الْوَقْتِ الْمَائِلِ
يَنْتَهِي الْقَنَّاصُ مِنَ الرَّقْصِ:
تَطْرَحُهُ الْبَجَعَاتُ بَعِيداً
خَلْفَ بَيَاتِ الْخُيُولْ !
ـ 3 ـ
فِي دَقَائِقَ مَعْدُودَاتٍ
فِي الْوَقْتِ الْمَائِلِ دَائِماً
يَكْبُرُ الْخَوْفُ
يَحْبُو الْغَرِيبُ إِلَى نَسْلِهِ
وَ يَدَاهُ عَلَى حَاشِيَةِ الزِّحَامْ!
ـ 4 ـ
فِي دَقَائِقَ مَعْدُودَاتٍ
فِي الْوَقْتِ الْمَائِلِ دَائِماً
يَنْتَهِي كُلُّ شَيْءٍ:
دُخَّانُ الْحَلاَّجِ، وَ خِلاَّنُهُ الْمُتْعَبُونَ مِنَ الصَّحْوِ
وَ الْعَادِيَاتُ الْمُتَّكِئَاتُ عَلَى رَغْوَةِ الزِّلْزَالِ
(جِوَارَ أَبِي تَمَّامٍ وَ مَنْ مَعَهُ مِنْ حُرَّاسٍ وَ جَوَارٍ مُحْتَشِمَاتٍ !)
رَصِيفُ الْقِيَامِ / رُوَاةُ الْغِوَايَةِ
وَ الْفِينِيقُ الْهَارِبُ مِنْ رِيحِ النِّسْوَةِ الْبَاقِيَاتِ
الْمُتَّكِئَاتِ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ!
ـ 5 ـ
فِي دَقَائِقَ مَعْدُودَاتٍ
فِي الْوَقْتِ الْمَائِلِ دَائِماً
بَيْنَ الرَّشْفَةِ وَ ارْتِعَاشِ الرَّمَادِ
تَضِيقُ الْمَرَايَا بِالْبَجَعَاتِ
وَ مَا شَابَهَ ذَلِكَ مِنْ غُبَارٍ
وَ أَقْرَاصٍ لِعِلاَجِ الرَّبْوِ وَ دَاءِ الْفَالِجِ
وَ الْجُدرَانِ الْمَعْجُونَةِ بِالدَّمِ وَ الْحَلِيبِ
إِلَى آخِرِي... !
ـ 6 ـ
فِي دَقَائِقَ مَعْدُودَاتٍ
فِي الْوَقْتِ الْمَائِلِ دَائِماً
يَنْتَهِي كُلُّ شَيْءٍ / تَقْرِيباً يَبْدَأُ كُلُّ شَيْءٍ :
رُمَاةٌ يَقِيسُونَ حَجْمَ الْكِنَايَةِ
بَيْنَ الْبَيْتِ وَ نَافُورَةِ الدَّمِ فِي الشَّارِعِ الْخَلْفِيِّ
رُعَاةُ الْمَوْتَى الْمُقْبِلِينَ إِلَى مَوْتِهِمْ فِي ضَجِيجٍ تَامٍّ
جَوَارِي الْمَدِينَةِ يَصْرِفْنَ الْهَوَاءَ عَلَى مَهْلِهِنَّ
كَمَا لَوْ كُنَّ طَبِيبَاتٍ
دِيكُ الْجِنِّ الْغَامِضُ وَ الْبَلَشُونُ نَدِيمُ الثَّعْلَبِ
وَ الْجُدرَانُ الْمَعْجُونَةُ بِالدَّمِ
وَ الصَّيْدُ وَ الْعَثَرَاتُ إلى آخري …
أو مَا شَابَهَ ذَلِكَ !
يَبْدَأُ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْوَقْتِ الْمَائِلِ دَائِماً
فِي دَقَائِقَ مَعْدُودَاتٍ فَقَطْ !
حَجَرٌ أَخْطَأَ عَيْنَ الْعَالَمِ
تَسْكُبُ رَغْوَةَ الأنهْارِ عَلَى كَعْبِكَ
كَيْ يَدِبَّ الْهَوَاءِ إِلَى حَجَرٍ
أَخْطَأَ عَيْنَ الْعَالَمِ!
أَحْيَاناً تَكْسِرُ مِرْآةَ النَّهْرِ
تَبْدُو مُمِلًّا حِينَ تَلُمُّ الْمِرْآةُ
أَشْيَاءَهَا الْمَخْبُوءَةَ فِي صَدْرِي!
تَفْتَحُ رِئَتَيْكَ لِآخِرِ جُنْدِيٍّ
يَتَمَهَّلُ فِي الْحُبِّ
فِي الْمَوْتِ أَيْضاً
يَبْدُو مُمِلًّا لِلْغَايَةِ
حٍينَ تَطْرَحُهُ الْعَرَبَاتُ الْمَجْرُورَةُ
خَلْفَ الأَشْجَارِ الْبَرِّيَّةِ!
مِثْلَ الْحَيَّةِ
تَتْرُكُ شَهْدَكَ فَوْقَ عُشْبِ الْحَدِيقَةِ
وَ النِّسْوَةِ اللاَّئِي يَتَّكِئْنَ عَلَى السَّهْوِ
مِثْلَ فَرَاشَاتِ الْعِيدِ الْأَوَّلِ!
أَحْيَاناً يُفْلِتُ مِنْكَ الزِّحَامُ
تَعُضُّ يَدَاكَ عَلَى حَشْوٍ مُرٍّ
فِي بَيَاتِ الْخُيُولِ!
بَيَاتُ الْخُيُولِ طَوِيلٌ هَذَا الْعَامَ
مُرِيبٌ حَدَّ الْيَأْسِ
تَكَادُ تَبُلُّ الرَّصِيفَ
وَ بَاقِي الْغُبَارِ عَلَى أَطْرَافِ الْمَدِينَةِ
مِنْ شِدَّةِ الْغَيْظِ
تُوشِكُ أَنْ تُوصِدَ الْإِسْطَبْلَ
وَ بَابَ الْبَحْرِ إِلَى حَجَرٍ
أَخْطَأَ عَيْنَ الْعَالَمِ!
أَحْيَاناً أُخْرَى
تَدْفَعُ مَاءَ النَّهْرِ إِلَى الْحَافَةِ
كَيْ تَبْقَى أُطْرُوحَةُ الْفَيْضِ قَائِمَةً!
هَكَذَا أَنْتَ:
مَجْنُونٌ
دُونَمَا لَوْحٍ
حَارِسٌ
دُونَمَا نَايٍ
قَاتِلٌ
دُونَمَا جُثَّةٍ
تَيْبَسُ خَلْفَ الْغَيْمَةِ الْأُخْرَى!
أَصَابِعُ آدَمَ
(1)
لَمْ أَقُلْ إِنِّيَ رَاحِلُ
لَكِنَّ لُهَاثَ الْعَبِيدِ وَ رَائِحَةَ الْوَصْلِ
دَلاَّ عَلَى أَثَرِيْ
وَ بَقَايَا الْحِكَايَةِ جَنْبَ الْأَرَاجِيحِ
قُلْتُ: تَعَالَي إِلَى جِذْعِي وَ هَوَائِيْ
هَذَا الدَّبِيبُ مُرِيبٌ جِدّاً
وَ هَذَا النَّخْلُ خَفِيضٌ جِدّاً
لاَ يَسَعُ الرِّئَتَيْنِ، وَ لاَ يَطْرَحُ مَاءً لِلْغَرْقَى
قَالَتْ: لاَ آمَنُ حَتَّى يَتَدَلَّى
مِنْ سَهْوِكَ عُنْقُودٌ أَبْيَضُ
لاَ يَنْفَضُّ هَوَاءٌ مِنْ حَوْلِهِ أَوْ طَيْرٌ
يَكَادُ يُلاَمِسُ كَعْبَ الْفَرَاشَةِ
لاَ يَنْفَضُّ نَهَارٌ مِنْ حَوْلِهِ أَوْ غَيْمٌ
قُلْتُ: تَعَالَيْ فَاكِهَتِي لَيْلٌ
يَتَلَوَّى فِي أَنْسَاقِ اللَّغْوِ
وَمَا غَادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنَ الْأَوْتَادِ
لِفَاكِهَتِيْ شَكْلُ الطَّيْرِ يَحْضُنُ
صَفْصَافَهُ فِي حَدْبٍ مُرِيبٍ
قَالَتْ: لاَ آمَنُ حَتَّى تَعْدِلَ هَيْئَةَ الطَّيْرِ...
وَ افًتَرَشَتْ شَهْقَتِي، مِثْلَمَا يَفْعَلُ الطَّيْرُ
قُلْتُ: تَعَالَيْ إِلَى جِذْعِي
الشَّهْقَةُ مَاءٌ تَبَخَّرَ قَبْلَ انْعِطَافِ الْخَيْلِ
عَلَى نَخْوَةِ الرُّكْبَانِ
لِذَلِكَ أَكْسِرُ جَرَّةَ آبَائِيْ
كُلَّمَا انْفَرَجَتْ فِي الْأَقَاصِي تَجَاعِيدُ الْمَوْتَى
قَالَتْ: لَا آمَنُ حَتَّى تَعْدِلَ يَاقَةَ النَّهْرِ
هَذَا الْخَرِيرُ مُرِيبٌ جِدّاً
وَ هَذَا الْهَوَاءُ خَفِيضٌ جِدّاً
يَكَادُ يُلاَمِسُ كَعْبَ الْفَرَاشَةِ ...
قَالَتْ، وَ انْتَبَذَتْ رَغْوَتِي!
(2)
لَمْ أَقُلْ إِنِّيَ رَاحِلُ
لَكِنَّ لُهَاثَ الْعَبِيدِ تَعَالَى
بَوَّابَةُ الْخَوْفِ انْفَتَحَتْ
شُرْفَةٌ سَقَطَتْ، وَ كَلاَمٌ بِأَكْمَلِهِ
قُلْتُ:اشْتَعِلِي
النَّارُ حِجَابٌ/ حَمَّالَةُ سَهْوٍ/ أَصَابِعُ آدَمَ
تَعْلُو بِالطَّيْرِ، شَيْئاً فَشَيْئاً،إِلَى شَهْقَةِ الطَّيْرِ
وَ الطَّيْرُ تَرْتَجُّ فَوْقَ أَصَابِعِ آدَمَ
مِثْلَ لِسَانٍ بَرِّيٍّ يَبْحَثُ عَنْ عَائِلَةٍ
وَ بَقَايَا شِتَاءٍ عَتِيقِ الْمُلُوحَةِ
لَمْ تَمْسَسْهُ إِنَاثُ الطَّيْرِ بِرَغْوَتِهَا
قُلْتُ:اشْتَعِلِي مَرَّاتٍ وَ مَرَّاتٍ
النَّارُ مَدَى/ كَشَّافُ نَوَايَا
دَبِيبٌ مَنْثُورٌ فِي حَوَاشِي الْهَوَاءِ
يَكَادُ يُلاَمِسُ كَعْبَ الْفَرَاشَةِ
وَ انْتَشِرِي مِثْلَمَا يَفْعَلُ الطَّيْرُ...
قَالَتْ: خُذْ بَعْضَكَ نَحْوِي
بَعْضُكَ نَارٌ وَ الْبَعْضُ الآخَرُ
يُفْضِي إِلَى شَهْقَةٍ فٍي انْعِطَافِ الرُّمَاةِ
عَلَى نِسْوَةٍ بِسَنَابِلَ بَيْضَاءَ
بَعْضُكَ بَعْضِيْ
سَبَّابَةٌ تُومِئُ ـ فِي السِّرِّ ـ إِلَى أَثَرِيْ
وَ فَرَاشَاتٍ حَمَلَتْنِي بَيْنَ أَصَابِعِهَا!
نَشِيدُ الْعَائِلَةِ
هَؤلاءِ الموتَى أَهْلِي وَ خِلاَّنِي
يَأتونَ مِنَ الْعَتَباتِ البَعيدَةِ
مُتَّكِئينَ عَلى رَقْصي ويَقِينِي
لاَ يبكونَ، ولا يَضْحكونَ
ولاَ يَفْتَحونَ الْمَعَابِرَ أوْ يُغلِقونَ الحدودَ
ولاَ يَكْنِسُونَ الغُبارَ الكثيفَ
على حافةِ النِّسْوةِ المتَّشِحاتِ
بِمِسْكِ اللَّيلِ وبَرْدِ الأَقَاصِي
أنا عَتَّقْتُ سَنابِلَهُمْ في قِنِّينَاتِ النَّبيذِ
وزيتِ الزَّيْتونِ الْبَرِّيِّ وأشْياءِ الْغُرباءِ
لذلكَ، لاَ يبكونَ ولا يهجرونَ يدي
حينما أطرحُ ـ في الخواءِ ـ يدي وشرابي
أنا أشْغَلُ ـ في الأَماسي ـ أصابِعَهُمْ بالرَّذاذِ
أطوفُ عليهِمْ بِالْخُبْزِ
والْحِنَّاءِ وبَعْضِ النَّوَايَا
أَبِي يذْكُرُ خصْلَتِي هَذِهِ
وقَليلٌ مِنْهمْ يُشِيحُ بِنَخْلَتِهِ عَنِّي
يطلعونَ مِنَ اللَّيْلِ
مِنْ وِجْهَاتٍ غَيْرِ مُرَتَّبَةٍ
يَكْتبونَ، بِغَيْرِ مدادٍ
يَسْتَخْلِفُ فِي الْحَنَايا مَسَارِبَهُ
يَكْتبونَ على حَجَرٍ بالكُحْلِ وماءِ الوَردِ
يُنادونَ عليَّ بأَسمائِهِمْ
فَأَطيرُ إليهمْ كَما لو كُنْتُ
مساءً خفيفاً يَجُرُّ كَمَائِنَهُ الأُولَى
هؤلاءِ المَوْتَى بَعْضِي
أَحْملُ رعْشَتَهُمْ مُنْذُ الْعِيدِ الأَوَّلِ
مُنْذُ الْكَيْدِ الأَوَّلِ
مُنْذُ عَنَّتْ فِي الْوادِي نَاقَةُ شاعِرٍ
أَغْلَقَ بَابَ اللَّيْلِ فِي وَجْهِ الْغُرَبَاءِ
و أخْلَى مَضَافَتَهُ مِنْ فَراغَاتِ الْعِيدِ الأَوَّلِ
هؤلاءِ أَنا
رغَوةٌ تَسَعُ الطَّيْرَ/ كُلَّ الطَّيْرِ
أبِي بِعَبَاءَتِهِ الْبَيْضَاءِ وناقته الْبَيْضَاءِ
يَجوبُ الْوَادِيَ مُعْتَذِراً
عَمَّا احْتَمَلَتْهُ يَدايَ مِنَ الْآثَامِ
أَبِي يذْكُرُ خصْلَتِي هَذِهِ
وَ قَلِيلٌ مِنْهُمْ يَدْفَعُنِي نَحْوَ الْحَائِطِ
كَيْ أرى أعْشابِيَ تَسْعَى
إِلَى مُسْتَقَرٍّ لَهَا فِي حَوَاشِي النَّشِيدِ
أَبِي وَ صَواحِبُهُ
يَفْرِشونَ اللُّهاثَ الْوَسِيعَ
لِكُلِّ الطَّيْرِ قُبالَةَ مَائِيْ
و أعْلى قليلاً مِنْ صَيْفِ أُمِّي
مِنْ عَادَةِ أُمِّي أَنْ تَطْرَحَ أَسْمَاكَهَا
في الْهَواءِ وَ تُجْرِيَ دَمْعِي
كَأَيِّ مَلاكٍ صَغيرٍ أضَاعَ مَكائِدَهُ
بَيْنَ الدَّهشةِ و الشَّهْقَةِ
بَيْنَ الرَّجفةِ و الرَّقصةِ
بَيْنَ المعْنَى وَ اللَّامَعْنَى في مُعْجَمِ الْغُرَبَاِء
أنا هَؤُلاءِ وَهُمْ أَهْلي
يَرِثُونَ الْأَراجِيحَ / كُلَّ الأراجيحِ
مِنْ بَعْدِي
يَحْرُسونَ مَحَاجِرَكُمْ
مِنْ فَراغَاتِ الْكَيْدِ الأَوَّلِ
يَغْلِبُونَ وَ لَا يُغْلَبُونْ!
قبعةٌ لا تليقُ بحزْمِ الْقتيلِ
افْرِضْ يا " سانشو" أني مُنْدَفِع
بِيَدَيْنِ مُمَلّحَتينِ
و عَينيْنِ غائمتينِ قليلاً
و تَنتبهانِ إلى الأَشياءِ الدّقيقةِ
في أكمامِ الصّبايا
و أحملُ قُبعةً لا تليقُ بحزمِ الْقتيلِ
و قوسا لصيدِ الْغمامِ
و آخرِ ما فِي الْخوارجِ منْ ياسمينٍ
و افْرِضْ يا " سانشو" أني راقص ماهر
أخلعُ جلدي و أنا طائرٌ في الْخواءِ
و أفرشُهُ لِلَّواتِي وَهبْنَ الْمناديلَ شكلَ الطَّيْرِ
أُنَاوِلُهُنّ بقايا دَمي
و أعودُ إلى رقْصتي طائرا في الْخواءِ
كأنَّ الْهواءَ تَختَّرَ حوْلي
كأنِّيَ آخرُ منْ دسَّ الْخوارجَ
في صُفوفِ الْخوارجِ
و افْرِضْ أنِّيَ مجنونٌ
يَحرسُ الْعالَمَ، كلَّ الْعالَمِ
و يفكِّرُ كَيفَ يَزجُّ بهِ في قارورةِ عطرٍ
و يُدحرِجُهُ صوبَ النّارِ التي أوقَدْناها
و الْخيامِ الّتي انْتصبتْ مثلَ
نافورةٍ متهالكةِ الأكْتافِ
و بعدئذٍ يَمسحُ شَعرَهُ
بالْحِنَّاءِ البلديِّ و ماءِ الْوردِ
و يُسْنِدُ سَهْوَ الْغَزَالَةِ
كَيْ لاَ يَسْقُطَ مِنْ شُرْفَةِ الْقَلْبِ
غَيْمٌ آخَرُ / أَرْضٌ أُخْرَى / دَمٌ آخَرُ
كُنَّا أَعْدَدْنَا سَنَابِلَهُ لِلْحِجَاجِ
فهل تحمل عني جمري يا " سانشو"
أم تترك رغوتي عرضة
للغزالات الحافيات المتشحات
بسهو الندى؟
أنا أيْقَظْتُ اللَّيْلَ لكيْ لا تَظُنِّي بِيَ سوءاً
لغطٌ مِلحاحٌ بالخارجِ:
حَوَّاءُ تُعِدُّ الشِّتاءَ لسَهْوِ الحَمامِ
و تجرحُ تفَّاحةَ آدمَ!
آدمُ يعدلُ ريحَهُ
يَنظرُ خلفَهُ بِتَأَنٍّ كَبيرٍ
إلى أفُقٍ غَامضٍ
دونَ تُفَّاحةٍ
دونما نايٍ
ينثرُ في الهَواءِ القَصيِّ مشاغِلَهُ!
حواءُ تُعِدُّ الغزوَ لحكْيٍ طويلٍ
أصابعُها ريحانٌ يذوبُ على مهلِهِ
في الأَقَاصي / بينَ يديْ آدم
قالت: هذه الأرضُ لي
و أنا أعليتُ القِبابَ لكي يَصرفَ القَمحُ
دهشةَ الآخِرينَ على مَهْلِهِ
قال: هذا النهرُ ـ بما فيه من عِوجٍ ـ لي
أنا أخليتُ مَمْسايَ من الياسَمينِ
لكي أوهمَ الحُرَّاسَ بأن الجدرانَ
محْضُ زِحافٍ يَغيظُ به الشُّعراءُ نَوايا الرُّمَاةِ
أنا أيْقَظْتُ اللَّيْلَ لكيْ لا تَظُنِّي بِيَ سوءاً!
قالتْ: هذا النهرُ منْ وجَعي
من بقايا الهديلِ على حافتي
و أنا أعليتُ القِبابَ
لكي تُصْغيَ ـ في الأماسي ـ إلى ريحِي وَ يَقينِي
و قالتْ كلاما كثيرا
و اقتربتْ من مدامِعِهِ
و أعَدَّتْ لهُ وطنا و مطايا سيَّارةً
و احْتَمَتْ بمدامِعِهِ مِنْ شَفَا امْرَأَةٍ
تَتَخَثَّرُ في الْغُرْبَةِ مثلَ فَرْخِ الغَمامِ
و أَعَدَّ لها وطنا بِأراجيحَ مِنْ زَبدٍ و رذاذٍ
و أيقظَ أعشابَه بالجوارِ
لكيْ لا تَظُنَّ بهِ سوءاً!
صَيدُ الْياسَمينِ
ليس لي إخوةٌ
قالتِ امْرأةٌ في ضفائرِها
مطرٌ فائضٌ شيئا ما
عن حاجَتي
ليسَ لي وطنٌ قالتْ
و اعْتلتْ قامتِي
كيْ ترى من قريبٍ
كيفَ يدسُّ الشِّتاءُ مكائدَهُ
في شبابيكِ القريةِ
و تدلَّتْ
كيْ تبصرَ جيداً
ما الذي يَحدثُ بين طيْرَيْنِ
خلفَ أزاهيرِ الأقحوانْ
ليس لي قمرٌ
أتبعُ دمَهُ
أوْ أشُدُّ إليهِ سَمائِي
كيْ لا يسْقطَ منها رَحَّالةٌ جُددٌ
و ملائكةٌ مسْرِعِينَ
إلى صَيدِ الْياسَمينِ
على شفتيّْ
ليس لي شجرٌ أسْتعينُ بهِ
قالتِ امْرأةٌ في شبابِيكِها
شجرٌ مطمئنٌّ
إلى شُبهةِ المعْنى
في لِسانِ الطَّيرِ
و أَحْذيةِ المارَّةْ
ليْسَ لي إلا أنتَ
تأتيني بالنَّهرِ الذي وعدَتْ أمّي
أنْ يَمرَّ على إصبعي
فاخْتَفى في ضَفَائرِها
مجْذوباً إلى شيءٍ لا أراهُ
و ليسَ لهُ بابٌ أوْ نافِذةٌ
أَصْرفُ منها الياسمينَ
إلى أبديَّتِهِ الْعمياءْ
ليْسَ لي إلا أنتَ قالتْ
و اعْترضتْ رغوتي
كيْ ترى ماذا يفْعل اللَّيْلُ
باللَّيلِ في هذهِ الحالةِ!
يَدٌ فِي الْهَوَاءِ الْعَمِيقِ
لاَ أرِيدُ لَهُمْ أَنْ يَأْتُوا غَداً، أَوْ بَعْدَ غَدٍ
لاَزَالَ لَدَيَّ الْكَثِيرُ مِنَ الدَّمِ فِي جَدْوَلِ أَعْمَالِي
قَدْ لاَ أَفْرَغُ كَيْ نَشْرَبَ كَأْسَ شَايٍ مَعاً
أَوْ نَعْدِلَ سَاقَ النَّخْلَةِ
قَدْ لاَ أَفْرَغُ كَيْ نَدْفَعَ طَوْقَ الرَّمْلِ
بعيدا خَلْفَ سُعَالِ الْجَوَارِي
قَدْ لاَ أَفْرَغُ لِلتَّحَايَا
لَدَيَّ الْكَثِيرُ مِنَ الدَّمِ فِي جَدْوَلِ أَعْمَالِي
وَ هَوَاءٌ قَلِيلٌ لاَ يَكْفِي النِّسْوَةَ
كَيْ يَصْرِفْنَ الْحُلْمَ إِلَى نَسْلِهِ
وَ الْوَقْتُ قَصِيرٌ جِدّاً/ عَشْوَائِيٌّ جِدّاً
لاَ يَكْفِي كَيْ أَمُوتَ مِرَاراً
وَ أَحْيَا مِرَاراً
أَنَا دِيكُ الْجِنِّ الْغَامِضُ
شَبَهُ الأَكْثَرِيَّةِ مِنْ حُرَّاسِ التِّبْغِ
وَ آثَارِ النَّوْمِ فِي أَيْدِي الْمَارَّةِ
عَيْنٌ فِي الْهَوَاءِ
عَلَى الْغَيْبَةِ وَ الْآتِي
وَ دَمْعِ الْيَتَامَى
حَطَّابٌ يُؤْنِسُ صَفْصَافَ الْوَادِي
وَ ثَدْيَ الْغَزَالَةِ
تُعْوِزُهُ الْحِيلَةُ كُلَّمَا ضَاقَتْ
أُنْثَاهُ بِصَمْتِ الْأَعَالِي!
هَذَا أَنَا
لَمْ أَخْلَعْ جَارِيَتِيْ
لَمْ أَخْلَعْ صَاحِبَهَا
كَيْ أَبْقَى دُونَ مَسَاءٍ وَاقٍ
أَدِينُ لَهُ بِاللُّهَاثِ الَّذِي يُسْنِدُ كَفِّي!
حَطَّاباً كُنْتُ
أَرُدُّ الْقَتِيلَ إِلَى سَاقِ النَّخْلَةِ فِي يَدِي
فِي الْهَوَاءِ الْعَمِيقِ، وَيُفْلِتُ مِنِّي
أُعِيدُ الْكَرَّةَ ثَانِيَةً مِثْلَ جنْدِيٍّ
مَرْشُوشٍ بِطَعْمِ الْفَوَاكِهِ
فِي حَلْقِهِ غُصَّةٌ
وَ عَلَى كَاحِلِهِ دَمٌ سَائِبٌ!
الدَّمُ لُعْبَةٌ لاَ يُتْقِنُهَا غَيْرِي
مُنْذُ خَامَرَنِي الشَّكُّ
مُنْذُ انْسَلَّتْ أُمِّي مِنْ سُرَّتِيْ
قَبْلَ أَنْ يَفْطِنَ الْمُتْعَبُونَ
إِلَى سَاقِ النَّخْلَةِ فِي يَدِيْ!
حَطَّاباً كُنْتُ ، نَعَمْ
لَكِنِّي لَمْ أَهْزِمْ أَحَداً
كُنْتُ أَلْهُو فَقَطْ
وَ أُمَرّنُ نَفْسِي عَلَى تَشْكِيلِ الْكَوْنِ بِكَيْفِيَّةٍ أُخْرَى
وَأُدَرِّبُ نِصْفِي عَلَى شَطَحَاتٍ عَصْرِيَةٍ
نَادِراً مَا يُفَكِّرُ فِيهَا الرُّمَاةُ
وَ كُنْتُ جَوْعَانَ عَلَى غَيْرِ الْعَادَةِ
أَرْقُصُ مِثْلَ جُنْدِيٍّ
مَرْشُوشٍ بِمِلْحِ الْيُورَانْيُومِ:
يَدٌ فِي الْهَوَاءِ الْعَمِيقِ
وَ أُخْرَى عَلَى سَاقِ النَّخْلَةِ
هَكَذَا أَقْضِي وَقْتِي!
في الْمقْهَى
(1)
في المقْهى
لا أحد يَعْصِرُ غَيْماً
أوْ يُطْعِمُ شَهْقَتَهُ
لِطُيورِ الصَّباحِ
و لا أحد
يستجيرُ بهِ المارَّةُ
فيُظِلُّ العِطْرَ الذي تَضَعِينَ
على كَتفِ الورْدةِ!
(2)
في المقْهى
لا أحد يرفعُ نايَهُ
كيْ يَمرَّ الرُّواةُ
إلى موتِهِمْ في هدوءٍ
لا أحد يتألَّمُ
لا أحد يفرحُ
أو يربِّي صَنَوْبرةً لِحَبيبتِهِ!
(3)
في المقْهى
تنمو أعشابٌ بيضاءُ
على قامَتِي
كلما اعْتذَرَتْ شُرْفَةٌ
عن لَفْتةِ عَاشِقٍ
وَ لذلكَ يسْقُطُ منِّي
بُخارٌ كَثيفٌ
بِطَعْمِ الدَّمِ!
(4)
في المقْهى
أُعيدُ السَّهْوَ إلى الْعابرينَ
لكي يُدْرِكُوا أنَّ الأرضَ
تَقُومُ على أرْبعٍ:
حافةٌ
و دمٌ سائبٌ
و بَقايا لهاثٍ
و امْرأةٌ ذاتُ زَرْعٍ كثيفٍ
بعْثرهُ حَكيٌ طارئٌ!
(5)
في المقْهى
أُقَشِّرُ ظِلِّي
أقشِّرُ جَمْرَ النَّهَارِ الذي
كانَ ـ فيما مَضَى ـ حَجَراً
جَرَحَتْهُ الصَّبايا بِسَوْسَنِهِنَّ
أقشِّرُ ما يقْلقُ الغائبينَ
لعلَّ سنابلَهُمْ تطرحُ
دمعاً في يدي!
مَقامُ الرِّضَى
سأنامُ الآنَ كأيِّ فَتى
أهْملَ ريشَهُ ممدوداً
إلى آخِرِ شرفةٍ في الأَقاصِي
أنامُ ـ وَ مِلءَ يَدَيَّ ـ شوارِدُ
منْ ذهبوا مثنى و فرادى
بِغَيْرِ ضَبابٍ يَحُفُّ جدائلَهُم!
سأنامُ إِلى جانبِ النَّخْلةِ
أوْ قُرْبَ الْبئرِ الْوحيدةِ في كَفِّ أُمِّي
أنامُ إلى جانبِ الْغَيْماتِ
الَّتي اخْتَبَأَتْ في لُهاثِ الطَّيْرِ
أنامُ طوالَ النَّشيدِ
لأنِّيَ أَنْهيتُ ـ تقريبا ـ كلَّ أوهامي:
كنسْتُ الأَرْضَ
و غَلَّقْتُ الأَبْوَابَ
و أَخْلَيْتُ كلَّ الممَرّاتِ
منْ لَغطِ الشُّعَراءِ
و ما أوجَعَ الشُّعَراءَ
و آويْتُ إليَّ حبيبي
شَمَمْتُ رياحينَهُ
و بقايا الثُّغاءِ على أطْرافي
غَمَسْتُ أظافرَهُ في لحْمي
إلى آخِرِ ما في لحْمي منْ زَبِيبٍ
فَامْتَلأتْ رِئَتَايَ بِشَهْقَتِهِ
و انْتَفَضْتُ طَويلاً
كأيِّ سنونو خُيِّرَ بينَ الموْجِ
و بَاقي الأَعالي
فنامَ عَلى كَتِفِي!
آويْتُ إليَّ حَبيبي و أَسْماءَهُ
خَبَّأْتُ شواردَهُ حَيثُ
يَشْتَبكُ الماءُ بالماءِ
و الْياسَمينُ بِكَيْدِ الْغبارِ
أشرتُ إليهِ أَنِ اتْبَعْنِي
فارْتابَ ـ على غَيرِ عادتِه ـ مِنْ شَر ابِي
نَشَّ الظِّلالَ على خَطْوِي
و أشارَ إليَّ أنِ الْحقْ بي
حيْثُ يتَّصِلُ الضَّوءُ بالضَّوْءِ
و الأَعْتابُ بِنَاصِيةِ المسْتَحِيلِ
هناكَ تنامُ
وَ أَحْرسُ فَيْضَكَ
منْ وَجعِي
قُلتُ: لَبَّيْكَ يَا وَطنِي
أنامُ كما تَشْتهي أنْ أموتَ
مَلاَكاً بِنِصْفِ جَناحٍ
أطلقَ شهقتَهُ في الأَقَاصِي
وَ بَيْنَ يديْهِ سنابلُ مَنْ ذهبوا
مَثْنى و فُرادى
بِغَيْرِ رذاذٍ يَبُلُّ مَسارِبَهُمْ!
ديوان شعر
ـ أَصَابِعُ آدَمَ ـ فتح الله بوعزّة ـ دجنبر 2014 ـ منشورات ديهيا ـ بركان ـ المغرب.