يخصنا الشاعر السوري بهذه القصائد التي تشرح بعضا من اغتراب الذات في "حياة" المنفى، اغتراب مضاعف بالأشياء والتفاصيل والمعنى، ومنفى متسع لكل شيء حتى تصبح الحياة أقرب الى صيرورة زمنية لا تتغير وكيف لها ذلك وبالقرب طبول جراح الحرب التي تدك أي أمل في العودة وأي بريق لغد مختلف، لذلك يتمسك الشاعر بقصيدته لأنها الأمل الوحيد المفتوح على المستقبل.

حياتُكَ نجمةٌ في الصباح

عـمر يوسف سليمان

ما تغيَّرَ شيء
يهطُلُ المطرُ كالإبَرِ على النَّافِذَة

والقمرُ ما زالَ يطلعُ سهواً في ساعةِ العصر

صيحاتُ أطفالٍ يعيدون درَّاجاتِهِم إلى حزنِ نهاية العطلة

نداءاتُ الجيرانِ من أجل العَشاء

أغصانٌ ترسمُ الغدَ في ضوءٍ خافت

صوتُ تلفازٍ بعيدٍ

وكلبٌ يتلمَّسُ طريقَهُ في العتمة

 

ما تغيَّرَ شيء

ها نحنُ ننهضُ على كؤوسٍ نصفِ فارغة

على صباحٍ لم يُبَدِّلْ مكانه

ما زالَ السُّكَّر حول الفنجانِ يُشعرنيْ بالضياع

وما زالتْ ضجةُ العمال

ورائحةُ الأعراس في النوافذ

 

شجرةُ الأرْزِ ذاتُها مقابلَ شرفتنا

نجمةُ فخذيكِ على ارتجافِهَا المحمومِ

وكحلُكِ أغنياتُ القرى

 

ما تغيَّرَ شيء

سوى أن جمرة المنفى تختبئ تحت وسادتيْ

 

ثمَّةَ حربْ
الرعدُ يقصفُ باريسَ

وتمطرُ طائراتٍ في دمشقْ

 

بينَ الدمِ المحسورِ

وأصابعِ أطفالٍ مكسَّرَةٍ بمطرقةِ الوقتِ

ضوءٌ يثقبُ قلبيْ

 

القطارُ يمتصُّ الحصى

لعنةُ الشرقِ رمتهمْ في النَّفَقْ

 

هذه الأرضُ زوبعةٌ

وحيثما تتكاثرُ قصائدُ سوداءُ

ثمةَ حربْ

 

حانة المجانين
وأنتَ في حانةِ المجانين

أيُّها المنفيُّ السعيد

تضاحكُ قرصاناً أعمى

ومن شفتيكَ يقطُرُ مطرُ قريتكْ

 

تقرعُ صوتَكَ في كؤوسِ الغرباء

كأنَّكَ لا تسمعُ مسبحةَ جدَّتِكْ

هناكَ في فضَّةِ الصيفِ

وهنا في حنجرتِكَ المدمَّاة

 

وأنتَ تنظرُ من شرفةِ لغتكْ

المطلَّةِ على الحكاياتِ والعابرينْ

ترى مرايا أوهامٍ لامعةً

وحياتُكَ نجمةٌ في الصباحْ

 

(خاص مجلة "الكلمة")