أثر الفراشة: نظرية فيزيائية جرى اكتشافها بالصدفة من باطن نظرية الفوضى، تفسر ظواهر الترابطات والتأثيرات المتبادلة التي تنجم عن حدث (أول) قد يكون بسيطاً في حد ذاته، لكنه يولد سلسلة متتابعة من النتائج المتتالية والتي يفوق حجمها وتأثيرها مراحل حدث (البداية) وبشكل غير متوقع، وفي أماكن أبعد ما تكون عن التوقع وهو ما عبر عنه مفسرو هذه النظرية بشكل تمثيلي مفاده: ((أن رفرفة جناح فراشة في البرازيل ستؤدي إلى عاصفة في تكساس)). هذا المصطلح يأتي للوصف المجازي لحدث ما وليس لتفسير الحدث، ويشير إلى: أن الفروق الصغيرة في الحالة الأولى لنظام متحرك (ديناميكي) قد ينتج عنها في المدى البعيد فروقات كبيرة في مسارات حركة هذا النظام. والمثال المطروح الذي يجسد فكرة ان مسار النظام المتحرك تعتمد على فروقات بسيطة في المراحل الاولى هو مثال (الكرة)، اذ عند وضع كرة ما في أعلى تله ما، يمكن ان تتدحرج في أي اتجاه بناءً على فروقات صغيرة في مكان موضعها.
ويعد عالم الأرصاد الجوي ادوارد لورينتيز من أوائل من أسس لطروحات هذه النظرية رياضياً عام 1963، حيث وجد ان تأثيرات بسيطة جداً في بيانات توقع الطقس بإهمال كسور عشرية أظهرت نتائج تختلف تمام الاختلاف عن النتائج في حالة اعتماد الرقم كاملاً دون اهمال الكسور، ولتوضيح هذه النظرية قال ادوارد لورينتيز عبارته المشهورة: ((رفرفة جناحي طائر النورس يمكنها تغيير المناخ الى الأبد))، فيما بعد وبينما كان زميله فيليب ميريليس يستعرض بعض الرسوم البيانية لفت نظره رسـماً منها تصادف انه يشبه شكل فراشة فقال كلمته المشهورة والتي أصبحت عنواناً للنظرية: ((ان رفرفة جناح فراشة في البرازيل ستؤدي الى عاصفة في تكساس))، وقد كشف فيليب ميريليس عام 1972 في تجمع للرابطة الأمريكية للعلوم المتقدمة في تقرير تقدم به عن نظرية أثر الفراشة التي وضع الكثير من طروحاتها زميله ادوارد لورينتيز قبل عشر سنوات.
وبطرح مبسط تشير نظرية اثر الفراشة الى صورة عامة من الأحداث التي تتسبب في وقوعها عوامل بعيدة عنها في الزمان والمكان، ومختلفة تماما في أبعادها، حيث ان أي فعل بسيط في الظاهر فأن له تأثير، وقد يتطور هذا التأثير تطورا هائلاً غير متوقع وبالتالي يدفع الى سلسلة من الأحداث تؤدي الى تغيرات كثيرة في النهاية. وهناك سيناريو يطرحه أصحاب هذه النظرية لتوضيح تأثير الأشياء البسيطة في تغيير مسارات الأحداث والتي يمكن ان تغير الواقع وترسم المستقبل، فهناك أشياء كثيرة نعتبرها في حياتنا بسيطة مثل رفرفة جناح فراشة ولكنها على المدى البعيد ستؤثر في حياتنا لان تفاصيل الكون مرتبطة بعضها بالبعض وتسير وفق نظام دقيق وصارم، ينص السيناريو على: ان في الهند ونتيجة لازدياد الطلب على الثعابين وكثرة اصطيادها قلت أعدادها بحيث زاد عدد الفئران، لان الفئران تعد وجبة مفضلة للثعابين بحيث أصبحت الهند تعاني من زيادة في الفئران التي تأكل سنويا من الحبوب والقمح ما يكفي لإطعام الملايين! انظر كيف ان تدخل بسيط في صيد الثعابين ادى الى مشكلة يعاني منها ملايين الناس. ثمة سيناريو اخر يحاول تقريب الأمور قليلا من أذهاننا: نتخيل سويا فراشة تطير فى الهواء، ونرى ضفدعا يتجه نحوها ثم يلتهمها، لو فرضنا معا أنه لم يستطع التهام هذه الفراشة فإن الأحداث ستتغير حتما، سيتجه للبحث عن شيء آخر يأكله، وربما لا يجد ما يأكل فيموت جوعا، لنذهب في أفق الخيال ابعد ونفرض أن هذا الضفدع وبسبب حركته لالتهام الفراشة او للبحث عن الطعام لانه لم يأكل الفراشة انتبه اليه ثعبان واكله بدوره، هذا لن يحدث فى حالتنا لأن الضفدع بقى في مكانه ولم ينتبه إليه الثعبان فمات جوعا، وطبعا أدى ذلك إلى أن الثعبان سيبحث عن شيء آخر يأكله، وربما فى رحلة بحثه هذه يمر إنسان عاثر الحظ فى طريقه فيشعر بالخطر لوجوده فيقوم بلدغه فورا، ويموت هذا الشخص بالسـم، إذن إخفاق الضفدع في التهام فراشة وبقائه ساكنا مع عدم سعيه للبحث عن طعام يأكله أدى الى موته وموت إنسان، لنفترض ان الأحداث سارت في اطار وقوع الضفدع فريسة للثعبان بالتالي لم يعد الثعبان بحاجة للسير بحثا عن طعام، بمعنى انه لن يقوم بلدغ الشخص الذى سيعود بدوره لحياته الطبيعية، ويفيد مثالاً آخر: ان غابات ممتدة الأطراف ربما تحترق لان احدهم رمى قنينة من زجاج في ارض الغابة فتكسرت وشكل قعرها عدسة لامة كونت حزمة من أشعة الشمس أدت الى وصول عشبة صغيرة الى درجة الاتقاد فأحرقت غصنا اكبر وبالتالي احترقت الغابة وماتت الكثير من الحيوانات وتسببت بكارثة بيئية واقتصادية، ماذا لو ان احدهم لم يرمي قنينة من زجاج في ارض الغابة وماذا لو انها لم تنكسر، وهكذا فأن اي تغيير بسيط فى أى حدث تافه فى الماضى ربما يؤدى لحدوث أشياء شنيعة فى المستقبل او عدم حدوثها، وربما يتغير تاريخ الأرض كله من حادثة بسيطة.
لقد أثرت نظرية اثر الفراشة في الكثير من جوانب الأدب والفن في المجتمعات على سبيل المثال لا الحصر: فلم تأثير الفراشة (The Butterfly Effect) فيلم أمريكي، أنتج في عام 2004 بطولة آشتون كاتشر، أيمي سمارت، ألدن هنسون، وليام لي سكوت، إيريك ستولتز والإخراج لإيريك برس، جي ماكي جروبر.((في السابعة من عمره تعرض إيفان تريبورن (كتشر) لصدمات نفسية، دفعت والدته إلى عرضه على طبيب خشية أن يرث مرض والده العقلي، فنصحها الطبيب بكتابة تقرير يومي عن نشاط الطفل حتى يمكن الرجوع إليه في المستقبل. وبعد ثلاثة عشر عاما التحق إيفان بكلية علم النفس، وبدأ بقراءة اليوميات على أمل أن تكبح جماح ذكريات طفولته. وعندما بدأ في قراءة تفاصيل حياته قبل فقدانه للوعي، وجد نفسه عائدا بقوة في الزمن الماضي، حاضرا في الأحداث المؤلمة له التي لم يستطع استيعابها في ذاكرته. وسرعان ما أدرك أنه يجسد طفولته، وأن لديه القدرة على منع الأحداث المضطربة قبل حدوثها، وبالتالي يمكنه إنقاذ نفسه وأصدقائه ليني (ألدن هنسون) وكيليه (آمي سمارت) وأخيها تومي (وليام لي سكوت) الذين سيتسبب والد تومي وكيليه الشرير في تدمير مستقبلهم. ولكن سرعان ما يكتشف إيفان أن تغيير الماضي يغير الواقع أيضا. وأن النتائج ليست جيدة في كل الأحيان. ولإسعاد نفسه وأصدقائه يحاول إيفان تصحيح الماضي، ولكن لكل حقيقة جديدة هناك جانب مظلم. ويجد إيفان نفسه غير قادر على إعادة الماضي لما كان عليه، وعليه الآن أن يختار واقعا واحدا فقط ليتعامل معه، وإن كانت نتيجة هذا الاختيار التضحية بأحب الناس إليه، في سياق تلاعبه في أحداث بسيطة بعودته الى الماضي يجد ان الامتناع عن ابتسامة في عيد ميلاد كان لها الأثر الكبير في تغيير مسارات حياة أسرته، ومن الجدير بالذكر ان للشاعر الكبير محمود درويش عمل بعنوان اثر الفراشة 2007، آثر درويش على تصنيفه تحت جنـس (يوميات)، وبالتأكيـد لا يستخدم درويش هذا الدال (الفراشة) في أشعاره ويومياته بمعناها القاموسي، او بالمعنى الذي طرحه ادوارد لورينتيز في أبحاثه عن توقع الطقس، لأنه يرى فيها دلالات رمزية عديدة وربما يجد النقاد دلالات مختلفة للفراشة عند درويش في أكثر من قصيدة او عمل قد تكون فراشة درويش مراءة وربما جناحيها صفحات كتاب، يكتب درويش في مطلع قصيدة (اثر الفراشة):
"أثر الفراشة لا يُرى.. أثر الفراشة لا يزول.. هو جاذبية غامض.. يستدرج المعنى، ويرحل.. حين يتضح السبيل..... هو خفة الأبدي في اليومي".
ان مفهوم اثر الفراشة يشير الى نظرة متأصلة بان مسيرة الكون في تتابعها وترابطها تمنحنا قدر من التفكير يدفعنا للتوقف عند كل فعل، بحيث نصل الى نتائج تفيد ان متغيرات الكون ترتبط برابط غامض غريب يوحد فيما بينها بشكل يشير الى انها تسير وفق نظام، وان كان ظاهرها يبدو وكأنها أحداث عشوائية غير مرتبطة ببعضها. والواقع ان هذا المفهوم لم يعد قاصراً على الأرصاد الجوية فقط بل ساهم في القاء الضوء على كل الأسباب الخفية والبعيدة التي تتحكم في المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والصحية والبيئية. ولو أسقطنا هذه النظرية بشكل ما على حياتنا الشخصية سنرى ان ليس ما ندعوه بالقرارات المصيرية هي فقط القرارات الأشـد تأثيرا في حياتنا بل قد تكون لبعض الأفعال الصغيرة والتي نعتاد فعلها بشكل متكرر دون الانتباه لها تأثيراً في نمط حياتنا وطبيعة تركيبة علاقاتنا الاجتماعية.