يتناول الكاتب "الرياضة" من حيث هي مفهوم وممارسة وعرض. ثم يسلط الضوء على علاقتها مع «الثقافة» وأنساق الممارسات الأخلاقية والروح الرياضية، كما يتناول كيفية عمل الإعلام الرياضي ودوره في الترويج ونشر الثقافة الرياضية.

المقاربة الثقافـية في مفهوم الرياضة

نعـمان عبد الغني

المقدمة:

من المعلوم، أن الحضارة (Civilisation) لها شقان: شق مادي يتمثل في التكنولوجيا والعمارة والتقنيات، وشق معنوي يتمثل في الثقافة بتجلياتها الإبداعية والأدبية والفنية والنقدية. ومن ثم، تعد الثقافة من أهم العوامل الأساسية التي تحقق التنمية المستدامة أو التنمية المحلية. فلم تعد التنمية الاقتصادية هي التنمية الوحيدة التي تشبع رغبات الإنسان، وتسعده ماديا وعضويا، بل الإنسان في حاجة إلى إشباع رغبات أخرى أكثر أهمية من تلك الرغبات المادية والغريزية، مثل: الرغبات العقلية، والرغبات الأدبية والفنية، والرغبات الروحانية والنفسية. وهذا ما توفره الثقافة للإنسان، باعتبارها ثقافة لامادية قائمة على الإبداع والفن والدين والفكر والفلسفة والعادات والتقاليد والطقوس والأعراف. ويعني هذا أن الثقافة هي كل الإنتاجات المعنوية التي تساهم في تنمية الإنسان عقليا وذهنيا ووجدانيا ومهاريا. وبالتالي، فهي أساس التنمية البشرية المستدامة إلى جانب الأبعاد الأخرى، مثل: البعد الاقتصادي، والبعد الاجتماعي، والبعد البيئي.

إذاً، ما الثقافة؟ وما الرياضة؟ وما علاقة الثقافة بالرياضة؟ تلكم هي أهم الأسئلة التي سوف نحاول الإجابة عنها في موضوعنا هذا.

مفهـوم الثقافة:
من المعروف أن الحضارة Civilisation هي نتاج بشري مرتبط بالجهد الإنساني، والعمل الدؤوب، والزمن التاريخي. وتنقسم إلى شقين: الشق المادي الذي يتمثل في التكنولوجيا Technologie، وهي كل ما أنتجه الإنسان ماديا وعمرانيا وتقنيا وآليا لإسعاد البشرية. أما الشق الثاني من الحضارة، فيتمثل فيما هو معنوي وروحي وقيمي، وهو الثقافة Culture ويقصد بها كل ما أنتجه الإنسان من فكر وإبداع وفن ودين وعادات وتقاليد وأعراف وطقوس، وما خلفه من تراث وآثار مادية ومعنوية ومنقولة وعالمية.

وعليه، فالثقافة هي كل ما يتعلق بالعلوم والفنون والآداب والمعتقدات والصناعات التقنية والأديان. وبتعبير آخر، الثقافة هي هذه "المجموعة المعقدة التي تشمل المعارف والمعتقدات والفن والقانون والأخلاق والتقاليد وكل القابليات والتطبيقات الأخرى التي يكتسبها الإنسان كعضو في مجتمع ما".

ويعني هذا أن الثقافة تشمل المعطيات الفكرية والعاطفية والمادية. فهي "كل ما يصور تجارب الإنسان شعرا، ونثرا، ولونا، ونغمة، وشكلا، وصورة. كل تعبير، أيا كان شكله، ونمطه، وهدفه، وأصالته، ونوعيته. كل ما من شأنه أن يخرج أحوال الناس من برجها الذاتي إلى ساحة الإدراك والتذوق والفاعلية".

وإذا كانت الشعوب البدائية تعرف بالاحتكام إلى الطبيعة وسننها وقوى الأسطورة أو الميتوس، فإن الشعوب المتحضرة تحتكم إلى الثقافة واللوغوس. أما كلمة "المثاقفة" Acculturation، فهي عملية انصهار الحضارات، وتبادل المعارف والثقافات بين الشعوب، من خلال الاحتكاك الثقافي، والترجمة، والاطلاع على أراء الآخرين. كما أن المثقف هو الشخص الذي يمارس العمل الذهني والتفكير، وينتج

الآداب والعلوم والفنون، ويخترع التكنولوجيا. ويعرف المثقف بأنه ذلك الشخص الذي ينتج كل الدوال اللفظية والبصرية، من شعراء، وناثرين، وكتاب، وموسيقيين، وفلاسفة، وتشكيليين، وسينمائيين، ومسرحيين. ورياضيين.. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على مدى تعدد فروع الثقافة، وكثرة أقطابها ومسالكها، وتعدد مزاوليها من البشر."

هذا، وتتمثل منابع الثقافة عند المثقف المتنور في المصدر الطبيعي، من خلال استغلال الطبيعة واستثمارها، والصراع معها جدليا للتحكم فيها مخافة من رعبها، واتقاء كوارثها الخطيرة التي تهدد حياة الإنسان وبقاءه. ولا يقتصر هذا الصراع على ما هو طبيعي فقط، بل يتعداه إلى الصراع الداخلي، والصراع مع الأفراد من بني مجتمعه، والصراع مع مقابله الجنسي الذي يتمثل في المرأة، ناهيك عن الصراع الاجتماعي والصراع الطبقي. والهدف من الثقافة هو تحقيق المتعة الوجدانية والمنفعة المادية. أي: يعبر المثقف عن نقص شعوري ولاشعوري. ويعبر أيضا عن حرمان على مستوى تحقيق الرغبات والنزوات والإشباع المادي. ومن ثم، فالثقافة تعويض عن النقص والحرمان والكبت. وتستلزم الثقافة، إلى جانب المتعة والمنفعة، ثنائيات أخرى كاللعب والعمل، والشكل والمضمون، والعقل والعاطفة.

الرياضة:
ترويض للنفس قبل أن تكون حصداً للألقاب والكؤوس وفرداً للعضلات، وما جدوى أن يكون البطل بلا أخلاق، تتدلى على صدره أوسمه عارية من كل معاني الأخلاق الفاضلة والرياضة بمعناها الصحيح ترفض أن تكون وسيله لغاية أخرى لأنها بذاتها وسيلة وغاية لترويض النفس قبل الجسد، فالصعود إلي قمة الشهرة يحتاج إلي جهد ومثابرة وتفان ومقدرة على الصبر والإبداع وهناك الكثير من الرياضيين الذين وصلوا وسقطوا سريعاً إلى القاع ليضعوا صفحة سوداء لمسيرتهم الحافلة بالنجومية وذلك بسبب عدم التزامهم بأخلاق. تتردد على مسامعنا بين الفينة والأخرى عبارات يعتقد الكثيرون صحتها ولكن في حقيقتها تكون عبارات خالية من أي مضمون ومعنى مفيد بل هي مما اعتاد الناس تداوله ظنا منهم أنها عبارات مؤدية للغرض إلي يقصدونه ومن هذه الأقاويل ما نسمعه من شعار أن الرياضة أخلاق.

هذه العبارة توهم بأن ممارسة الرياضة تربي في النفس الأخلاق الحميدة بينما المتبصر بها يجد أنها غير ذات معنى فكيف تستطيع الرياضة وممارستها أن تزرع الأخلاق الحميدة. مهما فكرنا فلن نستطيع أن نزيد أي مفهوم آخر على هذا المعنى إلا أذا قلنا أن الرياضة يمكن أن تشغل وقت الشاب عن بعض الأفعال السيئة وبعض التصرفات المعيبة وضياع الوقت في غير المفيد.

إن التفكير الصحيح يقودنا إلى فكرة أن الأخلاق هي التي تقود الرياضة وهي التي توجهها نحو هدفها الصحيح أو الخاطئ.

قد يقول قائل ما هذه الفلسفة وما الفائدة منها نقول أن هذا الموضوع أصبح مهما كثيرا في زمن فقدنا فيه البوصلة الصحيحة التي يجب أن توجه الأمة إلى المسار السليم ولذلك نجد أن العودة إلى تحديد المصطلحات والمفاهيم أصبح أمرا ضروريا.

إن الأخلاق هي مجموعة القيم والضوابط السلوكية التي تحكم مشاعر الفرد وعمله وتوجهاته في الحياة وهي المعايير التي تجعل من عمله عملا صالحا أو عملا رديئا وتنشأ هذه الأخلاق بالطبع من معتقدات الإنسان وتوجهاته الفكرية والمبدئية في الحياة.

صحيح أن جميع المعتقدات والأديان توجه أصحابها نحو الأخلاق الحميدة وتنهاهم عن الأخلاق السيئة ولكن تحديد هذه الأخلاق وتقييم مدى صحتها بدقة يختلف من عقيدة إلى أخرى وبمعنى آخر لو نظرنا إلى الصدق فالأمر المتفق عليه بين كل المعتقدات والأديان أن الصدق خلق حميد على الإنسان أن يتحلى به وأن الكذب أمر ممجوج على الإنسان أن ينتهي ويتخلى عنه ولكن مفهوم هذا الصدق يختلف من فكرة لأخرى ففي المفهوم الديني هو أمر يتطلبه الالتزام الديني وفي العقيدة الإسلامية هو أمر شرعي مطلوب بغض النظر عن المصلحة المتحققة من الصدق أما في الكثير من المعتقدات الأخرى فالصدق هو أخلاق ذاتية حميدة يجب على الإنسان أن يتحلى بها ليحقق من خلالها إنسانيته ومصلحته الإنسانية العليا وهذا كلام مقبول لكنه للأسف معيار غير ثابت وغير دقيق فما هي المصلحة العليا للإنسان ومن يقدرها وهل المصلحة العليا للإنسان أمر متفق عليه بين البشر وإذا كان الأمر كذلك فلماذا تختلف الشعوب والأمم وتقام الحروب بين الناس إنها بسبب عدم الاتفاق على صيغة محددة لهذه المصلحة العليا من هنا كان التفاوت في مدى الالتزام بالخلق الحميد ومنه الصدق بين الأمم والمعتقدات ومن هنا كان هناك كذبة بيضاء وكذبة صفراء وأخرى رمادية وهكذا أما الالتزام الكامل والحقيقي فلا يمكن أن يتم إلا بوجود وازع كبير لدى الإنسان يمنعه من الأخذ بالأخلاق السيئة في كل حال وآن.

على كل اللاعبين أن يلتزموا بالصدق والأخلاق الحميدة في لعبهم مهما كانت النتيجة ولو كان الهدف كأس العالم فكأس العالم أو أي كأس آخر ليس أهم من الالتزام بالصدق والأخلاق الرفيعة فهي محور حياة الإنسان السوي وأساس الحفاظ عل إنسانيته الحقيقية فليس من هدف مادي مهما كان كبيرا أو صغيرا يبرر للإنسان الكذب والغش والخداع.

هل تستطيع الرياضة أن تعلم الإنسان الصدق فيما لو تركت دون قالب أخلاقي صحيح؟

هل الرياضة بحد ذاتها هي التي تجعل هذا اللاعب خلوقا وهذا اللاعب غير ملتزم بالأخلاق المناسبة؟

هل الرياضة ومشاهدة المباريات تجعل المشاهدين يتحلون بالأخلاق الرياضية والروح الرياضية العالية أم أن ما جعل اليوم من تنافس تجاري بين الأندية والدول والمؤسسات الرياضية جعل الأخلاق تتعثر في الملاعب وأصبح من الفلكلور الرياضي أن نسمع الرذائل والشتائم والتصرفات القبيحة من اللاعبين أو المشاهدين والمشجعين؟

تعلمون أن كلمة (ثقافة) لم ترد إطلاقاً في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية المطهرة، كما لم ترد في نصوص العرب وأشعارهم لا في جاهلية ولا في الإسلام وقـد وصفها المعجم الوسيط بأنها كلمـة محدثة في اللغة العربية، ممـا يدل دلالة قاطعة على أنـه لم يكن لـهـا عند العرب والمسلمين ذلك الوزن الذي يعطى لها اليوم، ومن هنا فان العرب والمسلمين حتى ما قبل قرن من الزمـان لم يكونوا يولونها أي حظ من الاهتمام، بينما هي اليوم كل شيء في حياة البشرية بل هي مرآتها.

إن جذر كلمة ثقافة هو: (ث، ق، ف)، ولهذا الجذر معنيان رئيسيان متباينان في اللغة العربية:

الأول: ثَقَفَ: قال الفيروز أبادي: ثَقَفه: أي صادفه أو أخذه أو ظفر به أو أدركه.

وبهذا المعنى جاء قوله تعالى ﴿فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم﴾.

والثاني: ثَقِفَ يثقَف، وثَقُفَ يثقُف، ثَقْفاً وثَقَفاً وثقافة: صار حاذقاً خفيفاً فطناً.. ومنه:

ثَقِفَ الكلام: حذقه وفهمه بسرعة.

وثَقَّفَ الرمحَ: قوّمه وسوّاه.

وثقَّف الولد: هذّبه وعلّمه.

وثاقفه مثاقفةً: غالبه فغلبه في الحذق.

ويبين ابن منظور في لسان العرب أن معنى ثَقَفَ: جدّد وسوّى، ويربط بين التثقيف والحـذق وسـرعة التعليم.

ويعرف المعجم الوسيط الثقافة بأنها (العلوم والمعارف والفنون التي يطلب فيها الحذق).هذا في اللغة العربية. ولـذلك كلنا يعلم أن الثقافة تعني مجموع العلوم والمعارف والفنون التي يطلب الحـذق فيها، قالـوا: وغلام ثقف أي انه ذو فطنة وذكاء، والمراد انه ثابت المعرفة بما تحتاج إليه، وفرق صاحب المعجم الفلسفي جميل صليبا بين الثقافة الخاصة والثقافة العامة فقال: (والثقافة بالمعنى الخاص هي تنمية بعض الملكات العقلية أو تسوية بعض الوظائف البدنية، ومنها تثقيف العقل وتثقيف البدن)، أما الثقافة العامة فهي ما يتصف به الرجل الحاذق المتعلم من ذوق، وحس انتقادي، وحكم صحيح، أو هي التربية التي أدت إلى إكسابه هذه الصفات)، ثم قال: (ومن شرط الثقافة بهذا المعنى أن تؤدي إلى الملائمة بين الإنسان والطبيعة، وبينه وبين المجتمع وبينه.

أهمية الإعلام الرياضي ودوره في نشر الثقافة الرياضية:
يعتبر الإعلام الرياضي بمثابة المدرسة العامة التي تواصل عمل المؤسسات الرياضية.

والإعلام الرياضي يقرب الفروق بين الأفراد عن طريق نشر الخبرات وتعديل السلوك بين الصغار والكبار بما يتلاءم والعادات والتقاليد الرياضية السليمة.. ونشر الثقافة الرياضية.

وللإعلام الرياضي دور هام ظهر بجلاء بعد انتشاره على نطاق واسع في القرن العشرين، ولذلك أخذت الحكومات على اختلاف سياستها الفكرية تخصص القنوات الإذاعية والصحف لرفع مستوى الثقافة الرياضية وزيادة الوعي الرياضي بين الأفراد وتعريفهم بأهمية ودور الرياضة في حياتهم العامة والخاصة. كما يستخدم الإعلام الرياضي في تعريف العالم الخارجي بحضارة الشعوب لما يعكسه من مقياس للرق، وفي ظل التقدم العلمي والتكنولوجي السريـع في المجال الرياضي يبرز أهمية الإعلام الرياضي في تعريف أفراد المجتمع بما يدور من أحداث وتطورات في هذا المجال وذلك في ظل الزيادة الكبيرة لأفراد المجتمع، وبالتالي صعوبة الاتصال المباشر بمصادر المعلومات والأخبار.. وللإعلام الرياضي الكثير من الخصائص ومن أبرزها:

الاختيار: فالإعلام الرياضي يختار الجمهور الذي يرغب في الوصول إليه فهذا برنامج عبر محطة الراديو موجه إلى جمهور فريق كرة القدم، وهذه مجلة رياضية خاصة بكرة السلة، وهذا برنامج تلفزيوني موجه لجمهور كرة اليد، وهكذا.

الجماهير: فالإعلام الرياضي يتميز بأنه جماهيري له القدرة على تغطية ومخاطبة قطاعات كثيرة من الجماهير.

الاهتمام بكل قطاعات المجتمع :فالإعلام الرياضي يهتم بكل القطاعات، حتى الصغيرة العدد، كالبرامج الرياضية للمعوقين وهكذا.

الإعلام الرياضي مرآة للفلسفة وصورة المجتمع :فالإعلام الرياضي يستجيب إلى البيئة التي يعمل فيها لسبب تفاعل القائم بينه وبين المجتمع، فهو لا يتعارض من خلال ما يقدمه من رسائل إعلاميه رياضية مع القيم والعادات والتقاليد السائدة في هذا المجتمع.

اكتسب تعبير التربية البدنية معنى جديد في إضافة كلمة التربية إليه، فكلمة بدنية تشير إلى البدن وهي كثيرة ما تستخدم في الإشارة إلى صفات بدنية مختلفة كالقوة البدنية والنمو البدني، الصحة البدنية والمظهر الجسماني، وهي تشير إلى البدن كمقابل للعقل وعلى ذلك فحينما تضاف إليه كلمة "التربية" إلى الشق الأخر نحصل على تعبير التربية البدنية والرياضية، والمقصود بها تلك العملية التربوية التي تتم عند ممارسة وجه النشاط الذي ينتمي إليه جسم الإنسان، هذه التربية تجعل حياة الإنسان أكثر رغدا، كما أنها قد تحدث العكس أي تكون من النوع الهدام، ويتوقف ذلك على نوع الخبرة التي تصاحب هذه التربية، وقد تكون سارة مرضية، كما قد تكون خبرة تعيسة شقية، ومن ثم قد تساعد في بناء مجتمع قوي متماسك وقد تورث الإنسان الطبائع الضارة الهادمة للمجتمع.

وتتوقف قدرة التربية البدنية على المعاونة في تحقيق الأغراض التربوية، كما يتوقف انحرافها عن هذه الأهداف على صلاحية القيادة المسئولة عن توجيهها.

إن كرة القدم بشعبيتها وشعبية نجومها هي معبودة الجماهير، ولذلك يجب على اللاعبين والرياضيين القيام بتصرفاتٍ حسنة تنم عن خلق رفيع لأنهم القدوة لملايين البشر الذين يتابعونهم ويتعلقون بهم، فإن كان الرياضي خلوقاً، وروحه جميلة فإن ذلك سيؤثر إيجاباً على المتابعين والمشجعين، وستتجسد تلك الصفات الجيدة بهم عند الفوز والخسارة على حدٍ سواء، فالرياضة مجالٌ للتنافس الشريف بين الفرق المتبارية، وتتجسد بالروح الفدائية والاندفاع الكبير نحو تحقيق الألقاب واعتلاء منصات التتويج، ولكن بالطرق السوية السليمة البعيدة عن الانعراج والخطأ والبيع والشراء. فالأخلاق صادرة عن النفس الإنسانية لتعبر عن شخصية صاحبها وطبائعه، ومن هنا تأتي أهمية الأخلاق حيث لها التأثير الكبير في سلوك الإنسان وتصرفاته وأفعاله وردود أفعاله وعلاقته بالمجتمع وبالآخرين، فأي عمل يقوم به الإنسان في حياته سيكون مراقباً من قبل ضميره ومسيراً تبعاً لأخلاقه، بما في ذلك الأعمال والنشاطات الرياضية، حيث أن التنافس الشريف، وإثبات الذات والقدرة على التفوق بالوسائل المشروعة وضمن ظروف المنافسة العادلة والبعيدة عن أي تدخل خارجي، تلك الأمور لها أهمية أكبر من تحقيق النتائج وحصد الألقاب بالطرق الملتوية.

من المؤكد أن الأخلاق الرياضية بشكل عام هي سلوك مكتسب ينتج عن البيئة المحيطة باللاعب منذ نعومة أظفاره، فالمرجعية الأخلاقية هي من أهم المقومات التي يتم عليها البناء السليم للرياضة والرياضيين، فالرياضة هي جملة من المبادئ والقيم تأتي في مقدمتها التنافس الشريف والرياضة من أجل الرياضة، ومن أهم الاقتراحات التي لها الدور الكبير في تحسين المجال الرياضي هي زرع الثقافة الرياضية وتأصيلها وتعليمها للناشئة وتربيتهم عليها.

ويمكن دراسة الأخلاق الرياضية على عدة مستويات من لاعبين وجماهير ومدربين وغيرهم:
1- على مستوى اللاعبين:
في مجتمعنا العربي يمكن القول أن لاعبي كرة القدم على قدرٍ جيدٍ من الأخلاق، ولديهم دوافع كثيرة تمنعهم من التصرف بشكل لا أخلاقي يسئ لهم ولسمعتهم وأهمها العادات العربية الأصيلة التي تربوا عليها وإتباعهم لتعاليم الديانات السماوية التي نصت جميعها على الاهتمام بالأخلاق، ولكن لا يمكن الجزم بأن لاعبي الدوري السوري جميعهم يتمتعون بالأخلاق العالية، ففي بعض الأوقات وفي لحظات الغضب يخرج اللاعبون عن طورهم ويفقدون أعصابهم ويتصرفون بشكل غريبٍ ومنافي لعاداتهم وتربيتهم، ورغم ذلك فإن مثل هذه الحالات قليلة في بلدنا.

أما على المستوى العالمي فهناك الكثير من المشاكل التي تعصف بالكرة العالمية بين الحين والآخر، فما فعله النجم الفرنسي زيدان في نهائي كأس العالم الأخيرة لأمر يستحق الذكر، حيث أنهى اللاعب مسيرته الرياضية بكرت احمر بعد ضرب متعمد لمدافع المنتخب الايطالي وأثبت عدم تحليه بالأخلاق الرياضية حينها حيث خرج عن إرادته حينها أمام ملايين المشجعين، وكذلك الأسطورة مارا دونا، والذي ساعد منتخبه بتخطي المنتخب الإنكليزي في مونديال الـ86 بوضع هدف غير شرعي!

فاللاعب الذي لا يحلم إلا بالأضواء والشهرة والباحث عن الأموال بشكل أساسي، والذي يعتمد مبدأ الغاية تبرر الوسيلة لا يمكن أن يكون قدوة للاعبين الصغار، وغالباً ما تضايقنا من نجومٍ كبار بسبب أخلاقهم السيئة داخل وخارج الملعب، وكانت الأخلاق سبباً في سقوطهم بعد ما كانوا أبطالاً في نظرنا، ومن جهةٍ أخرى عندما تشاهد التصافح بين لاعبي الفرق المتبارية قبل اللقاء، وتبادل القمصان والقبلات والهدايا التذكارية عند نهايتها تشعر بجمالية وروعة الأخلاق، وروح المحبة والمودة التي تطفئ بدورها نار النتيجة مهما كانت، وتنسي اللاعبين خسارتهم، وتشحنهم بشحنات ايجابية تدفعهم لتقديم المزيد للكرة وتحسسهم بروعتها وأناقتها وتفرض عليهم احترامها واحترام خصومهم.

2- على مستوى الجماهير:
هم في الغالب الأقل تمثلاً بالأخلاق الرياضية فجميع الناس لا يتمنون الخسارة، ولسوء الحظ ففي الكثير من الأحيان يقوم الجمهور بحركات غريبة ومنافية للأخلاق نتيجة تعرض فريقهم لخسارة ما، فيخرج المشجعون عن طورهم، ويبدؤون بموشحاتهم المنافية للحشمة والهاتكة للأعراض، فيشتمون الحكام واللاعبين والمدربين ويشتمون جماهير المنافس، ولا يقف الأمر عند الشتم والإهانة فقط بل يتعدى ذلك إلى التعرض للاعبي وجماهير الفريق المنافس وضربهم وأحياناً ينتهي بهم الأمر إلى قتلى وجرحى، وتحطيم أثاثات الملعب والسيارات في الشوارع المجاورة للملعب، وكأن هذه الأعمال ستعيد للفريق الفوز. إن كل هذه الأعمال تدل على البعد الأخلاقي الضعيف والضيق والتعصب الأعمى والحقد متناسيين أننا شعب واحد بل رجل واحد لأن (المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً)، وبكل أسف تنتهك الأعراض وتتعرض الممتلكات الخاصة والعامة للإيذاء، تحت غطاء ما يسمى محبة الفريق والتعصب له أو محبة الرياضة ويالها من رياضة!!، ومواصلة تشجيع الفريق طوال المباراة بعيداً عن النتيجة، وأخطاء الحكام واللاعبين، وهمها الأول والأخير بث الروح في لاعبي الفريق بعيداً عن السب والشتم لأي شخص داخل الميدان الكروي، وهذه الظاهرة إن عممت ستساعد بكل تأكيد على تطوير الكرة والتقليل من المشاكل الكثيرة المنتشرة بين مفاصلها.

3- المدرب:
قائد الفريق وموجهه داخل أرض الملعب، فيجب عليه تهدئة اللاعبين وإعادتهم إلى وعيهم وعدم الانخراط معهم في السب والشتم والاعتراض على قرارات الحكام مهما كانت، وعدم استخدام الحركات التي يحاول من خلالها التأثير على قرارات الحكام كسحب الفريق من الملعب مثلاً، فالمدرب الهادئ المتزن المتعقل يستطيع بحكمته إعادة الأجواء إلى طبيعتها ويستطيع فرض العقوبات على اللاعبين المشاغبين كسبيل لردعهم عن أخطائهم، أما المدرب العصبي الهائج المتسرع يصبح كالزيت على النار ويزيد الأمر سوءاً، وقد تشتعل المدرجات نتيجة لاعتراضاته، وتكبر المشكلة ويصعب حلها وهنا يجب فرض العقوبة على المدرب قبل فرضها على اللاعبين.

4- الإدارات الرياضية:
مشكلتهم ليست في أرض الملعب ولكنها خارجه حيث يقوم ضعاف النفوس منهم بمحاولات لرشوة الحكام والفرق الأخرى بغية الحصول على نقاط المباراة، وهذا أمرٌ كان ذائع السيط، وأدى إلى فضائح هزت أقوى عروش الكرة في العالم الكرة الايطاليا وفضيحة التلاعب بالنتائج ومعاقبة أعرق الأندية الأوربية اليوفي وميلان نتيجة سوء إداراتها وضعف أمانتهم.

5- الإعلام:
وله دور كبير في نشر الأخلاق الرياضية، فهو محط نظر عشاق الكرة في جميع أنحاء العالم وعن طريقه يمكن إعادة المجتمع الرياضي إلى المنهج الصحيح السليم، فابتعاده عن الخطأ وصحة أقواله تؤثر بشكل كبير على المجتمع الرياضي وتقليب الرأي العام نحو الأفضل.

إن الإيمان الكامل بأن الرياضة هي فوز وخسارة، وامتلاك الروح الرياضية، وتقبل النتائج رغم سوئها، والعمل الجاد والمتواصل لتحسينها وفق الأنظمة والقوانين كلها أمور مهمة لبناء نظام رياضي مزدهر شعاره الأوحد( الرياضة من أجل الرياضة ) لا (الرياضة من أجل الفوز وعدم الخسارة).

جميع العبارات السابقة لها تأثير كبير في انتشال الرياضة، والأخلاق الرياضية من الحضيض التي وصلت إليه.

لا يمكن نهائياً التخلي عن الأخلاق الرياضية، ولكن في بعض الأوقات ونتيجة صعوبة المباراة وأهميتها، وحساسية اللقاء والضغط النفسي، وضجيج المدرجات، وصراخ المدرب، قد يندفع اللاعب للتخلي عن الأخلاق وارتكاب تصرفات غريبة عليه، فقد يشتم اللاعبين أو الحكام أو يصيب احدهم بضرر ٍجسدي، فمن أهم الأمور التي تدل على الرياضي الخلوق:

- احترام الرياضيين الآخرين وإحساسهم بأهميتهم.

- احترام القوانين وتنفيذها بحرفيتها وتحمل مسؤولية مخالفتها.

- استيعاب الضغط الجماهيري وعدم رد الإساءة بمثلها.

- الابتعاد عن إيذاء الآخرين سواء بالقول أو بالفعل.

- الاعتذار عند الخطأ.

- وتملك الرياضي لمشاعره وردود أفعاله عند الفوز والخسارة.

كانت الرياضة وما زالت منهجا للقيم والأخلاق الرفيعة، ولا يمكن إيقاف تقدمها، أو النظر إليها بنظرة دونية، ومهما واجهت الرياضة من عقبات فلابد من زوالها، وبقاء الرياضة، وفي وقتنا الراهن نشاهد الكثير من الأفعال التي لاتمت للأخلاق بصلة، فالتعصب الأهوج، وانعدام الثقافة الرياضية هي العوائق الرئيسية في مسيرة التقدم الرياضية وبنائها السليم..ولكن لابد لهؤلاء القلة المتجذرة مع الرياضة من أن يأتي يوم وينتشلون بعيداً، وتعود الرياضة إلى مضمارها الحقيقي ورسالتها الإنسانية.

إن الروح الرياضية هي التي تجعل الرياضيين يتنافسون بقوة داخل الميدان ويخضعون للقانون ويحترمون المسؤول عن تطبق القانون (الحكم) ويباركون للفائز ويبحثون عن أسباب فنية وإدارية موضوعية للخسارة.

يقول شكسبير «إذا ابتسم المهزوم فقد المنتصر لذة النصر»، وما نلاحظه أحياناً في الملاعب الرياضية في كل مكان أن الخاسر بدلاً من الابتسام وتهنئة الفائز يلجأ إلى توزيع الاتهامات والاسقاطات. والمشكلة أن هذا السلوك يصدر من اللاعب، والمدرب والإداري، ويصدق الجمهور أحياناً هذا التبرير وتتأثر به بعض الكتابات الرياضية، فيؤثر كل ذلك في الإعداد النفسي للاعبين في قادم المباريات فيأتي الاداء متوتراً انفعالياً، وقد يلجأ أحد اللاعبين إلى مشاغبة الحكم وإشعال الفتيل كتبرير لمستواه المتواضع معتقداً انه بذلك يكسب تعاطف الجمهور حين يضع نفسه في خانة المظلوم أو الذي يدافع عن حقوق فريقه المسلوبة!

المنظومة كلها في النهاية هي مسؤولية الإدارة، التي يجب أن تعمل على إيجاد ثقافة رياضية في النادي تنطلق منها سياسات وممارسات منسوبي النادي في كل المجالات.