في نص معمّر بسويداء الحال العربي يسلط الناقد الضوء على العلاقة بين ضفتي المتوسط، وعلى إعصار الهجرة، هرباً من آتون الحرب والجهل والفساد والتعصب والعنصرية والبغضاء، التي تدفع البشر للمغامرة بالحياة في قارب بحثاً عن شاطئ نجاة وأمان مفترضين.

نحدثكم من جهنم

عيد اسطفانوس

من واقعية الطرفة المبكية التي يتداولها سكان العوالم الافتراضية بأن القيامة قد قامت وأن هذه المنطقة من العالم هي جهنم باتت الطرفة كحقيقة، ودليلنا هو تسونامي البشر الذي اجتاح شواطئ أوربا، ثم عبرها حتى كاد أن يصل الى أطراف القطب الشمالي حتى يضمن الابتعاد عن اللهب والشرر المتطاير بأقصى مسافة لا هربا من آتون الحرب فقط ولكن من آتون الجهل والفساد والتعصب والعنصرية والبغضاء بالإضافة الى الموروث القبلي للعداوات المذهبية والعرقية التي جلبتها معها قبائل عدنان وقحطان من القرن السادس.

وقد يظن البعض أن هذه الموجات من البشر فروا جميعا من مناطق الصراع بسبب الحرب، والحقيقة أن قسما كبيرا منهم طالما حلموا بالأرض التي تفيض لبنا وعسلا، فالحلم قديم والهدف مخطط له من زمن بعيد، لكن الفرصة جاءت، جاءت وربما لن تتكرر، فالفوضى العارمة على طول الساحل الجنوبي للمتوسط عجلت باتخاذ القرار، اذن هؤلاء أقرب الى المهاجرين منهم إلى اللاجئين، ومن يعتقد بأن هؤلاء كلهم سوريين هو مخطئ وان كانوا هم غالبية، الا أن هناك أفغانا وكردا وأفارقه ومصريين وعراقيين وجنسيات أخرى، والسوريون من هؤلاء معظمهم من أعلى الطبقة الوسطى ودليلنا هو مظهرهم وتليفوناتهم الجوالة المزودة بخرائط الاقمار الصناعية بالإضافة الى من يتحدث منهم لغة أخرى وكذا اصرارهم على دخول المانيا بالذات، ثم تكاليف خط سيرهم بدءا من عبور الحدود الى تركيا ثم السفر الى شواطئ بحر ايجة.

ونكاية في اوربا التي سبق ولفظتهم ورفضت قبولهم عضوا في الاسرة الاوربية، لعب الاتراك الدور الاكبر في تسهيل عبور هؤلاء وغض البصر عن القوارب المتهالكة التي يتم شحنهم فيها، وقذفهم لأقرب شاطئ وهو شاطئ العدو التاريخي اليونان لتصدير الازمة برمتها الى أوربا الساذجة التي تحالفت مع الشيطان، وهاهي ذي تحصد ما زرعت جحافل من البشر مطلوب لهم مأوى ومأكل ومشرب، ثمن باهظ سيدفعه المواطن الذي يعمل من الثامنة حتى الرابعة ولم يكن ضمن خططه أن يتحمل نتائج أزمة لا ناقة له فيها ولا جمل، ومن ثم ستبدأ القلاقل والتظاهرات واليمين المتطرف وكل هذا واضح الآن للعيان.

أما عن البؤساء الذين طحنتهم آلة الحرب الجهنمية ودمرت غوطاتهم وبيوتهم ويحشرون الان في الخيام، فكل آمالهم هو العودة الى قراهم وريفهم في حلب وحمص وحماه، فهم قد فروا بحياتهم وأطفالهم مرغمين، وحطوا في أول نقطة بها قدر من الامان، وهؤلاء قسم كبير منهم مرتبط بجذوره لكنه فر مرغما حفاظا على أسرته ومن ثم خيم في أقرب مكان من موطنه أملا في عود قريب، وأغلب هؤلاء الآن في الاردن ولبنان والبعض في تركيا وفي مصر وهؤلاء كلهم سوريين، ورغم كل تلك المعاناه وهذه الفضيحة الانسانية لم يرق قلب السيد أوباما وتجار الزيت والغاز شركاه ولم يعد أحد يعرف ما هو الهدف الحقيقي لتلك الملهاة العبثية المتفردة في التاريخ الحديث، فلم يصدر مجلس الامن مثلا قرارا بوقف النار ولو مرة واحدة رغم آلاف الضحايا والمشردين ونصف دولة أصبح أطلال، أما عند سقوط أول ضحية في اسرائيل يظل في حالة انعقاد دائم مع سيل من القرارات، والذي يظن أن رحيل الاسد هو الهدف كما يعلنوا نقول لهم أيها الكذبة الأفاقين أو تذكرون عندما كان الهدف المعلن في مصر هو رحيل مبارك، ورحل مبارك ولعلكم تذكرون بقية الاحداث التي كادت أن تدمر أرض الكنانة، ولعلكم تذكرون عندما نادوا برحيل ابن علي في تونس ورحل ابن علي وكان ماكان، انقضوا على السلطة كالكلاب الجائعة ولولا الرصيد الحضاري والثقافي المتراكم للمصريين والتوانسة لما نجوا من هذا السيناريو الجهنمي، هذا عن الهدف المعلن لكن الهدف المستتر هو تدمير كل سوريا جيشا وشرطة ومؤسسات وكل الهيكل الإداري لدولة عريقة وتسويته بالأرض، ثم يسلمونها جثة لحلفائهم الجدد المتلمظين لاقتناصها، وستشتعل سوريا نارا وستغرق دما وسيتقاتل الجميع في الشوارع سنه وكرد وعلويين وأشوريين وكلدان ويحترق ماتبقى من الاخضر واليابس، ثم يتنفس السعوديون الصعداء بعد رحيل الاسد أو قتله كما تنفسوا الصعداء يوم قتل القذافي وصدام ويتنفس الاتراك والاسرائيليين والاخوان الصعداء بعد تدمير الجيش السوري كما تنفسوا يوم تدمير الجيش العراقي وتضاف صورة جديدة للالبوم المخزي الى جوار اليمن وليبيا والعراق، ولعلكم تذكرون أن اليوم الذي تسلم فيه الغرب من القذافي آخر شيكات مليارات تعويضات لوكيربي كان اليوم الذي صدر فيه قرار الخلاص منه، وسيدفع الجميع الثمن مضعفا جزاء من جنس العمل، العمل الذي شجعوه ورعوه ومولوه ستدفع أوربا وسيدفع العرب الذين اشتركوا في هذه المؤامرة الخسيسة على اخوتهم في اللغة والدين والتاريخ والجغرافيا، وستدفع أمريكا التي لم تع درس المهانة في كوريا وفيتنام وافغانستان والعراق وستدفع تركيا وأظنها دفعت أول الاقساط، أما القسط الاخير فسيكون مؤلما عندما يتوحد الاكراد في العراق وسوريا وتتحول شوكة حزب العمال التي في جنب أردوغان والمتأسلمين حلفاؤه الى حربة في جنب الامبراطورية.

أما عن هؤلاء الذين لم يتمكنوا من الهجرة أو من الفرار وبقوا وقودا متجددا لهذا الجحيم فهؤلاء هم فقراء سوريا الذين أصبحوا مادة دسمة لبيانات القتل التي تتفاخر بها هذه العصابات المأجورة بمسمياتها المموهة والحقيقة أنهم فصيل واحد بمسمى واحد عصابات الاسلام السياسي الممولة ببراميل الزيت والغاز ويقوم السيد أوباما بإلقاء النار عليها من عل كي تصبح هذه المنطقة من العالم هي جهنم التي نحدثكم منها الآن.