يكشف الناقد والجامعي المصري عبر تحليله لأحد أعمال الراحلة المغربية الكبيرة، التي نخصص لها في هذا العدد ملفا ضافيا، كيف استطاعت خلق جنس جديد استخدمت فيه الأحلام وسيلة للانعتاق، وتمكنت عبره من تفكيك الخطاب الاستشراقي والأبوي الغربي في تناوله للواقع العربي، وللمرأة الغربية نفسها.

مُقاومة الأَحاريم والتحرّر بالتخيّيل

في «أَحْلَامُ الْنِسَاءِ الْحَرِيم»

ممدوح فراج النابي

تبدو أعمال الكاتبة المغربيّة، وأستاذة علم الاجتماع «فاطمة المرنيسي»[i] (1940 فاس، 30 نوفمبر 2015 برلين) نموذجًا حيًّا لمسألة خرق الأنواع، وتداخل الأنواع في مزيج فريدٍ وغريبٍ، حيث لا يقتصر الأمر على تداخل نوعيْن فقط، بل تداخل أنواع كثيرة، لدرجة أنه يَصْعُبُ صَكُّ مصطلحٍ يُعبِّر عن مثل هذه الحالة الفريدة في الكتابة، التي لم تَعْتَدْ عليها الذائقةُ النقديةُ، فالنَّوعُ لدي المرنيسي مَفْتُوحٌ ويَتَقَبَّلُ العديدَ من الأنواع المجاورة وغير المجاورة، القريبة والمتنافرة (إن جاز هذا الوصف) فالتاريخي يدخل في الأدبي وعلم الإحصاء يتجاور معهما، داخل السيرة، والثقافي مع الأتوبيوجرافي، وأنت عندما تقرأ عملاً من أعمالها الكثيرة، تصبح بإزاء أعمالٍ متنوِّعةٍ تقبلُ أنْ تنفصلَ عن بعضها وتصيرُ مستقلة في أحايين أخرى.

§                     حدود النوع
مرجعية النوع - إن جاز لنا القول، فيما يخص أعمال المرنيسي- ذات طبيعة خاصة، فكثيرًا ما تخلط الخاص بالعام، التاريخيّ مع الأدبيّ، من أجل هدفٍ واحدٍ هو الانتصار للمرأة ذلك الكائن الذي تنتمي إليه أولاً، وثانيًا لتضعَ مفارقة دالّة ذات مغزى عميق، وهو ما كانت عليه المرأة ثمّ ما طرأ على حياتها من تهميش في العصور الحديثة، حتى أضحى مصطلح الحريم أدقُ وصفٍ للتعبير عن تقييد المرأة، وجهود المرأة لتحقيق انتصارات تُعيد لها ذاتها الأنثوية المـُجهضة بفعل وصايا أبوية بطريركية تقمعها في داخل أخبية متعددة بدءًا من خباء الحجاب وخباء الحايك، وصولاً إلى خباء المنزل والصراع المرير للخروج من هذه الأخبية أو التمرد عليها، مقارنة بالمرأة في العصور السابقة للإسلام وكيف صار للمرأة بالإسلام وضعية ذات مكانة لم تحظَ بها مطلقًا؛ فصار النسب إلى الأم مفخرة للرجل بعد أن كان سُبة، فحرّر الإسلام المرأة من تلك الأخبية، وأعلن اسمها على الملأ دون الشعور بالعيب أو النقيصة كما كان سَائدًا في عصور الجاهليّة.

§                     صراع الذّات بين الفرديّة والجَمعيّة
تبحث المرنيسي عن المرأة في التاريخ لتعيدَ لها ذاتَها وتُحَرِّرَها من سُلْطة مجتمع ذكوري تَعَمَّدَ إلى إقصاء وتهميش وتشويه نصفه، وحصره في نقطة واحدة مُتمثِّلة في مركز الإثارة واللَّذة والمتعة للرجل فقط، فقد قَصَر نظره على النّصف الأسفل من المرأة دون أن يُفكِّر في النصف العلوي لها، وما يَحْمِلُ من قِيَمٍ وأفكار، العجيب في معظم أعمال المرنيسي أنها لا تقتصر إدانتها على المجتمع العربي، بل تتوسّع لتشمل إدانتها العالميْن العربيّ والغربيّ، والأوّل لما يحمل مِن طبيعة خاصّة أفرزتها قبليته وعشيرته التي مازالت المرجعيّة الأولي في الحُكْمِ رغم تَبدُّلِ النسق الثقافي بنسق مغاير، في كثير من الأحيان تَدين مثل هذه المجتمعات التي تحتكم للنظام القبلي والعشائري، إلا أنها في الجزء الخاص بالمرأة ترتكن لمثل هذه الثقافات الناتجة عن هذه السّياقات وما تحمله من رجعية، وفي ذات الوقت مِن أنانية مُفْرِطَةٍ للرجل الذي يُعَامِلُ خيانة المرأة للرجل بنفس أحكام القبيلة، دون أنْ يُطَبِّقَها على نفسه لو حَدَثَ منه الفعل المشين. لم يكن لِجُوء المرنيسي للتاريخ حدثًا استثنائيا بقدر ما كان حدثًا ضروريًا، واجهته النُّخبة المثقَّفة، ونتيجة ضرورية وَمُلِحَّة ألزمتها إفرازات المشروع النهضوي والتحديث، إبّان البعثات المتوالية للغرب، وما أعقبها من حركاتِ التحرّر من الاستعمار[ii]، والتي أعقبتها حركات التحرّر النّسويّ في المجتمعات العربيّة. فكلّ ما طُرح مِن أسئلة النهضة والتحديث وأسباب تأخُّر ثِمَار هذه النهضة، كان مرجعه الأساسيّ الإهمال الجسيم لقضايا المرأة والدفع به ضمن أولويات المجتمعات، وآراء النُّخبة، لكن المُفارقة المدهشة، هي التباين في حصول المرأة على كثير مِن حقوقها من وصاية الرّجل عليها جاءت متأخّرة جدًا في مقابل دعوات المطالبة بإعطاء المرأة حقوقها، والتي جاءت من الرجل نفسه والتي بدأت جذورها تظهر فيما طرحه أحمد فارس الشدياق في كتابه «السَّاق على السَّاق»، في دلالة فارقة تظهر في عنوانه توضِّح عمليّة الصِّراع بين الذَّات التقليديّة الجمعيّة والذَّات الباحثة عن فرديتها، في ظلّ عمليات التحديث التي بدأ مشروعها في التحليق في عالمنا العربي، في ظل مشروع محمد على لبناء مصر الحديثة، هذا الصراع بين الذاتيْن (الجمعيّة والفرديّة) التي تبحث عن فرديتها حتى ولو كان في ذلك خرقاً للأعراف والتقاليد الموروثة، والتي تمثل تابو يَصْعُب اختراقه، يُعلن هو في ظل سعيه المحموم لإثبات فرديته بتمرده على الموروث الذي يعتبر وضع "السّاق على السّاق" نوعًا من العيب أو قلة الأدب كما يقول الدكتور "صبري حافظ"، ويجعل عنوان القصّة هكذا "الساق على الساق" في إشارة لتمرّد ذاته على هذه المواصفات من أجل فرديتها، أو إثباتها، وقد زاد على ذلك باختيار عنوان فرعي «أيام وشهور وأعوام في عجم العرب والاعجام» ليوضح تعقُّد الصراع وحدته[iii]. وما تلى هذه الدعوات من نصوص النخبة في هذه الفترة "رفاعة الطهطاوي 1801-1873، وقاسم أمين 1865- 1908"، ما يؤكِّد إدراكهم الجلي للتحوّل في النظرة لطبيعة الوضع النسائي في المجتمع العربي، وإدراك هذه النخبة للبون الشاسع بين طبيعة المرأة في مجتمعنا وفي المجتمعات الغربية، وما أتبعه من انتقادات حادة لهذه الوضعية كما مثّلتها مقارنات الطهطاوي في «تخليص الإبريز في تلخيص باريز» 1834، وتصويره لما تتمتع به المرأة في فرنسا من حقوق وحريات مقارنة بمثيلتها في الشرق، العجيب وهو الاحتراز الذي نسجله هنا أن الطهطاوي وإن كان من أوائل الداعين للحداثة والأخذ بمشروع النهضة والتحديث للمجتمع، إلا أن ما استلفت انتباهه هو نموذج المرأة الغربيّة، وعلى الأخص الفرنسيّة التي دَرَسَ بها خمس سنوات (1826 - 1831)، وغابَ عنه ما نالته المرأة في ظل الإسلام رغم الفارق بين ظهور الإسلام وانبعاث الثورة الفرنسيّة 1798، التي جاءت هذه الحقوق تالية لقيامها، وهو ما استرعى انتباه عالمة الاجتماع الدكتورة فاطمة المرنيسي التي جاءت كتاباتها لمناقشة وضعية المرأة في ظلّ الإسلام كما تجلّى واضحًا في كتابها "سلطانات منسيات"، والذي رصدت من خلاله تجارب نسائيّة استلهمتها من التاريخ الإسلامي؛ لنساءٍ مارسن السياسيّة والخلافة، في مُفارقة مدهشة لسياقيْن تاريخييْن أحدهما عاشت فيه هذه السلطانات وتمتعن بهذا الحق، وسياق تاريخيّ حديث يرفض ما حصلت عليه المرأة منذ قرون، بل ويُحرِّمُ عليها الاشتغال بأعمال يجعلها حكرًا على الرجل[iv]. أو في كتاب «الحريم السياسي»[v] الذي نظرت فيه للتجارب الفكرية والسياسية التي تحدثت عن المرأة، وكيف أنّها استطاعتْ أن تقرأ الواقع عبر السياقيْن التاريخي والراهن، مزحزحة كل الأفكار الراديكاليّة التي أدانت الفترات التاريخيّة وجعلت منها مقبرةً للمرأة، وقد رأتَ في هذه الفترات تفتُّحًا وَمُرونةً لم تجدها في عصرها الراهن مثلما لم تجدها جدتها الياسمين في عصرها، وهو ما أرادت لها أمها أن تشبَّ عنه برفضها أن تضع نفسها في إطار الحريم الذي قاومت - الأم - أخبيته، وعملت جاهدة على أنْ تتجاوزه ابنتها، فرفضت رغبتها في الصغر أن ترتدي الحجاب، حتى ولو كان كنوعٍ من التخفي مِنْ المستعمر الألماني مثلما فعلت بنات العائلة، فقالت الأم في نبرة حازمة «لا تغطي رأسك أبدًا، هل تسمعيني؟ أبدًا، أنا أناضلُ من أجل نبذ الحجاب، وأنتِ ترتدين واحدًا ما هذا السخف؟»[vi].

ليس هذا هو الحادث الوحيد الذي أثرّت فيه الأم على تكوين ابنتها، بل كانت صورة الأم دائمًا في مخيلتها صورة الرافض لهذا الإطار الذي يريدها الزوج فيه، ولهذا كان بينها وبين الأب جدالٌ في مواقف كثيرة، ترى نفسها فيها أنها على حقٍ، مثل رفضها ارتداء النقاب الكبير واستبدال الصغير- الذي ترتديه زوجات الوطنيين - بالكبير فثار الأب على هذا الفعل، حتى اعتبر مَن ترتديه تبدو وكأنّها لم ترتدِ حجابًا أساسًا رغم أنّ الزي صار يغزو الشّوارع في تلك المدينة القديمة، وما أن لبس بدأ يغزو المكان برمته منحيًا ذلك الثوب القديم «الحايك» الذي هو أشبه بالأحاريم نفسه، فقد صُنِعَ هذا الثوب ليكون عائقًا أمام خروج المرأة إلى الشارع، فالأب يسعى ليثني الزوجة عن ارتداء هذا الزي الرجالي بقوله :«إنْ لبست النساء كما يلبس الرجال، فذلك سيكون أسوأ من الفوضي – إنه " الفناء " – أي نهاية العالم»[vii]. إلى جانب صورة الأم، التي شكّلت في مخيلة الابنة أثناء كتابة هذه الوقائع صورة ذات فاعلية، جاءت أيضًا صورة الجدة الياسمين وهي تقاوم كُلَّ ما يَشِدُّ المرأة إلى الحريم، وأيضًا كان الانجذاب لأفعال «الطامو» تلك الشخصية التي ما أن حلّت على المزرعة حتى أثرت تأثيرًا بالغًا في الجميع، وعلى الأخص ياسمين رغم أنها ضرتها، لكنها وجدت فيها المرأة المتمردة التي تأبى الانصياع لأحد حتى الزوج الذي كانت تعارضه، ولا يستطيع أنْ يعارضها، بل يمكن القول أنها صارت كما صوّرتها المرنيسي «تتصرف في المزرعة دون مراعاة لحدود التقاليد، بل إنها كانت تعمل وكأنها تجهل التقاليد جهلاً تامًا»[viii].

§                     شهرزاد والغرب انبهار وامتهان
تدين المرنيسي العقليّة العربيّة والغربيّة معًا، فرغم الفارق بينهما في التكوين الثقافي والفكري، إلا أنهما يتساويان في نظرتهما للمرأة، رغم أن الأخيرة خرجت منها الدعوات المُنادية بحرية المرأة ومساواتها به في الحقوق والواجبات، مثلما فعلت الوثيقة الفرنسيّة، التي أعقبت الثورة الفرنسية (بدأت 1789، وانتهت 1799) التي أعلنت مبادئها «الإخاء، المساواة، الحرية» ومع هذا فترى أن عقلية الرجل واحدة، سواء في الغرب أو في الشرق، فكلاهما يتعمّد قهر المرأة والنظر إليها من وجهة نظر جنسيّة بحتة، فالمرأة لا تُمثِّل لهما سوى مثير للشّهوة، ومُحَقِقٌّ للذَّة والمُتعةِ (لاحظ انتقاداتها في كتابها «شهرزاد ترحل للغرب»: لموقف الفنان ماتيس الفرنسي في تصويره للمرأة الشرقية في لوحاته، رغم أن صوره عن المرأة الغربية لم تظْهَرْ فيها المرأة عارية، بل كاملةَ الثيابِ، نفس الشيء فعلته مع الفنان الفرنسي جان دومينيك آنجر بتصويره الحريم الشرقي في لوحتى الوصيفة الكبرى 1814، والحمّام التركي 1863، وأيضًا تعليقاتها على صورة شهرزاد على الغِلاف التي صاحبت ترجمة الكتاب إلى اللغات الأجنبية (الألمانية)، فهى ترى أنّها صورة لامرأة شبقة مثيرة جنسية، أقرب إلى صور مجلات البورنو والإثارة، دون النظر لعقلية شهرزاد ودهائها في خداع الملك بالحكاية دون تمرير فرصة شهوة انتقامه التي استمر عليها منذ الحادثة المشئومة[ix]، وكيف أن المرأة الممثَّلة في صورة شهرزاد استطاعت أنْ تُرَوِّضَ الرجل القوي، وتُحِدَّ من شراسته وغواياته، وتجعل حكاياتها مصدرًا للرغبة والطلب، لا جسدها رغم أن شهرزاد في بعض حكاياتها كانت تُصَوِّر المرأة كمصدرِ غوايةٍ وافتتانٍ حتى من الجن (راجع حكاية الأمير شاه زمان)، وفي بعض الأحيان تجد المرأة القوية الذكية الجميلة التي تكون مطلب الخلفاء والوزراء ليس لجمال جسدها فقط، بل لرجاحة عقلها، فكثيرًا ما جَسّدَتْ الليالي هذه الصورة للمرأة، وتنافس الولاة والوزراء على اقتناء مثل هذه الجواري، لاحظ حكاية الجارية تودد مع الخليفة هارون الرشيد[x]، وكيف أنّها استطاعت برجاحة عقلها وعلمها الفيّاض، أن تحصل علي ما تريد من الخليفة، فهى تعرف «النحو والشعر والفقه والتفسير واللغة.....وفن الموسيقي والقسمة والمساحة، وأساطير الأولين، ... والقرآن الكريم ..[بقراءته] السبع والعشر وبالأربع عشرة،.. وعدد سوره وآياته وأحزابه وأنصافه وأربعاه وأثمانه وأعشاره وسجداته وعدد أحرفه، وما فيه من النسخ والمنسوخ والمدنيّة والمكيّة وأسباب التنزيل ... والحديث الشريف ورواية المسند منه والمرسل ... وعلوم الرياضة والهندسة والفلسفة وعلم الحكمة والمنطق وعلم المعاني والبيان....إلخ»[xi]. واستطاعت بهذا العلم وتلك المعرفة أن تتحدى أرباب العلوم في عصرها من فقهاء وأساطين عصر الرشيد، كما كانت ماهرةً في لَعِبِ الشطرنج، والنرد، فَدُهِش الخليفة هارون الرشيد بمهارتها الفائقة في كافة العلوم والألعاب، فطَربَ لذلك فأمر بإحضار المال ـ مقداره مائة ألف دينارـ وإعطائه لمولاها، وقال لها يا «تودد تَمَنِّي عليَّ؟ قالت تَمَنَّيْتُ عليكَ أنْ تَرُدَّني إلى سيدي الذي باعني، فقال لها: نعم، فردها إليه وأعطاها خمسة آلاف دينار لنفسها، وجعل سيدها نديمًا له على طول الزمان، وأطلق له في كل شهر ألف دينار وقَعَدَ مع جاريته تودد في أرغد عيش»[xii]. هكذا استطاعت شهرزاد أن تستخدم أجنحتها للحدِّ مِن غواية القتل للمرأة حتى تصل إلى الليلة الألف فيَحْدُثُ العفو ليس لها ولكن لبني جلدتها مِن النّساء قاطبةً.

§                     رسائل شهرزاد
تتعجّب المرنيسي في تعليقها على النسخة الأولى المترجمة لكتاب ألف ليلة وليلة، المعنوّن بـ «المتعة في ألف ليلة وليلة»، وترى أن المترجم لم يقصد المُتعة في الحكي بقدر ما قَصَدَ المتعة الحِسّيَّة، حيث الحكايات الشَّبقيِّة والألفاظ الخادشة، وتقول- في عتاب - بعد تأملها لوحة الغلاف وعنوانه موجهة حديثها لصديقها الصّحفي الألماني هانس: «ورسالة شهرزاد السياسية ماذا حصل لها؟»[xiii] المفارقة التي لم يَنْتَبْه لها أحد أن شهرزاد التي رحلت إلى الغرب عبر الترجمة على يد الفرنسي «أنطوان كالاند» الكاتب الخاص في السّفارة الفرنسية عام 1704، وقد ظهر المجلدان الأخيران بعد وفاته 1715، قد نجحت كما تقول المرنيسي فيما فشلت فيه الحملات الصليبية، في وقت قصير"[xiv].

المعنى الآخر الذي تريده المرنيسي أن يصل للمُتلقي عبر هذه الرسالة، أن شهرزاد المرأة الشرقية (موطنها بلاد فارس) استطاعتْ أن تخرج من إطار الحريم الذي وُضِعَتْ فيه كحكّاءة للملك وسَمِيرة لمجلسه، بل تعدتهما لأن تتجاوز حكاياتها الملك نفسه وغرفة النوم التي تتم في إطارها الحكايات، إلى فضاءٍ عامٍ واسعٍ وشَاملٍ يَتَجَاوزُ حُدُودَ المكانِ، فالمرأة التي تخطّت الأخبيّة التي وضعت لها (مجلس الملك وعلي سريره)، انتقلت وتجاوزت لا بصورتها وعريها كما دَأَبَ الفنانون تصويرها به أو تزيين الكُتب بها، أو حكاياته الجنسيّة (التي حَدتْ بمنع طبعه في مصر باعتباره أدبًا مكشوفًا)[xv] وإنما بشهوة الكلام التي روّضت المَلِكَ نفسه بها من قبل، فبالكلام استطاعت شهرزاد أن تتحدّى الموت والخوف، فهي ضحّت بنفسها، وراهنت على الانتصار، من أجل ذاتها ومن أجل الآخرين (وهذا ما لم تفطن إليه المرأة في العصور الحديثة، فالرجل هو الذي نادى لها بمطالبها[xvi] (لاحظ ما فعله قاسم أمين "1863-1908م" في كتابيه تحرير المرأة 1899والمرأة الجديدة 1901)، وإن كان سبقه في هذه الدعوة رفاعة الطهطاوي"1801-1873" بعد عودته من باريس ليكون إمامًا لفرق الجيش هناك، في سِفره العظيم «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»1834م. فما تُرجم هو كلام مروي بلسان شهرزاد، إذن المرأة في رأي المرنيسي تمتلك من المقومات التي تُسَوِّق لها أفضل من جسدها، وهو نفسه ما اعترضت عليه المرنيسي عند حصر الصحفيين لها في صورة واحدة صورة «الحريم»، لذا كان عنادها أنْ بدأت سيرتها الذاتية هكذا «ولدت1941 في أحد أحاريم مدينة فاس المدينة المغربية التي يعود تاريخ إنشائها إلى القرن التاسع الميلادي»[xvii]، فاستنكرت ابتسامات الصحفيين المتكرّرة عندما تذهب للتوقيع على كُتبها في دور النشر ويستقبلها الصّحفيون. كانت هذه الابتسامة المُلْغِزة من جانبهم أحد الأشياء التي جعلتها تتردّ في الذهاب فلفظة الحريم مقترنةٌ عندهم بالإباحية والجنس، وهذا ما رفضته، ومن ثم تعلّمت الدرس جيدًا من جدتها الياسمين التي علّمتها حكايات ألف ليلة وليلة، بأن تَنْقَضَّ عليهم بالأسئلة قبل أن تفاجأ بالأسئلة من الصحفيين والمتطفلين، مثلما فعلت شهرزاد التي لم تُسَلِّمْ للملك جسدها لِيُشْبِعَ شَبَقَهُ، ثمّ يَأْمُرَ سَيَّافَه بأنْ يَقْطَعَ رَأْسَهَا في الصباح كما اعتاد، وإنما راوغتْ حتى نَجَتْ وَنَجَتْ معها نساء جلدتها من المصير المشئوم الذي كان ينتظرهن كلّ صباح بعدما يُشْبِعُ الملك رَي جَسَدِه.

هكذا خَلَقَت المرنيسي من حكايات الليالي التي كانت تحكيها لها جدّتها الياسمين، باعثًا جديدًا لاكتشاف قوى المرأةِ الكَامنةِ والتي لا يراها الرجلُ. فالرجلُ لا يرى فيها سوى كائن ضعيف. فصارت الحكايات بمثابةِ المرآةِ الجديدةِ التي نظرت فيها المرأة، فاكتشفت أخرى غير تلك التي يريدها الرّجل مهمشّة ومقصية بل قوية تحدّت سُلطة السّيف بشهوة الكلام، وترى المرنيسي أن تحويل غرائز مُجرم يستعد للقتل عن طريق الحكايات، لهو انتصار رائع، ومن ثمّ تطلب من شهرزاد أنْ تمتلك «ثلاث مزايا استراتيجية، أولهما تتمثل في معرفتها الواسعة، وثانيتهما تتجسد في قدرتها على خلق التشويق قصد شدِّ انتباه المجرم، أما الثالثة فهي هدؤها؛ أي قدرتها على التحكم في الموقف رغم الخوف»[xviii]، وإذا كانت شهرزاد الحكَّاءة تتمتع بهذا الذكاء، فكذلك نساء الليالي ليس كلهن جواري يرتمين في أحضان مَن يدفع ثمنها للتاجر، وإنما كانت هناك النساء ذات الحِجَال الرَّاجِحَة، والحافظة للقرآن وللشّعر والعازفة للعود والملمة بضروب الغناء ومقاماته، فجعلت مِن الرِّجال المتهافتين على جسدها ومصدر فتنتها، يهيمون حُبًّا في عقلها ويقتتلون بسبب الفوز به.

§                     الرّسائل العكسيّة
المعنى المغاير الذي استلهمته المرنيسي لشخصية شهرزاد وحكاياتها التي استمرت أكثر من ألف ليلة وليلة ولم تنتهِ بمقتل شهرزاد الرّاوية بل إنجابها ابنًا من ملك الفرس، فالإنجاب في حدِّ ذاته خَلق وحياة جديدة، معنى يجعل من المرأة مٌنْتَصرة على الرّجل في حَلَبَةِ الصّراع التي يتصارع فيها الطرفان، ودومًا تكون المرأة هي الخاسر والمجروح، لكن هنا في الليالي تقول المرنيسي إنّ شهرزاد انتصرتْ ليس فقط لهولاء النسوة اللاتي قَتَلَهن الملك نظير انتقامه مِنْ فِعْلِ الخيانة الذي مارسته زوجته مع عبده مسعود، بل انتصرت على رجال اليوم الذين يَحْصِرون المرأة في جسدها دون عقلها[xix]، وكيف أنّها قَهَرَتْ الملك واستلَّبتْ عقله، وجعلت نفسها الوصيّة على عقله، بل صار أسيرًا لحكاياتها، ومن فِرْطِ إعجابه بهذه الحكايات، كان يُرْجِئُ قتلها حتى تنتهي حكاياتها، لكنها استعملت عقلها فأطالت الحكايات وتعمدت الحكي ذا التأثير الذي يجعل الملك يشغف بسماع بقية الحكاية التي توقفت بسبب إدراك شهرزاد الصباح، وما نتج عنه – بعد ذلك - من عفو عنها، وعفو عن جميع نساء جلدتها.

لكن في الجانب المقابل أجابتِ الحكايات عن السؤال المـُـعَلَّق حتى اليوم عن عَلاقة الرجل بالمرأة؟ والتي أجابت عنه شهرزاد في رسالة ذكيّة لكلِّ رجلٍ في حكاية حسن البصري، بأن المرأة لا تستطيع أن تعيش في أخبيّة يَصْنَعُها الرجل، فتمردّت المرأة على هذه الأخبية في صورة حبيبة وزوجة حسن البصري ذات الكسوة الريش والتي تزوجها حسن وأخذ كسوتها ووضعها في صندوق تحت الأرض حتى لا تَعْثُرُ عليها وتطير، فحسن هذا المحبّ رغم أنّه أخذ احتراسه وحذره من هروب زوجته إلا أنّه نسي ما يُمَثِّلُه جانبُ الفَقْدِ واللوع بالهَجْرِ، فكان يُسَافِرُ كثيرًا في التِّجارة لتزدادَ أمواله، ويترك زوجته غير مباليًّا بعواطفها وحرمانها. ورغم تأكيداته على أمه بألا تَغْفِلَ عن زوجته فتهرب، ومع هذا وقع المحذور وتمردّت الزوجة وكان أوّل أشكال التمرّد بَحْثهَا عن كسوتها الريش، وما أنْ وجدتها حتى راودها الحنيين لتعود لطبيعتها الأولى، وبالفعل تَهْرَبُ بابنيها "ناصر ومنصور" بعد أنْ تَركتْ رِسَالَةً لِحَبِيبِهَا قالت فيها «والله يا سيدتي يا أم حسن إنك سوف توحشينني، فإذا جاء ولدك وطالت عليه أيام الفراق واشتهى القرب والتلاق، وهزته رياح المحبة والأشواق فليجيني إلى جزائر واق الواق، ثم طارت هي وأولادها»[xx]

الرِّسالة التي أرادت شهرزاد أنْ تُرسلها لم تجد منْ يَسْتَقِبلِهَا، رغم أنّ أولَ طبعةٍ لهذه الحكايات كانتْ في بولاق بالقاهرة عام 1834، ومع هذا فحسن في الحكاية فَطِنَ إلى الرسالة وبَحَثَ عن زوجته وأولاده، وانتهى بهم الحال كما أخبرتنا الحكاية «في ألذ عيش وسرور»[xxi]. فما كانت تريده الزوجة فعله حسن البصري لذا عاشا سعيديْن، أما الرجل/ الرجال الذي قرأ/ الحكاية فلم يصل/ والمغزى رسالة الزوجة التي تمردّت على خباء حسن، ومراقبة أمه لها، وعادت إلى طبيعتها الحرية دون قيود، وليس من المصادفة أن يكون للزوجة في الحكاية جناحان من ريش، فهما رمزان للحرية وكسر التقاليد والجمود، ومقاومة الذكورية، إذا ما وُضِعَتْ المرأة في هذا النطاق من الحصار. ولهذا يأتي المثل الدارج الذي يشير إلى كسر جناحي المرأة في ليلة الزفاف «اذبح القطة لها قبل أن تذبحها لك» في دلالة بالغة إلى رغبة الرجل إلى وضع الزوجة/ المرأة في خباء، دون أن يفهم طبيعة هذه المرأة التي ربما تكون مسالمة بطبعها؛ لكنها الأعراف التي فرضت عليه الوصاية والذكورية ضدّ كلّ ما هو أنثوي؛ لمجرد إعلاء ذكوريته ليس إلا.

الرِّسالة الوحيدة التي استقبلتها الذكورية مِن هذه الحكايات التي دامت لأكثر من ألف ليلة، أي ما يقرب من ثلاث سنوات، هو ما تحفل به هذه الحكايات من جنس وشبق وعربدة، والتي جعلت الأصوليين منهم يمنع نشر وتداول هذه الحكايات واعتبارها حكايات مُحرِّضة على الرذيلة، دون أن يأخذوا منها الرسالة الحقيقية الكامنة أو المسكوت عنه من وراء الحكايات، والمستترة خلف العري والبغاء والشذوذ، الذي تمتلئ بها الحكايات. وحكاية حسن البصري وزوجته واحدة من ضمن حكايات الكتاب، وبالمثل لو توقفنا عند حكاية الأميرة بدور ابنة الملك الغيور، وكيف جمّعت الجنية ميمونة، والعفريت دهنش بينها وبين زوجها قمر الزمان الذي كان رافضًا الزواج، فألقيا المحبة بينهما، وما أن التقيا تزوّجا حتى أغدق أبوها عليه المال وقلّده المناصب الرفيعة، لكنه حنّ لرؤية أبيه فاستأذن الملك بأن يعود بزوجته، وما أن حاول أن يفكَّ سروالها حتى خرج طائر فهامَ خلفه وتاه، تاركًا الزوجة في الخيمة، وما أن استيقظت وجدت نفسها وحيدة، فراحت تتدبر أمرها وبالفعل قالت محدّثة نفسها «إن خرجت إلى الحاشية وأعلمتهم بفقد زوجي يطمعوا فيّ، ولكن لابد من الحيلة»[xxii]، هكذا هي الأخرى لجأت للحيلة لتفادي مأزق غياب الزوج فـ«لبست ثياب قمر الزمان، ولبست عمامة كعمامته، وضربت لها لثامًا وحطت في محفتها جارية، وخرجت من خيمتها وصرخت على الغلمان، فقدموا لها الجواد فركبت، وأمرت بشد الأحمال، وأخفت أمرها لأنها كانت تشبه قمر الزمان»[xxiii]

§                     أسمهان الأميرة المتمرِّدة
وإذا كانت شهرزاد التي تمردت على زوجها بالخيانة مع عبده مسرور ونساؤها المتمردات، يقدمن رسالة أخرى، مفادها أن عاقبة الأخبية هو جنوح المرأة لا فرق بين ملكة أو جارية، وهو ما تبرزه المرنيسي بصورة أكثر وضوحًا في الأميرة اللبنانية «أسمهان» وكيف أطلقت أسمهان أجنحتها لتتجاوز حدود التقاليد والدين وحدود جبل الدروز، فتمرّدت على كونها أميرة من أسرة الأطرش العريقة في جبل الدروز، لتطلق صوتها العذب بالغناء في سابقة لم يعتدها أحد من قبل. حكاية الأميرة أسمهان وما حدث له من مآسٍ على مدى عمرها القصير (ماتت في حادث سير ولم تتجاوز الثانية والثلاثين)[xxiv]، واحدة من ضمن الحكايات التي تجعل منها المرنيسي شاهدةً على تعنُّت العقلية الذكورية سواء أكانت هذه العقلية تربّت في قصور المــُلْك أو عاشت على الحافة كأمثلة كثير من الحكايات ومنها حكاية أمها وجدتها الياسمين، وكيف كان الجميع يقاوم الأخبية المسمّاة بالحريم، لا تختلف الدلالة سواء أكانت الحريم تعيش في قصر أو في بيت.

تقف المرنيسي عند شخصية أسمهان، كتجسيد لحالة الحُلم الذي تتخيله المرأة وتريده فالأميرة التي تمرّدت علي كل شيء وعانت من كلّ شيء على حدٍّ سواء تضعها- المرنيسي - في موازاة مع شخصية أم كلثوم التي كانت تُمثّل النموذج النسائي الذي يهواه الرجل بعكس أسمهان التي كانت تُفَضِّلُهَا النساء، فأم كلثوم تجسيدٌ للنموذج الذي يُحَافِظُ على التقاليد (أول ظهور لأم كلثوم وهي تغني كانت ترتدي ملابس كالرجال) من خلال الاحتشام المـــُـفْرِط في الملابس حيث تُفَضِّل الفساتين الطويلة، الفضّفاضة والتي تخفي صدرها الضخم. في حين تأتي أسمهان الشَّابة المنطلقة في حيوية ونضارة مفتقدتيْن في صورة أم كلثوم، مرتدية الملابس القصيرة وذات التقويرات أعلى الصدر لتظهر جماله، معتنية بمظهرها وهندامها وزينتها المُبهجة، واضعة الورود في شعرها؛ لتكسر مثل هذا التابو سواء في المظهر أو حتى في الغناء. ففي الوقت الذي تغني فيه أمّ كلثوم الأناشيد الدينيّة وقصائد التوشيح، تنطلق حنجرة أسمهان بإعلان ما يُعْتبَرُ في حِينها عيبًا فتقول في تؤدة «أهوى، أنا، أنا، أنا، أهوى»، وتردّد النِّساء خلفها ما فشلن في التعبير عنه جهرةً، المفارقة أن الأميرة التي تكاد تكون في عُرْفِ البعض قادرة على تحديد مصيرها من بطريركة الرجل، كانت مثلهن مكبلة، وهو ما يشير إلى أن لا فارق بين الأميرة والمرأة العادية، فالأميرة تزوجت صغيرة جدًا من ابن عمها الأمير حسن الأطرش، ويبدو أن هذه الأميرة أُرْغِمَتْ على هذا الزواج مثل كثيرات من غير الأميرات، فحدث الطلاق سريعًا وهي ابنة السابعة عشر، ولذا جاءت الأغنية التي اشتهرت بها كتعبير عن حالتها الداخلية. ووجدت فيها الحريم (نساء البيوت) تنفيسًا عمّا يكتمن ولا يستطعن البوح به.

وعلى العكس كان الطلاق بالنسبة لأسمهان طوق النجاة، فأخذت تنطلق وتغني وتلعب وترقص وترتمي في أحضان الرجال لترقص الرقصات الغربية التي تحبها وكأنها – على حد تعبير المرنيسي – «تُهْمل الماضي وتغوص في حاضر من الرغبات المجنون، حاضر مُنْفَلت من عِقال التقاليد، يتخفى عن أنظار العرب كعاشقٍ فَزِعٍ لم تكن أسمهان سوى حالة من البحث الملحاح والمأساويّ عن لحظات السعادة البسيطة لكن الأنية، كانت النساء العربيات – اللواتي لا حول لهن إلا الرقص وحيدات في أفنية مغلقة إغلاقًا مزدوجًا»[xxv].

ورغم النهاية الفادحة التي انتهت بها حياة المطربة، وهي في ريعان الشباب، والتي قد يتلقفها الرجل كرسالة يُرْسِلُ بها إلى النساء عامتهن، كتحذيرٍ لمثل هذا المصير في حالة التمرد «الخروج من أخبيته»، إلا أن الجانب المضيء من هذه الحياة تأخذه المرنيسي وأيضًا تُرْسِلَه كرسالةٍ للنساء القابعات خَلْفَ الحريم – واللاتي ربما وصلتهن رسالة الرجل التحذيرية – بأن «حياة تُخْتَارُ بحرية – وإن كانت قصيرة وفضائحية – لأفضل من حياة مديدة محترمة مكرَّسة لتقاليد بالية»[xxvi]. وما قامت به «شامة» من تجسيد لسيرتها على المسرح داخل البيت، ما هو إلا تأكيد بأن رسالتها – رغم موتها – وصلت بل تلقفتها النسوة كطوق نجاة، مثلما كان طلاقها من حسن الأطرش الثري بمثابة تحرّر من أخبية الزوج غير العصري – وهذه الصفة تتنافي مع كونه أميرًا – الذي رفض ما تقوم به من أفعال بدءًا من ارتدائها للفساتين المقوَّرة على النسق الغربي، إلى ارتدائها الأحذية ذات الكعوب العالية أو قصّ شعرها فحسب، بل اصطحابه إلى صالات المراقص حتى طلوع الصباح، وهو ما أصابه بالجنون، حتى لو افترضنا أن ما قامت به يُمثِّل ثورة على التقاليد الخاصة بالعادات، دون تناسي الفارق بين الطبيعتيْن: طبيعة الزوجة الشابة التي تميل إلى المرح والحيوية، في مقابل طبيعة الزوج الكهل التي هى ضدّ لكلّ ما هو حيوي، لذا فرفضه لجنوحها، جاء لعدم قدرته على مسايرة هذا الجنوح. أو حتى التحرّر من الجبال الدرزية والتقاليد التي كانت تخنقها هناك، وقد جاء تجسيد شامة لمشهد الانسحاب بعد الطلاق، أثناء عرضها المسرحي على شرفة السطح؛ ليؤّكد كل ما قلنا، فقد جسدّتها كواحدةٍ مقهورةٍ بل استخدمت لفظة مطرودة، بما تحمله هذه اللفظة من دلالة القهر والتعنت، فتقول المرنيسي:«حين طرد الأمير حسن أسمهان ورمى بها خارجًا»[xxvii].

ومن أجل استعادة هذه الذات الأنثوية المُجهضة في الوقت الحاضر، تلوذ دائمًا المرنيسي بالتاريخ كشاهدٍ على إنجاز حقيقي للمرأة، وفي ذات الوقت إدانة للعصور الحديثة؛ فمثلما لجأت المرأة منذ شهرزاد للحيلة للخروج من حدود الحريم التي وضعها الرجل فيها، وكذلك بطلات شهرزاد، تستمر في استنطاق هذا التاريخ عبر سيرتها الموزَّعة على ذوات الآخرين وبالأحري الأخريات سواء أكانت أمها أو جدتها الياسمين، أو حتى على صورة الأميرة أسمهان، تلك الأميرة التي ضَرَبتْ نموذجًا فريدًا في التمرُّد على كافة أشكال التقاليد والأخبيّة الموروثة أو التي صَنَعَها الرجل وجعل نفسه وصيًّا عليها كما في حالة طليقها الأمير حسن الأطرش، والذي وصل به الأمر إلى مطاردتها في القاهرة حاملاً مسدسه، بعدما تردّد عن مغامراتها وتعدّد زيجاتها.

§                     نساء الحُلم
لكن كافة أشكال هذه النماذج التي استشهدت بها المرنيسي (لاحظ شهرزاد في ألف ليلة وليلة، والأميرة بدور، والمرأة ذات الكسوة الريش، بل يمكن القول إن المرأة في ألف ليلة وليلة كانت الحيلة أحد وسائلها)[xxviii] كانت تلجأ إلى الحيلة للتمرد وتجاوز حدود الحريم الموضوعة فيه، باستثناء الأميرة أسمهان التي بدأت المواجهة للمطالبة بحريتها ورفضها لهذه التقاليد عبر التمرد، مُتَخِذَّةً من قاعدة كسر التابوهات شعارًا لها، بداية من إعلانها على الملأ «أهوى ... أنا ..أنا ...أنا...أهوي»، وصولاً إلى سعيها لأن تحيا على النمط الغربي في حياتها، بما يحمل مِن تناقض صريح وصارخ للعادات التي تربت عليها في جبل الدروز. ومن أسمهان استنطقت المرنيسي دعوات النساء الحقيقيات المطالبات بالحرية وبالتحرر من كافة أشكال الوصايا الأبوية، العجيب أن هذه النماذج التي استشهدت بها بدأت إعلان الرفض أمام قوى الإمبريالية التي سَعَتْ لاستغلال خيرات الشعوب، ثم بدأت تواجهه الراديكاليّة المُتخلِّفة التي أخذت تَشِدُّ المجتمع إلى الخلف، رغم صيحات النهضة ودعوات الإصلاح والإعجاب بالنموذج الغربي، فكانت المواجهة غير مباشرة بل من داخل خدورهن / الأحاريم عبر وسائل متعدِّدة أبرزها الكتابة، فقد استفدن مِن تجربة شهرزاد التي قاومت الموت بالكلام وخلّصت نفسها وغيرها بسطوته، كذلك فعلن حفيداتها وإن كانت المواجهة مُؤجلة إلى مرحلة قادمة قادتها هدى شعراوي في وقت لاحق.

تتساوى عائشة التيمورية وزينب فوّاز اللبنانية في إعلان التمرد، وإن كانت هدى شعراوي تُمثِّل النموذج الأكثر ثراءً على المستوييْن: مستوى التحرَّر والسعي إليه والمطالبة بتحقيق مكاسب أكثر، وعلى مستوى أحداث المسرح التي تُجسِّدها العمة شامة على السطح. فبالنسبة للمستوى الأول خرجت هدى شعراوي في مظاهرات 1919، والتي طالبت بالإفراج عن سعد زغلول وصحبه، وجلاء الاستعمار الإنجليزي عن البلاد. على الرغم من الانبهار البادي مِن شامة بهؤلاء النسوة اللاتي خرجن عن إطار الحريم، وصرن نموذجات للمرأة المغربية في التحرُّر والتعبير عن ذواتهن المجهضة في الأحاريم، إلا أنه مع الإعجاب بهن انتقدتهن شامة، فهن من وجهة نظرها لم يلعبن دورًا سوى بالكتابة، فقد كنَّ «حبيسات في الأحاريم» ومع هذا الانتقاد من جانب شامة إلا أن المرنيسي تجد فيهن مثالاً طيبًا، خاصة إجادتهن للغة، فكما تقول العمّة حبيبة: «تَعَلُّم لغة واحدة يُمثِّل فتح نافذة في جدار مصمت .... أما تَكَلُّم اللغة فبمثابة التزود بأجنحة تسمح لكم بالتحليق صوب ثقافة أخرى»[xxix]

كانت هدى شعراوي النموذج الأكثر إدهاشاً لشامة، وهو ما وجدت في سيرتها تفاصيلاً أكبر لعرضها على مسرح السطح بعكس زميلتيها في الجهاد، ومبعث الدهشة راجع لعدة أسبابٍ؛ أولها خاصّ بقيامها بفعلين متناقضين باهرين عجزت أن تقوم بهما المرأة على الأقل في زمنها وأيضًا في المغرب العربي، الأوّل متمثِّلُ في خروجها في مظاهرات لمقاومة الاحتلال البريطاني، والثاني في سعيها الحثيث لوضع حدٍّ للعزلة المضروبة حولها، وحول بنات جنسها، والأكثر إعجابًا - من وجهة نظر شامة – هو تخلُّصها من حجابها حين قادت أول مظاهرة «ضد البريطانيين عام 1919»[xxx] لم يكن هذان السببان هما جلُّ ما قامت به هدي شعراوي، فهي الأخرى دعت إلى تغيير القوانيين الخاصة بسن زواج المرأة، فقد عانت من زيجة وهي صغيرة السّن، ولم تهدأ ثورتها حتى تم تعديل القانون ورفع سن الزواج الخاص بالفتاة، كما وقفت ضدّ القوانين التي تقصر حق الانتخاب للرجل دون المرأة، حتى تمَّ لها ما أرادت وبالفعل صَدَرَ الدستور الجديد مُتَضمِّنًا حق المرأة في الانتخاب، وأقامت العديد من الجمعيات التي تُنادي بحماية هذه الحقوق والسعي إلي المزيد منها.

الهاجس الحقيقي الذي خايل المرنيسي منذ طفولتها، أنها لا تقاوم هذه الأخبية التي عانت منها كل النساء التي استشهدت بهم، بشهوة الكلام كما فعلت شهرزاد، أو حتى بالكتابة كما فعلت عائشة التيمورية وزينب فوّاز، وإنما المقاومة بسلاح هدى شعراوي، وتمرد أسمهان، وفوق هذا وذاك استخدمت وسيلة أخرى ساعدتها عليها أمها وهى استحضار هذه الأنوثة، والعثور عليها منذ صغرها، تلك الأنوثة التي حاولت الأنظمة الأبوية البطريركية مصادرتها. فالأم دائما تعتني بجمالها وشعرها وسعيها إلى إصلاحه بكافة الوصفات، والابنة تحاول تقليد الكبار بالاهتمام بنظافتها، إظهار جمالها/ أنوثتها حتى أن عمتها حبيبة قالت لها: «لا داعي للعجلة، فسيكون "لديك" متسع من الوقت "لتعلم" تقنيات الجمال، والتزيين كلها»[xxxi].

لكن هذه القدرة على المواجهة والصّمود التي كانت تظهر بها المرنيسي، منذ صغرها واختيارها عندما كبرت الطريق الصعب، جاءت من تَمثُلِّها لأفكار أمها التي عجزت أن تنفذها أثناء مسيرة نضالها ضد هذه الأنظمة الأبوية، ألا يكفيها أنها كانت الوحيدة القادرة على التمرد والرفض بكافة صوره (تمرد على الزوج/ تمرّد على الجدة الياسمين/ تمرد على الحجاب ... وغيرها من أشكال الرفض والتمرد)، وبل الأدهى في تمرّدها على العيش في منظومة الحريم، خاصة بعد تزايد نصائر المرأة من الشرق، وما أن تجد محاولاتها باءت بالفشل في اختراق هذه الأبواب والجدران، التي يفرض الرجل بها سطوته وهيمنته على المرأة؛ تحث ابنتها «أنت سوف تغيرين العالم، أليس كذلك»[xxxii]. وقد كان الدور الأكبر لها في عملية تهيئة وإعداد الجو الملائم لكي تَشِبَّ الطفلة قادرة على أن تسير على النهج التي أرادته الأم، وقد تجلّى هذا في دورها الواضح في استماتتها في إدخال ابنتها المدرسة الابتدائيّة الوطنيّة، حيث كانت هذه المدرسة خِلافًا للمؤسسة التقليدية، نموذجًا تتعلّم فيها الفتيات «الرياضيات واللغات الأجنبية والجغرافية ... ويمارسن الرياضة مرتديات سراويل قصيرة»[xxxiii]. الأعجب أن هذه المرأة التي قادت الثورة في سبيل تحقيق هذا المطلب، واستعانت بأحد أفراد أسرتها- فقد جاء أخوها "تازي" لبُعْدِ المسافة عن الأب - لِيُمَثِّلَها في المجلس الذي انعقد ليساعدوا الأب في اتخاذ قراره، وفرحتها المترعة عندما جاء القرار في صالحها ليس لابنتها فقط، بل لعشرة أفراد من أبناء العم والعمات. هي نفسها التي أصابها الفزع والرعب من تلك الأسئلة المحرَّمة - في نظر الأخرين – التي فجرتها «لالا طام» عن «حقّ الشهر»، كما تحوّل الفزع إلى ردِّ فعلٍ غريبٍ من جانب هذه الأم خاصة وأن طبيعتها تميل إلي الحرية وليس الجمود، حيث أوشكت على أنْ توئد حق ابنتها في المعرفة، وأية معرفة!! إنها معرفة ذاتها، وما يتعلق بها من أسئلة خاصة عن طبيعتها وتكوينها، وما أن وجدت الأم أن الأمر بدأ يخرج من يدها قالت في يأسٍ: «الواقع كنتُ أفضّل الانتظار لسنة أو سنتين قبل أن أتحدثُ معك في هذه الأمور لكن بما إنها تشكّل جزءًا من تعليمك»[xxxiv]

أما عندما كبرت فكانت الأميرة عائشة بنت الملك محمد الخامس، النموذج الأكثر تحررًا باختراقها تابو الحريم، وتجاوزها لدائرته، فأردت أن تكون مثلها، فهى معجبة أشدّ الإعجاب بملابسها وبخطاباتها التي تلقيها في كل مكان تذهب إليه عن حق المرأة في التحرر، هذا التحرر الذي رفضت الأم من أجله الحملة الأمريكية فقالت «إنها حملة ضدّ حقوق المرأة»[xxxv]

ازدّاد رفض الأم لنظام الأحاريم، بعد تزايد الأنباء عن نصائر المرأة في الشرق (مصر/ تركيا)، فبدأت تشكو بقاءها حبيسة في هذا العالم وتلك الجدران، وما أن تجد مقاومة من الجدات أو من الأب/ الزوج، حتى توجِّه حديثها إلى ابنتها «أنتِ سوف تغيرين العالم، أليس كذلك» خطاب الأم لأبنتها يحمل مرارة الهزيمة والمعاناة من قبل الذكوريين سواء أكانوا رجالاً أو نساءً، وفي ذات الوقت يشي بالتمسك بالأمل في مقاومة هؤلاء والتصدي لهم / لهن وهو ما تحققه الابنة نفسها فيما بعد.

§                     الأحلام وسيلة للانعتاق
يبدو أن مصطلح الأحاريم مثّل هَاجِسًا مُقْلِقًا لدى هذه الجماعة التي تنتمي إليها المرنيسي، خاصة هؤلاء اللاتي تعلقن بحركات التحرُّر في الشرق (مصر وتركيا) أو ما أطلقت عليه نصائر المرأة، ومن شدِّة ما مَثَّلَ هذا عبئًا تعدَّت مخاوف الأحاريم عالم الواقع إلى عالم الأحلام، فمثلما صَعُبَ على المرأة تخطي حدود الأحاريم في الواقع، أيضًا لا تستطيع تجاوز حدود الأحلام، فلا تستطيع المرأة أن تُعَبِّرَ عن أحلامها أو تطير إلي أعلى؛ لأن هذا سوف يتعارض مع سلطة الرجل الأبوي فسيدي علال كان ينحاز دائمًا «لا لا ماني» فيما يتعلق بقضايا الأعراف والتقاليد والرسوم التعليمية التي تكون مضادة للرسوم المتحرِّرَة التي ترغب النسوة في رسمها، فالنسوة دائمًا؛ لوقوعهن في دائرة الأسر، يخلقنّ مناظر طبيعية، وألوانًا قاتمة بكل ما فيها"[xxxvi]

وفي ظلّ هذه الأجواء التي تبدو قمعية، تُجْبَرُ العمّة «حبيبة» على إخفاء أحلامها المُتعلقة بالطيور في أقصي أغوار مُخيلتها، وقد وصل الأمر بها لأنْ تَخْفِي طرزّتها اللاشرعية التي تحتفظ بها مُخَبَّأَة في الركن الأكثر عتمة من غرفتها، فلا مناص إذًا من امتلاك حُلمٍ «فالشيء الأساسي لأولئك اللواتي لا يملكن أي سلطة، هو امتلاك حُلم، وصحيحٌ أنَّ الحُلمَ وحده – دون أية إمكانية لتحقيقه – لا يستطيع أن يحوِّل العالم، ولا أنَّ يقوِّض الجدران، بيد أنه يساعد على صون الكرامة»[xxxvii]

حتى صار التحريضُ على الحُلمِ، ضرورةً للتغيير، لكي تصبح الحياة ذات قيمة، فجاءت دعوة العمة حبيبة لحثِّ الأمهات على أن «يحدثنّ الصبيان والبنات عن أهمية الأحلام»[xxxviii]؛ تأكيدًا لهذا المسعى النبيل في خلق عالمهما بعيدًا عن وصايا الرجال وفي ذات الوقت ليشعرنّ بأنهما يمتلكان جناحا طائرٍ يغردان بهما عاليًا؛ فيبحثن عن حريتهنّ كما فعلت الجدة الياسمين التي لم تستسلم لعبث المدنيات وهي القادمة من الريف، وظلت متشبثة بأحلامها الخاصة بل ولّدت لها أجنحة داخلية، لم تُغَيِّرْ بهما أفكارها بل حافظت عليها، وفي ذات الوقت أثَّرت بالتغيير في زوجها بفضل قوة الحُلم الذي آمن بها معها، وبالمثل كان لأم فاطمة مثل هذين الجناحين، تُحَلِقُ بهما عاليًا، وفي بعض الأحيان يُحَلِّقٌ معها الزوج / والد فاطمة كلما سنحت له الظروف.

§                     خاتمة
هكذا سعين جميعًا للتحليق عاليًا بامتلاك أجنحة – ولو من خَيال – ليبقين بعيدين عن وصايا الرجل، ومن ثم جاءت سيرة المرنيسي التي تبدو عصية على التصنيف النوعي، موزَّعة على سير الآخرين، وقد اتكأت على التاريخ فراحت تستنهض أحداثه / وأشخاصه، سواء أكان قديمًا مثل حِكايات شهرزاد أو حكايات الخليفة هارون الرشيد، وما مَثّلته حكايتهما من تناقض عجيب مقارنة بالواقع المعيش الذي تزحزحت فيه وضعية المرأة إلى أدني مستوياتها. أو التاريخ القريب الذي بدأت أحداثه تتردد على بلاد المغرب كما كان الحال في بلاد المشرق (مصر وتركيا) فسردت عن شخصيات عربية تجاوزت بأفعالها تلك الأخبية مثل (أسمهان، ونصائر المرأة كما في حالات عائشة التيمورية وزينب فواز اللبنانية وهدي شعراوي وغيرهن ممن بدأت سيرهن تتردد في بلاد المشرق)، أو حتى توزيع / تفتييت سيرتها على أقربائها اللاتي صِرنَّ نماذجًا للمحاكاة أمثال: جدتها ياسمين والعمة شامة والعمة حبيبة، أو حتى معلماتها أمثال: لالا ماني لالا طام. هذا التوزيع لسيرتها علي سير الأُخريات، جاء لتأخذ منهن القدوة والمثال في الصمود أمام هذه الأخبية، وبالفعل كانت المرنيسي واحدة من أشد المدافعات عن المرأة، وكان هذا - في حدِّ ذاته - قمة الانتصار لحركات التحرر التي طالبت بها المرأة في المشرق، وإن كانت جاءت متأخرة عن نظيراتها في المشرق. على كلٍّ قدمت المرنيسي بسيرتها المُغلّفة بحجج قوية في الدفاع عن المرأة، نموذجًا لسير التحرر العملي وليس الدعوي، فقد قدمت نماذجًا دعت للتحرُّر ونجحت فيه وهي بالمثل سارت علي نفس الدرب وغيرها كثيرات.



[i] فاطمة المرنيسي: من مواليد 1940، مدينة فاس المغربية، كاتبة وعالمة اجتماع وكاتبة نسوية مغربية لها كتب ترجمت إلى العديد من اللغات العالمية، تلقت علومها الأولى في المغرب ثم بعد ذلك استكملت دراستها في فرنسا وأمريكا، اهتمت في كتاباتها بقضايا المرأة، حتى صارت واحدة من المناصرات للمرأة، اختارتها جريدة الغارديان اللندنية عام 2011، كأبرز مئة شخصية تأثيرًا في العالم. سجلت سيرتها الذاتية في كتاب عنوان نساء على أجنحة الحلم، من مؤلفاتها الشهير الحريم السياسي، هل أنتم محصنون ضد الحريم؟ السلطانات المنسيات وغيرها. توفيت في 30 نوفمبر 2015)

[ii] راجع حركات البعثات إلى أوروبا وما أعقبها من مناداة صريحة بالالتفات إلى الجزء الناقص من المجتمع / المرأة، وكيف صار النهوض بالمرأة ضرورة من ضرورات استكمال المشروع النهضوي الذي جاءوا به من الغرب، راجع دعوة رفاعة الطهطاوي بتعليم المرأة بعد عودته مباشرة من البعثة في عام 1826، ثم تأليف كتابه القيم "المرشد الأمين في تعليم البنيين والبنات" 1870م، ودعوته للمساواة بين الرجل والمرأة، حتى أن دعوته التنويرية في وقتها باختلاط الرجل والمرأة ليس مدعاة للفساد، نالت من الهجوم وإلصاق التهم المزرية به. وما تلاه من دعوات قاسم أمين وغيره ممن ذدرسوا في الخارج.

[iii] د. صبري حافظ: "رقش الذات لا كتابتها: تحولات الاستراتيجيات الفنية في السيرة الذاتية"، مجلة ألف، إصدارات الجامعة الأمريكية، القاهرة، عدد 22، 2002م.

[iv] في عام. 2010 اشتعلت في مصر واحدة من أبرز القضايا الخلافية بين الرجال متمثلة في أحقية المرأة في تولي القضاء، بعد أن أفتي مجلس الدولة بعدم أحقية المرأة للقيام بمثل هذا العمل، فقام رئس وزار مصر بإرسال الحكم إلى المحكمة الدستورية العليا لتقول كلمتها، فأعاد حكم المحكمة الأمور لما كانت عليه من نقطة الصفر، حيث أفتي بأن الجمعية العمومية ليست جهة الاختصاص، والعودة بمثل هذه الخلافات يعود بمشروع التحديث الذي بدأت بداياته في أوائل القرن التاسع عشر إلى قبل ذلك بعقود، رغم أن السنهوري باشا عين استجاب عندما كان على رأس مجلس الدولة بين عامي 1951-1953، وأصدر حكمين شهيرين في القضية التي رفعتها عائشة راتب، بجواز تعيين المرأة قاضية، وقال ما نصه "لا يوجد مانع شرعي أو قانوني من تولي المرأة القضاء".

[v] فاطمة المرنيسي: "الحريم السياسي"، ترجمة عبد الهادي عباس، دار الحصار للنشر والتوزيع، دمشق، د. ت

[vi] - فاطمة المرنيسي: "أحلام النساء الحريم: حكايات طفولة في الحريم"، ترجمة ميساء سري، مراجعة محمد المير أحمد الجدير بالذكر أن هذا الكتاب ترجم مرتين بعنوانيين مختلفين، حيث جاءت ترجمة الثانية بعنوان "نساء علي أجنحة الحلم" ترجمة فاطمة الزهراء أزرويل، بيروت المركز الثقافي العربي، 1998، جميع الإحالات الواردة هنا نحيل إليها إلى ترجمة ميساء سري "أحلام النساء الحريم. . . :"، مرجع سابق: ص 119.

[vii] السابق نفسه: ص 140.

[viii] السابق نفسه: ص 66.

[ix] يمكن الرجوع إلى دراسة لنا بعنوان: «مفهوم الحريم كما تصوره الغرب: قراءة ثقافية»، مخطوط (لم ينشر بعد) ثمّة فصل كامل بعنوان «شهزراد والغرب رحلة الامتهان والفهم الخاطئ»

[x] - ذكر المؤرخون أن الخليفة هارون الرشيد اقتنى أكثر من ألفي جارية من بلاد غريبة – تعرضت للغزو - بعضهن يجيدن الغناء، ولكي تجيد الغناء كانت يتحتم عليها الخضوع لتكوين صعب "فإلى جانب التقنيات الصوتية والآلية، يجدر بهن اتقان اللغة العربية وبنائها النحوي المعقد". وكانت الجارية "فضل" المحلية الأكثر حظًا منهن، لما تتمتع به من ثقافة ومعرفة، وكان يجب على هؤلاء الجواري الغربيات أن ينافس فضل المحلية ذات المكانة العالية عند الرشيد. راجع في هذا :"عصر ذهبي: هارون الرشيد. الخليفة الفاتن"، فاطمة المرنيسي، ترجمة: سعيد بو خليط، جريدة العرب الأسبوعي، عدد السبت 31-10-2009، ص 22.

[xi] راجع حكاية الجارية تودد في الجزء الثالث، بدأ من الليلة 440 من ص: 230، إلى الليلة 466، من ص 270، مرجع سابق.

[xii] السابق نفسه: ص 270.

[xiii] فاطمة المرنيسي:"شهرزاد ترحل إلي الغرب"، ترجمة فاطمة الزهراء أزرويل، بيروت، المركز الثقافي العربي، د. ت، ص: 55.

[xiv] السابق نفسه: ص 79.

[xv] لقد تكرر أمر المنع وعلو صيحات الحسبة، عندما نشر الأديب جمال الغيطاني في سلسلة الذخائر التي تصدرها الهيئة العامة لقصور للثقافة، بعد تولايه رئاستها: ألف ليلة وليلة" مرة ثانية عن طبعة "الهند" وهي نفس الدعاوي التي رفعت من قبل عند نشر العمل أول مرة، والغريب بنفس الحجج الواهية من قبيل إفساد الذوق العام ونشر والحض على الرذيلة، وهي مفارقة عجيبة وغريبة في أنٍ واحد، فرغم تغير الساقات التاريخية والثقافية والتحرّر من أرث الذهنية الدينية إلا أن النتيجة واحدة.

[xvi] باستثناء هدى شعراوي "1893-1948" الرائدة النسائية، فهي المرأة الوحيدة التي يمكن القول أنها تمردت علي أخبية الرجل فخرجت في مظاهرات في عام 1919، ونادت بحق المرأة في الانتخاب مثلها مثل الرجل يوم صدور حق التصويت في الانتخابات، وأيضًا طالبت النساء بخلع حجابهن في خطوة سابقة لتحرر المرأة، حتى من خباء الحجاب الذي صار بالنسبة لهن بمثابة القيد الذي يعيق.

[xvii] فاطمة المرنيسي: "أحلام النساء الحريم: حكاية طفولة في الحريم"، مرجع سابق، ص 10.

[xviii] فاطمة المرنيسي: "شهرزاد ترحل إلى الغرب"، ت فاطمة الزهراء أزرويل، المركز الثقثافي العربي، دار نشر الفنك، ص 65.

[xix] لاحظ ما حدث من مطالبة محامون بلا قيود – حركة مصرية - بمصادرة كتاب ألف ليلة بعدما أعادت هيئة قصور الثقافة طبعه مرة ثانية.

[xx] راجع حكاية الملك محمد بن سليمان الزيني، ووزيريه المعين بن ساوي، والفضل بن خاقان، مع الجارية التي طلبها الملك، بحيث لا يكون في زمانها أحسن منها: حميدة الخصال، كاملة الجمال، فائقة في الاعتدال، وما أن عثر الوزير الفضل بن خاقان علي هذه الجارية حيث كانت "تعلمت الخط والنحو واللغة والتفسير وأصول الفقه والدين والطب والتقويم والضرب بالآلات المطربة"، راحع الحكاية في الليلة الخامسة والأربعون حتى الليلة الخمسون" من ص: 138 إلي ص: 217.

[xxi] ألف ليلة وليلة: المجلد الرابع، الليلة 750 -751، ص 36، طبعة بيروت.

[xxii] السّابق نفسه: ص 36.

[xxiii] السابق نفسه: ص 271. للمزيد من حكاية قمر الزمان والأميرة بدور راجع ألف ليلة وليلة، الجزء الثاني، الليلة 173 إلى الليلة 237. من ص 215: ص 323.

[xxiv] هناك روايات كثيرة قيلت في مقتلها أبرزها أن الألمان تخلصوا منها؛ لما سببته لهم من خسائر بسبب علاقتها بالمخابرات البريطانية، وهناك من يري أن أم كلثوم هي التي كانت وراء مقتلها بسبب التنافس الشديد بينهن في ذات الوقت، ومنهم من يذهب للملكة نازلي بسبب صراعهن على رئيس الديوان الملكي أحمد حسانيين باشا، وآخرون يذهبون للإنجليز أنفسهن لخشية افتضاح أسرارهن. لكن المؤكد أنها ماتت غرقًا في حادث سير وهي في طريقها لرأس البر عام 1944. وللمزيد راجع كتاب: محمد التابعي :"أسمهان تروي حكايتها بنفسها"، دار الشروق، القاهرة 2008. وأيضًا كتاب "أسرار أسمهان :المرأة، الحرب، الغناء" لشريفة زهور، ترجمة عارف حديفة، دار المدى، سوريا2008.

[xxv] فاطمة المرنيسي: "أحلام النساء الحريم:. . . "، مرجع سابق، ص 124.

[xxvi] السابق نفسه، ص 126.

[xxvii] السابق نفسه: ص 129.

[xxviii] راجع طبيعة دور المرأة في الليالي، كتاب الدكتورة سهيرة القلماوي المعنون بـ "المرأة في ألف ليلة وليلة"، مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1999.

[xxix] فاطمة المرنيسي: " أحلام النساء الحريم:. . . . "، مرجع سابق، ص149.

[xxx] قادت هدى شعراوي التظاهرات ضد الاحتلال الإنجليزي أثناء ثورة 1919، وينسب إليها دعوة خلع الحجاب، حتى أن ميدان التحرير سمي بسبب هذه الحادثة.

[xxxi] - فاطمة المرنيسي: " أحلام النساء الحريم:. . . . "، مرجع سابق، ص234.

[xxxii] السابق نفسه: ص 224.

[xxxiii] السابق نفسه: ص 219، والتشديد من عندنا .

[xxxiv] السابق نفسه: ص 213.

[xxxv] السابق نفسه: ص 223.

[xxxvi] السابق نفسه: ص 236.

[xxxvii] السابق نفسه: ص 237.

[xxxviii] السابق نفسه: ص 238.