يتناول الباحث المغربي هنا مشروع الباحث المصري عماد عبداللطيف في تحليل الخطاب السياسي والتعرف على بلاغته وأساليب الإقناع المختلفة فيه من خلال عدد من مؤلفاته التي تعاملت مع الخطاب السياسي. ويخلص إلى أن غاية المشروع البلاغي عنده هي الانحياز لبلاغة الجمهور، ووأد بلاغة السلطة.

بلاغات بائدة وبلاغات وليدة

بلاغة الخطابة السياسية العربية المعاصرة

عبد الوهاب صـديقي

الملخص:
سنتناول في هذه الدراسة، جوانب بلاغة الخطابة العربية المعاصرة من منظور المشروع البلاغي للباحث عماد عبد اللطيف، باعتبار دراساته البلاغية أول الدراسات التي ربطت البلاغة العربية بهموم الانسان، أي بالسياسة، على اعتبار أن الانسان كائن بلاغي سياسي، في ساحة بلاغية مدنية وقودها الكلام لغاية النفاذ للسلطة. تأـسيسا على هذا الطرح فإن الخطاب السياسي صراع بلاغات؛ بلاغة بائدة خطابها الاستعباد وتسمياتها: التخويف والفتنة، وبلاغة وليدة خطابها الحرية والعدالة الاجتماعية. في خضم هذا الصراع البلاغي؛ تتولد بلاغة الجمهور، موازاة مع بلاغة الخطابة السياسية والخطاب السياسي، فتنوعت بلاغات الخطاب السياسي: بلاغة التصفيق، وبلاغة الميادين وبلاغة المغالطة والسخرية والصورة. في اطار مشروع بلاغي جديد نحت الباحث عماد عبد اللطيف مفاهيمه، وهو يقدم للباحث العربي ما يشق به الخطابة السياسية، ويقاوم أثرها البلاغي والاستعاري. ذلك ما سنكشف عنه في هذه الدراسة

تمهيد:
الخطابة أخت السياسة، فهما أرضعتا بلبان واحد هو حيازة السلطة، فالسياسي البارع هو الذي يجيد فن الخطابة، باعتبارها فن يكشف عن آليات الاقناع، علاوة أن التمكن من «سلطة الخطاب»، مرتبط كثيرا بالرغبة في الحكم والسيطرة على خطاب السلطة. فكم من خطب غيرت مجريات التاريخ السياسية والاقتصادية والعسكرية، لكونها استطاعت أن تقنع المستمَعين بجدوى قرار ما، أو تدبير ما. مازالت ذاكرتنا الخطابية، تردد صدى خطب على بن أبي طالب كرم الله وجهه، وخطب الحَجّاج بن يوسف قديما، وخطب جمال عبد الناصر والسادات، وياسر عرفات، وخطب الحسن الثاني حديثا، ذلك لأنها استطاعت أن تنجز تأثيرا في الشعوب. من هذا المنظور سنتناول بلاغة الخطابة السياسية من منظور المشروع البلاغي للباحث عماد عبد اللطيف بغية الاجابة عن هذه الأسئلة منها:

  • ما الخطابة السياسية؟
  • ما علاقة السياسة بالبلاغة؟
  • ما تجليات وجوانب بلاغة الخطابة السياسية؟
  • ما اجتهادات الباحث عماد عبد اللطيف في دراسة وتحليل البلاغة العربية؟
  1. في بلاغة الخطابة السياسية:

سنشقق القول في بلاغة الثورة منتهضين للدفاع عن دعوانا التي تعتبر دراسات الباحث المصري عماد عبد اللطيف تشكل بلاغة الخطابة السياسية وبلاغة الثورة، لارتباطها بالخطاب السياسي، وخطابة الجمهور الحالم بالحرية والتغيير والديمقراطية والتحرر من بلاغة النظم الديكتاتورية. فقد أسست دراسات الباحث لنسق مفاهيمي مرتبط مضمونه؛ بمقاومة الأثر البلاغي لخطاب السلطة، والتأسيس لبلاغة جديدة قوامها الحرية والتغيير. فإذا كان لخطاب السلطة بلاغات قائمة على التضليل وتسميم المواطن بخطابات مثالية، لا علاقة لها بواقعه الحي، فإن تحقق بلاغة الثورة تستدعي وعيا من المخاطَب بضرورة مقاومة هذه البلاغات، وتأسيس بلاغات جديدة جماهيرية، لأن الوعي ببلاغة النظام وخطابه، مدخل أساس لمجابهته في الساحة البلاغية المرتبطة الأوصال؛ يتداخل فيها أدوار الإعلام، والتعليم والتربية وايديولوجيا السلطة، ومراكز دراسات وغيرها[1].

البلاغة ظلت مرتبطة تاريخيا بالدفاع عن هموم الانسان ومشاكله، فمعلمي الخطابة السفسطائيين انما كانوا يعلمون الناس مهارات الترافع عن قضاياهم السياسية والفكرية، ولهذا ظلت هذه الوشيجة تربط البلاغة بالسياسة، فقد انتعشت السياسة في أجواء الديمقراطية الأثينية. ارتبطت البلاغة منذ نشأتها بالترافع والتدافع عن المظلومين والمقهورين، بفعلي سلطة "بلاغة السلطة"، هذا ما يؤكدها رولان بارط Roland Parthes في كتابه "البلاغة القديمة" L’ancienne Rhétorique حينما ربط نشأتها بما قام به الطاغيتان: جيلون وهيبيرون من صقيلية حوالي 485 قبل الميلاد، من نفي وترحيل للسكان ونزع للملكية من أجل تعمير سراكوزا، وتقسيم الأراضي على المرتزقة، وعندما اسقطا في انتفاضة ديمقراطية، رجع الأهالي لمناطقهم، كانت هناك دعاوي كثيرة، ولأن حقوق الملكية معتمة، كانت الحاجة للخطابة للإقناع، والفصاحة Eloquence المازجة بين "الديمقراطي والغوغائي، بين القضائي و السياسي[2].

إن علاقة الخطابة بالسياسة علاقة دال بمدلول، فحتى في عرف سياسات البلدان فخطاب الرئيس الجديد، أو الملك الجديد اعلان لسياسة جديدة تقطع الصلة مع سياسات سابقة؛ بلاغة وخطابة وإن كانت الممارسة الواقعية لا تتغير في كثير من الأحيان، فقد قال باراك أوباما في أول خطاب له ابان فوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية بأنه سيغلق سجن كوانتنامو، ثم أردف بعد – أن لم يتحقق ذلك في أرض الواقع- أن في الأمر تهديد للأمن القومي.

لهذه القدرة البليغة للخطابة في الاستحواذ على حيز الخطاب، خص أرسطو مقالة بعنوان: " كيف نؤثر في الحكام؟" قائلا: " لما كان الحكم هو موضوع الخطابة، لأن الأحكام تصدر في الخطابة المشاورية، والقرارات القضائية حكم فليس من الضروري فقط أن ننظر كيف نجعل الخطبة نفسها برهانية ومقنعة، بل ومن الضروري أن يظهر الخطيب نفسه أنه على خلق معين، وأن يعرف كيف يضع القاضي في حالة نفسية معينة، لأن هناك كبيرة فيما يتعلق بالإقناع"[3]

إن المطلوب في الخطيب السياسي هو أن يؤثر في نفسية المستمعين، ويقنعهم بجدارة قراراته، وليس بالضرورة أن يسلك الخطيب مسلكا صناعيا قائما على الالزام والحتمية، بل لا بد من الاتكاء على مسلك طبيعي قائم على الاحتمال والنسبية، معتمدا على استراتيجيات خطابيةStratégies Discursives ، التي تخولها امكانات اللغة الطبيعية، من احتشاد بلاغي، وتطريز تصويتي، وسجع وكناية واستعارة، لأن الخطابة كلما غاصت في اللمح، وضرب المثل، والتضفير الخطابي والتناص Intertextualité كلما أثرت في مستمعها، ولهذه الأدوار المهمة للخطابة فإن السياسيين عادة يستغلون فرصة اللقاء بالجماهير للتأثير والاقناع بدعوى ما. ولربما يجتهد الرؤساء في مناسبات خاصة لمخاطبة الشعوب لطمأنتهم على حرصهم على سلامة أمنهم، ورفاهية مستقبلهم، زافين لهم وعودا بفرص جديد للشغل، وزيادة في أجور الموظفين، بل إن أي تغير سياسي يصحبه تغير خطابي وبلاغي عادة. ومن هنا تكتسي البلاغة Rhétorique مكانتها باعتبارها صفة لكل خطاب يروم الاقناع والتأثير، وبالتالي فحديثنا عن بلاغة الخطابة السياسية العربية المعاصرة، خصوصا في دراسات الباحث المصري تأكيد أن استعمال "البلاغة" تعبير عن تصور فكري، فإما أن يختار الباحث بلاغة السلطة، أو يناصر بلاغة الثورة، ف" كلما انحاز الانسان في حياته اليومية لقيم العدل والخير والحرية، كلما كان عادلا وخيرا وحرا، وكلما انحاز إلى غير ذلك كان غير ذلك"[4]

تأسيسا على هذا المنظور انبنى تصور الباحث عماد عبد اللطيف للخطابة السياسية باعتبارها فضاء لصراع بلاغات؛ بلاغة بائدة أو سمها بلاغة السلطة أو النظام، وبلاغة وليدة أو سمها بلاغة الثورة أو الجمهور. فهذه البلاغات تتصارع للسيطرة على "الفضاء والحيز البلاغي" للخطاب والتسميات والأيقونات من أجل الاستحواذ والنفاذ لخطاب السلطة، ومنه فإن غاية البلاغة في هذا الاطار هو مد الجمهور بآليات تمكنه من مواجهة بلاغة السلطة ومقاومة أثرها البلاغي، مما يثبت العلاقة الوطيدة بين البلاغة والسلطة، في هذا الصدد لا بد من التأسيس لبلاغة الجمهور لتواجه هيمنة بلاغة السلطة الاعلامية والثقافية والاقتصادية، إنها "بلاغة الميدان" كما يسميها عماد عبد اللطيف بلاغة "تحاول تخليص علم البلاغة من جزء من تاريخه السلبي الطويل في خدمة السلطة على حساب المستمع أو الجمهور، هذه البلاغة الجديدة غايتها إمداد الإنسان العادي، الذي يشكل اللبنة الأساسية للجمهور، بمعرفة تمكنه من في حال تعرضه لخطاب بلاغي ما من الكشف عن تحيزات هذا الخطاب، ومبالغاته ومغالطاته ومفارقاته للواقع، وتناقضاته الداخلية، والأغراض التي يسعى لإنجازها حتى يتمكن من التمييز بين خطاب سلطوي، يسعى للسيطرة عليه، وخطاب حر يسعى لتحريره. لكن الغاية الأهم لهذه البلاغة هي تدريب الإنسان العادي على إنتاج استجابات بلاغية تجاه ما يتلقاه، تمكنه من مقاومة الخطابات المتلاعبة التي تستهدف تضليله والسيطرة عليه وفضحها، وإنتاج خطاب بديل يخلو من أشكال التلاعب والتضليل، بالإفادة من إمكانيات الاستجابة التي يتيحها عصر استجابات الجماهير"[5] إنها اذن بلاغة تحررية تمد الانسان بآليات مواجهة بلاغات السلطة، ومقاومة أثرها البلاغي.

من هذه الزاوية تكتسي الخطابة السياسية العربية المعاصرة أهميتها، لأنها الحيز البلاغي الذي يحتوي الحروب الكلامية بين بلاغات متناقضة؛ بلاغات السلطة بتسمياتها وايقوناتها واستعاراتها، وبلاغة الجمهور بتسمياتها وايقوناتها واستعاراتها، ويكون المنتصر هو المستحوذ على الخطاب بالتالي على الجمهور. وقبل الدخول في تحليل تصور الباحث عماد عبد اللطيف لتفاعل الخطابة السياسية المعاصرة ببلاغة عصر استجابة الجماهير، وما تمخض عنها من بلاغات وليدة كبلاغة الحرية، وبلاغة الجمهور، وبلاغة الثورة. أرى من الواجب طرح علاقة البلاغة بالسلطة علنا نستبين الصراع والتوافق بين بلاغة السلطة، وبلاغة النخبة. وسنحاول ربط البلاغة بالهوية، لأن البلاغة في نهاية المطاف تعبير عن الذات بخلفياتها الفكرية والثقافية والسياسية وغيرها.

  1. البلاغة والسلطة والهوية:

قليلة هي الدراسة التي تناولت علاقة البلاغة بالسلطة إذا استثنينا غربيا ما يشير إليه أرسطو حين ربط الخطابة بالحكم، بالتالي كان على الخطيب أن يعرف مستمعه وظروفه النفسية حتى يقنعه بمراده، فعلى الخطيب أن يكون أهلا لثقة المستمَع؛ أي بلاغة الايتوس Ethos بالمقابل بلاغة اللوغوس Logos وبلاغة الباتوس Pathos. وتشير بعض الدراسات الغربية حديثا إلى العلاقة المرتبطة بين البلاغة والسياسة، لأن الخطيب السياسي يحتاج إلى آليات الاقناعية التي تمده بها البلاغة، حتى يظهر الخطيب السياسي أهلا لثقة الجمهور، فالسياسي يحتاج للبلاغة لهدف الإقناع[6]. بالتالي فلهذه الحاجة الملحة للبلاغة من السياسي، فإن أغلبية السياسيين يميلون إلى تعلم أبجديات الخطابة لمخاطبة الجماهير، فرئيس الدولة أو الملك، أو الزعيم السياسي يحتاج للبلاغة للإقناع بجدوى قراراته وسياساته. ملاذه في ذلك سلطة الخطاب، بآلياته اللغوية، وكناياته واستعاراته فهي الأقدر على التأثير في المستمع من غيرها.

وتربط بعض الدراسات البلاغة بسلطة الخلفيات المذهبية والثقافية الدينية، معتبرة أن هذه الخلفيات المذهبية كان لها "أثر كبير وحميد في إغناء البلاغة العربية" كما يقر الباحث محمد العُمري مقارنا بين مشروعي الجرجاني ذي المرجعية الأشعرية، ومشروع ابن سنان الخفاجي ذي المرجعية المعتزلية.[7] يدل هذا الكلام على ارتباط البلاغة بالذات المبلِّغة، بالتالي يصح القول "تكلم لأراك" وأن "الأسلوب هو الرجل" للقول بالعلاقة الخفية أو الظاهرة بين الذات وبلاغتها واستعاراتها، وربما ظلت السلطة وممثلوها يتقربون من البلاغيين باعتبارهم يمثلون سلطة النخبة وبلاغتها، فلهم دورهم في التأثير في الجماهير كما نجد في دراسة قيمة للباحث عبد الجليل ناظم المعنونة ب"البلاغة والسلطة في المغرب أحمد بن محمد بن يعقوب الولالي"، فقد انطلق الباحث من بلاغة الولالي الفقيه السني المتصوف، ومن تصوره للنص وشرحه وتأويله وإعادة إنتاجه، ليربطه بالسلطة وتوازنها ووحدتها، وقد اعتبر الباحث عبد الجليل ناظم البحث البلاغي البياني عند الولالي؛ "يعني تحقيق فكرة المجتمع الانساني القائم على التواصل بين الأفراد، وبما أن التعاون بين الأفراد يصطدم بتدافع المصالح والتعرض للظلم فإن العدل ضروري لبقاء النوع الإنساني"[8]

ومنه فإن البلاغي إما أن يجد توازنا بين بلاغة السلطة وبلاغة النخبة أو الجمهور، فيساهم في وحدة الأمة بما يحفظ توازن السلطة ونشر الثقافة، وإما أن يحارب او ينزوي، بل إن الباحث يربط نشاط البلاغة بنشاط السلطة واستقراره، فقد ربط بين طغيان الشروح بعدم استقرار السلطة يقول:" إن المرحلة التي طغت فيها "الشروح" المرتبطة بنص القزويني في ميدان البلاغة والبيان، كانت فترة تاريخية مضطربة، تميزت بتراجع عام سياسي وثقافي وبمواجهة خارجية وتشتت الجبهة الداخلية"[9] صفوة القول؛ فعلاقة البلاغة بالسلطة علاقة وطيدة أملاها حاجة الخطيب السياسي ورغبته في النفاذ للسلطة للتأثير في المستمَع، من خلال الاتكاء على آليات بلاغية تعين على الإقناع. ولهذا نعتقد أن الخطابة العربية مرتبطة بالسلطة، فكلما كانت أميل للديمقراطية، والتداول السلمي للسلطة، والتعدد السياسي والحزبي، نشطت البلاغة وازدهرت، وكانت وسيلة التخاطب بين السياسيين والمثقفين والأحزاب وهيئات المجتمع المدني وغيرها. وكلما سادت الديكتاتورية انزوت البلاغة للتصنع، والشروح وتخلت عن وظيفتها التنويرية والتأثيرية في المستمَع، فهي اذن مرتبطة بهويتها.

يذهب الباحث محمد مشبال إلى أن البلاغة مرتبطة بهوية فقد عقد فصلا من كتابه" خطاب الأخلاق والهوية في رسائل الجاحظ مقاربة بلاغية وحجاجية" بعنوان" البلاغة والهوية"، خصه لتحليل ارتباط بلاغة الجاحظ بهويته العربية، المدافعة عن العقيدة الاسلامية بأسلوب الحوار والاقرار للآخر بحقه في الاختلاف الثقافي والهوياتي؛ ومن بين الخلاصات التي توصل إليها الباحث مشبال بصدد نثر الجاحظ ما يلي: "جملة القول، سواء أكانت الغاية من الدفاع عن الدين خدمة قضية الجاحظ الأساس في دفاعه عن الهوية الثقافية العربية، أم كانت غاية سياسية تمثلت في خدمة السلطة وتدعيمها؛ فإن الرسالة تظل خطابا يروم صيانة العقيدة الإسلامية باعتبارها مكونا من مكونات الهوية الثقافية للعرب".[10]

صفوة القول؛ ترتبط البلاغة بالسلطة ارتباط جدليا، فهما متفاعلتان؛ فحيثما وجدت بلاغة وجدت سلطة، فكما أن السلطة تستعين ببلاغة النخبة للسيطرة على حيز الخطاب، فإن النخبة قد تساند وتهادن بلاغة السلطة، إلا أن ثمة نخبة تعارض بلاغة السلطة، وتدعوا إلى تأسيس بلاغة جديدة يستعيد فيها الجمهور كرامته وحريته وبلاغته، ولكن السلطة لن تظل مكتوفة الأيدي فهي تواجه بلاغة النخبة، إما عزلا واقصاء أو قمعا وسجنا، وإما توظيفا واغراقا في نعيم وملذات بلاغة السلطة، وقليل من يستطيع أن يجد طريقا توفيقيا كصنيع "الولالي" الذي مر بنا والذي استطاع تسخير بلاغة البيان بلاغة مبنية على التوفيق المذهبي والتوازن المجتمعي، والوحدة السياسية.

وبالتالي صح القول أن الولالي يعبر عن بلاغة فقهية سنية، متصوفة، ومنه فإن البلاغة تعبير عن هوية الذات، فاستعمالك لبلاغة الحرية تعبير عن هوية؛ هي التعاطف مع بلاغة الجمهور، أي أنك تساند المستضعفين والمقهورين، بلاغة جديدة كما يقول الباحث عماد عبد اللطيف؛" لا تنافق ولا تراوغ تسمي الأشياء بأسمائها وتصف كل شخص بما يستحق، وتحطم إرث آلاف السنين من الصمت والمراوغة. قد تبدو هذه البلاغة قاسية وخشنة،(...) بلاغة تستعيد فيها اللغة صدقها ومصداقيتها. بلاغة تعد بالفعل تجليا رائعا لعصر استجابات الجماهير".[11] إنها بلاغة تصنع تسمياتها، وأيقوناتها، بلاغة تتصارع مع بلاغة السلطة التي تحاول ازاحتها من حيز البلاغة، الذي ظل سنين ينتج خطابا تحقيريا استعباديا للشعوب، ويوهمها ببلاغته أنه هو التنمية والتقدم والازدهار، إنها "بلاغة ليبيا معمر القذافي"، بالتالي لا ضير أن يقول لشعبه: من أنتم؟!! للتفصيل أكثر سنخصص المحاور القادمة لبلاغة الخطابة السياسية العربية المعاصرة؛ بلاغاتها وتسمياتها وأيقونتها وهويتها، من خلال تصور الباحث عماد عبد اللطيف.

  1. بلاغة الخطابة السياسية: من بلاغة السلطة إلى بلاغة الجمهور:
    سنتناول في هذا المحور جوانب بلاغة الخطابة العربية المعاصرة وصراعاتها البلاغية التي أفضت إلى الانتقال من بلاغة السلطة إلى بلاغة الجمهور؛ ولهذا سنقف عند مفهوم الخطابة السياسية وعلاقتها بالخطاب السياسي أولا، ثم ثانيا استراتيجيات وتسميات بلاغة السلطة.

 1-3 الخطابة السياسية:
يميز الباحث عماد عبد اللطيف بين الخطابة السياسية Speech Political والخطاب السياسي Political Discourse ، فالأولى أخص، والثانية أعم[12]، فالخطابة السياسية بهذا المعنى نشاط تواصلي شفهي يلقيه الحاكم أمام محكومين ويتناول سياسة الحكم، بالمقابل الخطاب السياسي يشمل كل ما يرتبط بالسياسة كحيز لصراع بلاغات. وتأسيسا على هذا الطرح فإن الخطابة السياسة؛ "نشاط سياسي يتأثر بشدة بالحياة السياسية للمجتمع، فحين تكون الحياة السياسة فوارة وعفية وثرية تكون الخطابة السياسة فوارة وعفية وثرية. أما حين يسود الركود السياسي فإن الخطابة السياسية تدخل بدورها طور الركود، وتعاني من ضعف القيمة وتراجع التأثير، خاصة حين يقترن الركود السياسي بداء الديكتاتورية".[13]

خلاصة القول؛ أن الخطابة السياسة مرتبطة بالسياق السياسي وبالجو التداولي، فكلما كان جوا يعترف بأصول الديمقراطية، والتعددية الحزبية، والتداول السلمي للسلطة، نشطت الخطابة والسياسة وبلاغتها، وكلما كان الجو لا يعترف إلا بالصوت الواحد، والحزب الواحد، والزعيم، انزوت الخطابة في جو التصنع، والتلاعب بالألفاظ، وتقديم الأحلام الوردية للشعوب، ولغة التسويف، والأوامر والنواهي، فقدت الخطابة السياسة قيمتها ودورها التنويري، وارتبطت بالزيف وتجاوز الواقع، فنسمع اذ ذاك "كفى خطابة[14]".

2-3 وظائف الخطابة السياسية:
إن المهم بالنسبة للسياسي أن "الخطابة السياسية" تمكنه من النفاذ للجماهير، بالتالي يخصص السياسيون مناسبات راتبة، أو تفرضها ظروف اتخاذ قرار ما، أو مواجهة أزمة للتواصل مع جماهيرهم. وللخطابة السياسية وظائف كما حددها الباحث (عماد عبد اللطيف 2012 )، منها:

  • خلق الأفعال السياسية
  • الإخبار عن الأفعال السياسية
  • تبرير الأفعال السياسية
  • إخفاء الواقع السياسي[15]

فمقتضى الوظيفة الأولى فإن الخطابة السياسية، فرصة للحاكم أو الرئيس لخلق أفعال سياسية بتأكيد المنجزات السابقة وتثمينها، وتبشير الجمهور (الشعب) بأفعال سياسية لمواصلة مشوار التنمية والتقدم والازدهار، ولهذا عادة ما تكون صيغة هذه الأفعال تحمل "قوة انجازية[16]"، نحو وقد أصدرنا أوامرنا ب...،" أما مقتضى كون الخطابة السياسية تخبر عن الأفعال السياسية، فهي عادة تخبر بسياسة الرئيس أو الحاكم أي ما سينجزه مستقبلا من قرارات، ولهذا اصلاح مجموعة من القطاعات الحيوية التي تهم المواطن كالصحة والتعليم والاقتصاد والقضايا الكبرى عادة ما ترتبط بخطابات ملكية أو رئاسية أو حكومية فهي أطر مرجعية. أما مقتضى الوظيفتين الأخيرتين التي هي تبرير الأفعال السياسية وإخفاء الواقع السياسي، فهما من أخطر وظائف الخطابة السياسية، لأنها تربط القرارات بهوى الحاكم والرئيس، وقد تكون المبررات غير معتمدة على منوال "بلاغة الميتوس" أي صورة الخطيب الذي يكون أهلا للثقة، والمحب لمصلحة الجمهور، فعادة ما تنزوي بلاغة هذه الخطابات في استعارات اللغة، وبلاغة الباطوس بغية تبرير أفعال سياسية، بالتالي اخفاء حقيقة واقع الجمهور الذي لا تظهر بلاغة الخطابة السياسية، فكل شيء بخير وفي أمان واطمئنان وأمان بفضل السياسة الرشيدة للحاكم الخطيب.

ولهذه الخطورة لوظائف الخطابة السياسة فقد أقر الباحث عماد عبد اللطيف أثناء اشتغاله على بلاغة خطب حسني مبارك أنه أوشكت احدى خطبه الرئاسية أن تعصف بأحلام الكثير من المصريين الثائرين عليه، من خلال قدرته البليغة في التلاعب بالألفاظ، واعتماده على استعارة أبوية تجعل حسني مبارك أبا للمصريين، لا ينبغي الخروج عليه لأن أخلاق الثقافة العربية والاسلامية والمصرية تقر بضرورة الإحسان للوالدين وشكرهما، والاعتراف بجميلهما، فقد نشط حسني مبارك الذاكرة الخطابية للمصريين، يقول الباحث "وفي الواقع فإن احدى خطب الرئيس المصري السابق، خطبته الثانية على وجه التحديد، كانت على وشك إجهاض الثورة المصرية؛ فقد استطاعت دفع شريحة ضخمة من المصريين للتعاطف مع مبارك. وقد استخدمت لتحقيق ذلك تقنيات بالغة الكفاءة في التلاعب النفسي والعقلي بالجماهير؛ من أهمها بلاغة أبوية."[17]

ولغاية تحرير الجمهور من أسر بلاغة خطابة النظام دعا الكاتب بين ثنايا الدراسة إلى التأسيس لبلاغة جديدة "تعمل على تخليص البشر من كل ما يعمل على تشويه الفهم والاتصال، وهو ما قد يؤدي إلى خلق اتصال حر، لا تشوهه أشكال عدم التكافؤ الاجتماعي، أو القمع الخارجي، أو القهر الداخلي، وتعزز الجمهور على إنتاج خطابات مقاومة وتحررية، لتجعل من العصر الذي نعيشه بالفعل عصر استجابات الجمهور الرشيدة"[18] ولهذه الوظائف المهمة والخطيرة للخطابة السياسية العربية فسينصب اهتمامنا على استراتيجياتها واستعاراتها وتسمياتها.

3-3 استراتيجيات الخطابة السياسية العربية المعاصرة:
تعتمد الخطابة المعاصرة تجسيدا للصراع البلاغي بين بلاغات النظام وبلاغات الجمهور على استراتيجيات خطابية مختلفة لإقناع المستمع بغية التأثير في رأيه من خلال التلاعب بنفسيته أو تخويفه أو ترغيبه بربط المنجزات والتقدم والتنمية بالحاكم، وربط الجماهير بالفوضى وبث الرعب في النفوس، وعادة ما تكون الخطابة إعلانا عما سينجز بالفعل مستقبلا، إن لم يغير الجمهور من سلوكياته، بالتالي فالخطابة تحاول تلطيف وتحسين صورة الحاكم، واخفاء حقيقة ما سيقدم عليه من خلال استعارات لغوية ومجازية مفارقة للواقع الحقيقي للمواطن/ الشعب ومنها:

 1-3-3 استراتيجية الترهيب:
يعمد الحاكم العربي إلى هذه الاستراتيجية بغية التأثير في شريحة من الجماهير من خلال تخويفها من المستقبل المجهول، إن هي استمرت في الاحتجاج ومعارضة الحاكم والخروج عليه بربط المستقبل بالفوضى، وعدم الاستقرار بغية احداث أثر بلاغي في نفسية المستمع، وتهديده من خلال ربط المحتجين على الحاكم بخدمة أجندة خارجية، أو فقدان الأهلية العقلية والتهور، والاستهتار بمقدرات الوطن السياسية والسياحية والثقافية وغيرها، وتركز هذه الاستراتيجية على الباطوس العاطفي الذي يستهدف العاطفة والانفعال ودغدغة المشاعر[19]، وقد سمى الباحث عماد عبد اللطيف هذه الاستراتيجية ب"خطاب الاستعباد[20]" حيث تسود لغة "تقديس الذات وتحقير الشعوب"، والنظر للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، كعلاقة سيد بعبده، والهدف منها حرث النفوس ببلاغات كلها أكاذيب وتضليل، لأن "المستمع أو المشاهد الذي يؤمن على ما يقوله السياسي أيا يكن، هو المستمع النموذجي في حقل السياسة"[21].

 2-3-3 استراتيجية الترغيب:
تنبني هذه الاستراتيجية على ايهام المستمَع بإمكانية تحقيق الأحلام والمستقبل السعيد في ظل الحكم الرشيد لسيادة الرئيس، وتقديم المزيد من الوعود والرفاهية والعيش الرغيد، وإمكانية المشاركة في التداول في السلطة، على اعتبار أنه كما قال مبارك:" لم أكن أنتوي الترشح لولاية ثانية". والغاية من ذلك تحفيز الشباب للمشاركة في بناء المستقبل، وترك ساحة الميادين، ولغة الاحتجاجات والتفكير في مصلحة البلد السياحية والاقتصادية. وتعتمد هذه الاستراتيجية على "بلاغة التخويف[22]" في التواصل السياسي، من المستقبل في حال الاستمرار في الاحتجاج.

3-3-3 استراتيجية الالتفات:
اذا كان الالتفات بلاغيا له وظائف تكسب الخطاب قوته الجمالية والأسلوبية[23]، فإن الخطابة العربية الحديثة جعلته استراتيجية لإقناع الجمهور، من خلال حسن أداء، وتمكن الخطيب من ناصية اللغة، واتكائه على المجاز والاستعارات وبلاغة الافتتان، بالتالي تنشيط المخاطب وتطريبه، وصرفه عن الاهتمام بمضمون الخطاب، إلى الاهتمام بموسيقى النص التي يعضدها التوازي الصوتي والسجع في الخطاب. وتفيد هذه الاستراتيجية في تحقيق الاقناع من خلال بلاغة العامية التي تساعد الخطيب في انسيابية الحكي، واستحضار تجارب الماضي.

4-3 تسميات الخطابة السياسة:
الخطابة السياسة العربية المعاصرة في حيز بلاغي، يتسم بالصراع البلاغي من أجل النفاذ والسيطرة على الخطاب، فالمسيطر على الخطاب هو الذي يفرض تسمياته، فإذا كانت بلاغة النظام تسمي الاحتجاجات الشعبية فتنة وفوضى، فإن بلاغة الجمهور تسميها ثورة وحرية، في اطار نوع من "قصف التسميات[24]"، وسنقف هنا عند تسميات الخطابة السياسية، لاحتجاجات الجمهور الثائرة.

1-4-3 تسمية الفوضى / فتنة:
تسم الخطابة السياسية العربية المعاصرة، احتجاجات الجماهير بالفوضى والتلاعب باستقرار الوطن والمواطن، أو خدمتها للإرهاب، بالتالي اقناع الجمهور داخليا ودوليا، بضرورة الحزم في مواجهتها، وهذا واضح في جل خطب رؤساء دول الربيع العربي، فهي تحاول فرض تسمية أن الثورة الشعبية هي فوضى وفتنة، بالتالي فإن الأمر يستدعي في فهم الرئيس الحاكم بلاغة الحزم والحسم، ضمانا للسير العادي لمصالح المواطن، وحفاظا على الاستقرار والأمن والديمقراطية.

2-4-3 تسمية غياب التعقل وخدمة أجندة خارجية:
نعتت الخطابة السياسية العربية المعاصرة – المصاحبة لثورة الربيع العربي- الجمهور المحتج على الأوضاع المزرية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بأنه فاقد للأهلية العقلية، لأنه عاق لوالديه ارتباطا بالاستعارة الأبوية التي يوظفها أغلب الرؤساء لاسيما الرئيس حسني مبارك، فالجمهور بهذا المعنى يخدم أجندة خارجية، ويتلقى دعما ماليا من منظمات خارجية، ويعتبر القذافي أكثر توظيفا لهذه التسمية حينما اتهم شعبه الثائر ضده بأنه يتلقى حبوب الهلوسة!! بالتالي فقد رُفع القلم عن أفعاله حتى يعقل!! وتروم هذه التسمية التي توظفها الخطابة العربية، إلى اسباغ تسمية الحمق والجنون على الخروج على الحاكم الذي خدم الوطن والمواطن.

5-3 استعارات الخطابة السياسية:
إن الذي يميز الخطاب السياسي هو توظيفه للاستعارات، فهي التي تمكنه من انتاج خطابه، وتأمل فكره وواقعه باستعارات يحيا بها كما عنون كتاب "جورج لاكوف وجونسون"، المؤلف الذي أعاد الاهتمام لظاهرة الاستعارة كظاهرة متغلغلة في النشاط البشري، ليس كظاهرة زخرفية أسلوبية لترصيع الأسلوب Figure de style، بل هي أداة لفهم العالم والتفكير فيه، والتحدث عنه. توظيف بلاغة الاستعارة في الخطاب السياسي، ليس عبثا، بل لوظائفها التي تؤديها إذ تمكن الخطيب السياسي من التعبير عن موضوعه بأقل الألفاظ، توقع التأثير في المستمع أكثر من غيرها، فلاستعارة اذن وظيفة اقناعية، وقد اعتبرها الباحث في البلاغة والتحليل النقدي للخطاب عماد عبد اللطيف؛ "أداة من أدوات الفعل السياسي؛ فهي تستخدم أداة للتحريض والتحفيز والإقصاء والإغراء والتمييز والهيمنة واسباغ الشرعية ووأد المقاومة واجهاض النقد. إنها لا تقول أو تعبر فحسب بل تفعل أيضا".[25] وسنكتفي تمثيلا باستعارتين وظفهما الخطاب السياسي هما الاستعارة الأبوية عند الرئيس المصري مبارك، والاستعارة الحيوانية عند القذافي.

تقدم الاستعارة الأبوية الرئيس باعتباره أب العائلة التي هي الدولة، فهي ضمنيا العقد الاجتماعي الذي يربط المواطن بالرئيس، رباط عائلي، لا يحتكم للدساتير بل يحتكم للأعراف والأخلاق التي تجعل الخروج عن الأب / الرئيس عيبا، بالتالي فالرئيس أب الأسرة يحكم حتى يموت ويخلفه الابن، ثم إنه يملك المشاع ويتصرف فيه كيف يشاء، دون محاسبة، بالتالي ربط المسؤولية بالمحاسبة، كما في الأنظمة الديمقراطية غائب، ومنه ما دام أن الرئيس الحاكم أب الشعب فمن العيب عقوق الأب، وبذلك يتم استبدال الأنظمة الدستورية بالأعراف القبلية.

أما الاستعارة الحيوانية فقد اشتهر توظيفها أساسا في خطب القذافي، فقد وصف الشعب الليبي الثائر بالجرذان، في ذلك استعارة حيوانية تنم عن تحقير لأن الجرذ لا يخرج إلا للفسق والفساد في الأرض، والعبث بما يملكه الناس، بالتالي فالشعب الثائر/ جرذ، فهو يفسق، ويعبث بمقدرات الشعب الليبي، وهذا طبيعي ما دام أنه يتلقى حبوب الهلوسة. بالتالي فمواجهته بعنف وقسوة واجب، وهو ما تدل عليه القوة الاستلزامية الأمرية في جملة القذافي العامية: "شدوا الجرذان"!!

1-5-3 وظائف الاستعارة في الخطابة السياسية:
اعتبرت ايلينا سيممينو الاستعارة في الخطاب، آلية حجاجية اقناعية، فهي تمكننا من التعبير عن الموضوع الذي نفكر فيه بمفاهيم تنتمي لحقل آخر، فهي تم من رسم تمثيلات سلطوية معينة للخطيب السياسي.[26] إن توظيف بلاغة الاستعارة في الخطاب السياسي، ليس عبثا، بل لوظائفها التي تؤديها إذ تمكن الخطيب السياسي من التعبير عن موضوعه بأقل الألفاظ، توقع التأثير في المستمع أكثر من غيرها، فللاستعارة اذن وظيفة اقناعية، وقد اعتبرها الباحث  "أداة من أدوات الفعل السياسي؛ فهي تستخدم أداة للتحريض والتحفيز والإقصاء والإغراء والتمييز والهيمنة واصباغ الشرعية ووأد المقاومة واجهاض النقد. إنها لا تقول أو تعبر فحسب بل تفعل أيضا".[27]

2-5-3 الانسجام الاستعاري في الخطاب السياسي:
إن الخطابة السياسية التي تستطيع التأثير في المستمَع هي الخطابة التي تحرص على "الانسجام الاستعاري" في توظيفها للاستعارات، فكلما كان الانسجام، كلما كان تأثير الخطابة أمكن في المستمَع وحفزه على الفعل، وسنعطي مثالا عن استعارة الرياضة التي وظفها الخطاب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المغربية، في مقالة بعنوان: "أحقا لم تتضرر شعبية بنكيران؟"، لاسماعيل الحلوتي منشورة في جريدة الاتحاد الاشتراكي، عدد 10877، ليوم الثلاثاء 6 دجنبر/ ديسمبر 2014 ص: 13 وارتباطا بخطاب اسماعيل الحلوتي المعنون ب" أحقا لم تتضرر شعبية بنكيران؟"، نجده يوظف استعارات متعددة مرتبطة بحقل الرياضة يقول: «من غرائب الأمور، وأفظع مراتب الغرور، استمرار رئيس الحكومة السيد بكيران ... كمدرب مغمور استطاع بفريقه بضربة حظ نادرة، وبفضل احترام أوقات التداريب المنتظمة، والانضباط لتعليمات المرشدين من المؤطرين في مختلف فروع النادي/ الحزب، تصدر قائمة الفائزين في سباق غاب عنه الأبطال الحقيقيون.»

لقد اعتمد الكاتب على استعارة الرياضة (المدرب، النادي، التداريب، الانضباط، الفوز، الأبطال، الشعبية)، للإقناع بدعواه وهي فشل تجربة حكومة بنكيران، ويمكن تفسير سر اتكاء الكاتب اسماعيل الحلوتي على استعارة الرياضة، باعتبارها لعبة شعبية مرتبطة بذاكرة خطابية، يؤطرها الفوز والهزيمة، فكلما فاز النادي/ الفريق الرياضي/ الفريق السياسي، كلما عُد ذلك انتصارا للوطن للشعب، وكلما انهزم النادي/ الفريق الرياضي/ الفريق السياسي، كلما انهال الشعب على المدرب الرياضي/ رئيس الحكومة بتحميله مسؤولية الهزيمة بالتالي تتضرر شعبيته في الأوساط الرياضية/ السياسية، بالتالي لا بد من تغيير المدرب الرياضي/ رئيس الحكومة، وقد استطاع الكاتب تحقيق ما يسمى ب" الانسجام الاستعاري[28]" من خلال توظيف مفاهيم حقل الرياضة. فكلما كان المدرب/ رئيس الحكومة، صارما في تداريبه/ قراراته، وكان الفريق الرياضي/ الفريق السياسي منضبطا منسجما، كلما حقق الفوز، ولكن هذا لم يتحقق لبنكيران/ المدرب لهذا تضررت شعبيته كما يقر الكاتب اسماعيل الحلوتي.

وقد سخر الحلوتي لنصه بلاغة السجع (الأمور/ المغمور/ الغرور)، لما له من وقع تصويتي تزيني زخرفي، تصرف المستمع عن الاهتمام بمضمون الخطاب، والانصراف للوقع الصوتي الموسيقي الذي يحدثه حرف الراء الذي يتكرر.

6-3 آليات التأثير في الخطابة السياسية:
تحقق الخطابة السياسية التأثير والاقناع في المستمَع، عن طريق "استراتيجيات خطابية" stratèges discursives ، تتخذ بلاغة الباطوس Pathos منوالا للإقناع وذلك بدغدغة المشاعر، واثارة العواطف[29]. ومن هذه الآليات حسب اقتراح عماد عبد اللطيف ما يلي:

1-6-3 الاحتشاد البلاغي:
يقصد بالاحتشاد البلاغي في الخطابة السياسية، تلك التوازيات الصوتية والتركيبية التي يخولها السجع في النثر، وقد احتفى النثر العربي القديم بالسجع نظرا لوظيفته الجمالية والتأثيرية في المستمَع؛ لأنه يصرفه عن تدبر مضمون الخطابة، وربطها بواقعه الحي، إلى الإعجاب ب"موسيقى" الخطابة السياسية، وكاريزما الخطيب السياسي، اننا أمام فن البلاغة التي جعلت الرئيس الأمريكي بارك أوباما يستطيع الفوز في الولايات المتحدة الأمريكية كما يرى أندري موت [30]ANDRE MOTTE ، وتوارده في الخطابة السياسية بحسب عماد عبد اللطيف يؤدي إلى هيمنة الوظيفة الشعرية على الوظيفة الإفهامية التي يفترض هيمنتها على الخطاب السياسي، إلى الاستغراق في ايقاعاتها وزخرفتها، وبالتالي يؤدي ذلك إلى تعطيل ملكة النقد عند المستمع، وربما "تبرز الغاية احتشاد العبارة بفخاخ التصفيق البلاغية التي تصطاد الاستحسان الجماهيري للصياغة، وتحوله إلى قَبول واقتناع بالمعنى".[31]

2-6-3 التضفير الخطابي:
يعتبر التضفير الخطابي سمة من سمات الخطابة السياسية العربية المعاصرة، من خلال علاقات التناص Intertextualité ، بمفهوم جوليا كريستيفا، أو الحوارية Dialogisme كما عند ميخائيل باختين، بالتالي تستمد الخطابة السياسية قوتها الاقناعية من النصوص التي تتفاعل معها كالنصوص القرآنية والحديثية والأمثال والشعر، وقد تناول شاييم بيرلمان Chaïm Perlman مفهوم حجة السلطة L’argumentation d’autorité، ويمكن توظيفها الخطيب من اكساب خطابه مشروعية دينية تثبت أحقيته فيما يقول، وقد وظفت جل خطب الرؤساء نصوص القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، ولغة الشعر والأمثال، وأقوال الفلاسفة والحكماء، مما يكسب الخطابة قوة لا تقل عن قوة النصوص التي يتم "التضفير بها". وتعتبر الخطابة السياسية للرئيس المصري الأسبق أنور السادات، أكثر توظيفا للتضفير الديني مما أكسبها قوة اقناعية وحجاجية.

3-6-3 الذاكرة الخطابية:
مفهوم الذاكرة الخطابية مفهوم مرتبط بالتضفير الخطابي، فالخطيب السياسي يعمد إلى تنشيط ذاكرة المستَمع من خلال تذكيره بأمجاد الأمة التاريخية والثقافية، ونظرا لتنشيط الذاكرة الخطابية لدى الشعوب، فإن الخطيب السياسي يعمد إلى التأثير في المستمَع من خلال تحفيزه على الاعتزاز بقيم عليها نوع من الاجماع، كالتذكير مثلا بأخلاق المصريين (مصر أم الدنيا) أو المغاربة (تَمغربيت) أو أعراف القبيلة، أو معركة تاريخية (كونوا أحفاد يوسف بن تاشفين قائد الزلاقة) فإنها تجعل الخطيب يُقنع الجمهور بضرورة الاجماع عليه، وعدم الخروج عليه، وطاعته في المنشط والمكره، ويعتبر الرئيس مبارك أكثر تنشطا للذاكرة الخطابية للمصريين حينما يذكرهم بأدوار مصر عربيا ودوليا، كما أن القذافي أكثر توظيفا وتنشيطا للذاكرة الخطابية لليبيين حينما يذكرهم بأمجاد عمر المختار، وقبائل بنغازي وسرت. وتنشيط الذاكرة الخطابية في الخطابة السياسية يساعد الخطيب على تحقيق اجماع شعبي حول القرارات التي يتناولها، فتذكير العرب قبل عاصفة الحزم بخطورة المد الشيعي الفارسي، سهل ايجاد اجماع وتحالف عربي ضد الحوثيين مثلا.

4-6-3 التجريد البلاغي:
مفهوم تتميز به الخطابة السياسية العربية المعاصرة، ومضمونه خلق كينونة نصية موازية لأنا المتكلم/ الخطيب ومتوحدة معهما، وهكذا تتكون للخطيب هويتان؛ هويته الشخصية، وهوية الرسمية[32]. وتمكن هذه التقنية الخطيب من سرد مآثره ومنجزاته، ومدح الذات وشيمها، والخلط بين مقدرات الوطن، وما قام به الرئيس/ الخطيب، وقد تجلت بوضوح في خطب الرئيس مبارك، وبشار الأسد، ويعتبر القذافي أكثر الموظفين لهذه التقنية، إلى درجة أن هناك تماه بين "ليبيا معمر القذافي" كما يقول هو نفسه، وما لون الخضرة الذي فرض على الليبيين، والكتاب الأخضر، إلا تجسيد صريح لهذا التجريد البلاغي.

5-6-3 الاكراه البلاغي:
مفهوم استحدثه رونالد كريبسKrebs، وباتريك جاكسون  Jackson[33]، ويقصدان به اكراه الخطيب على قول ما لا يرغب في قوله، استجابة لضغوط معينة، فاحتجاجات الثوار، جعلت خطب أغلب رؤساء تونس ومصر وسوريا، تعترف بأن الرئيس، تصله معلومات غير صحيحة عن أوضاع الشعب، بالتالي حينما يعمد إلى مطالبة الحكومة بالاستقالة الجماعية، أو ترميم الحكومة دليل على خضوعه للإكراه البلاغي للثور، الذين أصبحوا يسيطرون على الحيز البلاغي، وينفذون للخطاب.

7-3 بلاغات الخطابة السياسية من بلاغة السلطة إلى بلاغة الجمهور:
إن المتأمل في المشروع البلاغي للباحث المصري، يجده يقدم للباحث في حقل البلاغة السياسية، أدوات تمكنه من تشريح الخطابة السياسية العربية المعاصرة، والانتباه لفخاخها البلاغية؛ من خلال توظيفها لبلاغة الاستعارة (عاصفة الحزم مثلا)، التي مكنت السياسي من التعبير عن مواضيع بمفاهيم تنتمي لحقل آخر، مما جعل الخطب السياسية، عبارة عن كنايات وألغاز تنشط الذاكرة الخطابية للشعوب وتعلبها، تغطية عن عجز أو مصالح وغيرها، فحينما نسمع مثلا (لا بد من التصدي للمد الفارسي الشيعي)، فهي كناية عن مواجهة ايران، وتقسيم الشعوب العربية والاسلامية إلى سنة وشيعة، للتغطية على مصالح اقتصادية وسياسية وراء سياسات وحروب وغيرها. هكذا كانت بلاغة السلطة تقدم نفسها على أنها الخادمة لشعوبها والساهرة على أمن الوطن والمواطنين، والتي لا تريد إلا الخير للوطن، وأن المواطن هو الذي كلفه في ظروف عصيبة أمانة الحكم والسياسية. مبدية "بلاغة الزهد" أي امكانية التخلي عن منصب الرئاسة والملك، إذا رأى الجمهور ذلك، وهذه استراتيجية بلاغية، تواجه ببلاغة التصفيق، الذي يستحسن الفكرة، مفضلا بلاغة الحرية في الميدان، عن بلاغة سلطة السجان، وبذلك انتقلت الخطابة العربية إلى بلاغة الجمهور، أو عصر استجابات الجماهير الذي وفرته الثورة الرقمية والتكنولوجية.

 خاتمة:
لقد كان من أهداف المشروع البلاغي لعماد عبد اللطيف التأسيس لبلاغة جماهيرية، تقاوم أثر بلاغة السلطة، بخلق استجابات بلاغية مضادة، تجعل المستمع العربي يستهدف زعزعة هيمنة سلطة الخطاب وخطاب السلطة بحيث يصبح الجمهور ممتلكا فعليا لحرية الإرادة والفعل[34]، وبداية امتلاك الجمهور لحرية الإرادة والفعل، يكون في نظرنا بالوعي باستراتيجيات الخطاب عموما، والخطاب السياسي خصوصا باعتباره قطب الرحى، من معرفة بآليات المحاججة، والمغالطة. وببلاغة الاستعارة التي جعلت الخطابة السياسية العربية، ولردح من الزمن، تضلل الشعوب، وتخدر وعيها بأحلام العروبة والتحرر، في كلمات الخطابة السياسية، دون أن يكون لها أثرا بلاغيا على واقع الجمهور العربي. مما سوغ حاجة الجمهور البلاغي، إلى بلاغة الجمهور؛ بلاغة واضحة شفافة لا كاتمة، بلاغة لا تراوغ ولا تناور ولا تغالط، ولهذه الغاية يقترح الباحث عماد عبد اللطيف، امكانية الدمج بين التحليل النقدي للخطاب وبلاغة الجمهور، على اعتبار أن كلاهما يبحثان في الخطاب السلطوي وسُبل مقاومته، وبالتالي فإن تحقيق ذلك لا يكون "بالكشف عن العلاقة بين الخطاب واستجابة الجمهور فقط، بل كذلك من خلال إجهاض قدرته على التحكم في استجابات مستهلكيه، وتعرية الاستجابات المتواطئة معه[35]"، تلك غاية المشروع البلاغي للباحث عماد عبد اللطيف، الانحياز لبلاغة الجمهور، ووأد بلاغة السلطة.

 

باحث في اللسانيات والحجاج، كلية الآداب والعلوم الانسانية/ جامعة ابن زهر أكادير المغرب

 

[1] وقف تون فان ديك، عند آليات تضليل الشعوب والتسلط عليهم، بواسطة الخطاب وعلاقتها بالايديولوجيا، .Teun A. van Dijk Political discourse and ideology ضمن موقع الباحث. أو "الخطاب والسلطة"، لتون فان ديك، ترجمة غيداء العلي، تقديم ومراجعة عماد عبد اللطيف، ترجمة المركز القومي للترجمة، عدد 2419 ، القاهرة، ط1، 2014. ضمنه مقالات عن الخطاب والتلاعب والعنصرية والهيمنة.

[2] Roland. Barthe ,L ancienne rhétorique , in communication, 16,1970 ,P 172_ 223 http://www.persee.fr/web/revues/home/prescript/article/comm_0588-8018_1970_num_16_1_1236

[3] أرسطو، الخطابة، ترجمة عبد الرحمان بدوي، وزارة الثقافة والاعلام، بغداد 1980، ص: 101

[4] عماد عبد اللطيف، عبد الحكيم راضي خمسون عاما صحبة البلاغة، ص: 1

[5] عماد عبد اللطيف، بلاغة الحرية معارك الخطاب السياسي في زمن الثورة، منشورات دار التنوير، القاهرة بيروت، ط1، 2012، ص: 61

[6] Katia Segura , l’argumentation dans des discours politique défendant et s opposant a la constitution européenne lors du referendum en France , Université de Tampere , Langue française, décembre 2007, P13

[7] محمد العمري، البلاغة العربية أصولها وامتداداتها، الطبعة الثانية 2010 ،منشورات أفريقيا الشرق ، ص: 318

[8] عبد الجليل ناظم، البلاغة والسلطة في المغرب أحمد بن محمد بن يعقوب الولالي، الطبعة الأولى 2002 منشورات توبقال، ص: 44

[9] نفسه، ص: 50

[10] محمد مشبال، خطاب الهوية والأخلاق في رسائل الجاحظ مقاربة بلاغية حجاجية، الطبعة الأولى 2015 ، منشورات كنوز المعرفة، عمان الأردن، ص: 220

[11] عماد عبد اللطيف، بلاغة الحرية مرجع سابق، ص: 54

[12] عماد عبد اللطيف، استراتيجيات الاقناع والتأثير في الخطاب السياسي خطب الرئيس السادات، الطبعة الأولى 2012، منشورات الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص: 90

[13] عماد عبد اللطيف، الخطابة السياسية في العصر الحديث، منشورات دار العين، ط1، 2015 ، ص: 27 -28

[14] أخذنا العبارة من الباحث محمد العمري، بلاغة الخطابة الاقناعي مدخل نظري وتطبيقي لدراسة الخطابة العربية، الخطابة في القرن الأول الهجري، منشورات أفريقيا الشرق، ط2 ، 2002، ص: 13

[15] عماد عبد اللطيف، استراتيجيات الاقناع والتأثير في الخطاب المرجع نفسه، ص:84

[16] نستعمل هذا المفهوم كما تستعمله اللسانيات الوظيفية التداولية، ينظر عبد الوهاب صديقي، اللسانيات الوظيفية وتدريس الخطاب الحجاجي نحو الطبقات القلبي نموذجا، ورقة ندوة " مختبر اللسانيات والترجمة" جامعة الحسن الثاني، كلية الآداب والعلوم الانسانية بنمسيك الدار البيضاء، أيام 16- 17 أبريل 2015 .

[17] عماد عبد اللطيف، الخطابة السياسية في العصر الحديث، ص: 32

[18] نفسه، ص: 69

[19] Patrick Charaudeau ,Pathos et discours politique, P 51

[20] عماد عبد اللطيف، بلاغة الحرية، ص: 89

[21] نفسه، ص: 104

[22] Françoise Favart , une rhétorique de la peur dans la communication politique : exemples de campagne électorale en France et en Italie. P1

[23] عدد عماد عبد اللطيف، وظائف متعددة للالتفات منها:

 وظائف تخص لغة الخطاب، وظائف تخص منشئ الخطاب، وظائف المخاطَب، وظائف تخص بنية الخطاب، وظائف تخص السياق الاجتماعي للخطاب، الالتفات بوصفه علامة على أهمية الخطاب، انظر للتوسع، تحليل الخطاب البلاغي دراسة في تشكل المفاهيم والوظائف، منشورات كنوز المعرفة، ط 1، 2013، ص: 109- 110

[24] عماد عبد اللطيف، بلاغة الحرية، مرجع سابق، ص: 76

[25] عماد عبد اللطيف، استراتيجيات الاقناع والتأثير في الخطاب السياسي، مرجع سابق، ص: 121

[26] ايلينا سيمينو، الاستعارة في الخطاب، ترجمة عماد عبد اللطيف، وخالد توفيق، منشورات المركز القومي للترجمة، عدد 2000، ط 1، 2013، ص: 198

[27] عماد عبد اللطيف، استراتيجيات الاقناع والتأثير في الخطاب السياسي، مرجع سابق، ص: 121

[28] جورج لا يكوف، ومارك جونسن، الاستعارات التي نحيا بها، ترجمة عبد المجيد جحفة، ط1،(المغرب، منشورات دار توبقال للنشر، 1996)، ص 103 وما بعدها

[29] Patrick Charaudeau. Pathos et discours politique. P.53

[30] André Motte. l’art rhétorique d’Aristote. Une œuvre pour notre temps. Peitho Examina/1(3) 2012. P13 " Barack Obama excelle dans l’art du discours et place de la rhétorique au cœur de la politique . convaincu qu’il a gagne la présidence par les mots "

[31] عماد عبد اللطيف، حروب بلاغية، مجلة ألف 32، 2012 ، ص: 297

[32] عماد عبد اللطيف، حروب بلاغية، مجلة ألف 32، 2012 ، ص295

[33] نقلا عن عماد عبد اللطيف، حروب بلاغية، مجلة ألف 32، 2012 ، ص294

[34] عماد عبد اللطيف، الخطابة السياسية في العصر الحديث، ص: 69

[35] نفسه، ص: 55