يتصفح نبضُها صوره، تتحسس ملامحه بشذا أنفاسه، تحترق روحها بلهيب الشوق إليه وهي تمسك بيده، أو تذوب في أحضانه الدافئة بمعانقة خفقه. لم تتوقع يوما أن جذور حبه ستتوغل في باطنها تمنحها الحياة التي تنعم بها الآن...
- لا أستطيع أن أعيش بدونك أمينة، هل تتزوجينني...
تبتسم وهي تنسق الورود في المزهريات، تصفف الحلوى على الطاولة. أول شاب يعزف سمفونية الحب على نبضها يطلبها للزواج ليقضي عمره معها، أحست حينئذ بحرارة تتصاعد من وجها، بل من كل جسدها. لأول مرة تجتاحها هذه السعادة الغامرة تراقصها بين حدائق أحلامها على امتداد بلا ضفاف... يتسلل صوته إليها من جديد:
- لماذا هذا الشحوب لا يبرح وجهك حبيبتي؟ لماذا هذا الصمت يستبد بك حبيبتي..؟ لا أزال أنتظر الرد، متى...
تنتهي من تزيين جانب من الطاولة، تقف أمام صورتهما تلامسها بنظراتها، تتحسسها بنبض الزمن، صورة تحبها كثيرا، لأنها توّقع للحظة تاريخية أحست فيها بانبلاج هذا الإحساس الذي لا يزال يسكنها أريجا إلى اليوم...
- لا أسمع الموسيقى حبيبتي، تلك التي تعشقين في الحفلات، إنها حفلتنا اليوم...
- لحظة حبيبي وتسمعها...
تنبعث الموسيقى، في غرفتها كانت تنصت إليها، تخفف عليها من ضغط أبويها، من حبل المشنقة على عنقها يستعد لإعدامها...
- بماذا سأرد على حبيبي، إليك ربي أفوض أمري.
تدخل أمها غرفتها في اندفاع عارم، تنفخ فيها ريحا عاتية تهز أركانها:
- أيتها الكلبة، أتريدين تلطيخ وجهنا في التراب، الموت أفضل لي من أن أتقبّل إصرارك على الزواج بهذا الملعون...
تبدأ في توضيب الشموع على المائدة، حركاتها تبدو ثقيلة تخطئ التركيز... لا تزال أمها تصرخ في وجهها:
- أنسيت أنك مسلمة... أم انه يلعب بعقلك ليخرجك عن ملتك...
-أمي...
- لست أمك بهذا الإصرار الأرعن...
يصلها صوته يناديها:
- ارفعي قليلا من الموسيقى حبيبتي...
تجده بجانبها، تعانقه، يقبل رأسها، تقبل خديه قبل أن تغرق في شفتيه...
يواصلان من جديد تهييء مستلزمات الحفل، تخرج إلى الشرفة لتستريح قليلا، تتنسم نسمات الربيع. تحلق نظراتها في الأفق البعيد، لكن في غفلة منها يتسلل إلى سمعها صراخ صاخب، ينادون عليها:
- أمك مدرجة في دمائها، اسرعي...
تذكر وعيدها:
- اسمعيني جيدا، الشرف أو الموت...
تستنشق نفسا عميقا، تصدر زفرة حارة تذكرها بزفرات أبيها، قبل أن يشهر في وجهها تهديداته منذ أن سمع بفكرة الزواج:
- أنت مسلمة ولا يحق لك ذلك... إما الابتعاد عنه وإما...
لا تعرف الآن أين هو، ماتت أخباره، أبموته أم بقتلها ...
تحس بيديه الدافئتين تمسكان بها، تقودانها إلى الداخل، حينها يرن الجرس...
- السلام عليكم ورحمة الله...
يقبّل ابنها يدها، يقدم لها باقة الورد، تعانقه، تعانق زوجته، يرتمي عليها الأحفاد... يبدأ المدعوون من الأصدقاء في الوصول تباعا للاحتفال بالذكرى الجميلة...
أنشر في الجرائد الوطنية الورقية، في المجلات الالكترونية...
نشرت مجموعتين قصصيتين:
- "جذوة "
- "رشفات الوجع"
- قريبا، مجموعة قصصية