تَرْجَمَةُ: مُحَمَّد حِلْمِي الرِّيشَة
إِلِيزَابِيثْ بِيشُوبْ(1) شَاعِرَةٌ وَكَاتِبَةٌ وَمحُرَرِّةٌ وَمُتَرْجِمَةٌ أَمْرِيكِيَّةٌ، وُلِدَتْ فِي سَنَةِ (1911)، وَتُوُفِّيَتْ فِي سَنَةِ (1979). فَازَ كِتَابُهَا الشِّعْرِيُّ الأَوَّلُ "الشَّمَالُ وَالجَنُوبُ" بِجَائِزَةِ "هوتون ميفلين" لِلشِّعْرِ لِسَنَةِ (1946). تَلَقَّتْ جَائِزَةَ "بوليتزر" فِي سَنَةِ (1955)، عَنْ مُجَلِّدٍ احْتَوَى عَلَى "الشَّمَالُ وَالجَنُوبُ" وَ"رَبِيعٌ بَارِدٌ"، وَالآخرُ هُوَ كِتَابُهَا الشِّعْرِيُّ الثَّانِي. فَازَ كِتَابُهَا الثَّالِثُ "أَسْئِلَةُ السَّفَرِ" (1965)، بِالجَائِزَةِ الوَطَنِيَّةِ لِلْكِتَابِ، وَتَبِعَهُ "القَصَائِدُ الكَامِلَةُ" فِي سَنَةِ (1969). تَلَقَّتْ جَائِزَةَ الدَّائِرَةِ الوَطَنِيَّةِ لِكِتَابِ النَّقْدِ عَنْ كِتَابِهَا "الجَغْرَافْيَا الثَّالِثَةُ" فِي سَنَةِ (1976). أَصْبَحَتْ أَوَّلُ أَمْرِيكِيَّةٍ وَأَوَّلُ امْرَأَةٍ تَفُوزُ بِجَائِزَةِ "نيوستادت" العَالَمِيَّةِ لِلأَدَبِ فِي سَنَةِ (1976)،. كَانَتْ مِنَ المُسَاهِمِينَ بِغَزَارَةٍ فِي "النيويوركر". اسْتَفَادَتْ مَرَّتَيْنِ مِنْ مِنَحِ "جوجنهايم" فِي سَنَةِ (1967). حَصَلَتْ عَلَى دَرَجَاتٍ فَخْرِيَّةٍ مِنْ جَامِعَاتِ "أديلفي"، وَ"برانديز"، وَ"بروان"، وَ"دالهوزي"، وَ"برينستون"، وَكَذلِكَ مِنْ كُلِّيَاتِ "سميث وأمهيرست". كَانَت مُسْتَشَارَةً لأَكَادِيمِيَّةِ الشُّعَرَاءِ الأَمْرِيكِيِّينَ، وَكَانَتْ أَيْضًا عُضوًا فِي الأَكَادِيمِيَّةِ الأَمْرِيكِيَّةِ لِلْفُنُونِ وَالآدَابِ، وَخَبِيرَةً اسْتِشَارِيَّةً فِي الشِّعْرِ لِمَكْتَبِةِ الكُونْغْرِسِ فِي (1949- 1950). فِي سَنَةِ (2008) صَدَرَ مُجَلَّدُ أَعْمَالِهَا المُتَنَوِّعَةِ "بِيشُوبْ- القَصَائِدُ، النَّثْرُ، وَالرَّسَائِلُ"، الَّذِي احْتَوَى، إِضَافَةً إِلَى أَعْمَالِهَا الشِّعْرِيَّةِ المَنْشُورَةِ، عَلَى "قَصَائِدُ أَخِيرَةٌ"، وَ"قَصَائِدُ غَيْرُ مَجْمُوعَةٍ"، وَ"قَصَائِدُ غَيْرُ مَنْشُورَةٍ وَمُسْوَدَّاتٌ"، وَ"تَرْجَمَاتٌ"، وَ"مَقَالاَتٌ شَخْصِيَّةٌ، وَذِكْرَيَاتٌ، وَتَقَارِيرُ"، وَ"قِصَصٌ"، وَ"شَهَادَاتٌ أَدَبِيَّةٌ وَمُرَاجَعَاتٌ"، وَمِنْ هذَا المُجَلَّدِ تَرْجَمْنَا هذِهِ القَصَائِدَ.
قِصَّةُ قِطَارِ الأَنْفَاقِ
مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ جِدًّا، عِنْدَمَا كَانَ الرَّبُّ شَابًّا،
لَمْ تَجِدِ الأَرْضُ مَكَانَهَا.
عَاشَتْ تَنَانِينٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ الأَقْمَارِ
وَزَحَفَتْ وَتَسَلَّلَتْ عَبْرَ الفَضَاءِ.
عَاشَتْ آلاَفَ آلاَفَ السَّنَوَاتِ،
وَتَسَلَّقَتْ تِلاَلَ اللَّيْلِ.
كَانَتْ عُيُونُهُمْ مِثْلَ طَنِينِ الشُّمُوسِ؛
وَذُيُولُهُمْ مِدْرَاسَاتِ الضَّوْءِ الحَادَّةِ.
نَطَحُوا النَّيَازِكَ بِرُؤُوسِهِمْ
بَيْنَمَا سَقَطَتْ العَوَالِمُ غَيْرُ المَرْئِيَّةِ؛
وَخَدَشَتْ ظُهُورَهُمُ البُرُونْزِيَّةَ عَلَى
حَوَافِّ السَّمَاءِ.
جَاءَتِ الدُّهُورُ وَذَهَبَتْ وَجَاءَتْ،
وَمَا زَالَتِ التَّنَانِينُ بَاقِيَةً؛
إِلَى أَنْ كَانَتْ لَيْلَةٌ أَكَلُوا فِيهَا صُدْفَةً
سِرْبًا مِنَ النُّجُومِ حَدِيثَةِ الصُّنْعِ.
وَعِنْدَمَا رَآهُمُ الرَّبُ جَمِيعًا مُتْخَمِينَ جِدًّا،
وَبُطُونَهُمُ المُحَرْشَفَةَ غُذِّيَتْ،
جَعَلَ غَضَبُهُ الكَوَاكِبَ تَهْتَزُّ
وَهذَا مَا قَالَهُ:
"كُنْتُمْ تَتَغَذُّونَ أَيَّتُهَا الوُحُوشُ الجَشِعَةُ،
عَلَى النُّجُومِ الصَّغِيرَةِ اللاَّمِعَةِ.
وَلِشَرَاهَةٍ مِثْلَ شَرَاهَتِكُمْ—
سَتَتَغَيَّرُونَ إِلَى عَرَبَاتِ قِطَارِ أَنْفَاقٍ!
"لَمْ يَعُدْ لَكُمْ فَضَاءٌ لاَ نِهَائِيٌّ،
لكِنْ فِي فَجْوَةٍ ضَيِّقَةٍ
يَجِبُ عَلَيْكُمْ تَلَمُّسَ طَرِيقِكُمْ إِلَى الأَبَدِ،
وَعُمْيًا تَحْفِرُونَ مِثْلَ الخُلْدِ!"
لِذلِكَ زَحَفَتْ التَّنَانِينُ عَلَى الأَرْضِ
فِي العَتْمَةِ، وَطُرُقِ الإِنْسَانِ.
عُظَمَاءُ السَّمَاءِ، ذَاتَ مَرَّةٍ—
يَحْمِلُونَ أَثْقَالَ الإِنْسَانِ.
الَمخْلُوقَاتُ الَّتِي كَانَتْ تَرَى الشَّمْسَ المُذْهِلَةَ
وَجْهًا لِوَجْهٍ،
تُضَاءُ الآنَ بِرِمَاحٍ خَفِيفَةٍ
مِنَ الأَحْمَرِ وَالأَخْضَرِ الشَّفَّافِ.
عِنْدَمَا تَعْبُرُ خِلاَلَ الظَّلاَمِ
عَلَى مَتْنِ تِلْكَ "السَّيَّارَاتِ الشَّيْطَانِيَّةِ،"
فَإِنَّهُمْ حَقًّا التَّنَانِينُ الَّتِي
لَعَقَتْ سِرْبَ النُّجُومِ.
(1926-1927)
وَرَاءَ مَخْزَنٍ
سَمِعْتُ قَزَمًا عَابِرًا يُصَفِّرُ
صَفْرَةً مِثْلَ عُشْبٍ مُقْمِرٍ،
وَجَذَبَنِي هذَا كَأَنَّنِي وَتَرٌ فِضِّيٌّ
إِلَى حَيْثُ تَطِيرُ حَشَرَاتُ العَثِّ المُغْبَرَّةُ الشَّاحِبَةُ،
وَتَعْمَلُ سِحْرًا عِنْدَمَا تَعْبُرُ؛
وَهُنَاكَ سِمِعْتُ الجُدْجُدَ يُغَنِّي.
دَوَّى غِنَاؤُهُ عَبْرَ وَعَبْرَ
الظَّلاَمِ تَحْتَ شَجَرَةٍ مَذْرُورَةٍ بِالرِّيَاحِ
حَيْثُ أَجْنِحَةُ الحَشَرَاتِ الصَّغِيرَةِ الوَامِضَةِ.
غِنَاؤُهُ شَقَّ السَّمَاءَ نِصْفَيْنِ.
النِّصْفَانِ هَبَطَا إِلَى جَانِبِي،
وَوَقَفْتُ بِاسْتِقَامَةٍ، وَلاَمِعَةً بِحَلَقَاتِ القَمَرِ.
(1927)
إِلَى شَجَرَةٍ
أُوهْ، شَجَرَةٌ خَارِجَ نَافِذَتِي، نَحْنُ أَقَارِبَ،
وَلأَجْلِكَ فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ شَيْءٍ لِصَدِيقٍ إِلاَّ هذَا:
لِتَمِيلَ تِجَاهَ النَّافِذَةِ وَتُحَدِّقَ دَاخِلاً
وَتُشَاهِدَنِي أَتَحَرَّكُ عَلَى مَقْرُبَةٍ! نَعِيمٌ كَافٍ
لِي، فَالَّذِي يَقِفُ خَلْفَ إِطَارِهَا الثَّخِينِ،
مَلِيءٌ بِمَآسِيَّ الصَّغِيرَةِ وَالحُزْنِ الغَرِيبِ،
لِتَمِيلَ تِجَاهَ النَّافِذَةِ وَتُحَدِّقَ خَارِجًا
ثَمَّةَ إِعْجَابٌ لاَنِهَائِيٌّ بِالأَوْرَاقِ.
(1927)
رَعْدٌ
وَفَجْأَةً تَعِبَ العَمَالِقَةُ مِنْ اللَّعِبِ.—
بِأَيْدٍ ضَخْمَةٍ، وَخَشِنَةٍ، قَذَفُوا كُرَاتَ الإِلهِ الذَّهَبِيَّةَ
وَعِيدَانَ الفِضَّةِ وَالمَرَايَا عَلَى جُدْرَانِ
السَّمَاءِ، وَسَارُوا، بِخِزْيٍ، حَيْثُ يَسْتَلْقِي
سِحْرُ الزُّهُورِ. يَوْمٌ خَائِفٌ
رَكَضُوا عَلَى أَقْدَامٍ بَيْضَاءَ خَارِجَ قَاعَاتِ المَعْبَدِ،
وَالظَّلاَمُ المُتَخَبِّطُ مُلِئَ بِدَعَوَاتِ الحَرْبِ العَظِيمَةِ،
وَأُحْرِجَ الجَمَالُ، وَانْسَلَّ بِصَمْتٍ بَعِيدًا.
كُنْ هَادِئًا، فَثَمَّةَ رِيحٌ خَفِيفَةٌ بَيْنَ الأَوْرَاقِ
الَّتِي تُدِيرُ الوُجُوهَ الشَّاحِبَةَ إِلَى العَاصِفَةِ المُقْبِلَةِ.
كُنْ هَادِئًا، فَالثَّعَالِبُ الصَّغِيرَةُ فِي مَخَابِئِكَ،
وَالطُّيُورُ وَالفِئْرَانُ لاَ تَزَالُ— أَحْزَانٌ جَبَّارَةٌ
لِقُدْرَتِهِ المَنْسِيَّةِ. أَصْغِ الآنَ لِلتَّعَثُّرِ الدَّافِئِ
وَالثَّقِيلِ أَسْفَلَ الدَّرَجِ الشَّاحِبِ!
(1928)
سُونَاتَا
أَنَا فِي حَاجَةٍ إِلَى المُوسِيقَى الَّتِي تَنْسَابُ
فَوْقَ نَقَرَاتِ أَصَابِعِي الحَسَّاسَةِ العَبُوسَةِ،
وَفَوْقَ تَلَوُّثِي المَرِيرِ، وَشِفَاهِي المُرْتَعِشَةِ،
بِنَغَمٍ عَمِيقٍ، وَوَاضِحٍ، وَيَسِيلُ بِبُطْءٍ.
أُوهْ، مِنْ أَجْلِ تَمَايُلِ الشِّفَاءِ، القَدِيمِ وَالضَّعِيفِ،
لِبَعْضِ أُغْنِيَةٍ تُغَنَّى لِتُرِيحَ المَيِّتِ المُتْعَبِ،
فَلْتَسْقُطْ أُغْنِيَةٌ مِثْلَ مَاءٍ عَلَى رَأْسِي،
وَفَوْقَ أَطْرَافِي الُمرْتَعِشَةِ، وَحُلُمٍ مُسِحَ لِيَتَوَهَّجَ!
ثَمَّةَ سِحْرٌ صُنِعَ بِاللَّحْنِ:
تَعْوِيذَةُ الرَّاحَةِ، وَالتَّنَفُّسُ الهَادِئُ، وَالقَلْبُ
المُنْتَعِشُ، هذِهِ الَّتِي تَغْرَقُ عَبْرَ الأَلْوَانِ المُتَلاَشِيَةِ فِي الأَعْمَاقِ
نَحْوَ هُدُوءِ البَحْرِ الوَاقِعِ تَحْتَ المَاءِ،
وَتَعُومُ فِي بِرْكَةِ القَمَرِ الخضْرَاءِ إِلَى الأَبَدِ،
مَحْمْلَةً بِأَذْرُعِ الإِيقَاعِ وَالنَّوْمِ.
(1928)
مَطَرٌ لَيْلِيٌّ
وَالآنَ يَزْحَفُ إِلَى أَسْفَلَ
ظِلُّ المَطَرِ النَّاعِمُ الفَاتِنُ.
فَوْقَ هذِهِ المَدِينَةِ ذَاتِ الأَسْطُحِ السَّوْدَاءِ
تَأْتِي عَلَى قَدَمِ السَّرِقَةِ خِلْسَةً مَرَّةً أُخْرَى.
عَبْرَ الشَّارِعِ
فِي طَيَرَانٍ سَرِيعٍ، وَرَمَادِيٍّ وَجَرِيءٍ،
وَأُسْطُولٍ زَاهٍ
بِنَوَافِذَ مُضَاءَةٍ مُتَوَهِّجَةٍ لِلَحْظَةٍ ذَهَبِيَّةٍ وَاحِدَةٍ.
بَارِدٌ وَرَطْبٌ هُنَا،
بِأَصَابِعَ صَغِيرَةٍ، وَمُقْشَعِرَّةٍ فِي شَعْرِي،
أَعْتَقِدُ، وَلكِنْ بَعْدَ
رِحْلَتِهَا السَّرِيعَةِ وَصَلَتْ تَلاًّ عَالِيًا حَيْثُ
مُنْذُ أُسْبُوعَيْنِ مَاضِيَيْنِ
اسْتَلْقَيْنَا وَحِيدَيْنِ، فِي ضَوْءٍ، فَوْقَ سَطْحِ البَحْرِ،
كَانَ صَوْتُكَ بَطِيئًا،
وَفِضَّةً مُبْتَهِجَةً مِثْلَ ظِلاَلٍ فِي شَجَرَةٍ مَسَّتْهَا الرِّيحُ.
وَآهٍ، أَعْرِفُ
فِتْنَةَ المَرَحِ الَّتِي لاَ تَزَالُ فَوْقَ ذلِكَ المَكَانِ
مِثْلَ أَعْشَابٍ تَهُبُّ إِلَى الوَرَاءِ
سَوْفَ تُوقِفُ المَطَرَ عَلَى وَجْهِهَا مَعْ حُزْنٍ عَجِيبٍ!
وَسَوْفَ تَنْزَلِقُ
إِلَى أَسْفَلَ بِصَمْتٍ وَتَتْرُكُ تَلَّنَا وَحِيدًا،
وَتَخْتَفِي حَيْثُ تَقْطُرُ الأَوْرَاقُ الدَّاكِنَةُ . ...
نَحْنُ أَمْسَكْنَا الشَّمْسَ هُنَاكَ إِلَى الأَبَدِ— الظِّلاَلُ مُلْكُنَا.
(1928)
I
دَعُونَا نَعِيشُ فِي سُكُونِ رِيَاحِ الشِّتَاءِ الطَّوِيلَةِ
حَيْثُ السَّمَاءُ، وَأَيَائِلُ الرَّنَّةِ ذَاتِ القُرُونِ الفِضِّيَّةِ تَذْهَبُ
عَلَى حَوَافِرِهَا الأَنِيقَةِ مَعْ أَصْدِقَائِهِمُ الأَرَانِبِ البَيْضَاءِ
وَسَطَ تَفَتُّحِ الثُّلُوجِ اللَّطِيفَةِ.
كُلُّ مُعْتَقَدَاتِنَا أَكْثَرُ جَمَالاً مِنَ الحَمَائِمِ.
سَنَعِيشُ عَلَى كَعْكَةِ الزَّفَافِ المَجَمَّدَةِ بِالثَّلْجِ المَخْلُوطِ بِالمَطَرِ.
سَوْفَ نَبْنِي لَنَا بَيْتًا مِنَ اثْنَتَيْنِ مِنْ مَفَارِشِ المَائِدَةِ الحَمْرَاءِ،
وَنَرْتَدِي قُفَّازَاتٍ قِرْمِزِيَّةً فِي كُلٍّ مِنَ اليَدَيْنِ وَالقَدَمَيْنِ.
II
دَعُونَا نَعِيشُ عَلَى الأَرْضِ ذَاتِ الشَّجَرِ الهَامِسِ،
والمَغْثِ، وَالحُورِ الرَّجْرَاجِ، وَالصَّفْصَافِ، وَالبَتُولاَ،
نُنْشِدُ صَلَوَاتِنَا فِي ضَعْفٍ، وَالنَّسِيمُ الأَخْضَر لِلْبَحْرِ،
مَعْ تَسْبِيحَاتِ زَهْرَةِ النَّجْمَةِ، وَضِفَافِ الكَنِيسَة الطُّحْلُبِيَّةِ.
كُلُّ أَحْلاَمِنَا سَتَكُونُ أَكْثَرَ وُضُوحًا مِنَ الزُّجَاجِ.
فَرِحٌ فِي المَاءِ أَوِ الشَّمْسِ، كَمَا تَتَمَنَّى،
سَنُرَاقِبُ عُبُورَ الأَقْدَامِ البَيْضَاءَ لِلصَّبَاحِ الشَّابِّ
وَنَتَغَذَّى عَلَى العَسَلِ، وَالأَسْمَاكِ الصَّغِيرَةِ اللاَّمِعَةِ.
III
دَعُونَا نَعِيشُ حَيْثُ يَعِيشُ الشَّفَقُ بَعْدَ الظَّلاَمِ،
فِي العُمْقِ، وَالأَزْرَقِ النَّاعِسِ، دَعُونَا نَصْنَعُ لَنَا بَيْتًا.
دَعُونَا نَجْتَمِعُ فِي عُشْبِ المَسَاءِ المُنْعِشِ مَعَ اللَّقْلَقِ،
وَصَفِيرِ الصَّفْصَافِ يُعْزِفُ مِنْ قِبَلِ عِفْرِيتٍ.
نِصْفَ نَائِمِينَ، وَنِصْفَ مُسْتَيْقِظِينَ، سَوْفَ سَنَسْمَعُ، وَسَنَعْرِفُ
"الشَّكْوَى" اللَّيِّنَةَ مِنْ رَنِينِ ابْتِلاَعِ الخَشَبِ.
سَوْفَ نَتَجَوَّلُ بَعِيدًا حَيْثُ يَنْمُو التُّوتُ البَرِّيُّ،
وَنَأْكُلُهُ عِوَضًا عَنِ الشَّايِ مِنْ طَاسَتَيْنِ بِلَوْنِ الزَّنْبَقِ الأَبْيَضِ.
(1929)
التَّلْوِيحُ
تَلْوِيحٌ لاَمِعٌ
يَمْلأُ كُلَّ السَّمَاوَاتِ.
ظِلاَلٌ مُتَأَلِّقَةٌ تَنْتَشِرُ
عَبْرَ الأَرْضِ.
انْظُرْ، كَكِرِيسْتَالٌ صَافٍ،
خَوْذَتُهَا تُشْرِقُ!
وَالآنَ حَرَكَةُ
يَدٍ،
وَتَسَارُعٌ خَفِيفٌ
لِلْقَلْبِ،
وَسَوْفَ تَسْقُطُ
وَلاَ شَيْءَ أَكْثَرُ
يُمْكِنُ أَنْ يُبْقِيَ البَحْرَ وَالبَرَّ كُلاًّ عَلَى حِدَةٍ.
كَيْفَ مَعْ ذلِكَ، كَيْفَ العَمَى هُوَ الضَّوْءُ!
مُدَوَّخٌ وَذَهَبِيٌّ يُضِيءُ الزَّبَدَ.
بِدُونِ إِيمَاءَةٍ
أَوْ كَلِمَةٍ
لاَ يُمْكِنُ أَنْ تَتَوَقَّفَ؛
لاَ بُدَّ لِلْجَنَاحِ أَنْ يَعُودَ
إِلَى العُشِّ مَرَّةً أُخْرَى
فَالطَّائِرُ زَاهٍ،
وَالتَّلْوِيحُ، وَالتَّعَجُّبُ، يَعُودَانِ إِلَى البَيْتِ.
نَحْنُ لاَ نَتَحَرَّكُ،
نَحْنُ لاَ نَهْجُرُ.
نَرَاهَا تَرْتَعِشُ، وَتُشِعُّ مُضِيئَةً،
وَخُفُوتًا مُضَاعَفًا
عَلَى البَحْرِ.
نَحْنُ أَبْرِيَاءَ وَحَكِيمِينَ جِدًّا،
وَنضْحَكُ فِي عُيُونِ بَعْضِنَا بَعْضًا.
(1929)
مَيِّتٌ
فَصْلُ الشِّتَاءِ هُوَ عَشِيقُهَا الآنَ،
وَاحِدٌ مُتَأَلِّقٌ وَجَرِيءٌ؛
وَذَهَبَتْ عَنِّي بَعِيدًا،
غَرِيبَةً، وَبَيْضَاءَ، وَبَارِدَةً.
لَوَّنَ كُلَّ التِّلاَلِ لأَجْلِهَا،
وَأَضْحَكَ السَّمَاءَ الزَّرْقَاءَ الدَّافِئَةَ؛
هَزَّ الكُمَّثْرَى وَالبَرْقُوقَ إِلَى الأَسْفَلِ،
وَهَشَّمَ عَاصِفَةً سَعِيدَةً.
ثُمَّ تَمِيلُ أَسْرَابُ الطُّيُورِ جُنُوبًا،
وَأَرْسَلَ هُوَ مَطَرًا قَارِصًا،
وَحِدَّةً فِي الهَوَاءِ ليُثْبِتَ
نِيَّتَهُ الِجدِّيَّةَ.
وَالآنَ كُسِبَ قَلْبُهَا أَخيرًا.
ذَهَبَتْ— إِلَى أَيْنَ تَعْبُرُ؟
أَمَّا الشِّتَاءُ فَيَحْمُلُ أَنْفَاسَهُ، وَيَرَى—
هذَا الصَّقِيعَ عَلَى العُشْبِ.
(1930)
كَلِمَةٌ مَعَكَ
انْظُرْ إِلَى الخَارِجِ! هُنَاكَ ذلِكَ القِرْدُ المَلْعُونُ مَرَّةً أُخْرَى
يَجْلِسُ بِصَمْتٍ إِلَى أَنْ يَذْهَبَ،
أَوْ آخَرُ يَنْسَى الأَشْيَاءَ الَّتِي يَعْرِفُهَا
عَنَّا (أَيًّا كَانَتْ)، ثُمَّ
يُمْكِنُنَا أَنْ نَبْدَأَ لِنَتَحَدَّثَ مَرَّةً أُخْرَى.
هَلْ حَاوَلْتَ اللَّعِبَ مَعْ خَاتَمِكَ؟
وَجَدْتُ فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ ذلِكَ يُهَدِّئُهُمْ.
(الأَفْكَارُ البَارِعَةُ تَخْلِبُ العَقْلَ.)
إِنَّهُ يَنْتَبِهُ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ—
أَيَّ شَيْءٍ سَوْفَ يَفْعَلُ— هُنَاكَ، حَاوِلْ أَنْتَ خَاتَمَكَ.
يَحْلُو لَهُ اللَّمَعَانُ. أَنْتَ تَرَى
أَنَّهُ يَحْوِلُ عَيْنَيْهِ؛ شَفَتُهُ تَتَدَلَّى بِارْتِخَاءٍ.
أَكُنْتَ تَقُولُ؟— يَا رَبُّ، مَا الفَائِدَةُ،
البَبَغَاءُ بَعْدِي إِلَى الآنَ
وَالقُرُودُ يَقِظَةٌ. أَنْتَ تَرَى
كَمْ هِيَ مُتَشَدِّدَةٌ، وَأَنْتَ تَفْهَمُ
هذَا التَّوَتُّرَ العَصَبِيَّ الَّذِي نَعِيشُ فِيهِ—
لِـمَاذَا صِفَةٌ مُنَمَّقَةٌ فَقَطْ
تُؤَثِّرُ عَلَى كُلِّ جَمَاعَةِ المَلْعُونِينَ،
وَيَتَشَاجَرُونَ لأَجْلِهَا. أَنَا أَفْهَمُ
أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَتَحَكَّمُونَ أَفْضَلَ. كَيْفَ؟
يُعَامِلُونَ الكَائِنَاتِ دُونَ شُعُورٍ.
— يَرْمُونَ كُتُبًا لِوَقْفِ أَنِينِ القُرُودِ،
وَيَصْفَعُونَ القِرْدَ وَيَجْعَلُونَهُ يُذْعِنُ،
إِنَّهُمْ جَازِمُونَ، وَيُحَافِظُونَ عَلَى النِّظَامِ،— لكِنْ لاَ أَعْرِفُ كَيْفَ.
أَسْرِعْ! هُنَاكَ البَبَغَاءُ! لَقَدْ سَمِعَ!
(لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَحَمَّلَ أَيَّةَ فِطْنَةٍ.)
— احْتَرِسْ رَجَاءً لأَنَّكَ لَنْ تَنَالَ أَقَلَّ شَيْءٍ؛
لَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ يُهَرِّبُ ذلِكَ الطَّيْرَ.
اصْمِتْ،— القِرْدُ اسْتَرَقَ السَّمْعَ الآنَ.
(1933)
الطُّوفَانُ
يَجِدُ الحَدِيقَةَ أَوَّلاً، وَالأَشْجَارَ
الَّتِي تَدُورُ مُتَمَوِّجَةً وَرَطْبَةً؛
لكِنَّ كُلَّ حَرَكَةِ المُرُورِ المُطْفَأَةِ تَعْرِفُ
أَنَّ ذلِكَ سَوْفَ يَغْمُرُ الأَبْرَاجَ مِنْ بَعْدُ.
البُيُوتُ المُهَدَّمَةُ، وَصُفُوفُ القِرْمِيدِ،
وَاضِحَةٌ مِثْلَ الصُّوَّانِ الشَّفَّافِ؛ يَخِفُّ اللَّوْنُ
فِي الجَمْشَتِ(1)،—قُدُورُ المَدَاخِنِ
وَمَرَاوِحُ الطَّقْسِ، تَضْرِبُ عَالِيًا مِثْلَ زَعَانِفَ.
وَبِنُزُولٍ بَطِيءٍ يَبْغِي السَّيْلُ عَلَى
السَّيَّارَاتِ، وَالعَرَبَاتِ الصَّغِيرَةِ، جَاحِظَةِ العُيُونِ،
وَالمَطْلِيَّةِ، والمُشِعَّةِ، مِثْلَ سَمَكٍ مُحَدِّقٍ،
وَبَيْتٍ مُنْجَرِفٍ فِي تَيَّارِ الضَّوَاحِي.
عَلَى طُولِ الشَّاطِئِ العُلْوِيِّ شَدِيدِ الهَوَاءِ
إِلَى السَّمَاءِ المُتَلأْلِئَةِ بِدِقَّةٍ
خُطُوَاتُ أَقْدَامِ اثْنَيْنِ مِنْ زَمَّارِي الرَّمْلِ(1)، تَرَكَتْ
آثَارَ أَرْبَعَةِ نُجُومٍ مَطْبُوعَةٍ بِشِدَّةٍ، وَجَافَّةٍ.
وَرَاءَ المَدِينَةِ، الوَاقِعَةِ تَحْتَ المَاءِ،
التِّلاَلُ الخَضْرَاءُ تَغَيَّرتْ إِلَى قَوَاقِعَ خَضْرَاءَ طُحْلُبِيَّةٍ؛
وَلِتَحْذِيرِ السُّفُنِ المُتَقَدِّمَةِ، عِنْدَ الكَنِيسَةِ،
قَرَعُوا الأَجْرَاسَ ثَمَانِيَ مَرَّاتٍ.
(1933)
ثَلاَثَةُ أَعْيَادٍ لِلْحُبِّ
I
الحُبُّ مَعْ قَوْسِهِ المُذَهَّبِ وَسِهَامِهِ البِلَّوْرِيَّةِ
ذبَحَنَا جَمِيعًا،
وَاخْتَرَقَتْ عَصَافِيرَ الدُّورِيِّ الإِنْجِلِيزِيَّةَ
الَّتِي تَتُوقُ إِلَى بَعْضِهَا البَعْضِ فِي الغُبَارِ،
بَيْنَما، مِنْ صُدُورِهَا، زَفَرَتْ بِشَبَقٍ مَيْئُوسٍ مِنْهُ،
وَسَالَتِ القَطَرَاتُ الحَمْرَاءُ.
أَجْنِحَةُ أَبِي الحِنَّاءِ(1) تَهِفُّ أَقْوَاسًا مَحْمُومَةً، وَتَلْتَفُّ
مُحَاوِلَةً العِنَاقَ،
بَيْنَما تُمَلِّسُ فِينُوسُ(2) تَجَاعِيدَ حَبِيبِهَا،
وَلِتُصَفِّيَ هَدَفَهُ فَقَطْ، تَقْتَرِحُ
بَعْضَ المَشَاعِرِ غَيْرِ المُعَوَّضَةِ فِي أَثْدَاءِ
البَقِّ.
انْظُرْ، هُنَاكَ فِي الأَعْلَى، إِلَى الزَّهْرِيِّ، وَالمَنْفُوخِ، وَالأَنِيقِ فِي الوِشَاحَاتِ، وَالنَّغْلِ المُبْتَسِمِ بِاسْتِهْزَاءٍ،
يُرَاقِبُ أَقَوْاسَ قُزَحٍ الجَمِيلَةَ عَلَى جِلْدِهِ ...
يَا حُلْوُ، الحُبُّ حُلْوٌ— اذْهَبْ وَارْكُلْ نَفْسَكَ الشِّرِّيرَةَ
حَوْلَ سَحَابَةٍ، أَوِ اثْقُبْ نَفْسَكَ الشِّرِّيرَةَ
فَوْقَ دَبُّوسٍ مُذَهَّبٍ.
II
لُغْزُ الحُبِّ يُنَادِي الآنَ
قَلْبِي:
أَنْتَ مَعْ حَبِيبِي نَفْسِهِ تُذْهِلاَنِ
الفَنَّ المِثَالِيَّ،
حَتَّى أَنَّنِي أُقسِمُ بِأَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُولَ لَكَ إِنَّهُمَا مُنْفَرِدَانِ.
مُنْذُ سَنَةٍ أَعْرِفَ جَيِّدًا، أَيْضًا،
التَّبَايُنَ
بَيْنَ حُبِّي الأَحْمَقِ وَأَنْتَ،
— مَا الهِبَةُ
مِنْكَ، أَوِ الحُبُّ، الَّتِي تُكَوِّنُ تَفَاوُتَ حُبِّي؟
نَمَا حُبِّي الآنَ فِي دَاخِلِ صُورَتِكَ،
وَبِحَجْمِكَ،
وَحَتَّى مِثْلَ كُلِّ مَلْمَحٍ. أَنَا أَمْلِكُ
دَهْشَةً
لِلِّقَاءِ، عِنْدَمَا أَلْتَقِي بِكَ— أَوِ الحُبَّ— أَوْ عُيُونَكَ.
لاَ يَخْتَلِفُ هُدْبُ جَفْنٍ؛ وَلاَ شَعْرَةٌ،
بَلْ تَتَشَابَهَانِ تَمَامًا
بِالنِّسْبَةِ إِلَيْكَ حَبِيبِي، وَتُحَذِّرُنِي لأَحْتَرِسَ
طُمَأْنِينَتِي المُرِيبَةَ،
— تَأَكُّدُ حُبِّي، وَالحُبُّ؛ غَيْرُ وَاثِقَيْنِ مِنْ تَجَانُسِهِمْ.
وَلكِنَّ تَقَالِيدَ الحُبِّ البَائِسَةَ تَجْعَلُهُ صَامِتًا
فِي كَمَالِهِ.
لَقَدْ أَعْلَنَتُ لَكَ، فَوْقَ مُعْظَمِ دَقِيقَةِ
فَحْصِكَ،
أَنَّكَ كُنْتَ تُفَكِّرُ، لكِنَّ ذلِكَ الَّذِي التَقَيْتَ هُوَ انْعِكَاسُكَ.
مِثْلُ هذَا الحُبِّ الغَرِيبِ فِي بَرَاءَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ،
عَلَى الرَّغْمِ مِنْ سُوءٍ فِي طَبِيعَتِهِ،
إِنَّهُ يَعْتَرِفُ، بَيْنَكَ وَبَيْنَ نَفْسِهِ، أَنْ لاَ فَارِقَ
وَلاَ دَرَجَاتٍ ...
أَنَا أَتَكَبَّرُ عَلَى قُيُودِ الحُبِّ أَحْيَانًا، فَهُمْ يَكُونُونَ هذِهِ.
III
الحُبُّ مَكْسُوٌ بِرِيشٍ مِثْلَ طَيْرٍ
لإِبْقَائِهِ دَافِئًا،
وَلِحِمَايَتِهِ مِنَ الأَذَى،
وَمِنَ الرِّيَاحِ، أَوْ تَيَّارَاتِ الهَوَاءِ الَّتِي تُثِيرُ عُشَّهُ،
وَلَيْسَ حُبًّا يُقَشْعِرُونَ.
هُوَ يَعِيشُ بِدِفْءٍ:
لاَ يُعْطِي الحَرَارَةَ بِالمُقَابِلِ،
أَوْ شَيْئًا لِي.
لَدَيْهِ مَخَالِبُ مِثْلَ أَيِّ صَقْرٍ
لِيَقْبِضَ، وَيَحْتَفِظَ،
لِيَقْبِضَ، وَلِذلِكَ رُبَّمَا يَنَامُ
وَبَيْنَمَا مَجْثَمُهُ حَوْلَ القَلْبِ الأَحْمَرِ، فَإِنَّهُ يَسْتَطِيعُ إِمْسَاكَ
وَرَبْطَ الحُبِّ.
سَوْفَ لاَ يُفْلِتُ قَبْضَتَهُ،
لَيْسَ مِنْ تَرَاجُعِ القَلْبِ،
أَوْ مِنِّي.
سَيَبْدَأُ الحُبُّ السَّوْدَاوِيُّ فِي اللَّيَالِي
بِالزَّعْقِ وَالصَّخَبِ،
وَسَوْفَ لَنْ يَكُونَ صَامِتًا مَرَّةً وَاحِدَةً
حَتَّى يُوقِظَ تَمَامًا القَلْبَ المُتَرَدِّدَ.
لِذلِكَ الحُبُّ الأَنَانِيُّ،
يَذْهَبُ بِصَمْتٍ؛
يَنْزَعُ الرِّيشَ وَالمَخَالِبَ،
أَوْ يَبْحَثُ عَنْ شُجَيْرَةٍ صَغِيرَةٍ.
(1934)
التَّوْبِيخُ
إِنْ تَذُقْ طَعْمَ الدُّمُوعِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَحْيَانِ، بِلِسَانٍ فُضُولِيٍّ،
سَتَجِدْ أَنَّ لَهَا شَيْئًا مَا كُنْتَ تَحْسِبُ حِسَابَهُ؛
يَتَسَلَّلُ بِشَكْلٍ طِفْلِيٍّ إِلَى الخَارِجِ لِيَلْمَسَ ظَاهِرَةَ العَيْنِ نَفْسِهَا،
وَيَعُودَ، نَحْوَ عُنْصُرِكَ. تَنْتَمِي الدُّمُوعُ
إِلَى العُيُونِ فَقَطْ؛ حُزْنُهُمُ الأَعْمَقُ مَعْصُورٌ
مِنَ المَاءِ. حَيْثُمَا ذَهَبَ مَاءُ البُكَاءِ،
فَإِنَّ هذِهِ البَقَايَا هِيَ حُزْنٌ، وَمِلْحٌ، وَشُحُوبٌ،
وَعَدُوُّكَ اللَّدُودُ، الَّذِي يَتْرُكُ الوَجْهَ أَبْيَضَ مُتَوَتِّرًا.
الدُّمُوعُ، وَالمُتَذَوِّقُ، لَهُمَا مَهَابَتُهُمْ عِنْدَ الظُّهُورِ،
إِنَّهُمْ يَحْمِلُونَ هَدِيَّةً تِرْيَاقِيَّةً لِلتَّجْفِيفِ.
غُيْرُ مُلاَئِمٍ لِلَذِيذِ المَذَاقِ بِالمُنَاسَبَةِ،
وَالمِلْحُ يُغَضِّنُ قَطَرَاتِ الدَّمْعِ، وَيُنْهِي البُكَاءَ.
أَيُّهَا اللِّسَانُ الفُضُولِيُّ، والمُصَدَّعُ، وَالمَشْقُوقُ، سَوْفَ تَقُولُ الآنَ،
"الكَآبَةُ لَيْسَتْ لِي"، وَتَحْنِي نَفْسَكَ لِتَتَنَهَّدَ؟
(1935)
الفِطْنَةُ
قُلْتَ:"انْتَظِرْ. دَعْنِي أُفَكِّرُ دَقِيقَةً،"
وَفِي الدَّقِيقَةِ رَأَيْنَا:
حَوَّاءَ وَنْيُوتُنَ مَعْ قِطْعَةِ تُفَّاحَةٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا،
وَمُوسَى مَعَ النَّامُوسِ،
وَسُقْرَاطَ، الَّذِي خَدَشَ رَأْسَهُ المُجَعَّدَ،
وَكَثِيرًا مِنَ اليُونَانِيِّينَ،
يُقْبِلُ الجَمِيعُ مُسْرِعِينَ إِلَى الآنَ،
مَدْعُوِّينَ مِنْ قِبَلِ جَبِينِكَ المُتَغَضِّنِ.
لكِنْ بَعْدَ ذلِكَ صَنَعْتَ لُعْبَةَ الكَلِمَاتِ البَارِعَةَ.
أَعْطَيْنَا مَا يُشْبِهُ قَصْفَ الرَّعْدِ مِنَ الضَّحِكِ.
مُهَيَّجِينَ، تَلاَشَى مُسَاعِدُوكَ وَاحِدًا تِلْوَ الآخَرَ؛
وَعَبْرَ فَضَاءَاتِ التَّحَادُثِ، وَبَعْدَ
أَنْ قَبَضْنَا،— خَلْفًا، خَلْفًا، بَعِيدًا، بَعِيدًا، —
عِيدَ مِيلاَدِ الوَمْضِ لِنَجْمٍ عَنِيدٍ.
(1956)
تَبَادُلُ قُبَّعَاتٍ
الأَعْمَامُ غَيْرُ المُضْحِكِينَ الَّذِينَ يُصِرِّونَ
فِي مُحَاوَلةٍ عَلَى قُبَّعَةِ سَيِّدَةٍ،
— أُوهْ، حَتَّى لَوْ تَقَعُ النُّكْتَةُ صَرِيحَةً،
فَنَحْنُ نُشَاطِرُ حِيلَتَكَ المُخَنَّثَةَ الطَّفِيفَةَ
عَلَى الرَّغْمِ مِنْ إِحْرَاجِنَا.
الزِّيُّ الأُنْثَوِيُّ وَالعَادَةُ مُعَقَّدَتَانِ.
مَنَادِيلُ الجِنْسِ الآخَرِ
تُلْهِمُنَا إِلَى التَّجْرِيبِ.
العَمَّاتُ عَدِيمَاتُ الأَعْضَاءِ الذَّكَرِيَّةِ، اللَّوَاتِي عَلَى الشَّاطِئِ
مَعْ صُحُونٍ وَرَقِيَّةٍ فَوْقَ رُكْبَتَيْكَ،
يُبْقِينَ وَضْعَ قُبَّعَاتِ رِجَالِ اليُخُوتِ
مَعْ صِيَاحٍ افْتِضَاحِيٍّ،
وَحَوَافَّ الأَقْنِعَةِ مُعَلَّقَةً عَلَى الأُذُنِ،
وَمِنْ ثَمَّ هذَا جَرَّارُ المَرَاسِي الذَّهَبِيَّةِ،
— لاَ تَتَبَاطَأُ حَرَكَةُ المَدِّ وَالجَزْرِ لِلأَزْيَاءِ أَبَدًا.
مِثْلُ هذِهِ القُبَّعَاتِ رُبَّمَا لَنْ تَكُونَ بَالِيةً فِي السَّنَةِ المُقْبِلَةِ.
أَوْ أَنْتَ الَّذِي عَمِلَ الصُّحُونَ الوَرَقِيَّةَ
نَفْسَهَا، وَوَضَعَ بَعْضَ العِنَبِ عَلَيْهَا،
أَوْ تَسَلَّى بِرِيشَةِ قَلَنْسُوَةِ هِنْدِيِّ،
— المُعَانَدَةُ رُبَّمَا تُفَاقِمُ
الجُنُونَ الطَّبِيعِيَّ لِصَانِعِي القُبَّعَاتِ.
وَإِذَا تَنْهَارُ قُبَّعَاتُ الأُوبِرَا،
وَتُنْتَجُ التِّيجَانُ بِقُوَّةٍ، رُبَّمَا، بَعْدَهَا،
يُفَكِّرُ مَا قُوَّةُ مَسْأَلَةِ تَاجِ الأُسْقُفِ؟
العَمُّ غَيْرُ المُضْحِكِ، أَنْتَ الَّذِي ارْتَدَيْتَ
قُبَّعَةً كَبِيرَةً جِدًّا، أَوْ وَاحِدَةً مُتَعَدِّدَةً أَيْضًا،
أَخْبِرْنَا، أَنْتَ لاَ تَقْدِرُ، هَلْ هُنَاكَ أَيَّةُ
نُجُومٍ دَاخِلَ قُبَّعَتِكَ السَّوْدَاءِ؟
العَمَّةُ المِثَالِيَّةُ وَالنَّحِيلَةُ،
وَالَّتِي لَهَا عَيْنَانِ حَازِمَتَانِ، نَحْنُ نَتَعَجَّبُ
مِنَ التَّغْيِيرَاتِ البَطِيئَةِ الَّتِي يَرَوْنَهَا تَحْتَ
اتِّسَاعِهِمُ المُظَلَّلِ، وَالمُتَحَوِّلِ إِلَى الأَسْفَلِ.
(1956)
كِي وِسْتْ(1)— رِيحٌ شَمَالِيَّةٌ
مِثْلَ قَلِيلٍ مِنَ الشَّحَارِيرِ فِي الشَّارِعِ
رَفَعَ الزُّنُوجُ القَلِيلُونَ أَقْدَامَهُمْ،
فَالأَرْصِفَةُ تَتَجَمَّدُ؛
وَصَفِيحُ الأَسْطُحِ كُلُّهَا تَبْدُو مُجَمَّدَةً، أَيْضًا،
وَاسْوَدَّتِ الأَزْهَارُ، وَكَمْ هِيَ زَرْقَاءُ
أَشْجَارُ النَّخِيلِ الكَبِيرَةُ!
بَيْنَمَا تُمَوِّجُ الرِّيَاحُ الشَّمَالِيَّةُ بِاضْطِرَادٍ
البَحْرَ الأَخْضَرَ الشَّاحِبَ إِلَى أَنْ يَتَحَوَّلَ
إِلَى مَشْرُوبِ حَلِيبِ الكِلْسِ،
وَالأُمُّ مِزْبَهْ أُوتِسْ تُخْرِجُ
المَعَاطِفَ الشَّتَوِيَّةَ القَدِيمَةَ بِعِنَايَةٍ
لِهَانِيبَالَ وَهِرْبِرْتَ،
وَوَاحِدًا بَالٍ مِنْ قِبَلِ طِفْلٍ أَبْيَضَ ضَخْمٍ.
تَقُودُ أَطْفَالَهَا اللَّطِيفِينَ البَرِّيِّينَ
بِبَلاَدَتِهَا.
يَنْدُبُ هَانِيبَالُ. أُوهْ، مَأْسَاةٌ!
الخَصْرُ يَلْتَصِقُ بِرُكْبَتَيْهِ تَقْرِيبًا!
أُوهْ، دُنْيَوِي!
(1962)
مُلاَحَظَةٌ – شُكْرًا لَكُمْ
تَقُولُ أَغَانِي السَّيِّدِ بِيرِيمَانَ وَالسُّونَاتَاتُ:
"اجْمَعُوا أَنْتُمُ الثِّمَارَ اللاَّذِعَةَ وَالفَجَّةَ بَيْنَمَا أَنْتُمْ رُبَّمَا لاَ تَزَالُونَ".
حَتَّى لَوْ أَنَّهَا تُغَضِّنُ أَفْوَاهَنَا مِثْلَ غُصَّةِ الكَرَزِ،
دَعُونَا نَكُونُ مُمْتَنِّينَ لِهذِهِ الثِّمَارِ الكَثِيفَةِ المُتَزَاحِمَةِ.
(1934)
هوامش:
(1) وَضَعْنَا هذَا العُنْوَانَ مِنْ إِحْدَى القَصَائِدِ الَّتِي كَتَبَتْهَا الشَّاعِرَةً فِي الفَتْرَةِ مِنْ (1926-1969) وَلَمْ تَجْمَعْهَا فِي كِتَابٍ، وَنُشِرَتْ تَحْتَ العُنْوَانِ "قَصَائِدُ غَيْرُ مَجْمُوعَةٍ" فِي مُجَلَّدِ أَعْمَالِهَا الكَامِلَةِ الصَّادِرِ فِي (2008).
(2) وِفْقًا لِكَاتِبِ سِيرَةِ بِيشُوبْ، بِرِيتْ مِيرِيلْ، فَإِنَّ C.W.B. هُوَ جَدُّ بِيشُوبْ مِنْ جِهَةِ الأُمِّ (عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ اسْمَهُ فِي الوَاقِعِ وِلْيَامْ بْرَاونْ بُولْـمَرْ)، وَهُوَ أَيْضًا مَوْضُوعُ قَصِيدَةِ "عَادَاتٌ".
(3) طَائِرٌ مُغَرِّدٌ.
(4) رَبَّةُ الجَمَالِ.
(5) حجر كريم
(6) طائر الطيطوي
(7) مَدِينَةٌ عَلَى خَلِيجِ المِكْسِيكِ.