نيكولا مادزيروف شاعر مقدوني ترجمت أشعاره إلى حوالي ثلاثين لغة. ترجَم العديد من أشعار محمود درويش إلى اللغة المقدونية. أشعار نيكولا مادزيروف تندرج ضمن الشعر المقدوني الجديد الذي يدين بطريقته الخاصة التقوقع حول الهويات الضيقة ويحتفي بقضايا الذات في بعدها الإنساني. هذه بعض المختارات من شعره المترجم إلى الفرنسية.

اليوم الذي يجب أن يكون فيه المرء وحيدا

نيكولا مادزيروف

ترجمها من الفرنسية الشاعر المغربي محمد ميلود غرافي

 

بعدَنا

ذات يوم سيقوم أحد ما بطي غطاءاتنا
ويبعث بها إلى محل التصبين
كي ينظفها حتى آخر قطرة من الملح
سيفتح رسائلنا ويرتبها حسب التواريخ
وليس حسب عدد مرات قراءتها
ذات يوم سيعيد أحد ما ترتيب الأثاث في الغرفة
مثل بيادق لعبة الشطرنج في بداية كل مقابلة
سيفتح علبة الأحذية القديمة
حيث نحتفظ بالأزرار الساقطة من المنامات
والبطاريات التي مازالت صالحة
والجوع
ذات يوم سيعود إلينا ألم الظهر هذا
الناتج عن ثقل المفاتيح في النزل
وارتياب موظف الاستقبال
حين يمدنا بآلة التحكم عن بعد في التلفزيون
سيلاحقنا إشفاق الآخرين
كما يلاحق القمرُ الطفلَ الذي يهيم على وجهه

تتجاوزُنا الظلال
سنلتقي يوما
مثل سفينة من ورق
وبطيخة باردة في النهر.
كل اضطراب العالم سيكون
معنا. بأيدينا
سنعتم الشمس. وبمصباح
سنقترب من بعضنا.
ذات يوم
لن يغير الريح وجهته
سيرسل الصفصاف الأوراق
ستتبع الذئاب
براءتنا
ستترك الفراشات
غبارها فوق خدودنا.
كل مساء
ستتكلم عجوزعنا في قاعة الانتظار
وكل ما أقوله
قد قيل : ننتظر الريح
كرايتين عند عبور الحدود
ذات يوم، كل الظلال
                                       ستتجاوزنا

 

عقارب الساعة
خذْ إرثَ الطفولة من ألبوم الصور
بلِّغ الصمتَ
الذي ينفتح وينغلق
 مثل سرب طيور في السماء
اقبضْ جيدا في راحتيْ يديْكَ
كرة الثلج الفريدة الشكل
والقطرات التي تسيل
على طول خط الحياة
قم بالدعاء
مزمومَ الشفتين
فإن الكلمات بذور تسقط في الوعاء
الصمت نتعلمه في الأحشاء
حاول جاهدا أن تولد
كعَقرب الساعة الطويل بعد منتصف الليل
ستُدركك الثواني فورا

 

بــيت
عشت على حافة المدينة
كفانوس لا يغير أحدٌ
مصابيحَه
كانت شبكات العنكبوت تسند الجدران
والعرق وحده يسند راحات أيدينا المتشابكة.
في زوايا الأحجارسيئةِ التلاحم
كنت أدُسُّ دبّيَ القطنيَّ 
كي أنقذه من الأحلام السيئة

 

ليلا ونهارا كنت أُنعش العتبة
وأنا أعود إليها كنحلة
تعود باستمرار إلى الزهرة السابقة
كان السلام سيدا حين تركت البيت :
 وفوق غلاف الرسالة
كان لا يزال ثمة الطابع البريدي لبيت قديم مهجور
 منذ ولادتي والفضاءات الهادئة تثيرني
والفراغ يلتصق دائما تحت خطواتي
كثلج لا يعرف
إن كان مصدره الأرض أم السماء.

 

حين يرحل أحدٌ كلُّ ما كان يعود
إلى مرجان ك.
في عناق بزاوية الشارع ستفهمين
أن شخصا ما يرحل. هكذا الأمر دوما
أعيش بين حقيقتين
مثل غاز النيون الذي يتردد في
رواق فارغ
 قلبي يُؤوي
مزيدا من الناس، لأنهم ليسوا هنا قَطُّ
هكذا الأمر دوما. رُبع سهادنا
يجهد نفسه في رمش العيون
إننا ننسى الأشياء حتى قبل أن نفقدها

كُرّاسُ الكتابة مثلا
لا شيء جديد

 المقعد في الحافلة ساخن دوما
والكلمات الأخيرة يتم تمريرها
مثل دلاء تنحني في حريق صيف مألوف

نفس الشيء سيتكرر أيضا غدا
الوجه، قبل اختفائه من الصورة
سيفقد أولا تجاعيده.
 عندما يرحل أحد
كل ما كانَ يعود.

 

قبل مولدنا
كانت الطرق مزفّتةً

قبل مولدنا ، وكل النجوم

كانت قد تشكلت

كانت الأوراق تذبل

مداسة ًعلى جنب الرصيف

والفضة تَسْوَدُّ

حول أعناق العُمال

كانت عظامٌ تكبر

طوال النوم.

كانت أوروبا تتوحّد

قبل مولدنا، وشعَر

فتاة

يتسع بطمأنينة على سطح

البحر.

 

اليوم الذي يجب أن يكون فيه المرء وحيدا
صحيح أن المدينة

انبثقت من كذب

ضروري للناس

وللمزهريات والحيوانات الأليفة

 

هكذا أقبض

على المبررات اللازمة

صحيح أن كل الناس

يخرجون من العمارات

 (وكأن ثمة زلزال)

في أيديهم المزهريات

ويسيرون نحو الحقول

يعودون بحزن مضاعف

وفي أيديهم الغبار

وبعض الضجيج

كثقوب في ذاكراتهم

ومن جديد

يعود الصمت المشترك

 

تحت الماء
لابسا الرملَ، أجيء إليكِ

خارج الموسم مع الريح

كل يوم أضع نواة رُمّانة

على العتبة

تفتحين الباب وتغلقينها

تمشين نحو النافذة وتعودين

كمرجان نادر

يحاول منذ الأزل

أن يغادر الأعماق

 

من كل ندب في جسدي
أنا شحاذ ليس له الشجاعة

كي يمد يده من أجل نفسه

الخطوط والجراح تتقاطع في راحتيْ يديَّ

نتيجةَ كل المداعبات الناقصة

والحمى فوق جبيني

وتجاويف محرّمة يُعدّها الحب بعناية

 

من كل نُدب في جسدي

تنبثق حقيقة

 

أومن وأكفر

على إيقاع النهار، مسرعا بلا خوف

صوب أعماق الأصل

وكل ما حولي حركة :

الحجرة تصير بيتا

والصخرة حبة رمل.

عندما أكف عن التنفس

يدق قلبي أكثر

 

1ـ شاعر ومترجم من المغرب

2ـ نيكولا مادزيروف: شاعر مقدوني من مواليد 1973. ترجمت أشعاره إلى حوالي   ثلاثين لغة. نال جائزة  هوبير بوردا الأوروبية وجائزة الأخوين ميلدانوف  السنوية بمهرجان ستروغا الشعري سنة  2007 صحبة محمود درويش الذي حصل على جائزة الإكليل الذهبي.  ونال جائزة أخرى عن مجموعته الشعرية سجين في المدينة الصادر سنة 1999. كما حصلت مجموعته  في مكان ما في اللامكان الصادرة سنة 1999 عن جائزة آكو كارامانوف. ترجَم العديد من أشعار محمود درويش إلى اللغة المقدونية. أشعار نيكولا مادزيروف تندرج ضمن الشعر المقدوني الجديد الذي يدين بطريقته الخاصة التقوقع حول الهويات الضيقة ويحتفي بقضايا الذات في بعدها الإنساني. هذه بعض المختارات من شعره المترجم إلى الفرنسية.