تعد (زوج حذاء لعائشة ) الرواية الثانية للروائية اليمنية نبيلة الزبير بعد عملها الأول (إنه جسدي) الذي فاز بجائزة نجيب محفوظ سنة 2002 ، صدرت رواية (زوج حذاء لعائشة) عن دار الساقي سنة 2012 في 384 صفحة موزعة على أربعة فصول لكل فصل عنوان رئيس أدرج تحته مشاهد أو لوحات سردية لكل واحدة رقم .. و عناوين هذه الفصول هي :
ـ أبواب للخروج فقط ـ من الصفحة 10 إلى الصفحة 120 يضم 15 مشهدا تغطي أربع سنوات
ـ مماش تحت الأسفلت من الصفحة 121 إلى الصفحة 214 ويشتمل على 20 مشهدا ، تمتد على مدى سنتين
ـ مقاعد بعجائز لاصقة من الصفحة 215 إلى الصفحة 289 ينطوي على 11 مشهدا تحكي عن ثلاث سنوات
ـ شمسيات تفتح بالمقلوب من الصفحة 290 إلى الصفحة 383 ويتكون من 16 مشهدا ترصد أحداث سبع سنوات
الرواية إذن تُحكَى في 62 مشهدا ممتدة على ما يقرب من العشرين سنة، بعض هذه المشاهد ـ دون أخرى ـ جاءت مرأسة بالسنة التي تُحكى فيها الأحداث مما يخلف بعض التداخل لدى القارئ البسيط خاصة وأن التناسب يغيب بين المشاهد والسنوات، فقد تكون سنة حافلة بالأحداث دون أخرى ، كما قد يكون مشهد أطول أو أقصر من آخر، وإذا أضيف إلى ذلك غياب التسلسل وتقديم الشخصيات والأحداث بالتقسيط المتدرج في متتاليات سردية متابعة وغير مرتبة والعودة إلى أحداث سابقة أحيانا.. أدركنا أن الرواية تحتاج قارئا متمرسا ...
لعل أول ما يواجه قارئ الرواية هو عنوانها الذي يُفترض منه أن يتمحور المتن حول قصة عائشة وعلاقتها بالحذاء، وفي الذاكرة الجمعية حكايات وقصص مشهورة في الثقافة الإنسانية حول أحذية النساء كقصة (سندريلا) أو أحذية الرجال ( خفي حنين) لكن سرعان ما يخيب أفق انتظار القارئ عندما يكتشف بأن عائشة هذه التي ورد اسمها في العنوان ، بالكاد تذكر في النص مرات معدودة، وأن حضورها باهت بل إن القارئ لا يصادف اسمها حتى يتجاوز منتصف الرواية بكثير، إذ جاء أول ذكر لـ(عائشة) في الصفحة 246 إي في الثلث الأخير من الرواية تقريبا وكان مجرد ذكر عرضي. ليكتشف بعد ذلك أن عائشة هذه ليست من أبطال القصة ولا من القوى الفاعلة الأساسية في تحريك الأحداث، وإنما هي مجرد شخصيةـ لم تلتق بها أي واحدة من بطلات الرواية، وإنما تقول السجينات أنها ولدت في السجن بعدما سجنت أمها ظلما فكان السجن مجتمعها الذي لا تجد عنه بديلا، فتفاعلت نشوى مع قصتها وقررت أن تبحث عن هذه الشخصية و أن تجعل حكايتها موضوع موضوعا لروايتها الأولى، بل وحتى عندما اشترت أربعة أزواج من الأحذية راغبة تقديمها هدية لعائشة ، لم تجد لها أثرا في السجن، مقابل ذلك يرد الشق الثاني من العنوان والمتعلق بالمركب الإضافي (زوج أحذية) كثيرا في النص خاصة في الثلث الأخير، ويكفي أن يقال إن نشوى كثيرا ما رددت رفضها (أن تكون زوج حذاء لأحد)[1]، ليبدو المركب الإضافي (زوج حذاء) ظل محملا بدلالات وإيحاءات تتجاوز الدلالة الحرفية والمعنى المعجمي للحذاء إذ الكاتبة بمعنى المطية التي يتخذها الآخرون وسيلة لقضاء مآربهم، وتحقيق مصالحهم الشخصية تقول (عمتي تحتاج زوج حذاء ..)[2]، وكأننا بالكاتبة تحاول أن تجعل من مكونات العنوان رموزا فكانت عائشة رمزا للطفولة المغتصبة، وللفتاة الضحية التي تألّبت عليها الظروف والسلطة والمجتمع، وتركتها لمصيرها مثل عدد من الفتيات اللواتي امتهن الدعارة كنشوى ورجاء وزينب أو اللواتي فرض عليهن الزواج المبكر وهن طفلات كندى والأخريات. ويظهر ذلك جليا في قول نشوى في آخر الرواية (محبتي لك ولكل عائشاتك وعائشيك.) [3]
وبتصفح المتن الحكائي يكتشف القارئ أن رواية (زوج حذاء لعائشة) تحكي عن فئة لها وضع خاص في العالم العربي الإسلامي ، هي فئة الفتيات اللواتي يمتهن الدعارة من خلال تجربة ثلاث شابات هن زينب، رجاء ، ونشوى (طبعا وبعض صديقاتهن) كل واحدة ولجت هذا الميدان في ظروف معينة :
1 - تنطلق الأحداث باعتقال زينب بعد أن تسرع ضابط في تقديم محضر واتهامها بالفساد الأخلاقي لمجرد وجودها وحيدة في سيارة مع سائق أخطأ ورفض التراجع عن خطأه، لتجد نفسها في قسم الشرطة وقد تنكر لها والدها خوفا من الفضيحة ومن الهيئة الاجتماعية، وبرفض الأب تسلم ابنته ، وجدت زينب نفسها ترفل في عوالم الضياع، الانحراف والدعارة إلى أن انتهى بها المطاف زوجة في بيت طارق (الإخونجي ، الفقيه وإمام جامع) معتبرة الزواج منة من الله على توبتها ( جاء زواجها بعد توبتها فبدا كأنه مكافأة من الله ، هذا الزواج وهذا الزوج تحديدا هما مكافأة من الله إن الله يعوضها عن سنوات شقائها)[4] فاعتقدت أن الزواج سيخلصها من صورة بائعة الهوى التي يحكم المجتمع على (كل شيئ تفعله أو تقوله هو باطل)[5] لكنها وجدت نفسها مع رجل مزواج غريب الأطوارـ تزوج من المحجبة (بشرى) والطفلة الصغيرة ( ندى) والمومس (ربيعة)، وتزوج زوجة أخيه أمين بطلب من هذا الأخير ـ فلم تنعم معه بحياة زوجية سعيدة بعد أن ظل يغتصبها دون أدنى مراعاة لمشاعرها ...
2 - ويكون زواج زينب من طارق قاسم عبيد مناسبة للتعرف إلى عائلة قاسم عبيد الرجل الذي يبدو للناس عصاميا راكم ثروة ببيع السلاح سرا، أنجب ولدين (طارق وأمين) وثلاث فتيات (سلوى، سامية ونشوى) كانت الأخيرة ( دلوعة بابا).