يصور القاص المغربي متأملاً من الخارج وصفاً، ومن الباطن وهو يسبر عذاب طفلٍ شوارع يتشرد كل النهار بحثاً عن كسرة خبز وفي الليل بحثاً عن مأوى في الحدائق والزوايا دون أن يهتم به احدٌ، لا بل يتحاشونه الكبار مبدعين أطفالهم عنه.

الشريد

هـاجـر بو عـبـيد

عند باب القدر القي عليه السلام من أصحاب اللحي وحالقيها والمحجبات والمتبرجات وأطفال الغبار... كل يسوق النظر إلى تضاريس جسده .. مصدر ألمه .. ثيابه .. عينيه .. شفتيه .. يداه ..  انكسار صوته إن بدأ بالسلام
غرفة مضيئة الأركان يغويها القدر على بقائها هذه الليلة بهذا الوضوح لعلني أجيد وصفها للعابرين من أمامها يوم تكون فيه مظلمة...
مكانها علبة في أقصى الخطوط التي لا تتحرك قطاراتها أو سيارتها علبة تقيم عند كل بقاع الأرض الخالية من العشب ومن الماء ومن هواء الإنسانية ..
 أما الضوء فهو الوحيد الذي تملكه الغرفة عفوا أقصد العلبة وطبعا برضاء من القدر...
بضع أغطية .. بضع صفيح .. يتشابهان فوق العلبة .. كلاهما يقف ضد البرد ولو قليلا إن كان كثير
وسادة الأحلام خالية مهما كان الليل طويل فالأحلام يحرم عليها دخول العلب وإن دخلت خلسة أمسكت بها كوابيس الحقد والكره حتى تسود سمائها فتخرج من نافذة الصباح تشهق عند ربها...
أما الملبس والمأكل والقلم والكتاب... العلب  ليست بحاجة إليهم فمن يلجأ إليها آخر المساء لا يصنف من البشر...
و إذا الصبح طوى صفحات الليل المتشابه ... يأتي بعده التسول ليطرق باب العلب وبما أن العلب ليس لها باب فيقصد باب العقل والبطن معا..  ليخرج صاحبها إلى مجتمع لا زال يحقق النظر في تضاريس جسده ... كل يتفقده بعين .. عين شفقة.. عين رحمة.. عين رهبة.. عين تذمر.. وعين كبر  واختاروا من الأعين ما يناسبكم بعدما ينتهي هذا النص ...
يوم من أيام الشارع الغريب ولد طفل على حافة الطريق دون حبل سري
و دون صوت خشن ينتظر ولادته... فرحت به الابتسامات التائهة من العشرينيات إلى الستينيات واعتبر مصدر رزق ودرهم أصفر يغري جميع الناظرين ...
سبع سنوات من عمر الطفل ..  من يد المتشردين إلى المتسولين وسط المارين بأعين أغشتها المسميات البائسة...
تعلم النطق.. تعلم تفاصيل الطرقات.. تعلم الوقوف عند حافة الحياة..
كانت غرفته هي علبته وحياته لا حياة فيها ..  لا أقصوصة قبل النوم ولا حاجة له غيره يقضيها.
صامد يخطوا فوق الأرض عليل النفس والجسد
مثقل بالمشاهد الباردة والساخنة والذاكرة الممتلئة بالظلم والذل والاغتصاب .. وهو بالعمر سبع .. فكيف أراه إن  أضفت عليها عشر وعشرون ..؟؟..
جلس بالحديقة فوق كرسي فارغ يرقب من بعيد ..  لعله يصيد رجلا أو امرأة
يطلب منها  قليلا من الطعام  أو المال ...
 إذ بكرة  تأتيه عند القدم وتقف .. وقبل أن تلمسه يداه وقف أمامه طفل يقربه بالطول والعمر ..
 أشقر .. وسيم .. وقف دون أن يتمم بكلمة والسؤال المشترك بينهما والوحيد
 لما أنت هكذا 
؟؟
 متسخ...نقي... ما هذه اللمعة في عينيه ؟.. ما هذه الدمعة في عينه ؟
لما هو هناك ولما أنا هنا ولما تجمعنا كرة ..؟؟..
أفاق من كل علامات الاستفهام بصوت صاخب يقول...
" تعال إلى هنا يا بني .. اتركها له سوف اشتري  لك أخرى.. إياك أن تقترب منه ..  تعال إلى هنا.."
ذهب الطفل وترك له الكرة مع قطرات من الألم والمر الذي يمطر فوق عمره الأسود والذي لا بد له أن يفيض عند امتلائه...
عاد إلى مكانه دون أن يحرك ساكنا أو يلتفت للكرة بعد 10 دقائق اقترب منه رجل قد شاهد موقف ذالك الطفل أو بالأصح قد أحس بموقفه ..
جلس بقربه ثم قال له ما اسمك ..
 أجابه الطفل .. ينادونني سعيد 
قال .. وما أنت بسعيد
رد الطفل  .. لا أنا سعيد
ابتسم الرجل بوجع .. ثم قال ..  أدرك يا سعيد أنك سعيد

1 يونيو 2013