يحار المرء وهو يتابع أحوال المغاربة ويرصد معاناتهم اليومية في بلد يعيش فيه الفاسدون في أعلى المستويات بعرق جبين الضعفاء الفقراء، والكل يعلم الحقيقةَ والحلول الحقيقية ولكنّ الخوف فتك بالأكباد فلم يعد ينطلق اللسان ليقول من هنا الطريق إلى الخلاص، اقطعوا رأس الأفعى بدل أن تتيهوا في البحث عن ضحاياها.
ينخر الفساد في جسم المجتمع بكل تفاصيله وتجلياته بدءاَ برؤوس العصابة المسيرين للشأن العام الراكبين على الأحداث الانتخابية المُشترين للذمم البائعين للأوهام، انتهاءَ بالأذناب المُزيّنين عيش الهوان الحارسين عروش الاستبداد المقتاتين على الفتات، يمتصون ما بقي من قطرات في ثدي خزينة الشعب التي يشرب ألبانها الوافرة أولياء نعمهم.
يعرف الجميع أن الفساد لا ملة له ولا دين والفاسد لا قيمة للأخلاق في قاموسه اللغوي والاصطلاحي، همّه الوحيد أن يملأ جيبه بالمال أيّاً كان مصدره، المهم أن يُكتب في صحيفته البنكية ويزيد من قيمة ثروته المنتفخة انتفاخ بطنه.
وللعلم فالفساد درجاتٌ بين فساد أكبر يمثله أباطرة الصفقات البائعين خيرات الوطن، الذين وجدوا البلاد عمارة بلا بواب فعتوا فيها فسادا ذات اليمين وذات الشمال، بلا حسيب ولا رقيب وحتى من يلتف حبلُ المحاسبة الرّخْو على أعناقهم سرعان ما يخرجون منتصرين إن لم يتم تعويضهم من خزينة الدولة ومكافأتهم على الضرر النفسي الذي لحقهم .. ومُت أنت بغيظك أيها المواطن الشريف.
وهناك الفساد الأصغر الذي يُمثله المُكلفون بقضاء حوائج المواطنين في الإدارات والمصالح العمومية والذين اعتادوا على القْهيوَة وكأن المواطن نادل في مقهى كلما أبدى مُحيّاه يشعر الموظف الفاسد برغبة في طلبيّة! والأدهى أن فساد هؤلاء يُفشل سياسات الدولة وتبوء معه محاولاتها الترقيعية بالفشل الذريع، وعندنا مثال من الواقع يتمثل في قفة رمضان التي توزع على المحتاجين حيث يُكلف المْقدْمية والشْيوخ بجرد الحالات وتوزيع الإعانات فيحولون الأمر إلى مزاد علني يُعطون فيه الأولوية للأصدقاء والمُقربين والعُملاء. وهذا واقع عايشته في الحي الذي أقطنه – ليبقى الفقير المسكين المحتاج خارج دائرة الاهتمام، وبهذا يضيع حقه وتفشل المبادرة ويستمر الفساد الأصغر في تكبيد الفساد الأكبر مزيدا من الخسارة قد تودي بحياته إن زاد الاحتقان وانفجرت كرة اللهب التي إن استمر حشوها بغاز التهميش وبارود التفقير لن تلبث كثيرا حتى تطير شرارتها في الآفاق.
هي إذن مقارنة بسيطة بين نمطي الفساد، الأصغر منه والأكبر وبينهما يقبع الفاسدون على اختلاف أشكالهم الوسخة المُلطخة بقذارة غياب ضمائرهم وحرصهم على ملء البطون والجيوب دونما انتباه لمصلحة وطن تُحيط به الأشواك من الخارج ويصنعون هم بفسادهم عدُوا له من الداخل .. فهلا تذّكرون قبل فوات الأوان.