نشرت هذه القصة في مجلة (الكاتب المطلق) منذ وقت ليس بالقصير، والمجلة مغمورة، ومحدودة التداول كما تعرفون، ولم تنشر بعد ذلك في أي صحيفة أو مجلة أخرى، وحالما اقتنيت المجلة (مصادفة) حتى كتبت لهم موضحاً، إنني لست من كتب هذه القصة!! ثمة خطأ ما، أرجو التصحيح، هل ثمة تشابه في الأسماء؟ لست أنا من كتب هذه القصة! ...
ولكن المجلة احتجبت عن الصدور، بسبب العدد الأخير، وهو العدد الذي نشرت فيه القصة، ولأول مرة في حياتي الأدبية جاءتني رسائل كثيرة جداً، بعضها من أصدقائي، والبعض الآخر من خصومي، جاءتني رسائل من مديرين في الوزارات، ورؤساء الهيئات المستقلة وغير المستقلة، بعضهم كان معي في المرحلة الإبتدائية، جاءتني رسائل من السفراء، وأصحاب البريد، والحجاب. جاءتني رسائل من رجال دين يعملون في البرلمان، والحكومات المحلية، وهيأة الأمر بالمعروف، وبعضهم الآخر في المساجد الأوربية، وبعضهم أئمة وخطباء في الشركات العابرة للقومية. جاءتني رسائل أخرى من سياسيين مخضرمين يعملون في وزارة الخارجية، وفي المعارضة، ومستشارين لشركات الصرف الصحي والتحويل الخارجي، وبعضهم يعمل في ديوان الخلافة. جاءتني رسائل من الاتحادات والجمعيات الأدبية والثقافية والشعبية، وجمعيات الدفاع عن الفولكلور، والتراث، والأصالة، ومن محتسب سوق الوراقين أيضاً. جاءتني رسائل من نقابة الصحفيين، ونقابة المهندسين، ونقابة ذوي المهن الهندسية، ونقابة الطالبيين، ونقابة الأشراف. جاءتني رسائل أخرى لا أدري من أين، كانت جميع الرسائل تهنئني على نجاح القصة، لقد احتجبت المجلة بسببها!!
جاءتني رسالة من المهندس عبد القادر الأمين رئيس تحرير (الكاتب المطلق) يخبرني فيها أنه فخور بي، وأنه سيرسل لي مكافأة النشر حالما يربح القضية، وسيربحها حتماً، كتب لي، أن لا أقلق، وأن لا أصرح للصحف أو وكالات الأنباء بأي معلومات؛ لأن أحد المحامين من مؤسسة السرد الدولي سيتولى القضية، وستكون المجلة هي المسؤولة أمام القضاء؛ لأن المجلة طلبت مني تحريرياً أن أزودها بقصة جديدة لي، ورجاني أن أرسل له هذه الرسالة عن طريق بريد المؤسسة وبأسرع وقتت ممكن، لأن الرسالة الأصل فقدت من المجلة في ظروف غامضة!!
فتشت رسائلي السابقة جميعاً، فوجدت رسالة لم تفتح من المجلة، كانت معنونة لي بشكل واضح، وبتأريخ سابق على نشر القصة، ولا أدري لم َ لم ْ أفتح الرسالة حينها، فتحت الرسالة فوجدت كتاب التكليف مطبوعاً بحروف ملونة وبارزة، ومعنوناً باسمي!!
السيد صاد المحترم
تحية طيبة
تهديكم مجلة الكاتب المطلق أمانيها الطيبة بمناسبة اليوم العالمي للسرد راجية منكم تزويدها بإحدى قصصكم غير المنشورة، كي تنشر في أقرب عدد.
رئيس التحرير.
وجدت في الرسالة أيضاً مجموعة من الطوابع البريدية الخاصة بالمؤسسة، كي أستطيع أن أرسل ثلاث رسائل مدفوعة الثمن، أرسلت كتاب التكليف ومعه رسالة أخرى أوضح فيها إنني لم أرسل لهم هذه القصة، وأنا لست من كتبها، وأن أسلوبها يختلف عن أسلوبي بوصف الأسلوب هو الإنسان، وفي الوقت نفسه أرسلت في البريد المسجل عدة رسائل أخرى إلى الصحف التي نشرت خبر احتجاب (الكاتب المطلق) أخبرهم فيها أنني لست من كتب هذه القصة، وأن ثمة خطأ ما ...
لم تنشر أي من الصحف رسالتي حتى هذه اللحظة، لكنني تلقيت رسالة من مؤسسة السرد الدولي تخبرني فيها أن المحامي السيد كريم عبد الهادي المصوّر وهو قاض عسكري متقاعد قد قبل القضية بعد أن قرأ الرسائل التي أرسلتها إلى الصحف، وإن المؤسسة استلمت التوكيل الذي أرسلته قبل أكثر من أسبوع!! وإنها ترجوني أن أكون حاضراً في يوم المرافعة، كي أشاهد إجراءات المحكمة وإنها كلفت أحد المحامين بالكتابة عن وقائع المحكمة في صحيفة (الحداثة الصحية).
كتبت لهم من جديد، إنني لم أرسل أي توكيل، ولا أعرف أي محام، وليست لي صلة بمؤسسة السرد الدولي، وإنني لم أتلق أي مساعدة في السرد، وما نشر لي من كتب سردية فهو على حسابي الخاص، أو بتعضيد من ديوان الخراج، حيث أعمل مخمناً للأراضي المسقية من الفرات بعد أن طردت من التدريس!!! وحتى نهاية الأسبوع لم أتلق أي رد على رسائلي، لكنني تلقيت رسالة من صاحب ديوان الخراج، يدعوني فيها لمقابلته فجر الجمعة، بعد صلاة الصبح تماما ً، حيث يأتم به موظفو العقود في الديوان جميعاً.
جلست أمامه مباشرة، كان الرجل في الثلاثين من العمر، بوجه مدور ونوراني يحمل الكثير من معاني الخير، كما يقول الموظفون، ولسابقته في الجهاد، عين رئيساً لديوان الخراج، قدم لي قدح الشاي بنفسه، كانت هذه هي المرة الأولى التي التقيته بها ، وربما هي الأخيرة أيضاً، قال لي: " لقد وصلت برقية من جهات عليا في الدولة، تفيد بتغيبك عن الدوام في الديوان لعدة أسابيع متواصلة، ويطلبون مني تفسيراً لذلك، وأنا أود أن أسمع منك قبل أن أكتب إليهم!!! "
أخبرته إنني كنت أعد الحسابات الختامية للأراضي المسقية عن طريق الفرات، وإنني قد ذهبت لزيارة هذه الأراضي كي أتأكد من مساحتها بنفسي، وإن كتاب الإيفاد موقع من قبل مدير الأفراد!!! فشكرني قائلاً إنه متأكدٌ من نزاهتي في العمل، ووعدني أن يصحح لهم ما وقع من سهو في أول ساعة من يوم الأحد.
في أول ساعة من يوم الأحد وجدت على مكتبي كتاب النقل، لقد نقلوني إلى ديوان البريد بناءً على طلبي!! فرحت كثيراً لسبب أجهله حتى الآن.
استلمت عملي في ديوان البريد بعنوان (مدير المشاريع)، استلمت سيارة جيب حديثة وتفقدت ميدانياً المشاريع كافة، ثم قدمت التقرير الفني إلى صاحب الديوان وحصلت منه على كتاب شكر ٍ موقع من الصدر الأعظم ...
في نهاية الشهر وصلتني رسالة جديدة من مؤسسة السرد الدولي على عنواني في ديوان البريد، أخبرني مدير العلاقات أن موعد المحاكمة سيكون في منتصف الشهر الحالي، ورجاني أن أحضر كي أحظى بتغطية إعلامية جيدة.
نظمت إجازة أصولية وذهبت في الموعد المحدد إلى محكمة النشر، سرعان ما تعرفوا علي، رحب بي محامي المؤسسة أفضل ترحيب، حياني القاضي الجليل بتحية من رأسه، أومأ لي المدعي العام مسلّماً بعينيه، سلم عليّ كاتب المحكمة بيده، أجلسني رئيس التحرير بجانبه تماماً، كانت وسائل الإعلام ووكالات الأنباء تشكل الجمهور الغفير لقاعة المحكمة، الفضائيات الوطنية وغير الوطنية، الإذاعات التي تبث بالعربية وغير العربية، الصحف المغمورة والمشهورة التي كتبت لها ولم تنشر ردودي، وكالات أنباء محلية، وعالمية، وأخرى تحت الإنشاء، وآخرين لا أعلمهم، الله يعلمهم ...
لم تستغرق الجلسة سوى ساعة واحدة تقريباً، استمعت فيها المحكمة إلى مرافعة قصيرة جدا من المدعي العام، ثم استمعت إلى تقرير الخبير الذي فحص المجلة، ولم يقل المحامي شيئاً سوى شكره لعدالة المحكمة، واستغربت كثيراً لأن القاضي لم يستمع لأقوالي! وبعد عشر دقائق تقريباً قرأ القاضي الحكم بصوته الذي يشبه صوت قارئ الفرمان ...
رأت المحكمة أن المجلة والكاتب هما من يتحملان مسؤولية النشر، ورأت أيضاً أن المجلة بريئة مما نسب لها، وقضت بالسماح لها بالصدور مرة أخرى، وقالت المحكمة أن الكاتب لم يشتم أحداً ما؛ لذلك يعوض مادياً ومعنوياً، ويخلى سبيله ما لم تكن هناك شكوى أخرى ضده، نظرت إلى وجوه الحاضرين كي أرى من فرح معي، فما وجدت أحداً ما!!! لكنني وجدت الجميع ينظرون إلى القاضي فقط ...
وقبل أن يدق القاضي الجليل بمطرقته استلم المدعي العام ملفاً من قبل أحد الذين لا أعرفهم وقدمه إلى القاضي ثم رجع إلى مكانه، استدعى القاضي محامي المؤسسة على انفراد، وبعد حديث قصير أومأ المحامي برأسه وكأنه يقول لا ...
ساد الصمت قاعة المحكمة، طلب القاضي من المدعي العام أن يقرأ ما عنده، فقال بصوت يشبه الحريق في مكب للنفايات المعاصرة : سيدي القاضي، لدى الإدعاء العام شكاوى ضد المومأ اليه، مقدمة من عدد من السفارات؛ لنشره بعض القصص إثناء عمله الدبلوماسي، وشكاوى من دور النشر المحلية والعالمية؛ لإخلاله بالعقود الموقعة معهم وإعادة طبع بعض كتبه دون علمهم، وشكاوى من الوزارات السيادية؛ لأنه تسببت في تدهور العلاقات الخارجية مع الدول الشقيقة والإقليمية ودول العالم الأخرى، وشكاوى من الإتحادات المهنية؛ لتخلفه عن تسديد الإشتراك السنوي، وشكاوى من جمعيات حقوق الإنسان؛ لأنه تسبب في تقليل الأجور بعد أن نشر صور أطفال يعملون في بعض الشركات المحلية، وشكاوى من دواوين الثقافة الجماهيرية؛ لتطاوله على الأحزاب الوطنية والقومية والدينقراطية، وشكوى من محكمة العدل الإلهي؛ لأنه استفاد من ملفات القضاء خلال عمله في الأرشيف في كتابة سلسلة روايات حول الزنا القومي، وشكاوى من الشركات العالمية؛ لتشهيره ببعض العاملين لديها، وشكوى من مؤسسة السرد الدولي؛ لأنه تسببت في خسارتها إحدى الجوائز العالمية، وشكوى من صحيفة (الحداثة الصحية) ؛ لنشره بها قصة منشورة سابقاً، وشكوى من الجمعية الوطنية للدفاع عن قصيدة النثر لعدم معرفته بقواعد اللغة العربية، وشكوى من الاتحاد العالمي للشعراء العموديين لسرقته قافية الميم من أحد شعراء الاتحاد، وشكوى من جمعية الرافدين التعاونية الزراعية؛ لأنه تسبب في دفعهم ضريبة أكثر لعدم تحديده للمساحة بصورة دقيقة، وشكوى من ديوان البريد؛ لأنه اطلع على الكثير من الرسائل قبل أن ترسل إلى اصحابها، فضلاً عن استخدام السيارة للأغراض الخاصة، وشكوى من ديوان الخراج لأنه اختلس من الأموال المخصصة لدرء الفيضان، مما تسبب في غرق الكثير من المدن، وشكوى من نقابة السياسيين المستقلين؛ لأنه تسببت في خسارتهم في الانتخابات الأخيرة، وشكوى من مجلة (الكاتب المطلق)؛ لأنه أعاد نشر هذه القصة دون الإشارة إلى أنها نشرت للمرة الأولى في المجلة ...
23/11/