في رواية أوراق زمردة أيوب
غياب المؤسسة التقليدية
ما الذي يحدث للمرأة المصرية عندما يغيب الأب والزوج ويتقلص دور الكنيسة المصرية في فترة الستينيات أي في ظل وجود الدولة المصرية الوليدة بمفاهيمها الحديثة؟ الزنا والمرض ثم الموت وضياع الوثيقة الوحيدة على ما حدث. على الرغم من الظلم الذي عانت منه زمردة بسبب المبادئ التي تتبناها المؤسسة التقليدية ألا وهي العائلة متجسدة في الأب الذي زوجها من شخص يكبر عنها أربعين عاما لأسباب تتعلق بالملكية والثروة ومصالح تخص قضاياه التي يحارب من أجلها، نقول زوّجها من شخص يبدو أنه قرر الزواج في آخر لحظة من أجل أن ينجب وريثا ليس أكثر أو أقل لكي يحافظ أيضا على ثروته وملكيته لنسل من صلبه هو ـ على الرغم من ذلك ولعله بسبب ذلك وقعت زمردة بعد موت زوجها وأبيها وتراجع دور الكنسية المصرية بعد ثورة 52 في خطيئة الزنا وأصابها اللوكيميا الذي ليس بوسع المرء إلا قراءته على نحو رمزي أدى إلى موت أو هزيمة امرأة هذا الجيل أو الجيل كله أو موت مصر. سافرت زمردة إلى الولايات المتحدة وهي تحمل هذه القيم بداخلها تعمل عائقا حقيقيا عن الانخراط في المجتمع الأمريكي خاصة وأن الكنيسة تمولها اقتصاديا فلم تحتج إلى الانخراط في ذلك المجتمع الذي يكرس قيم الفردية ولا يمارس قيم المجتمع البطريركي، لكن سفرها في حقيقة الأمر كأنه لم يكن على الإطلاق بل لقد فسرت الشاعرة الأمريكية أميلي ديكنسون بما يتناسب مع القيم العذرية التي تحملها بداخلها. هذا السفر الذي لم يكن، لم يساعد بالتالي على إكسابها أي وعي بحقيقة وضعها المجتمعي والطبقي والإنساني، فانخرطت باندفاع وعمى في النظام السياسي الجديد الذي لم يكن في ذلك الوقت استطاع أن يملأ الفراغ الذي أوجده تراجع المؤسسات التقليدية عن أداء أدوارها في الحفاظ على قيم ومفاهيم تقليدية قد لا تتناسب مع التغيرات السياسية والاقتصادية التي تشهدها البلد في تلك المرحلة، ولم يكن أيضا بقادر هو نفسه على إيضاح أنساقه القيمية الحديثة (التي لم تكن إلا شكلا مختلفا لنفس المؤسسات التقليدية)، وحتى إن فعل فهذه الأنساق لم تكن تنتمي بعد إلى المجتمع المصري الذي تم نقله بين ليلة وضحاها إلى نسق غريب عليه تماما ولهذا سقطت وترهلت وانتشر الفساد. في هذا السياق لم يكن دور زمردة أستاذة الجامعة التي تنتمي إلى أسرة تقليدية، والتي رجعت إلى مصر حتى لا يضيع منها ابنها/ رجلها والتي كانت تعيش داخل صدفة تحميها عبر سنواتها منعتها من الانخراط الحقيقي بالحياة والمرور بتجارب من شأنها أن تحول وعيها تحولا نوعيا يتوافق مع قيم ونسق الدولة الحديثة الوليدة (إن لم تكن في حقيقة الأمر غطاءا مختلفا لنفس القيم والمؤسسات التقليدية) ـ لم يكن دورها لا في وعيها ولا وعى مؤسسات الدولة المتمثلة هنا باختصار شديد في كريم عبد القادر دورا واضحا. ما حدث هو إقامة علاقة غير شرعية مع مسلم، علاقة بعيدة عن الكنيسة والعائلة النووية الصغيرة وقيم المجتمع التقليدي وخرق للقانون والشرف إلخ إلخ إلخ ما حدث فعلا عندها هو إيجاد الرجل الذي افتقدته طوال حياتها بالرغم من حبها الشديد للقديسة دميانة وإسقاط العذرية على إميلي ديكنسون: تجسيد حقيقي للازدواجية التي يعيشها الفرد المصري بين التقليد والحديث، وقد يكون ما حدث عندها أيضا هو تكرار مقبول لديها بل ومرغوب فيه لحادثة الاغتصاب التي تعرضت لها بزواجها وهي ما تذكره بوضوح عندما تفاجئها رغبتها في أن تغتصب وهي تحتضر وعلى أعتاب الموت. أما ما حدث عند كريم عبد القادر فهو الاستعمال السيئ لقيم يرددها شفويا فقط لم تكن جزءا من وعيه في يوم من الأيام، بل فرضت عليه فوقيا كما يحدث دائما من تشوه نراه بسبب تجاور قيم متناقضة تخلق الفساد والمرض والموت. لم تستطع إذن زمردة أن تعيش خارج تلك المؤسسات التقليدية بل إن غيابها أوقعها في الخطيئة وعرضها للسرقة وللنهب والانتهاك، بل إن تخليها عن تلك القيم جعلها مسئولة مسئولية كاملة عن ما حدث لها، لم تكن زمردة مستعدة بعد لتقبل تلك القيم الجديدة التي لم تكن جزءا أصيلا من وعيها وكينونتها، إذا كان هناك تطبيق حقيقي لقيم حديثة جديدة وهو الأمر الخيالي ويثبته تطبيق كريم المروع لهذه القيم. إذا كان لابد للكاتب بما يمليه عليه موقعه المتميز بالنسبة للمجتمع أن يقوم بفعل قراءة الرسالة التي يبعثها له مجتمعه المتمثلة في القيم التي يفرضها على الفرد، فإن قراءة بدر الديب لهذه القيم جاءت في اختيار المرأة المصرية القبطية التي تجسد، علاوة على تاريخ عريق، فرد سحقته البنية التقليدية في البداية، ثم بنية حديثة هشة مفروضة على مجتمع مازال ينبض بالقيم التقليدية. هذا الاختيار الواعي في المرأة بدوره رسالة يبعثها الكاتب إلى مجتمعه فحواها الدرامي المتمثل في موت هذا الرمز الغني الذي شارك في مسؤولية ما حدث بغياب وعي نقدي حقيقي ـ أقول فحواها يمكن اختصاره في إرسال إنذار موجع لما قد يحدث لنا كأفراد أولا وتاريخ ومجتمع إذا استمر تبنينا لهذه القيم الازدواجية المفروضة علينا. إن فعل الكتابة التي تقوم به البطلة يجسد هذا الإنذار تجسيدا واضحا فالكتابة ذاكرة وفهما وتحليلا ووعيا وهو ما قد يشير إلى دور الأدب لو كان لنا أن نعطيه هذا المدلول، غير أن هذه الكتابة ستأكلها تفيدة.
ما الذي يحدث للمرأة المصرية عندما يغيب الأب والزوج ويتقلص دور الكنيسة المصرية في فترة الستينيات أي في ظل وجود الدولة المصرية الوليدة بمفاهيمها الحديثة؟ الزنا والمرض ثم الموت وضياع الوثيقة الوحيدة على ما حدث.
على الرغم من الظلم الذي عانت منه زمردة بسبب المبادئ التي تتبناها المؤسسة التقليدية ألا وهي العائلة متجسدة في الأب الذي زوجها من شخص يكبر عنها أربعين عاما لأسباب تتعلق بالملكية والثروة ومصالح تخص قضاياه التي يحارب من أجلها، نقول زوّجها من شخص يبدو أنه قرر الزواج في آخر لحظة من أجل أن ينجب وريثا ليس أكثر أو أقل لكي يحافظ أيضا على ثروته وملكيته لنسل من صلبه هو ـ على الرغم من ذلك ولعله بسبب ذلك وقعت زمردة بعد موت زوجها وأبيها وتراجع دور الكنسية المصرية بعد ثورة 52 في خطيئة الزنا وأصابها اللوكيميا الذي ليس بوسع المرء إلا قراءته على نحو رمزي أدى إلى موت أو هزيمة امرأة هذا الجيل أو الجيل كله أو موت مصر.
سافرت زمردة إلى الولايات المتحدة وهي تحمل هذه القيم بداخلها تعمل عائقا حقيقيا عن الانخراط في المجتمع الأمريكي خاصة وأن الكنيسة تمولها اقتصاديا فلم تحتج إلى الانخراط في ذلك المجتمع الذي يكرس قيم الفردية ولا يمارس قيم المجتمع البطريركي، لكن سفرها في حقيقة الأمر كأنه لم يكن على الإطلاق بل لقد فسرت الشاعرة الأمريكية أميلي ديكنسون بما يتناسب مع القيم العذرية التي تحملها بداخلها. هذا السفر الذي لم يكن، لم يساعد بالتالي على إكسابها أي وعي بحقيقة وضعها المجتمعي والطبقي والإنساني، فانخرطت باندفاع وعمى في النظام السياسي الجديد الذي لم يكن في ذلك الوقت استطاع أن يملأ الفراغ الذي أوجده تراجع المؤسسات التقليدية عن أداء أدوارها في الحفاظ على قيم ومفاهيم تقليدية قد لا تتناسب مع التغيرات السياسية والاقتصادية التي تشهدها البلد في تلك المرحلة، ولم يكن أيضا بقادر هو نفسه على إيضاح أنساقه القيمية الحديثة (التي لم تكن إلا شكلا مختلفا لنفس المؤسسات التقليدية)، وحتى إن فعل فهذه الأنساق لم تكن تنتمي بعد إلى المجتمع المصري الذي تم نقله بين ليلة وضحاها إلى نسق غريب عليه تماما ولهذا سقطت وترهلت وانتشر الفساد.
في هذا السياق لم يكن دور زمردة أستاذة الجامعة التي تنتمي إلى أسرة تقليدية، والتي رجعت إلى مصر حتى لا يضيع منها ابنها/ رجلها والتي كانت تعيش داخل صدفة تحميها عبر سنواتها منعتها من الانخراط الحقيقي بالحياة والمرور بتجارب من شأنها أن تحول وعيها تحولا نوعيا يتوافق مع قيم ونسق الدولة الحديثة الوليدة (إن لم تكن في حقيقة الأمر غطاءا مختلفا لنفس القيم والمؤسسات التقليدية) ـ لم يكن دورها لا في وعيها ولا وعى مؤسسات الدولة المتمثلة هنا باختصار شديد في كريم عبد القادر دورا واضحا. ما حدث هو إقامة علاقة غير شرعية مع مسلم، علاقة بعيدة عن الكنيسة والعائلة النووية الصغيرة وقيم المجتمع التقليدي وخرق للقانون والشرف إلخ إلخ إلخ
ما حدث فعلا عندها هو إيجاد الرجل الذي افتقدته طوال حياتها بالرغم من حبها الشديد للقديسة دميانة وإسقاط العذرية على إميلي ديكنسون: تجسيد حقيقي للازدواجية التي يعيشها الفرد المصري بين التقليد والحديث، وقد يكون ما حدث عندها أيضا هو تكرار مقبول لديها بل ومرغوب فيه لحادثة الاغتصاب التي تعرضت لها بزواجها وهي ما تذكره بوضوح عندما تفاجئها رغبتها في أن تغتصب وهي تحتضر وعلى أعتاب الموت. أما ما حدث عند كريم عبد القادر فهو الاستعمال السيئ لقيم يرددها شفويا فقط لم تكن جزءا من وعيه في يوم من الأيام، بل فرضت عليه فوقيا كما يحدث دائما من تشوه نراه بسبب تجاور قيم متناقضة تخلق الفساد والمرض والموت.
لم تستطع إذن زمردة أن تعيش خارج تلك المؤسسات التقليدية بل إن غيابها أوقعها في الخطيئة وعرضها للسرقة وللنهب والانتهاك، بل إن تخليها عن تلك القيم جعلها مسئولة مسئولية كاملة عن ما حدث لها، لم تكن زمردة مستعدة بعد لتقبل تلك القيم الجديدة التي لم تكن جزءا أصيلا من وعيها وكينونتها، إذا كان هناك تطبيق حقيقي لقيم حديثة جديدة وهو الأمر الخيالي ويثبته تطبيق كريم المروع لهذه القيم.
إذا كان لابد للكاتب بما يمليه عليه موقعه المتميز بالنسبة للمجتمع أن يقوم بفعل قراءة الرسالة التي يبعثها له مجتمعه المتمثلة في القيم التي يفرضها على الفرد، فإن قراءة بدر الديب لهذه القيم جاءت في اختيار المرأة المصرية القبطية التي تجسد، علاوة على تاريخ عريق، فرد سحقته البنية التقليدية في البداية، ثم بنية حديثة هشة مفروضة على مجتمع مازال ينبض بالقيم التقليدية. هذا الاختيار الواعي في المرأة بدوره رسالة يبعثها الكاتب إلى مجتمعه فحواها الدرامي المتمثل في موت هذا الرمز الغني الذي شارك في مسؤولية ما حدث بغياب وعي نقدي حقيقي ـ أقول فحواها يمكن اختصاره في إرسال إنذار موجع لما قد يحدث لنا كأفراد أولا وتاريخ ومجتمع إذا استمر تبنينا لهذه القيم الازدواجية المفروضة علينا. إن فعل الكتابة التي تقوم به البطلة يجسد هذا الإنذار تجسيدا واضحا فالكتابة ذاكرة وفهما وتحليلا ووعيا وهو ما قد يشير إلى دور الأدب لو كان لنا أن نعطيه هذا المدلول، غير أن هذه الكتابة ستأكلها تفيدة.