معطف فان جوخ
يقول الحكيم الهندي: "أوشو في كتاب بعنوان الإبداع": "لا يمكن للمبدع أن يتبع طريقا يسلكه الجميع. عليه أن يبحث عن طريقة الخاص، وعليه أن يبحث عليه حتى في الأدغال يجب أن يسلكه بمفرده؟ ويجب أن يبتعد عن العقل الجماعي. فالعقل الجماعي في أدنى مستويات العقل، حتى أن عقول الحمقى تتفوق عليه. ولكن للعقل الجماعي وجها إيجابيا: إنه يكرم الناس ويكافئهم عندما يتصرفون وفقا لتعاليمه". بهذا المعنى كان الفنان التشكيلي بشير بلونيس مبدعا.. كان له أسلوبه الخاص، وطريقه الخاص. في أدغال بيته تمطرك أسرارا، فاللوحات الملعقة هنا وهناك تستدرجك لتحدق فيها بدهشة طفل.. وحين تغوص في أعماقها تبوح لك بكل الأسرار! ثمة، مثلا لوحة عنوانها "معطف فان غوغ" حين رأيتها لأول وهلة همست لأحد الواقفين بجانبي: يا الله... إنها تنهمر حزنا! إنها تعبر عن ذلك البؤس الذي يعيش فيه عادة، الفنان الأصيل الذي يريد بحمله لرسالة الفن أن يكون رسولا لاعبدا مأجورا. "معطف فان غوغ "... لوحة غارقة في الحزن حد الفجيعة... معطف اغبر كالح كمعاناة "فان غوغ"... يعرف بشير بلونس ذلك النوع من المعاناة لأنه عاشها... وحين لم يكن يجد خبزا يقول لزوجته ياسمين: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان"... لم تكن جملة يقولها على سبيل العزاء. لأنه كان فعلا يعيش بأحلامه وإبداعاته. ـ لماذا معطف "فان غوغ" يقف هكذا منتصبا في زاوية معتمه؟ أين "فان غوغ"؟ هل اختفى "فان غوغ" داخل معطفه؟ تبوح اللوحة بسر آخر: "تتواجد الروح فقط عندما يختفي الفنان في فنه. عندما يرسم الفنان بوفرة حتى لينسى وجوده، وحتى بشعر بالذنب عند توقيع اسمه على اللوحة". هكذا يقول "أوشو" عن الفنان المبدع الذي يكتنه سر الأشياء. سئل يوما أحد معلمي الزن، وكان نجارا عن الكراسي والطاولات الرائعة التي كان يصنعها: كيف تصنع هذه التحف التي تفوق الوصف؟ ويجيب قائلا: "أنا أصنعها، أنا أذهب إلى الغابة فقط... هناك في الغابة أسأل الأشجار... وعندما أجد شجرة تقول لي إنها تريد أن تصبح كرسيا أحمل أغصانها إلى بيتي.. أداعب تلك الأغصان بلمسة هنا ولمسة هناك، فيصبح الكرسي جاهزا! لقد كان بشير بلونيس فنانا يعرف كيف يجعل لوحاته ومجسماته تنهمر بالأسرار... وسواء عثرت على تلك الأسرار في جيوب "معطف فان غوغ" أو في مزهرية خالية من الورد، أو تحت عباءة إمرأة من عمق الطاسيلي، فإن تلك الأسرار تظل تطاردك كالأشباح، فتعود على اللوحة لتقف أمامها مذهولا. يعرف بشير بلونس كيف يأخذك بأعماله إلى أقاصي الصمت... أليس الفن الحقيقي هو الذي يساعدك على أن تصبح صامتا؟ ذلك الصمت الشفيف الذي يلف الروح في رحلتها نحو أعالي الكينونة. تذكرني تلك الظلال التي تمتد نحو الأعلى في لوحات بشير بلونس بتلك الأشجار الني كان يرسمها "فان غوغ" والتي يقول إنها أيدي الأرض تمتد لتعانق السماء. لشيء آخر يلقي بظلاله على أعمال بشير بلونس، إنها تلك الرؤية الصوفية التي تجعلنا نرى الأعمال الفنية وكأنها قناديل تتدلى من سدرة المنتهى، لتضيء ليل الروح فينا... ثمة غموض ساحر يسكن أعماله... غموض يجعلك تنقبض حزنا حينا وفرحا حينا آخر... إنه القلب المبدع الذي يحول الأشياء... هكذا يصبح الطين زهرة لوتس، والنجمة دمعة مضيئة، وأنامل الحبيب أفواس قزم... كاتبة وباحثة في شؤون الفكر والثقافة
يقول الحكيم الهندي: "أوشو في كتاب بعنوان الإبداع": "لا يمكن للمبدع أن يتبع طريقا يسلكه الجميع. عليه أن يبحث عن طريقة الخاص، وعليه أن يبحث عليه حتى في الأدغال يجب أن يسلكه بمفرده؟ ويجب أن يبتعد عن العقل الجماعي. فالعقل الجماعي في أدنى مستويات العقل، حتى أن عقول الحمقى تتفوق عليه. ولكن للعقل الجماعي وجها إيجابيا: إنه يكرم الناس ويكافئهم عندما يتصرفون وفقا لتعاليمه".
بهذا المعنى كان الفنان التشكيلي بشير بلونيس مبدعا.. كان له أسلوبه الخاص، وطريقه الخاص. في أدغال بيته تمطرك أسرارا، فاللوحات الملعقة هنا وهناك تستدرجك لتحدق فيها بدهشة طفل.. وحين تغوص في أعماقها تبوح لك بكل الأسرار! ثمة، مثلا لوحة عنوانها "معطف فان غوغ" حين رأيتها لأول وهلة همست لأحد الواقفين بجانبي: يا الله... إنها تنهمر حزنا! إنها تعبر عن ذلك البؤس الذي يعيش فيه عادة، الفنان الأصيل الذي يريد بحمله لرسالة الفن أن يكون رسولا لاعبدا مأجورا. "معطف فان غوغ "... لوحة غارقة في الحزن حد الفجيعة... معطف اغبر كالح كمعاناة "فان غوغ"... يعرف بشير بلونس ذلك النوع من المعاناة لأنه عاشها... وحين لم يكن يجد خبزا يقول لزوجته ياسمين: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان"... لم تكن جملة يقولها على سبيل العزاء. لأنه كان فعلا يعيش بأحلامه وإبداعاته.
ـ لماذا معطف "فان غوغ" يقف هكذا منتصبا في زاوية معتمه؟
أين "فان غوغ"؟
هل اختفى "فان غوغ" داخل معطفه؟
تبوح اللوحة بسر آخر: "تتواجد الروح فقط عندما يختفي الفنان في فنه. عندما يرسم الفنان بوفرة حتى لينسى وجوده، وحتى بشعر بالذنب عند توقيع اسمه على اللوحة". هكذا يقول "أوشو" عن الفنان المبدع الذي يكتنه سر الأشياء.
سئل يوما أحد معلمي الزن، وكان نجارا عن الكراسي والطاولات الرائعة التي كان يصنعها: كيف تصنع هذه التحف التي تفوق الوصف؟
ويجيب قائلا: "أنا أصنعها، أنا أذهب إلى الغابة فقط... هناك في الغابة أسأل الأشجار... وعندما أجد شجرة تقول لي إنها تريد أن تصبح كرسيا أحمل أغصانها إلى بيتي.. أداعب تلك الأغصان بلمسة هنا ولمسة هناك، فيصبح الكرسي جاهزا!
لقد كان بشير بلونيس فنانا يعرف كيف يجعل لوحاته ومجسماته تنهمر بالأسرار... وسواء عثرت على تلك الأسرار في جيوب "معطف فان غوغ" أو في مزهرية خالية من الورد، أو تحت عباءة إمرأة من عمق الطاسيلي، فإن تلك الأسرار تظل تطاردك كالأشباح، فتعود على اللوحة لتقف أمامها مذهولا. يعرف بشير بلونس كيف يأخذك بأعماله إلى أقاصي الصمت... أليس الفن الحقيقي هو الذي يساعدك على أن تصبح صامتا؟ ذلك الصمت الشفيف الذي يلف الروح في رحلتها نحو أعالي الكينونة.
تذكرني تلك الظلال التي تمتد نحو الأعلى في لوحات بشير بلونس بتلك الأشجار الني كان يرسمها "فان غوغ" والتي يقول إنها أيدي الأرض تمتد لتعانق السماء. لشيء آخر يلقي بظلاله على أعمال بشير بلونس، إنها تلك الرؤية الصوفية التي تجعلنا نرى الأعمال الفنية وكأنها قناديل تتدلى من سدرة المنتهى، لتضيء ليل الروح فينا... ثمة غموض ساحر يسكن أعماله... غموض يجعلك تنقبض حزنا حينا وفرحا حينا آخر... إنه القلب المبدع الذي يحول الأشياء... هكذا يصبح الطين زهرة لوتس، والنجمة دمعة مضيئة، وأنامل الحبيب أفواس قزم...
كاتبة وباحثة في شؤون الفكر والثقافة