بشير بلونيس.. ما تبقى من الصورة الأخيرة
«الدنيا صورة، الكلام صورة الحلم صورة، الريح صورة الزمن صورة، الإنسان صورة الحب صورة، الجن صورة السماء صورة، الكون صورة حتى الموت صورة» بشير بلونيس ذات شتاء.. دعاني بشير بلونيس الفنان والإنسان، إلى بيته المعلق بين السماء والأرض، والذي يقع بالتحديد في الطابق الثاني عشر، لينقذني من مخالب الخيبة.. ونحن نصعد تساءلت: هذا الرجل القليل الكلام ما الذي يخفيه؟ وهل مايثبته وراء نظارته عينين أم آلة تصوير؟ في المدخل الرئيسي للبيت واجهتني صورة إمرأة ما.. إكتشفت بعدها أنها لوحة لأمه رسمها من بقايا صور شاحبة مترسبة في مخيلته لأنها رحلت إلى الأبد وهو طفل بدون أن تترك صورة فوتوغرافية. لقد انمحى كل شيء وبقيت اللوحة هي الشاهدة واللوحة هي الخلاص. إكتشفت أيضا الكثير من عذاباته.. قال لي والبسمة لا تغادره: تشجع.. واستمر في الثبات. ستصل يوما.. لحظتها انتهى قلقي.. قلق الطفل الذي يواجه حياة المدينة بمفرده.. خلال الجلسة الأسرية الرائعة التي جمعتنا، عرفت أن لوحته الحقيقية هي هذا الحب الكبير الذي يهديه إلى زوجته الفنانة: الياسمين، وابنتيه العصفورتين: أصيلة وإيمان. سألته مازحا: لماذا أغلبية الفنانين والأدباء ينجبون بناتا؟ ضحك من قلبه لهذه الملاحظة التي وصفها بالذكية وقال: المرأة هي الخصوبة.. هي الحياة.. ونسي أن لوحاته نساء جميلات مفعمات بالأثونة.. واليوم.. بعد سنوات من هذا اللقاء. ما زال بشير بلونيس الفنان والإنسان متشبثا بعادته، ينهض باكرا، يحمل فرشاته، قلبه وأحزانه ويتوجه إلى مرسمه «sublime» بقصر الثقافة محمد بوضياف، ليبدأ حياة جديدة وأنا مازلت غارقا في السؤال: هل ما يثبته وراء النظارة عينين أم آلة تصوير؟ بشير بلونيس يرى مدينته من مسافة 42 سنة، يراها من كل الجهات وبكل الأبعاد.. يراها كما هي يتأملها في صمت موجع، يعرف تقليدها وعاداتها وتصرفات أهلها اليومية يحبها ويعجز عن رسمها لكنها موجودة في أعماله بدون أن يشير إليها كيف؟ تلك حكمته.. والحكمة تجعله يختار منظر المدينة القديمة كلوحة حين نجبره على التعبير مباشرة.. هكذا الطفولة شرسة دائما تضيع الفنان حين يعجز عن البوح زمن الحلم أن يحمل الفنان فرشاته ويرسم في الشوارع ليختصر فرحته بين البحر واليابسة، تبدأ حكاية السندباد الفني الذي يكتب ويرسم بالحديد. والرسم ضمن القراءة الجمالية يعتبر كتابة حتى وإن رفض الطرح القرافيكي هذا التفسير وبهذا الأسلوب الجمالي تتشكل خصوصية الفنان. قبل أن يكتشف بشير بلونيس لذة التعبير بالحديد كانت المدينة حاضرة على شكل سوريالي ويختصرها مرات إلى مناظرة طبيعية. إن الرسم بلاشعور،يبدأ عفويا وينتهي في الثورة لأن المدينة نور وجمال ملهمة الإنسان وتمنحه فيضا من الحنان.. انحياز الفنان إلى فضاء معين غير ممكن لأن الذات المبدعة تفشل في مواجهة الظروف القاسية وفي غياب تقاليد ثقافية. إن الشجاعة وحدها لا تكفي لإمتلاك مساحة العرض في محيط صعب الكلام هنا يكون للريشة وبالريشة فقط ليسخر فعل الإستمرار والقفز على الحواجز دعوت الفنان لتأهل إحدى أعماله وهي جدارية مثيرة الانتباه حتى وإن طليت بالسواد قال: اليد التي رسمت سنة 87 تختلف عن العين التي ترى سنة 98 لأن أثناء إنجازها، كان هذا هو طموحي وجسدت ما يختلجني من أفكار جديدة وتجديدية إن هذه اللوحة قريبة جدا مني لذا فأنا فأنا أحبها.. وحين يفقد لوحته (لا أقصد يبيعها) وتذهب إلى الآخر (لا أقصد يشتريها) يكون الإحتواء الأكبر وتنشأ علاقة ألفة بين المبدع والمتلقي بل هي أشبه بقصة عشق صوفية لأن عملية الإمتلاك تتم بواسطة عيون القلب بدون أي إدعاء وبعيدا عن كل مباهاة وتظل اللوحة تنتظر في قاعة الموقار أو قاعة محمد راسم أو "باريس" تنتظر من يعانقها ويمنحها بعدها الحقيقي والمجد لسارق لوحاته سيحبه أكثر حين يمتلك شجاعة التصريح: أنه اللص لأن اللوحة ستكون سعيدة بهذا القرب. البحر صورة والصورة بحر وحمل ماء البحر في كأس ومحاولة رسمه على لوحة تفيض بياضا في غرفة مغلقة فعل غير مجد لأن البحر الحقيقي ينام في ذاكرة الإنسان.. وذاكرة الفنان لا تسع هذه الزرقة وبشاعتها لأنها صغيرة جدا وأحيانا مخربة.. بل أصغر بكثير من تلك الموجة الهادرة التي تجيء من الأعماق وتتلاشى منكسرة عند الشاطئ الصخري.. في الساحات العمومية، فندق الأوراسي، ومسرح الهواء الطلق لمؤسسة فنون وثقافة تتوزع منحوتاته، مرة تعانق الجدران وحين تملك الشجاعة، تقف عارية في العراء لتثير شهوة الرؤية بهذا الخليط المدهش من الخط العربي والفن الإفريقي وآثار الطاسيلي إنها تجربة جديدة غنية ومتعددة وترابية اللون.. يحدث أن يقف رجل عاجزا أمام إمرأة جميلة فهل يحدث هذا للفنان حين يقف أمام لوحة؟ محاولة الدخول إلى اللوحة مستمرة حتى إن كانت كلاسيكية. وسوريالية، تجريدية تعبيرية ,تأثيرية.. لأن السؤال الصميمي: لماذا إختار الرسام هذا المنظر أو تلك الصورة بالذات؟ وهنا يبدأ فعل ترجمة ما وراء الصورة وهنا يكمن الشيء الغامض الذي لا يمكن مسكه بالعين المجردة , العلوم عاجزة أيضا عن التفسير الدقيق إذن القراءة الثانية أساسية.. وفيه تعجز الريشة عن التعبير يتجه إلى الكتابة التي يحبها كثيرا.. الكتابة سياج للمكان والزمان الكلمة الأخيرة لا يقولها الفنان،هي صعبة للغاية كالشمس التي تلسعه حرارتها ولا ويراها وتبقى أكثر الجهات المعرضة للهبوب هي قلبه.. والمطر الذي يغسل العالم هي دموعه تبقى الصورة هي الصورة يرتسم البحر على وجه الفنان يغلق باب سيارته ويغادرني وأمنيته: السلام والحب في العالم لقد إختار طريقه إذن..
«الدنيا صورة، الكلام صورة الحلم صورة، الريح صورة الزمن صورة، الإنسان صورة الحب صورة، الجن صورة السماء صورة، الكون صورة حتى الموت صورة» بشير بلونيس
ذات شتاء.. دعاني بشير بلونيس الفنان والإنسان، إلى بيته المعلق بين السماء والأرض، والذي يقع بالتحديد في الطابق الثاني عشر، لينقذني من مخالب الخيبة.. ونحن نصعد تساءلت: هذا الرجل القليل الكلام ما الذي يخفيه؟ وهل مايثبته وراء نظارته عينين أم آلة تصوير؟
في المدخل الرئيسي للبيت واجهتني صورة إمرأة ما.. إكتشفت بعدها أنها لوحة لأمه رسمها من بقايا صور شاحبة مترسبة في مخيلته لأنها رحلت إلى الأبد وهو طفل بدون أن تترك صورة فوتوغرافية. لقد انمحى كل شيء وبقيت اللوحة هي الشاهدة واللوحة هي الخلاص.
إكتشفت أيضا الكثير من عذاباته.. قال لي والبسمة لا تغادره: تشجع.. واستمر في الثبات. ستصل يوما.. لحظتها انتهى قلقي.. قلق الطفل الذي يواجه حياة المدينة بمفرده.. خلال الجلسة الأسرية الرائعة التي جمعتنا، عرفت أن لوحته الحقيقية هي هذا الحب الكبير الذي يهديه إلى زوجته الفنانة: الياسمين، وابنتيه العصفورتين: أصيلة وإيمان.
سألته مازحا: لماذا أغلبية الفنانين والأدباء ينجبون بناتا؟ ضحك من قلبه لهذه الملاحظة التي وصفها بالذكية
وقال: المرأة هي الخصوبة.. هي الحياة.. ونسي أن لوحاته نساء جميلات مفعمات بالأثونة.. واليوم.. بعد سنوات من هذا اللقاء. ما زال بشير بلونيس الفنان والإنسان متشبثا بعادته، ينهض باكرا، يحمل فرشاته، قلبه وأحزانه ويتوجه إلى مرسمه «sublime» بقصر الثقافة محمد بوضياف، ليبدأ حياة جديدة وأنا مازلت غارقا في السؤال: هل ما يثبته وراء النظارة عينين أم آلة تصوير؟
بشير بلونيس يرى مدينته من مسافة 42 سنة، يراها من كل الجهات وبكل الأبعاد.. يراها كما هي يتأملها في صمت موجع، يعرف تقليدها وعاداتها وتصرفات أهلها اليومية يحبها ويعجز عن رسمها لكنها موجودة في أعماله بدون أن يشير إليها كيف؟ تلك حكمته.. والحكمة تجعله يختار منظر المدينة القديمة كلوحة حين نجبره على التعبير مباشرة.. هكذا الطفولة شرسة دائما تضيع الفنان حين يعجز عن البوح زمن الحلم أن يحمل الفنان فرشاته ويرسم في الشوارع ليختصر فرحته
بين البحر واليابسة، تبدأ حكاية السندباد الفني الذي يكتب ويرسم بالحديد. والرسم ضمن القراءة الجمالية يعتبر كتابة حتى وإن رفض الطرح القرافيكي هذا التفسير وبهذا الأسلوب الجمالي تتشكل خصوصية الفنان. قبل أن يكتشف بشير بلونيس لذة التعبير بالحديد كانت المدينة حاضرة على شكل سوريالي ويختصرها مرات إلى مناظرة طبيعية. إن الرسم بلاشعور،يبدأ عفويا وينتهي في الثورة لأن المدينة نور وجمال ملهمة الإنسان وتمنحه فيضا من الحنان..
انحياز الفنان إلى فضاء معين غير ممكن لأن الذات المبدعة تفشل في مواجهة الظروف القاسية وفي غياب تقاليد ثقافية. إن الشجاعة وحدها لا تكفي لإمتلاك مساحة العرض في محيط صعب الكلام هنا يكون للريشة وبالريشة فقط ليسخر فعل الإستمرار والقفز على الحواجز
دعوت الفنان لتأهل إحدى أعماله وهي جدارية مثيرة الانتباه حتى وإن طليت بالسواد قال: اليد التي رسمت سنة 87 تختلف عن العين التي ترى سنة 98 لأن أثناء إنجازها، كان هذا هو طموحي وجسدت ما يختلجني من أفكار جديدة وتجديدية إن هذه اللوحة قريبة جدا مني لذا فأنا فأنا أحبها.. وحين يفقد لوحته (لا أقصد يبيعها) وتذهب إلى الآخر (لا أقصد يشتريها) يكون الإحتواء الأكبر وتنشأ علاقة ألفة بين المبدع والمتلقي بل هي أشبه بقصة عشق صوفية لأن عملية الإمتلاك تتم بواسطة عيون القلب بدون أي إدعاء وبعيدا عن كل مباهاة وتظل اللوحة تنتظر في قاعة الموقار أو قاعة محمد راسم أو "باريس" تنتظر من يعانقها ويمنحها بعدها الحقيقي والمجد لسارق لوحاته سيحبه أكثر حين يمتلك شجاعة التصريح: أنه اللص لأن اللوحة ستكون سعيدة بهذا القرب.
البحر صورة والصورة بحر وحمل ماء البحر في كأس ومحاولة رسمه على لوحة تفيض بياضا في غرفة مغلقة فعل غير مجد لأن البحر الحقيقي ينام في ذاكرة الإنسان.. وذاكرة الفنان لا تسع هذه الزرقة وبشاعتها لأنها صغيرة جدا وأحيانا مخربة.. بل أصغر بكثير من تلك الموجة الهادرة التي تجيء من الأعماق وتتلاشى منكسرة عند الشاطئ الصخري..
في الساحات العمومية، فندق الأوراسي، ومسرح الهواء الطلق لمؤسسة فنون وثقافة تتوزع منحوتاته، مرة تعانق الجدران وحين تملك الشجاعة، تقف عارية في العراء لتثير شهوة الرؤية بهذا الخليط المدهش من الخط العربي والفن الإفريقي وآثار الطاسيلي إنها تجربة جديدة غنية ومتعددة وترابية اللون..
يحدث أن يقف رجل عاجزا أمام إمرأة جميلة فهل يحدث هذا للفنان حين يقف أمام لوحة؟ محاولة الدخول إلى اللوحة مستمرة حتى إن كانت كلاسيكية. وسوريالية، تجريدية تعبيرية ,تأثيرية.. لأن السؤال الصميمي: لماذا إختار الرسام هذا المنظر أو تلك الصورة بالذات؟ وهنا يبدأ فعل ترجمة ما وراء الصورة وهنا يكمن الشيء الغامض الذي لا يمكن مسكه بالعين المجردة , العلوم عاجزة أيضا عن التفسير الدقيق إذن القراءة الثانية أساسية.. وفيه تعجز الريشة عن التعبير يتجه إلى الكتابة التي يحبها كثيرا.. الكتابة سياج للمكان والزمان
الكلمة الأخيرة لا يقولها الفنان،هي صعبة للغاية كالشمس التي تلسعه حرارتها ولا ويراها وتبقى أكثر الجهات المعرضة للهبوب هي قلبه.. والمطر الذي يغسل العالم هي دموعه تبقى الصورة هي الصورة يرتسم البحر على وجه الفنان يغلق باب سيارته ويغادرني وأمنيته: السلام والحب في العالم لقد إختار طريقه إذن..