ديباجة:
هذه القصيدة، وإن تكن تبدو جديدة تماماً، على ضوء ما قد أخذ يتلاحق من تطورات أخيرة، وخطيرة، داخل وطننا الفلسطيني المحتل، فهي في حقيقة الأمر تبلغ ما يزيد عن عشر سنوات من العمر، لأنني وضعتها على الفور من "لعنة أوسلو" التاريخية الذميمة التي لا أتردد لحظة واحدة في التأكيد على أنها جاءت بمنزلة التتويج الصهيوني الختامي لنكبة فلسطين عام 1948، ولكارثتها العظمى عام 1967، متنكرةً ومُتَجَمِّلة معاً بقناع "وثيقة العار" التي نُسِبت زوراً إلى مجلسنا الوطني الفلسطيني في دورته التهريجية الملفقة بالجزائر عام 1988، بعنوان "وثيقة الاستقلال"!!..
ثم لاحقاً لذلك، وعلى خلفية واقعنا الرسمي العربي الذي تحلَّل بصورة نهائية من جميع مسؤولياته القومية والوطنية، وحتى الإنسانية، إزاء القضية الفلسطينية – (بذريعة أن منظمة التحرير قد أصبحت هي "الممثل الشرعي والوحيد لشعب فلسطين") – لم نلبث أن شهدنا بأم أعيننا، وعشية الأمس القريب فقط، كيف أن جميع صمَّامات الأمان الوطنية، النسبية، في قيادة هذه المنظمة قد أخذت تتدحرج رؤوسها الواحد تلو الآخر، وبسرعة قياسية لافتة.. أبو جهاد.. فأبو إياد.. فأبو الهول.. فآخرون غيرهم، من قبلُ ومن بعد.. إلى أن صحا رئيس المنظمة الراحل ياسر عرفات على نفسه حبيساً ضمن تغريبته التونسية الخانقة، ومحاطاً بهذا اللفيف كله من "أحصنة طروادة" - (كي لا أقول من حميرها) - وقد أفلحوا حقاً في الولوج إلى قلب "قلعة فتح" بجميع وسائل الغش والخداع.. إلى أن أصبحوا في يومنا الراهن أشبه ما يكونون بضباع الأرض وجوارح السماء حول ما يتوهمون أنه "جيفة القضية الفلسطينية" المنتهية، وما عليهم غير أن ينهش كل طرف منهم أكبر قدر يستطيعه من أشلائها!!..
هؤلاء تحديداً – (وفي أبعد موقع لهم على الإطلاق عن الخطاب الأول، التأسيسي، لحركة "فتح" الرائدة للكفاح المسلح، بقدر ابتعادهم بالنسبة ذاتها عن "ميثاق منظمة التحرير") – هم الذين اختلسوا شرف القضية الفلسطينية في عتمة هذا الليل العربي المنيخ من المحيط إلى الخليج، وقاموا بتمريغه في أقبية "أوسلو" الرطبة، المظلمة، المنتنة، لقاء أن يظفروا من الاحتلال اليهودي، وفي وقت لاحقٍ مجهول، بهذا القدر أو ذاك مما سَيُلقى به إليهم من عظام "القضية الفلسطينية" في تصورهم!!.. أو لكي يشتغلوا - في أفضل حالاتهم – بمنزلة المخاتير، وأزلام الحارات، على فتافيت الضفة الغربية، وقطاع غزة، بانتظار "وَهْمِ الدولة" الذي استغنوا به نهائياً عن "حقيقة الوطن"!!..
فمن هنا تحديداً، ولأنني لم أخن يوماً شرف الكلمة الفلسطينية الحرة التي انتدبت نفسي لها عبر ستين سنة من العمر كدحتها في فلاحة حقل الشعر والفكر، فيما يتعلق بشأننا العام الفلسطيني، ببعده القومي العربي، فلقد وجدت لزاماً عليَّ أن أتقدم من أقصى الصفوف الخلفية التي حاصرتني فيها مؤسسة السلطان العربي عبر الحدود، منذ كارثة حزيران العظمى، لكي أعلن، ولو حتى بأسلوب الإعلان الصحفي المأجور –(ما دام من الغير المأذون لك أن تعتلي منبراً إعلامياً (مؤثراً) من دون أن تصل إليه بصحبة عشيقة يهودية، أو باستنسابٍ "إسرائيلي")- لكي أعلن، تكراراً، براءة شعبنا الفلسطيني، وأمتنا العربية، براءةً جازمة، حاسمة، مطلقة، ولا رجعة عنها زماناً أو مكاناً، من جميع هؤلاء "الهلافيت"، بتعبيرنا الشعبي الفلسطيني، ممن سعت بهم أقدامهم إلى لعنة "أوسلو" لكي يقترف العدو بهم، ومن خلالهم، هذا الفعل الكارثي الشنيع، الذي استطاع، خلال عَقدٍ واحد من الزمان، أن يلحق بشعبنا الفلسطيني وقضيته الوطنية المقدسة، كل هذه الفواجع والآلام!!..
«يوسف"»
بَريئةٌ منكم فِلسطينُ التي تَذبـحُـونْ
و لَحْمُها باقٍ على أَنيابِكُمْ
يا أَ يُّها الـتُـجارُ، والفُـجَّارُ، والآثِـمون
دَمُ الفدائيينَ في رِقابِكمْ
أَقولُها، جَهْرَ الرياحِ، ولْـيَـكُنْ ما يكونْ
سَرقـتُـمُ الثورةَ في جِرابِكمْ
أينَ اخْتـفَتْ يافا، وبيسانُ، وأَينَ الكرمـلُ
والطَلْقةُ الأُولى، وفَـتْحٌ، والخطابُ الأَوَّلُ
وَ مَنْ قَضَوْا، باسمِ فلسطينَ، ومَن تَجَنْدَلُوا
أم قَد تَبَدَّلتْ رِياحكم؟..إِذنْ، تَـبَدَّلُوا!!
خُذوا حصادَ عُهْرِكُم إلى الجحيمِ، وارحلوا!!
بَريئةٌ منكم هِيَ القدسُ، وأَقداسُها
يا أُمراءَ الثورةِ المُـنَـعَّمهْ
أَأَنتمو طُلاَّبُ أَقصاها، وحُرَّاسُها
أَم الضِّباعُ حولَها مُلَمْلَمَهْ
مآذِنُ القدسِ، وما تَقَرَعُ أَجراسُها
تَلعنكُم أَكنافُها المُهَدَّمهْ!!
وَ أَنتمُ الباعَةُ، والشُّراةُ، والبِضاعهْ
أَرخصتُمُ الأرضَ، وسِعرَ الجِراحْ
وَ خُـنـتُـمُ الثَّدْيَ الذي أَتْخَمَكُمْ رِضاعهْ
وَ بِـعتُمُ الشيطانَ طُهْرَ الكِفاحْ
أنتم، مِن البَدء، اختلستمُ هذه الأَمانهْ
مَرَّغتمُ الثورةَ في مُستنقعِ المهَانهْ
طَعَنْتمُ " انتفاضتينِ " خِنجرَ الخِيانهْ
والحُلْمُ، صارَ الحُكْمَ.. واحترفتمُ الكَهانهْ
مَن تَخدعون، يا حُواةَ آخرِ الزَّمَنْ
يا قادةً، بِصِيغَةِ المَقُودِ والرَّسَنْ؟!
أم قد جَنَيتُم – يومَ أن بَخَستُمُ الثمن
أُكذوبةَ "الدولةِ"… عن حقيقةِ "الوطنْ"؟!
فيا شَياطينُ تَزَيَّني، وَجُودي
بدولةِ الوهمِ، لِزُمرةِ العبيدِ
ويا هلافيتُ – وليسَ مِن ثَريدِ!!
دولتكم هذي، بإمرةِ اليهودِ
أعزُّ منها.. " جَبَلايةُ القُرودِ"!!
يا مَن تكالبتم على جوائز الحضارهْ
مَسَخْتُمُ الشعرَ على مَذابحِ الدَّعارَهْ
والوِزْرُ عندكم، غدا مُؤَهِّلَ الوِزراه!!
يا مَنْ تَبيعونَ الدماءَ، خَمرةً مُدارَهْ
و الدينَ بِالدُنيا، وحتى الربحَ بِالخسارهْ
تَبَّتْ أياديكُم، وبئسَ هذه التجارهْ !!
لكنني سَجَّلتُ لِلآتينَ أَسماءَكُمُ
أَقماعَ دَولةٍ، مُسُوخَ غَفَلَهْ
فاتَّبعوا، يا قادةَ البَلُّوطِ، أَهواءَكُمْ
كُلٌ سَيَـلقى في الجحيمِ عَمَلَهْ
لا أَلعنُ "النَّروِيجَ"، بل أَلعنُ آباءَكُمْ
يا أَيـُّـها القتلى، مَعاً، والقَـتَلَهْ
فَلَن تموتَ شُعلةٌ مِن كَبِدي لَفُوحُها
أَنني القدسُ التي يَسكُنُني مَسيحُها
لأَنني شريدُها، شهيدُها، جَريحُها
فَهذه الصَّيحةُ في وُجوهِكُم أَصيحُها
بَريئةٌ مِنكم فِلسطينُ، فَمَنْ تَخدعُونْ
سَيَقرَعُ الشعبُ على أبوابِكمْ
يا أَيها المُستَـثمِرونَ الموتَ، والمُودِعُونْ
عَوائِدَ النكبةِ في حِسابِكمْ
إلى متى، يا أُجَراءَ الوَحْلِ، تَستأجِرُونْ
زواحِفَ الشعرِ على أَعتابِكمْ
أُعلِنُها، جَهْرَ الرياحِ، ولْيَكُنْ ما يَكُونْ
بَريئةٌ منكم فلسطينُ التي تَذبحونْ !!
بَريئةٌ منكم فلسطينُ التي تَذبحونْ !!
من مدونة ديوان ابو عبدالله للشعر المقاوم