ولد الشاعر يوسف الخطيب في دورا الخليل صباح السادس من آذار 1931، بعد عام واحد فقط من إعدام شهداء ثورة البراق فؤاد حجازي وعطا الزير ومحمد جمجوم الذين شنقتهم بريطانيا عام 1930 في سجن عكّا، فعاش طفولته المبكرة مع بدايات الثورة الفلسطينية الكبرى، والإضراب الكبير عام1937، وكانت هذه هي نقطة الانطلاق التي تزخر بمفاجآت كبيرة نتيجة الهجمة الصهيونية التي تمّت في ظلّ الاحتلال البريطاني لفلسطين، ومعاهدة "سايكس بيكو" سيئة الصيت، وكان والده فرّ هارباً إلى سوريا عبر الأردن خوفاً من الاعتقال بتهمة التكتم على مقاومين فلسطينيين. ويصف الشاعر رحلة والده الاضطراريّة إلى دمشق، ورحلته الإجبارية بعد ذلك للمدينة نفسها:
يقولون كان فتى لاجئاً
إلى خيمة في الربى مُشرعة
تطل بعيدا وراء الحدود
على الجنة الخصبة الممرعة
وكانت له ذكريات هناك
مُجنّحة حلوة ممتعة
وإن كان الظلم قد أحاط بحياة يوسف الخطيب صغيراً، وحرّك فيه ثورة وانتفاضة، فإن الخليل بطبيعتها الساحرة، ودورا برونقها الخاص جبلا عمره على حب الشعر وتذوق فنه، لا لأنّه أحبّ الشعر فقط، ولكن لأن والده كان أول الحانين عليه صغيراً، وأعظم الآخذين بيده نحو احتراف الشعر فقال بهذا الشأن:
أبتي أظن غسول ذي الأرض من دمنا
وأنّ يداً تعتق للصباح صفاءَ أدمعنا
وإن غدا سيولد من مخاض غُرٍ
فَيرحمُ حزنَ هذا الكون في أحناء أضلعنا
وانتقل يوسف الخطيب في تدرّجه التعليمي من الكتاتيب في قريته والقرى المجاورة نحو التعليم الابتدائي بعد أن حفظ الحروف الهجائية ومبادئ الحساب وجزئي عمّ وتبارك من القرآن الكريم، قضاها الخطيب راعياً ومتأملا، فهو لمّا كان يسوق الأغنام على الجبل أمامه تسرح عيناه في الأزهار النديّة وشقائق النعمان التي ترسم بجمال ألوانها في الجبل الأخضر لوحة عَبقرية... عشق عميق جبل الشاعر بالطبيعة الساحرة تجلّى في شعره ونثره.
استمر الشاعر في مدرسته يعيش حياته الطبيعيّة، رغم الأحداث السياسية التي كانت تهزّ فلسطين. رجع والده من سورية، حين أصدرت بريطانيا الكتاب الأبيض عام 1937، وبدأت نذر الحرب العالمية الثانية تلوح في الأفق، ثمّ انتقل الخطيب إلى مدرسة الخليل الثانوية، وكان لزاماً عليه أن يسير من قريته دورا قاطعا ستة كيلومترات جبلية يومياً وصولا إلى مدينة الخليل، عبر المناظر الطبيعية الخلاّبة التي لم تفارق خياله. خلال تلك الفترة، قرأ الشاعر المُعلقات السبع، والعديد من الكتب التي يحتفظ بها والده في عِلّية منزلهم، وكانت مُتعته أن يلقي الشعر بصوته الجهوري بين الروابي والتلال في الهواء الطلق، وكأنه يلقيها على جمهور غفير في أمسية شعريّة حاشدة، وكان يحرص على أن يقرأ الكتب لأخيه الكفيف موسى الذي يكبره بعامين، وكان الشاعر معجباً بمدرّسه مُخلص عمرو الذي أصبح لاحقاً إعلاميّاً مشهوراً، وكان يتمتّع بشخصية قومية اتخذه الكثيرون قدوة يحتذى بها.
تواترت في تلك الفترة الأحداث ونشبت الحرب العالمية وازدادت الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وحدثت النكبة عام 1948 فرحل الشاعر وأهله إلى سورية، ودرس الشاعر المحاماة في جامعة دمشق، وكتب ديوانه «العيون الظمأى للنور» الذي حصل على الجائزة الأولى التي قدمتها مجلة الآدابسنة 1954، وحازعلى إجازة الحقوق سنة 1955، عمل مذيعاً في إذاعة دمشق، وفي إذاعات مختلفة هي: فلسطين، الرياض، صوت العرب، القاهرة، الكويت، بغداد، إذاعة هولندا العربية، ترأس تحرير مجلة الطليعة السورية الشهرية، وشغل منصب المدير العام لهيئة الإذاعة والتلفزيون في سورية عام 1965، وانتخب نائبًا لرئيساتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وهاجر إلى هولندا بعد أن أغلقت في وجهه أبواب الدول العربية، ثمّ عاد إلى دمشق. ومن أشهر قصائده القصيدة التي مطلعها:
أكاد أومن من شك ومن عجب هذي الملايين ليست أمة العرب
والقصيدة التي بعنوان: رأيت الله في غزّة
والقصيدة: دمشق أهلي والهوا بغداد
وأنا الذي وطني ارتحال الشمس ملء الأرض، لكني بلا وطن..
من ذا يصدقني؟..
قالها الشاعر معبّراً عن ضياع قريته الجميلة ومدينته، ومقسماً أن لا عودة يريدها لفلسطين إلا إذا كانت مُحررة، ويوجّه الشاعر دعوة للتحرك لتحرير الأرض:
فلمن تلد النساءُ إذن.. إذا لم يَغزُ ليل القُدس قديسٌ.. ولم ينجز على الطاغوت رمحُ!!
ومن قصائده العندليب المهاجر:
أتراك مثلي يا رفيقُ تمرّ بالزمنِ
عبرَ الليالي السود والمحنِ
لا صاحبٌ يرخي عليك غلالةَ الكفنِ
بي لهفةٌ يا صاحبي مشبوبة بالنارِ
هل بعضُ أخبارٍ تحدّثها وأسرارِ
للظامئين على متاهةِ الوحشةِ العاري
كيف الحقولُ تركتَها في عرسِ آذارِ
ومتى لويتَ جناحَك الزاهي عن الدارِ
عجباً.. تراك أتيتنا من غير تذكارِ
لو قشّةٌ مما يرفُّ ببيدرِ البلدِ
خبأتَها بينَ الجناحِ وخفقةِ الكبدِ
لو رملةٌ من المثلثِ أو رُبا صفدِ
لو عشبةٌ بيدٍ ومزقةُ سوسنٍ بيدِ
أينَ الهدايا مذ برحتَ مرابعَ الرغدِ
أم جئت مثلي بالحنينِ وسورةِ الكمدِ
ماذا رحيلك أيها المتشردُ الباكي
عن أرضِ غاباتِ الخيالِ وفوحِها الزاكي
أم أنّ مرجَ الزهرِ أصبحَ قفرَ أشواكِ
وتلوّنت أنهارُها بنجيعِ سفّاكِ
داري وفي عيني والشفتين نجواكِ
لا كنتُ نسلَ عروبتي إن كنتُ أنساكِ
وكان الشاعر يوسف الخطيب قد تزوج من بهاء الريس بنت منير الريس رئيس بلدية غزة وشقيقة المناضل والأديب الراحل ناهض الريس وأنجب:
بادي – باسل – وضاح – أسيل - هديل – تليد- أندا.
ولقد وافت الشاعر المنيّة الخميس 16/6/ 2011