وقد أصدر بيت الشعر الفلسطيني بياناً نعى فيه الشاعر الكبير، ومما جاء فيه: " تواصل طيلة ثلاثة أعوام بيت الشعر مع الراحل الكبير متابعة وتواصلاً لإصدار أعماله الشعرية والإبداعية.. لكن قلّة الموازنات حالت دون ذلك، ما جعل إصدارها عن الاتحاد العام للكتّاب أمراً واجباً بالتعاون مع بيت الشعر الذي أشرف على إصدار الأعمال بالتعاون مع دار فلسطين".
إنّ يوسف الخطيب يشكّل علامة فارقة في الشعرية الفلسطينية والعربية، وكان واحداً من الأسماء العالية في سماوة الإبداع والشعر.. بقي هو هو عالياً عنيداً جسوراً، غير هيّاب ولا رجّاف".
شعراء وكتّاب في الداخل والخارج ينعون الخطيب
وقد أشار عدد من المبدعين والشعراء الفلسطينيين إلى لحظة الغياب بمرارة وحزن، فقد جاء على لسان الكاتب والناقد عادل سمارة : "
يوسف الخطيب، أو كما دعاه البعض شاعر البعث. ربما، لكن يوسف الخطيب سيدٌ يمتد على الوطن الكبير والعقل العروبي الاشتراكي بكل مداه. هو متنبي المرحلة. لعل الجانب غير المرئي من حياة ودور المتنبي أنه كان شاعر الأمة العربية وحتى القومية العربية في عصر هجمة الشعوبية عليها. وكان المتنبي يرى مركزية وحدة الشام ومصر، ومن هنا كان طموحة لولاية يقودها مأخوذا بوحدة الرئتين للوطن.
لقد اسس المتنبي لفكرة لم يكتشفها الكثيرون في علم الاجتماع السياسي وتحديداً مسألة القوميات، أن الأمم القديمة كانت لها ايضاً مشاعرها ونضوجها ومشاريعها القومية، وهذا بخلاف من يقتفون بسذاجة أو بغطٍّ نومٍ عميق في أطروحة الغرب بأن الأمم والقوميات صناعة الغرب الرأسمالي وتنظيرات ستالين الاشتراكية. هذا ما ارتكز عليه يوسف الخطيب طوال حياته ولم يتزحزح قيد أُنمله وليس سهلاً على مثقف من العالم الثالث وخاصة العربي ان لا تأخذه أهواء التخارج إلى الغرب براسماليته وثقافته الوحدانية وما تعج به من مدارس تُغري بالتقليد وحتى الخضوع والخروج عن الأصالة والواقع.، ولذا هو شاعر القومية العربية والأمة العربية.
ومما جاء على لسان الشاعر (مراد السوداني) أمين عام الاتحاد العام للكتّاب والأدباء ورئيس بيت الشعر: "ثلاثة أعوام ونحن نتابع بشكل حثيث أعمال الشاعر الكبير، حتى تم إنجاز الأعمال الكاملة في ثلاث مجلّدات بطباعة أنيقة صدرت عن الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين بالتعاون مع دار فلسطين التي تعود للشاعر الكبير بدمشق، وقد تضمنت الأعمال الشعرية ثلاثة أقراص ليزرية تشمل قصائد الشاعر، وقد أرسلنا عدداً من النسخ قبل أسبوعين للراحل الكبير الذي رأى أعمال تطبع في فلسطين، والجميل أن هذه الأعمال طبعت بالدين لتوضع على أعين المنكرين والمتجاهلين لهذا الشاعر الكبير الذي احتجبت نصوصه عن فلسطين والدول العربية طيلة ستين عاماً.. لقد سدّ الاتحاد العام وبيت الشعر هذه الثغرة ورفع الحصار عن هذا الشاعر الفحل الذي يستحق الانتباه، رحل يوسف الخطيب لكن مواقفه وفعله الجسور وعناده الإبداعي الفذّ بقي في قولته الشعرية، وفعله الإبداعي".
في حين أشار الروائي والناقد (وليد أبو بكر)إلى لقائه العام الفائت بالخطيب قائلاً : "وجدت الخطيب كما كنت أجده في كلّ اللقاءات التي لم تتوقف عبر ذلك الزمن الطويل، وكما كنت أتوقّع أن أجده حين يتاح أن يكون بيننا لقاء أخير، كان ذلك الشاعر يحافظ كل العمر، وفي الأحوال على صفته الأساسية التي تغمر من يكون معه، من اللحظة الأولى: إنه شاعر الكبرياء الأول، سلوكاً وشعراً وارتباطاً وجودياً بوطن لا تليق إلا الكبرياء في الانتساب إليه، وإلى قضيته التي لا تقبل من شاعر مثله إلاّ الثبات على ثوابتها".
رحل سيف فلسطين
الشاعر (يوسف المحمود) أشار في تعليقه على رحيل الخطيب قائلاً : "لقد رحل هذا الشاعر تاركاً إرثاً عالياً من الفعل الإبداعي الجسور، فقد كان شاعراً حقيقياً، قدّم للمشهد الثقافي الفلسطيني والعربي مقولة مغايرة ومختلفة، ورغم الحصار والظلم الذي لحق به، إلاّ أنه بقي ثابتاً على الثابت وبقي يردّد وجع البلاد، منشداً للحريّة ولكل ما هو حرّ وحقيقي ويليق بفلسطين وقضايا الأمة".
وأشار الكاتب والباحث (جهاد صالح): "التقيت الشاعر الكبير العام الفائت صحبة الصديقين مراد السوداني ووليد أبو بكر وقد كان لقاء حميماً جميعاً بالراحل الكبير، يوسف الخطيب الذي شكّل رافعة عالية للأجيال عبر مقولته سطّر لنفسه مساحة في الخلود بما قدّمه من تجديد لافت، ومواصلة للفعل الثقافي.. إنه متنبي فلسطين وسيفها العالي كما قال عنه الشاعر خالد أبو خالد ".
فيما أشار الشاعر(عبد الناصر صالح، ) مدير عام وزارة الثقافة في الشمال إلى أن الفقيد وهب حياته وإبداعه في خدمة المشروع الوطني في الحرية والعودة والاستقلال وإقامة الدولة وعاصمتها القدس الشريف حيث تميّز شعره بالصدق النفسي والصدق الفني مستلهماً هموم وقضايا ونضال شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج ومعبراً أصدق تعبير عن طموحات شعبنا، فكان على تماس مباشر مع الجماهير ووجدانها الشعبي والوطني، مؤكداً أن وفاته خسارة كبيرة لحركتنا الثقافية والوطنية بشكل عام.
أما الروائي (د. أحمد رفيق عوض)فقال : "إن رحيل يوسف الخطيب يشكّل فقداً كبيراً في الساحة الثقافية الفلسطينية والعربية باعتباره واحداً من الأدباء المؤسسين الذي قدّموا الاقتراح الاستثنائي في الشعرية الفلسطينية والعربية، حيث كان مثالاً للتجديد المنتبه، وضرب مثلاً كيف يكون المثقف وما هي مهامه ودوره. لقد كان الراحل الكبير علماً ثقافياً بامتياز، لحق به الظلم والحصار نتيجة مقولته النقدية والخروجية وبقي على ذات المقولة فارساً حتى رحيله".
وأضاف الكاتب(طلعت سقيرق): "يعتبر ديوان " مجنون فلسطين" لشاعرنا الكبير يوسف الخطيب وهو ديوان سمعي مسجل على أشرطة كاسيت تجربة غير مسبوقة في ميدان الشعر العربي، وحين سألت شاعرنا الحبيب الغالي عن ذلك قال :" كان هاجسي الكبير طيلة مسيرتي الشعرية المتواضعة، هو أن أحاول التجديد إلى أبعد الحدود، ولكن، على قاعدة التأصيل إلى أعمق الجذور.. ومن هنا فإن تجربتي التأسيسية في ديوان "مجنون فلسطين" السمعي، بقدر ما تمثل، من أحد وجهيها، انفصالاً شبه كامل عن جميع الطرائق التقليدية في نشر الشعر وإيصاله إلى جمهرة المتلقين، بقدر ما تمثل، من وجهها الآخر، اتصالاً كاملاً أيضاً بتلك الخاصة التراثية الفري دة للشعر العربي، من جهة حضور الشاعر المباشر بين يدي جمهوره، كما كان عليه الحال في المربد وعكاظ، أو على الأقل من جهة حضوره الذاتي هذا بين أفراد قبيلته، أو ترحاله عبر الآفاق البعيدة بسبيل أن ينشد ما قد أبدعته قريحته أمام الأفراد والجماعات على حد سواء.. وهكذا ظل حال الشعر العربي لمئات الأعوام اللاحقة أقرب إلى طبيعة النفس العربية "مسموعاً" أكثر منه "مقروءاً" حتى لكأن شاعرنا القديم قد أراد أن يشير إلى هذه الخاصة ذاتها بقوله : "والأذن تعشق قبل العين أحياناً".. ولذلك أيضاً انتشر الشعر العربي "بالرواية" أكثر مما انتشر "بالتدوين" حتى في أوج ازدهار الحضارة العربية في أوائل العصر العباسي، وشيوع القراءة والكتابة في جمهرة واسعة من الناس، وظهور ألوف المصنفات النثرية في اللغة، والفقه، والفلسفة، والعلوم، فرغم كل ذلك كان لرواة الشعر ـ ولنقل الحمادين الثلاثة مثلاً ـ حضورهم القوي والمؤثر.. ولست أدري تماماً ما الذي كان عليه الحال في أشعار الأمم الأخرى، إلا أنني لم أصادف مطلقاً أنه كان لكل شاعر أجنبي "راويته" المختص بإيصال قصائده للآخرين، كما هو واقع الحال في شعرنا العربي، وحتى يومنا الراهن إلى حد كبير.."
كان حميماً وعالياً
وأضاف الشاعر (ماجد أبو غوش) : "كنت صحبة الصديق الشاعر مراد السوداني في زيارة ربما الأولى التي نلتقي فيها الشاعر الراحل، للحديث عن طباعة أعمال، حيث دار النقاش حول الكيفية التي تطبع بها الأعمال، حيث أجابه السوداني: سنطبعها ولو على نفقتنا، وأذكر أن السوداني خاطبه عندما استغرب الخطيب حضورنا لبيته مطالبين بضرورة طباعة أعماله: "من حقك علينا أن نكون أوفياء وكان السوداني يتحدث عن جيله حيال الآباء، ومن حقنا عليك كمؤسس وأب ثقافي وشعري أن نقرأ أشعارك وتحديداً في الأرض المحتلّة، ومن حقّ فلسطين علينا وعليك أن تكون أعمالك بين أيدي الأجيال، وفلسطين أكبر منا ومنك، حينها طلب الخطيب من ابنه تليد أن يمنحنا الدواوين بإهدائه وصوته، وبدأ السوداني رحلة التواصل لطباعة الديوان وكل مرّة نزور دمشق بصحبة الأصدقاء نزوره ونتابع إبداعه".
فيما أشار الشاعر والكاتب (محمد حلمي الريشة): " لقد رحل هذا الشاعر الكبير تاركاً إرثاً شعرياً وإبداعياً عالياً.. لقد كان يوسف الخطيب فضاءً شعرياً وسيعاً، ومثقفاً ندّاً قدّم الكثير ولقي الظلم والحصار من قبل مؤسسة السلطان العربي، وقدّم تجديدات كبيرة على صعيد القصيدة الفلسطينية والعربية، ولم ينلّ حظّه من التعريف، أما آن لنا أن نقول له ولغيره : لقد قصّرنا أيها الآباء الكبار!".
وعقّب الشاعر (محمد عياد)رئيس المكتب الحركي المركزي للكتّاب أن رحيل الخطيب كان خسارة فادحة للمشروع الثقافي الفلسطيني الذي منحه الخطيب الوقت والجهد واستطاع أن يكون مؤسسة وحده معزّزاً مقولة النقد في الساحة الثقافية الفلسطينية والعربية.
ومن فلسطين المحتلة قال الشاعر (سامي مهنا) رئيس اتحاد الكتاب العرب الفلسطينيين - حيفا: " شاعرٌ، عاش كبيرًا في عصرٍ تكبرُ فيه ألامُ شعبهِ في كلّ خفقةِ قلب، كانَ حجرَ الزاويةٍ في الشعر والإعلام العربيّ في زمن تتهاوى فيه الأبنية، بكى على زمنٍ أبكى المتنبي، معارضًا مأساته المنبثقة من زمانه المتهاوي تحت أقدام الفرس والعجم، بصرخة تكبرُ فجيعتها في زمن عربيّ جديد يرزح تحت أقدام الإمبريالية والصهيونية، فلا جديد تحت شمس العرب منذ ذلك العيد وحاله، سوى تجّدد المآسي، فأعاد الشاعر العربّي الفلسطينيّ البكاء على أطلالِ الزمان.
بكى عاشقًا لفلسطين والعروبة، متمسّكًا بلغة الأسلاف، كأّنه يحاول من خلالها أن يعيش في زمنِ مجد العرب، فعاش في اللغة والشعر، بقدر ما عاش الوطن فيه. هجا عشقًا الملايينَ التي يكاد يشكُّ أّنها "ليست أمّةَ العربِ" وليست هي التي نزل عليها وحيُّ النبيّ، محرضّا لاستعادة المجد والكرامة والعزّة والشّموخ.
الشاعر الفلسطينيّ العربيّ الكبير يوسف الخطيب، نبّي غضبٍ في عصر عربيّ يحتاج إلى أنبياء وشعراء غضب، وعاشقٌ في عصرٍ يحتاج ما تبقّى فيه من أملٍ إلى عشّاقٍ يزرعون الأمل والجمال.
رحمهُ الله، إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وإنّا إلى مجدنا وعزّتنا وحقّنا وفلسطيننا راجعون. "وأضاف الشاعر (عثمان حسين) من غزة : "خسرنا عمودا أصيلاً من أعمدة الشعر المعاصر، مناضلاً صلباً وعنيداً وربما يكون من الشعراء القلائل الذين رأوا أعمالهم الكاملة قبل أن توافيهم المنيّة، حيث جرت العادة بتكريم الشعراء بعد وفاتهم، أما يوسف الخطيب فهو محظوظ على هذا الصعيد، لقد كانت خسارتنا فادحة".
وقال الشاعر (سليم النفار): " هكذا عرفت شاعرنا، هكذا تتبعناه، عندما كان يأتي قاطعا المسافات الطويلة، من دمشق إلى اللاذقية، ليصدح بصوته شعرا جميلا لفلسطين، فكم من مرة علا صوته في مدرجات المركز العربي الثقافي، مكهربا الحضور برنين صوته الغاضب، على امة استعذبت الصمت والهوان، كم من مرة تدافعت الحشود المثقفة خلفه، وهو يغضب لفلسطين، ولغزة التي قال فيها أجمل الشعر:
وأنتِ وهُم.. عِناقُ الموجِ والرملِ..
وأنتِ وهُم.. مِزاجُ الدمعِ والكُحلِ..
وأنتِ وهُم.. بلا أهلٍ..
بلا أهلٍ..
بلا أهلِ!!..
فَشُقِّي ثوبَكِ العربيَّ عن سِتْرِكْ
ودُقِّي صدرَكِ المَسْبِيَّ في الليلِ
ونادينا.. بأَعلى الطُّورِ..
نَسهرْ ليلةَ البستانِ في حِجركْ
لأنَّ هناك وَعْدَ الصبحِ
ينهضُ.. من دُجى قبرِك!!..
هذا المقطع من قصيدته "رأيت الله في غزة" هذا هو يوسف الخطيب الذي، اختلف مع الجميع من اجل فلسطين، ليس من اجل شيء آخر، هذا يوسف الخطيب، الذي رحل عن ثمانين حول "لا أبالك يسأم" لم تغير الأيام فيه شيئا، ظل وفيا لمبادئه وأحلامه، حتى قامته الناهضة، وفروسيته لم ينل منها المرض فاخر مرة- منذ شهور- التقيته في بيته في دمشق بصحبة أخي الشاعر مراد السوداني، كان شامخا وكان فرحا بنا، لأننا نحمل رائحة فلسطين، ولأننا نؤكد وفاء فلسطين لفارس من فرسانها، وربما صدور أعماله الكاملة عن اتحاد الكتاب في رام الله، تكون بداية للكف عن تأنيب الضمير، لما أصاب هذه القامة الكبير، من تقصير منا، لا شافع له، إلا مواصلة الدرب على خطاه الإبداعية والوطنية ثمانون حولا مضت، ولكن يوسف لم يمض، فقد ترك فينا القصائد والمعاني والأغاني ليوم أجمل وهذا عزاؤنا. فحسب فلسطين، أنها أنجبت فارسا وشاعرا عاش ومات، وهو يتنفس هواءها، ويعمل ليوم لقائها."
وأضاف الشاعر (أحمد يعقوب): "يوسف الخطيب، لم يسأم "ثمانين حولا"، والتي بدأها في يطا الخليل ولم تنته في نهر بردى، فلقد خلق سيرة غنية بالانتماء الحقيقي للفكرة وللإبداع وقدم انجازا متواصلا بمواهب متعددة، نشأ مع النكبات والنكسات، لكنه، لم ينتكس ولم ينتكب، ولم يتجرد من إنسانيته وروحه المبدعة، لأنه مسكون بالصبر "الأيوبي"، والذي يحوله إلى منجز فني واع ومدروس بعمق، فكانت ثمة قصديه مخفية وإرادة فنية تجديدية، أن يظهر يوسف الخطيب مع كل قصيدة جديدة بحلة جديدة مختلفة وخاصة به بل ومستقلة. تبرر له الظهور أمام المتلقي. بقصيدة ليست دالة على قائلها وحسب، بل والمُدِلَّة بذاتها في نفس الوقت. وربما طوّع عروض الفراهيدي واكتشف فيها أسلوبا خاصا به. أبسط ما نكرم به هذا الشاعر المتميز، و في غياب الحركة النقدية الأدبية في فلسطين، إنها دعوة إلى الجامعات الفلسطينية كي تدرج سيرة هذا الشاعر الكبير على مناهج البحث والدراسة أمام الطلبة والدراسات والبحوث، ورسالات الدراسات العليا، فيوسف الخطيب نموذج المبدع الملتزم المنتمي لقيم الحرية والإنسان، نموذج التلاحم العميق بين الانتماء والإبداع. نموذج المواقف التاريخية التي لا يقدر على اتخاذها إلا الإنسان الحر، القوي، صاحب الإرادة العالية والموهبة الكبيرة.