اختفت أنباء مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام التي ظلت تصريحات المسؤولين في مجلس النواب تؤكد لأسابيع متصلة أنه مشروع قانون يتصدر الأجندة التشريعية لعمل المجلس الموقر في الدورة الحالية، قبل أن يدرك شهرزاد الصباح فتسكت عن الكلام المباح وتتوقف عن بث التصريحات التي تؤكد أن مشروع القانون المذكور لايزال يتصدر الأجندة التشريعية في هذه الدورة من عمل سيد قراره، لتحل محلها تسريبات صحفية تقول إن اللجان المختصة في مجلس النواب- وهما لجنتا الشؤون الدستورية والتشريعية والثقافة والإعلام والسياحة- وجدت في مشروع القانون عواراً دستورياً، اضطرها لأن تعيده إلى الحكومة مرة أخرى، لكى تتولى- بالتعاون مع المحكمة الدستورية العليا- التأكد من خلوه من أي خلل دستوري.
وكان مشروع قانون الصحافة والإعلام- كما يتذكر كل من يعنيهم الأمر- مشروعاً لقانون موحد، وضعت مسودته الأولى اللجنة الوطنية لإعداد تشريعات الصحافة والإعلام، التي تشكلت من 50 عضواً من المشتغلين والمتخصصين في المهنة، وتفاوضت بشأن نصوصه، وتوافقت حولها مع لجنتين انبثقتا عن حكومتين متتاليتين هما حكومتا المهندسين إبراهيم محلب وشريف إسماعيل، وأحالت الحكومة الأخيرة نص القانون إلى مجلس النواب ثم إلى مجلس الدولة، الذي رأى تقسيمه إلى قانونين، صدر الأول منهما، وهو قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام، ليتضمن المواد الخاصة بتشكيل الكيانات الثلاثة التي أناط بها الدستور تنظيم وإدارة المؤسسات الصحفية والإعلامية، وقرر مجلس النواب تأجيل القسم الثاني من القانون الموحد ليصدر في قانون منفصل باسم قانون «تنظيم الصحافة والإعلام» حتى يتاح لأعضاء الكيانات الثلاثة إبداء الرأي فيه، كما ينص عليه الدستور.
ورغم أن من يعنيهم أمر القانون من الصحفيين والإعلاميين قد شعروا منذ البداية بأن هناك ملعوباً حكومياً يقف وراء الإصرار على تقسيم القانون الموحد إلى قانونين، وأن هناك جناحاً في الحكومة ينظر إلى مشروع القانون الموحد باعتباره مشروعاً يبالغ فيما يمنحه للصحافة والإعلام من مساحات واسعة من الحرية، قد يسيء بعضهم استغلالها، خاصة في ظروف بلد يخوض حرباً شرسة ضد عناصر إرهابية منظمة تحيط به من كل جانب.. إلا أنهم تقديراً لصعوبة الظروف التي تمر بها البلاد اقترحوا أن يضاف إلى القسم الأول من القانون الذي صدر بعنوان «قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام»، مادة تلتزم الحكومة بمقتضاها بأن تصدر القانون الثاني بمجرد صدور قرارات تشكيل الكيانات الثلاثة، وإبداء رأيها في القانون طبقاً للدستور.
وحتى الآن لا يجد أحد ممن تعنيهم حرية الصحافة والإعلام، وهي إحدى الحريات العامة التي يكفلها الدستور لعموم المصريين، مبرراً لهذا الغموض الذي يحيط بمصير قانون تنظيم الصحافة والإعلام، فقد صدر قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام، وصدرت بالفعل القرارات الجمهورية التي تقضي بتشكيل الكيانات الثلاثة المختصة بإدارة مؤسسات الصحافة والإعلام، واجتمعت هذه الكيانات الثلاثة ودرست مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام، ولم تجد فيه ما يدعوها للاعتراض على نصوصه سوى ملاحظات عابرة، ربما كان أبرزها هو المطالبة برفع سن المعاش للعاملين في الصحف وأجهزة الإعلام القومية إلى سن الخامسة والستين وجوبياً، بدلاً من أن يكون اختيارياً لمجلس إدارة المؤسسة الصحفية أو الإعلامية القومية.
ولا أحد يعرف حتى الآن مدى صحة التسريبات الصحفية والإعلامية التي يدعي أصحابها أن اللجان المختصة في مجلس النواب قد قررت إحالة نص قانون تنظيم الصحافة والإعلام إلى الحكومة لكي تعيد النظر فيه، وتبحث في مدى دستوريته، إذ المؤكد أن المنوط به البت في مدى دستورية القوانين قبل إصدارها، هو لجنة الشؤون التشريعية والدستورية بالمجلس، وليس الحكومة.
وفضلاً عن هذا، فإن مجلس الدولة هو الذي يتولى نيابة عن الحكومة التثبت من مدى دستورية القوانين قبل إصدارها، وقد فعل ذلك بالفعل بالنسبة لهذا القانون.. والدليل على ذلك أن وجهة النظر التي استند إليها مجلس الدولة، لكي يطالب بتقسيم القانون الموحد إلى قسمين، قد استندت إلى أن تتولى الكيانات المؤسسية الثلاثة، التي يصدر بها قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام، إبداء الرأي في قانون تنظيم الصحافة والإعلام.
أما الذي يدعو للعجب فهو أن هناك قانوناً ثالثاً من قوانين حرية الصحافة والإعلام قد ضاع في زحام ملاعيب الحكومة الديمقراطية، هو مشروع قانون إلغاء العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر، وهو القانون الثاني الذي انتهت منه اللجنة الوطنية لإعداد التشريعات الصحفية والإعلامية بعد القانون الموحد، تنفيذاً للنص الدستوري الذي يقضي بعدم جواز فرض عقوبات سالبة للحرية في جرائم النشر، وقد اعترض مندوب وزارة العدل على النص الذي افترضته لجنة الخمسين وطلب مهلة لإعادة النظر فيه.. ومنذ ذلك الحين اختفي مشروع القانون.. ولم يعد له أثر، وهو ما يجعلني أشعر أن هناك رائحة كريهة تأتي من الدنمارك .. ولا تسألني أين تقع الدنمارك.. لأنني لا أعرف!.