هارولد بنتر: قصائد مبكرة

ترجمة: صبحي حديدي

القزم
رأيتُ القزم في قلب الفضاءات الرنانة،
تلك الليلة اعلى الذروة المزبدة.
ثمة الشجر المنحني، وثمة الوحش الصامت،
أسفل الرياح.
وأبصرتُ الرحّالة واقفين لابثين،
تغشاهم سكنة الموت، لابثين في التوابيت
ذلك المقام الساكن،
الأيدي متشابكة، والقبعات الطويلة شاخصة.
1950

مرج هامستد
ها أنني، المستلقي على العشب، أستلقي
في قلب البرهة الصافقة بالرعد،
أقتلع الصوت
في التخم الأخضر.
حجارة في رحم الثمرة،
وعالم تحت العشب،
وحيداً أسفل الوحيد.
جسدي يستهلك الخطوط
الموصى بها، في خطّ النهار البياني.
ألاحظ النملة البنية
في أدغال شفرات النبات.
أنا بياض بؤبؤ عيني، أحذف
النملة من مرتبة القدرة،
أُنْقِصُ حميّة البذور
هذه اللحظة القاطعة.

تحت الذبابة الشفيفة
تخطو معادلة الحشرة إياها
فوق زجاج الكلمة المستدق،
وتصدر إرشادات للفراغ.
مكائد خارجية: قرقعة
الغاب؛ تجارة الضجيج
المستطيلة؛ ثمّ وقفة تلك
الأغصان العالية.
1951

الدراما في نيسان
وهكذا صار آذار متحفاً،
وتحرّكت ستائر نيسان،
أسافر في المعرض الخاوي
إلى آخر المقاعد.
في الديكور الربيعي
ينصب الممثلون الخيام،
وعلى ذبالة الضوء
يبدأون مسرحيتهم.
صرخاتهم في الظلام المغطى بالمساحيق
تتجمع في الحداد على
سفراء الأجنحة.
وثمة لوازم ودعامات تحت المطر
هي رماد الدار
وحجارة القير التي لا تُحصى
في غمرة الخضرة.
أنتقل إلى الفاصل المسرحي،
وقد اكتفيت من هذه الفرقة.
1952

أنتَ في الليل
عليكَ، وأنت في الليل، أن تصغي
إلى الرعد والهواء المشّاء.
وأنت، على ذلك الشاطىء، سوف تتحمل
ما تأتي به الأجواء العاتية.
كلّ ما عزّز الأمل
سوف يتهاوى على لوح الإردواز،
ويكسر شوكة الشتاء
الذي يصخب عند قدميك.
ورغم أنّ المذابح اليتيمة تحترق،
والشمس المتلكئة
تجعل النسر ينبح،
فإنك سوف تطأ سراطاً مستقيماً.
1952

مسير على وتيرة انتظار
مسير على وتيرة إصغاء.
مسير على وتيرة انتظار.
إنتظرْ في غمرة الشتاء
المصغي، وسِرْ صحبة العشب.
إسترح عند كأس الانتظار.
سرْ صحبة فصل الأصوات.
عدّدْ شتاء الزهور.
سرْ صحبة فصل الأصوات.
إنتظرْ قرب كأس أبكم.
1953

ضياء النهار
ألقيتُ حفنة بتلات على ثدييك.
وها أنت، وقد أصابك ضياء النهار بالندوب،
تستلقين صريعة البتلات.
وها جلدك يحاكي الغضارة، ورأسك
يتلفّت في كلّ جهة،
وتغمرك خرائب الزهور.
الآن أجلبك من الظلمة إلى رابعة النهار،
راصفاً بتلة فوق بتلة.
1965

قصائد سياسية
لقاء
إنهم موتى الليل
موتى الأزمنة السالفة يتطلعون
صوب الموتى الجدد
السائرين حثيثاً إليهم
ثمة نبض خفيض للقلب
حين يتعانق الموتى
أولئك الذين ماتوا في سالف الأزمنة
وأولئك الذين ماتوا من جديد
السائرين حثيثاً إليهم
يتبادلون البكاء والقُبَل
إذْ يلتقون اليوم مجدداً
للمرّة الأولى والأخيرة.
آب/ أغسطس 2002

بعد الغداء
تتقاطر المخلوقات الأنيقة في ساعات ما بعد الظهر
لكي تتشمّم صفوف الموتى
وتتناول غداءها
كلّ هذه المخلوقات الأنيقة العديدة
تقتلع من التراب ثمار الأفوكادو المتورّمة
وتحرّك الحساء الكثيف بعظام ضالّة
وبعد الغداء
تسترخي المخلوقات كسلى وتنفق الوقت
في تسكاب الخمرة الحمراء، في جماجم لائقة
أيلول/ سبتمبر 2002

اللهم باركْ أمريكا
هاهم ينطلقون من جديد،
اليانكي في استعراضهم المدرّع
يصدحون بأناشيد الفرح
وهم يخبّون على امتداد العالم الكبير
يسبّحون بحمد إله أمريكا.
المزاريب سُدّت بالموتى
أولئك الذين لم يتمكنوا من الانضمام إلى الصفّ
أولئك الذين رفضوا الغناء
أولئك الذين فقدوا أصواتهم
أولئك الذين أضاعوا اللحن.
وللراكبين سياط تقطع.
يتدحرج رأسك على الرمال
رأسك بركة في القاذورات
رأسك لطخة في التراب
كَلّتْ عيناك وأنفك
لم يعدْ يشمّ سوى رائحة الموتى
وهواء الموتى عابق تماماً
برائحة إله أمريكا.
كانون الثاني/ يناير 2003

قنابل
لم يعد ثمة كلمات تُقال
وكلّ ما تبقى لنا هي القنابل
التي تتفجّر من رؤوسنا
كلّ ما تبقى لنا هي القنابل
التي تستنزف آخر قطرة في دمائنا
كلّ ما تبقى لنا هي القنابل
التي تصقل جماجم الموتى
شباط/ فبراير 2003

ديمقراطية
ليس ثمة مهرب
الأعضاء الذكورية الضخمة مُشْهَرة
وستخترق كلّ ما يقع عليه البصر.
إحرصْ على مؤخرتك.(2)
آذار/ مارس 2003

نشرة الأحوال الجوية
سوف ينطلق اليومُ ببداية غائمة.
وسيكون الجوّ رطباً
ولكنْ على امتداد النهار
سوف تسطع الشمس
وسيكون الجوّ جافاً ودافئاً في فترة ما بعد الظهيرة.

في المساء سيضيء القمر
وسيكون منيراً تماماً.
ولكن ستهبّ، كما يتوجب القول،
ريح خفيفة
ستتلاشى تماماً عند منتصف الليل.
لن يحدث أيّ شيء آخر.
هذه هي نشرة الأحوال الجوية الأخيرة.
آذار/ مارس 2003
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) القصائد المبكرة من مجموعة Collected Poems and Prose, Faber and Faber, London 1991
والقصائد السياسية ظهرت مجتمعة في كراس بعنوان War، صدر في لندن سنة 2005 عن الدار ذاتها.
(2) تجدر الإشارة إلى أنّ صحيفة الـ "غارديان" البريطانية اليسارية كانت قد اعتذرت عن نشر هذه القصيدة في حينه، فنشرها بنتر في أسبوعية "سبكتاتور"... المحافظة!.