يرى الناقد المصري أن خطاب أحمد يماني الشعري يسخر من المكان، الجدران والحوائط، وحدود التجسد باتجاه الذوبان في ذلك التباين الحاد بين البهجة، والتيه، والحداد، والانتشار السيميائي المضاعف لعلامات التكوين في منازل افتراضية أخرى تتسم بالتعددية الداخلية ما بعد الحداثية ضمن حدودها المرئية واللامرئية في آن.

دائرية التكوين، والانتشار الحلمي للعلامة

قراءة لديوان «منتصف الحجرات» لأحمد يماني

محمد سمير عبدالسلام

 

تقوم شعرية الخطاب – عند الشاعر المصري المبدع أحمد يماني – على تواتر علامات الخبرات الحسية، والحلمية، وأحلام اليقظة، والاستبدال في بنى علامات الفضاء، والزمن، وكينونة الذات، أو الآخر، أو الأشياء في التداعيات النصية، والسخرية ما بعد الحداثية من النهايات، وأحاسيس الحداد التي تنطوي على بهجة خفية تكمن في دائرية التكوين، وبداياته الأخرى التي تستعصي على التحديد، والاكتمال؛ وقد تتضاعف – في خطاب أحمد يماني – علامات الجسد، والغرف الحلمية، والمنازل، أو تتداخل مع الفنون الأخرى؛ مثل اللوحات التشكيلية الافتراضية، أو الموسيقى، أو الفضاءات، والنقاط الهندسية التي تتبادل المواقع، وتعيد تأويل الذات، والآخر / الأنثى، أو الأب، أو الشخصيات الفنية، أو الأشياء الصغيرة، والعلامات الكونية، والحلمية التي تفكك مركزية إدراك المتكلم / الرائي، وتستنزف بنية الحجرة الرمزية باتجاه مجال واسع من الغرف الخيالية التي تذكرنا بغرف ألف ليلة، وبالفضاءات السريالية، والتضاعف الخيالي في بنية المكان عند بورخيس، ولكن في سياق آخر، يحتفي بلحظات تشكل الكينونة في المستويات العميقة من اللاوعي، أو بالمراوحات التصويرية بين مستويات الوجود، والوجود الحلمي المناظر، أو بتجليات الحضور الأخرى في فضاءات الموسيقى، والتشكيل، أو الفضاءات السيميائية المتنازعة في لحظة الحضور النسبية، وتشكلاتها الأولى الظاهراتية في الوعي المبدع، وتأجيل اكتمالها في تمثيلاتها المجازية، والاستعارية الأخرى التي تقع بين الذات، والآخر، والماضي، ولحظة الحضور في ثرائها الدلالي التكويني، واستدعائها المتكرر لعلامات الوجود الطيفي، أو الفني للأحياء، أو الموتى؛ وسنعاين مثل هذه الثيمات الفنية في ديوان أحمد يماني / منتصف الحجرات؛ وقد صدر عن دار ميريت بالقاهرة سنة 2013؛ ومن ثم فعتبة العنوان / منتصف الحجرات تؤكد حالة تجاوز بنية الفضاء من داخل الإشارة إليها؛ فالفضاء يبدو مائيا، ومضاعفا، وتعدديا، ويقع بين نقاط الوعي، واللاوعي، والوجود، والوجود الطيفي، والفني، والحلمي، أو بين وعي الذات، ووعي الآخر؛ وقد تبدو حجرات أحمد يماني مستبدلة أيضا ببنى الجسد، أو جسد نموذج الأم الكامن في عوالم اللاوعي السحيقة، أو في لوحة ما بعد حداثية تمزج الجسد بتمثال افتراضي يشبهه، ويستنزف صوته، أو بحجرة أسطورية تقبع فيها أنثى حلمية بديلة لمحبوبته، أو مستبدلة بفراغ حي وفاعل يشبه الأنثى، ويحتل مجالها الهوائي، وصوتها الذي يقع بين الحضور، والغياب؛ ومن ثم يسخر المكان – في خطاب أحمد يماني الشعري – من الجدران والحوائط، وحدود التجسد باتجاه الذوبان في ذلك التباين الحاد بين البهجة، والتيه، والحداد، والانتشار السيميائي المضاعف لعلامات التكوين في منازل افتراضية أخرى تتسم بالتعددية الداخلية ما بعد الحداثية ضمن حدودها المرئية واللامرئية في آن؛ فالذات تعاين منزلا يغني فيه عجوز مريض، وعصفور، وشخصية لحورية قديمة، ويقبع فيه بيانو قديم له أثر جمالي في الوعي، واللاوعي؛ وكأنه يستحضر البنية التكرارية للسيمفونيات، والغناء الأسطوري، وصور أبولو، وصرخات الألم والنهايات المؤجلة ضمن بنيته الصامتة المعلقة في الفراغ في النص.

هكذا يعزز الصوت المتكلم – في منتصف الحجرات لأحمد يماني – من الاتصال بالأنثى التي تبدو كفنانة أو تعايش حالة الفن في كينونتها الوجودية، أو تخضع للتحول العلاماتي التمثيلي في تيار العلامات، وتداعياتها، وكذلك الاتصال بشبكة علامات افتراضية حاضرة بصور رأسية، أو أفقية في الفراغ الحقيقي طبقا لإشارات المتكلم؛ كما يعكس خطابه علاقات القوى الثقافية المؤثرة، والتي تبدو في حالتي التنازع، والتداخل فيما وراء البنى التكرارية، وفجوات الخطاب؛ إذ نعاين نوعا من التنازع بين قوة الجمال الطليعي الذي يبدو في طفرات الصورة، والذي يؤكد التوجه الإبداعي التسعيني في قصيدة النثر، وقوة الذاكرة التي تؤكد فعل التسجيل، وتتعمق في الحلم، وحلم اليقظة في آن، كما نرى أن يعض حالات الانفصال الحاد بين الفضاءات الزمكانية، تؤكد لذة التداخل الجمالي بينها في الوعي المبدع الذي يؤكد التناظر، والتعددية في بنية الحضور نفسها.

ويمكننا قراءة نصوص أحمد يماني من خلال منهج بيرس السيميائي الذي يقوم على الاتصال الدينامي بين العلامة، والموضوع، وطرائق اتصالهما، والمؤولات الدلالية التي تتراوح بين الكشف عن الأثر الداخلي للعلامة، والحجج الاستدلالية، والتوجهات التفسيرية التعددية التي تؤكد دائرية العلامة، وتحولاتها الدينامية بين نقاط المثلث السيميائي الثلاث؛ فعلامات الحجرة، والقدم، والنقطة المتواترة – في ديوان أحمد يماني – تكشف عن اتصال سيميائي بمستويات الحلم، وذكريات الطفولة اللاواعية، والاتصال ما بعد الحداثي بين الفن، والواقع.

 ويقيم تشارلز ساندرس بيرس – في خطابه النظري السيميولوجي حول المؤول في مجموعة أوراقه البحثية -  نوعا من الاتصالية بين أشكال المؤولات التفسيرية؛ فالمؤولات المنطقية المبنية على الحجج، تبدو مثل نتيجة للمؤولات النشطة التي ترتكز على الفعل، أو رد الفعل نحو العلامة؛ وتلك المؤولات النشطة أيضا تتصل بالمؤولات الانفعالية التي تتجلى كأثر داخلي فوري للعلامة في عملية الاتصال؛ أما الاستجابة العفوية الغريزية فتبدو كحالة، وليست نتيجة لفعل؛ وتتجلى – في المقابل – المؤولات المنطقية العقلية كبنى تكرارية، أو كعادة بحكم طبيعتها. (1)

هكذا يربط بيرس – في نظريته السيميولوجية – بين أشكال المؤولات الدلالية التي تقع بين طرائق الاستجابة الداخلية الانفعالية، أو العميقة، وبناء التوجهات التفسيرية الاستدلالية العديدة من جهة، وبناء المواقف التفسيرية التي تتصل بلحظة الحضور وتحولاتها الممكنة المتولدة عن أثر العلامة الديناميكي من جهة أخرى؛ وسنجد أن علامات مثل الحجرة، والمنزل، والبحر – في نصوص أحمد يماني – تحفز المؤولات الخيالية التي تمزج بين دائرية أمواج المياه، والحوائط، والفضاءات البنائية الافتراضية المتراكبة فوق المنازل، والقبور، والمتاحف الافتراضية، والغرف السيميائية التي تشبه غرف ألف ليلة في حكاية الحسن الصائغ البصري مثلا.

يمزج المتكلم بين الخبرات الحسية، والحلمية في حالة انتظار تبدو عبثية، أو تبدو كحالة عودة دائرية لذكرى الولادة، والتجسد الأول في العالم بصورة دائرية؛ فالفضاء / الحجرة، أو الباب يبدو في حالة من التحول المتكرر، وهو يحتوي الذات التي تتجلى كموضوع للعلامة أحيانا، ويعيد تمثيل كينونتها في آن؛ فالذات تنتظر مع الأنثى في ممر يؤدي إلى حجرة حلمية مجهولة تذكرنا بربط سيجموند فرويد بين إدراك الحالم الأول للجسد، ولحظة الخروج في اللاوعي، ومدلول الحجرة؛ إذ يرى – في كتابه تفسير الأحلام – أن الحالم حين يشاهد غرفتين منقسمتين، وقد كانتا في الماضي واحدة، أو حين يرى غرفة مألوفة لديه في المنزل قد انشطرت؛ فالأمر يتعلق بمدلول الولادة، وكيفية فهم مدلول فجوات الجسد كفضاءات للخروج، أو تجسدات للتكوين العضوي الأول، وذكرى اللقاء الأول بالعالم في مراحل الطفولة الأولى الكامنة في اللاوعي. (2)

ويمكننا معاينة ذلك الانقسام بين الممر الذي يشبه الغرفة، والغرفة المجهولة المألوفة في آن في نص أحمد يماني؛ فالذات تنتظر تجسدها الآخر الذي يلتقي بتجسدها الأول عبر الحلم بولوج الغرفة الحلمية، وعبر علامة الباب التي قد تتجسد مثل دائرة، وليست بابا نمطيا؛ فهي تؤدي إلى العودة الدائرية إلى ذكريات الطفولة الأولى عبر انفتاحها على البحر السريالي، وغرفة الانبعاث الشعري، أو الولادة المتجددة.

يقول أحمد يماني:

"وراء الباب، نقف، أنا وأنت ..

الباب الخشبي العتيق يفتح على ممر طويل في نهايته غرفة مغلقة.

لا نريد أن ندخل الغرفة، ولا أن نعبر الممر،

نريد فقط أن نطرق الباب،

مرة أنت بالداخل، ومرة أنا.

أطرق الباب، ولا تفتحين، ولا تسألين من الطارق،

ثم تطرقينه، ولا أفتحه، ولا أسأل من الطارق.

في هذه الأثناء القصيرة كنا قد "عبرنا بحرا وقف الآخرون بساحله". (3)

وإذا تأملنا المقطع السابق طبقا لمثلث بيرس السيميائي؛ سنجد أن النقطة الممثلة للعلامة تشير إلى فضاء الغرفة أو الباب في حالة من التموج أو التحول، أما النقطة الممثلة للموضوع في قاعدة المثلث فتشير إلى العالم الداخلي للمتكلم في اتصاله الأول بالواقع، وقد تجلى عبر علاقة تمثيلية أيقونية بالعلامة في حيز الغرفة، والحيز المدرك للبحر؛ أما المؤولات الدلالية للعلامة؛ فتجمع بين الدائرية العبثية، والدائرية البهيجة لكل من الغرفة، والباب؛ فهما يدفعان للتساؤل، وذكريات التكوين الأول السحيقة في اللاوعي، وحالة الانتظار الممزوجة بالتموج في آن؛ وتتجلى علامة الغرفة ضمن اتساع تدريجي من الباب إلى الغرفة إلى البحر؛ وكأن الذات تستدل على مستويات الوجود منطقيا عبر هذا الاتساع المتدرج الذي يبدو مثل حجة على اتساع مدلول الوجود.

وقد يحتفي المتكلم – عبر خطابه الشعري – بحوارية صامتة إبداعية مع الأنثى؛ تلك الحوارية التي تعيد تشكيل الكينونة مجازيا في علامة النقطة، أو الطيف الحلمي، أو السينمائي الذي يذكرنا بتصور دريدا عن الأطياف في قراءته لاستدعاء هوراشيو لشبح والد هملت في كتابه حمى الأرشيف الفرويدي، وقد استدعي أحمد يماني الشبح كصورة مرئية ولا مرئية أخرى للذات تتجلى من خلال حواره مع الأنثى في تجليها الحلمي.

يقول:

"اليوم رأيت كينونتك بعيني، وأنا أعد الطعام. الكينونة هذه التي طالما أفزعت نومي، وجعلتني أراني كنقطة معلقة خارج الأرض، دون عظام، ودماء ...

كينونتك الطائشة في الفراغ اليوم رأيتها بعيني، واهتززت في مكاني، تأكدت أن في هذه النقطة البعيدة، تكمن حياة لن يمكنني أبدا أن أدخلها". (4)

تتجلى النقطة، أو الفراغ الإبداعي المحتمل الممثل للصوت – إذا -  في النقطة الخاصة بالعلامة في مخطط المثلث السيميائي؛ وهو فراغ يبدو توليديا لصور أخرى للذات، ومؤجلا في آن؛ أما الموضوع فهو الذات في حالة الحوار الإبداعي اللاوعي مع الأنثى؛ وتنبني المؤولات الدلالية هنا على استحضار مدلول الطيف، أو النقطة الممتلئة الفارغة كمدخل لحالة اللعب الجمالي الذي يتصل بانبعاث التكوين في الفضاء الحر، وبالتجلي الاستعاري للآخر.

وقد يجمع الخطاب الشعري بين صيرورة السرد، والتشكيل، والفضاء المختلط ما بعد الحداثي بين الوجود، والفن.

يقول أحمد يماني:

"تركنا لخطواتنا اللاهثة أن تهدأ قليلا. قدماي المرسومتان بعناية في لوحتك كانتا قد تشققتا، وكان يلزم وصل الشقوق، حشوها بتراب كثيف بحثنا عنه طويلا في رحلات سابقة، ولم نعثر عليه، كان يلزم تبليل التراب وسد الفراغات، كان يلزم وضع القدم في حائط من الجبس، وتركهما هناك إلى حين، كان يلزم وضع القدمين في لوحة على الحائط". (5)

ينتقل المتكلم في خطابه – إذا – من وهج المغامرة السردية إلى تجلي علامة القدم بوصفها علامة واقعية – تشكيلية ، وتتداخل في بنيتها آثار الفن والواقع في آن؛ وهي أيضا متحققة؛ لأنها تقوم – في الواقع – بفعل المغامرة، ولكنها أيضا مؤجلة أو ممزوجة بالفراغ الذي يتطلب نوعا من الترميم، والإكمال.

يبدأ المثلث السيميائي – إذا – من نقطة علامة القدم في تجليها الفني / الواقعي في اللوحة؛ وهي علامة ذات حضور نسبي فريد متميز طبقا لمنهج بيرس؛ إذ يمكن تسجيلها فوتوغرافيا في اللوحة، وتتصل العلامة بموضوع الوجود المتجسد للقدم في مستوياتها العديدة في الواقع، والنص، والأثر التاريخي، والنماذج اللاواعية، وتتصل بنقطة العلامة عبرة علاقة دلائلية؛ فالدليل هنا هو الجدار، أو اللوحة المرسومة، أو اللقطة المتمركزة على القدم في اللوحة؛ أما نقطة المؤولات الدلالية فتشير إلى الرغبة اللاواعية في استنزاف الفراغ الكامن في الذات، أو تشير – في مستوى المؤولات النشطة – إلى الموقف الإيجابي باتجاه المغامرة السردية، والفعل الجمالي، والغياب في اللوحة، وما وراء الواقع من داخل المغامرة الواقعية الأولى.

وقد تتداخل الفضاءات السيميائية وتتنازع أفقيا في الوقت نفسه عبر غرف، وأبواب حلمية، وطيفية تذكرنا بغرف فرويد، والصور الحلمية المقطعة السابقة لمستوى الكلام.

يقول أحمد يماني:

"في مدينة غريبة تطؤها قدمي للمرة الأولى، أبحث محموما عن بيتك في الليل اللانهائي. فجأة وجدتني داخل حجرة أسمع منها رنة قدميك العاريتين على البلاط، وبابك الذي يفتح ويغلق. فجأة ينبلج الصبح، وفجأة أصحو في سريرك، لكنها الساعة الثالثة فجرا، وأنا مازلت أبحث محموما عن بيتك في الليل اللانهائي". (6)

يبنى المقطع السابق على علامة الأنثى كخبرة حسية طيفية في وعي المتكلم، ولاوعيه، ثم يراوح النص بين وجودها، وتجليها الأسطوري في مساحة فاعلة فارغة، ويتصل هذا الحضور العلاماتي للأنثى بصورتها الفريدة في الذاكرة كموضوع، وكهوية في عالم المتكلم الداخلي؛ وفي مستوى المؤولات الدلالية سنجد أن الشاعر يخبرنا بوجود عتمة لانهائية؛ وهي تؤكد – إذا – مدلول الولادة الدائرية في الغرفة، وفعل التجدد، أو تدفع تلك العتمة إلى تنوع وانتشار لحيز الأطياف، والحكايات في المشهد، وقد تدل منطقيا على تأكيد التباين الحاد بين النور والظلمة؛ فالمدينة الغريبة والسرير، والباب، والبلاط هي علامات دلائلية على النور، أو النور المجازي الذي يكشف عن الإبداع، أو الحضور الآخر، دون أن يمحو العتمة المجازية الدائرية التي تعيدنا لذكريات الطفولة السحيقة طبقا لتفسير فرويد للغرف في لاوعي الحالم.

وقد نعاين التعددية السيميائية ما بعد الحداثية بين العلامات الصوتية الموسيقية، والتشكيلية، وإيقاع اليومي، والطيفي في آن في طبقات علامة البيت الافتراضي.

يقول:

"تصدح الموسيقى طوال اليوم في البيت الجديد ...

في الدور الرابع يقبع رجل لا يتحرك إلا بين غرفته والحمام، والغناء هو أمله الوحيد، متجاهلا عزف الفتاتين، والمعلم لا يكف عن غنائه حتى في منتصف الليل.

مرة وضعوا له ورقة على الباب: "كائنا من كنت فإن صوتك يؤنسنا".

في الدور الرابع أيضا تصعد حورية حاملة كمانا، وأبدا أبدا تعزف داخل البيت.

في الدور الخامس بيانو قديم لا يمسسه أحد، حضوره الرمزي أقوى من كل اعتبار.

في الدور الثالث عصفور أصفر في حجم أربعة أصابع من يدي، يوقظ من يقدر عليه صباحا". (7)

يتجلى المنزل الافتراضي – إذا – كعلامة تجمع بين المرئي، واللامرئي، وتتصل هذه العلامة بالوجود بمدلوله الواسع المرئي، واللامرئي عبر دليل الأصوات، والمناظر، والصور الطيفية الحسية الكثيفة التي تعكس الوجود الآني، والأجواء الحكائية القديمة، والنغمات الفنية المسموعة والمتخيلة؛ ومن ثم نجد أنه يمكننا أن ننسج – في مستوى المؤولات الدلالية – التداخل بين الأغاني البهيجة، والصرخات العبثية القديمة، كما يمكن استدعاء أطياف نيتشه، وكليمنسترا، وأطياف الصافحات لإسخيلوس، وأصوات الطبيعة، وفاعلية الفوتوغرافيا الصامتة في الوعي، واللاوعي في تيار من العلامات التي تتسع أفقيا، وتتحاور، وتنعزل في الوقت نفسه.

وقد تجمع بنية النص السيميائية بين حوارية الموت، والحياة، وانبعاث التكوين، والتكوين الحلمي بين البهجة والرعب، والحداد، والولادة الاخرى في الغرفة.

يقول أحمد يماني:

"تراءت لي رجل أبي التي استحالت إلى عظمة يعلوها جلد مجعد في اليوم الثالث قبل رحيله، العظمة وقد انسلخت من جلدها، كانت كمن يبتسم لي في القرية البعيدة. في ظلام الغرفة كنت تصرخين محمومة أن جلدا مجعدا يعلو عظمة فخذ يتراءى لك، وأن مقابر القرية يغطيها ثلج أسود". (8).

تتجلى – إذا – علامة القدم في الغرفة كفضاء لولادة لاواعية بهيجة، وفي وعي الأنثى كانبعاث مجازي صاخب للموت؛ ومن ثم فالقدم تشير إلى موضوع شبح الأب المتوفي، وتحولاته السريالية السردية الممكنة، والدلائل على وجودها الفريد الصور المقطعة، وحضورها المادي في الفراغ في العظمة، والمقابر، والثلج الأسود، وتبدو – في مستوى المؤولات الدلالية برأس المثلث السيميائي – كاستعادة أولى للتكوين، واستعادة لبدايات الاحتجاب في الكينونة، كما توحي بالسخرية واستنزاف مركزية النهايات في تلك الابتسامة في تيار الصور المقطعة في عالم المتكلم.

 

                                                                             msameerster@gmail.com

*هوامش الدراسة:

(1)Read, Collected Papers of Charles Sanders Peirce, V. 5, Edited by: Charles Hartshorne and Paul Weiss, The Belknap Press of Harvard University, Fourth Printing, 1974, p. 333 and 334.

(2)Read, Sigmund Freud, The Interpretation of Dreams, Translated by: A. A.  Brill, Wordsworth Editions Limited, 1997, p. 234.

(3) أحمد يماني، منتصف الحجرات، دار ميريت بالقاهرة، سنة 2013، ص 3.

(4) أحمد يماني، السابق، ص 8.

(5) السابق، ص 19.

(6) السابق، ص 26.

(7) السابق، ص 29.

(8) السابق، ص 30.