ما الذي تعنيه وزارة الثقافة بالنسبة لمواطن كتبت عليه الجغرافيا أن يعيش الهامش، أن يكون بعيدا عن المركز؟ وهل لوجود وزارة الثقافة ضرورة بالنسبة إليه؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة تقتضي أن ندرك مدى التأثير الذي تمارسه وزارة الثقافة إن على مستوى البنيات الثقافية أو على مستوى المناسبات الثقافية على عموم المثقفين والمهتمين، سواء الذين ينتسبون للمركز أو الهامش.
يكاد المثقف على العموم أن يكون خارج حقل تأثير وزارة الثقافة، لأنها غلبت التدبير على الفعل المقرون بالاستمرارية والانتشار والانتساب، كما أنها لا تهتم إلا بعدد محدود من المثقفين فإما أنهم ينتسبون للمركز أو أن أنهم مثقفين على علاقات بعوامل التأثير داخل دواليب الوزارة، حيث تظل الأنشطة الأساسية التي تنظمها مركزيا محصورة في عدد يتكرر سنويا، والدعوات الموجهة تمر في سرية كأنها منشور سري، محاطة بهالة من القداسة لا يفهمها غلا السدنة القائمين على الشأن الثقافي، لقد تم اغتيال المثقف من مدة طويلة نظرا للاعتبارات السياسية والتاريخية التي مر منها المغرب الحديث، لكن التحولات التي عرفها لم تمس الحقل الثقافي، من تحصين الوضع الاعتباري للمثقف، أو تحسين مكانته، وللأسف فإن كثيرا من المثقفين الأغرار استبشروا خيرا بالشخصيات التي تم اختيارها للتوزير في هذا المنصب الحساس نظرا للحصار الذي كانت تعاني منه في الماضي غير المأسوف عليه، لكنها تنكرت لكل التاريخ الذي ضحى فيه عموم المتثقفين والمبادئ التي عانوا من أجلها، وعملوا على استدامة الأوضاع على ما هي عليه بل بدأ زمن آخر من الاغتيال الثقافي لكل المثقفين، وإعلاء من شأن المثقف الأجنبي على حساب المثقف المغربي، ليس ما نقوله خافيا على أحد، لأن كثيرا من المثقفين انتفضوا على الظلم ك أحمد بوزفور.. وماتوا بحسرته كزفزاف وآخرون هولاء مثقفي المركز كيف الحال بمثقفي الهامش؟
ولعل القائل يقول بان وزارة الثقافة كما غيرها من الوزارات لا تهتم بالهامش، وهذا كلام حق أريد به باطل:
أولا وزارة الثقافة لا يمكنها أن تمارس تأثيرا كبيرا على المثقفين في عموم ربوع المملكة من خلال الفضاءات الثقافية التي ينبغي أن تسيرها لا بمنطق إدارة تابعة لوزارة الداخلية أو نيابة تعليمية، بل بمنطق، بل بمنطق فضاء للتنشيط ولتجميع المثقفين تعبئتهم من أجل قضايا الثقافة الرأسمال الرمزي والاستثمار في العقول، فوزارة الشباب والرياضة استطاعت على العموم من خلال دور الشباب أن تستوعب الحراك الاجتماعي للشباب من خلال الجمعيات الشبابية، وذلك بخلق دبلومات للتدريب والتكوين، وفتح الباب للدعم والشراكات في نطاق الهامش الذي نتحدث حوله. بالمقابل فإن وزارة الثقافة غالبا ما تنكمش في المركز ولا تستطيع إحداث التأثير المطلوب سواء من خلال البنيات:
-المراكز الثقافية: قد لا تتبع فعليا لتسييرها، بل عن الهامش يتحمل مسؤولية البناء والتجهيز، ولا يطلب من الوزارة إلا الأطر والتسيير لكنها لا تلتزم بالوفاء بتعهداتها. فالمركز الثقافي الوحيد بمدينة سيدي بنور لا يتبع فعليا لوزارة الثقافة بل ظل منشاة بلدية تتكفل البلدية سابقا والمجلس الحضري الحالي بتسييره، دون أن تفي الوزارة بتعهدها بتعيين منشط لأدارته.
- دور المطالعة: تكفي الوزارة بتزويدها فقط بالمخزون الوثائقي المحدود، لكنها لا بتعهده بالمراقبة، والصيانة وإلزام الأطراف الشراكة بالوفاء بتعهداتها، وفي الهامش كثير من القاعات الوسائطية التي ظل مشروعها الطموح حبرا على ورق.
- المعرض الدولي للكتاب: تظل المشاركة فيه حرا على عدد محدود من المثقفين أغلبهم لا ينتسب للهامش، وضيوفه البارزين من الخارج، في حين أن المثقف المغربي يبقى للتأثيث لا غير، بالرغم من أنه مناسبة وطنية تهم جميع المواطنين لا المثقفين، مما يدعو اغلب المواطنين للتساؤل عن اختيار توقتيه بعد نهاية العطلة مباشرة فيحرمون من الاستفادة منه.
- طبع أول إصدار: لا تستفيد منه إلا القلة القليلة، ويعود ذلك بالأساس، إلا غياب الشفافية في تدبير هذه المحطة الأساسية، إذ يجهل الكثيرون من المثقفين والمبدعين شروط الاستفادة أو الترشح ويظل ذلك من الأمور التي يتم تداولها بشكل محدود.
- جائزة المغرب للكتاب: هذه الجائزة على بخسها إلا أن تدبيرها السيئ فضح على روؤس الأشهاد، مما يعني أن وجودها كعدمها بالنسبة لعدد كبير من المثقفين فما بالك بمثقفي الهامش، وهذا يفوز كثير من الشعراء والأدباء والكتاب بجوائز عربية مهمة لكنهم لا يتوجون في بلدهم بل عن أبناء بلدهم قد يحاربونهم حتى في الخارج..
وهكذا نلاحظ أن وزارة الثقافة تظل على الهامش في انتظار مبادرات الفاعلين الآخرين للانقضاض عليها واحتوائها، وبالرغم من محدودية إمكانات الهامش فإن حركة الثقافة تكون في اتجاه المركز من الهامش، وتبدأ دعوات الحضور شرفا بين مثقفي الهامش كاعتراف من المركز بهم، فخورون إن تم المناداة عليهم للتكرم بطبع إصداراتهم، فأين وجود الفعل الثقافي الذي يحرك الهامش في خارطة الثقافة لوزارة الثقافة...