أربعون عاما من الهزيمة
يطرح الباحث والمؤرخ المصري هنا قضية بالغة الأهمية عن طبيعة النص التاريخي العربي، وتعامله مع أخطر ما مر بنا من أحداث، داعيا لضرورة ظهور حركة من المؤرخين الجدد كي يتبلور وعي مغاير.
يطرح في الأسواق هذا الأسبوع كتاب جديد يتناول حرب يونيو 1967 يعرض ليس فقط للأجواء العسكرية والسياسية والدبلوماسية للحرب بل أيضا لنواحيها الاجتماعية والثقافية. الكتاب يعتمد على مصادر أولية أفرج عنها أخيرا ويصل إلى نتائج جديدة تشكك في الكثير من المسلمات التي جرى تداولها على مدار سنوات طوال. ولمن يستغرب الحديث عن وثائق أميط عنها اللثام مؤخرا أو عن باحث يطرح أسئلة جديدة ويستخلص نتائج غير تقليدية أسارع بتوضيح أن الكاتب ليس مصريا أو عربيا بل إسرائيليا اسمه "توم سيجيف"، وأن كتابه صدر بالفعل بالعبرية العام الماضى أما ترجمته الإنجليزية فهي التي ستطرح في الأسواق هذا الأسبوع بمناسبة مرور أربعين عاما على حرب يونيو. الكتاب عنوانه (1967: إسرائيل والحرب والسنة التي بدلت الشرق الأوسط). وفيه يعتمد الصحافي الجاد الذي شكك بكتبه السابقة في الكثير من الأساطير المؤسسة لإسرائيل على وثائق أفرجت الأرشيفات الإسرائيلية عنها أخيرا ومنها مجموعة كاملة من محاضر اجتماعات مجلس الوزراء الإسرائيلي في الفترات قبل وأثناء وبعد الحرب. هذا إضافة إلى محاضر لقاءات الإسرائيليين مع القادة الفلسطينيين بعد الحرب. كما أظهر سيجيف مهاراته الصحافية في قدرته على الوصول إلى مصادر غير تقليدية منها لقاءات مع أرامل القادة الإسرائيليين ومن أهمهم ليفي أشكول، رئيس الوزراء وقت الحرب. واعتماداً على هذه المصادر غير المعروفة خلص سجيف إلى نتائج جديدة تشكك في الكثير من المقولات التي رددتها النخب السياسية والإعلامية الإسرائيلية دون كلل، فمثلا ينفي سيجيف، اعتمادا على الوثائق التي اطلع عليها، الاعتقاد الشائع بأن القادة الإسرائيليين كانوا يشعرون بأن بلدهم كان يواجه خطرا وجوديا قبل الحرب. كما يلقي سيجيف الضوء على مراحل مبهمة من تطور العمليات العسكرية منها مثلا أن قرار الاستيلاء على القدس الشرقية، كما يظهر من محاضر اجتماعات مجلس الوزراء، اتخذ دون الرجوع إلى أي أوراق أو دراسات وفي غياب خطة واضحة تأخذ في الحسبان المشاكل القانونية والدينية والديموغرافية التي ستترتب على الاستيلاء على الأماكن المقدسة في المدينة. كما يؤكد على أن التقارير الاستخباراتية كانت تنصح بعدم ضم الضفة الغربية نظرا لوجود أعداد كبيرة من الفلسطينيين هناك. ومن أهم التفاصيل التي يوردها سيجيف تلك المتعلقة بالسلاح النووي الإسرائيلي وباقتراح تقدم به شمعون بيريز قبل أيام من اندلاع المواجهة العسكرية للقيام بتفجير نووي بغرض استعادة عامل الردع الذي رأى بيريز أن إسرائيل فقدته في أزمة مايو ـ يونيو 1967. وفي فصل محوري عن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين التي تفاقمت بعد الحرب (وهو فصل ستنشره مجلة الدراسات الفلسطينية في عددها القادم وقد أمدني به د. بشارة دوماني محرر المجلة) يستعرض سيجيف تفاصيل الخطط العديدة التي وُضعت للتخلص من اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة. واعتمادا على محاضر اجتماعات مجلس الوزراء بعد أيام معدودة من انتهاء الحرب يعرض لنا سيجيف ما دار بين الوزراء في هذا الخصوص. ففي اجتماع تم يوم 15 يونيو اقترح أشكول القيام بعملية تبادل للسكان مع العراق وقال ما نصه: "لقد استقبلنا مائة ألف يهودي عراقي، وهم سيستقبلون مائة ألف عربي [من القطاع]. إنها نفس الفكرة، نفس مستوى المعيشة، هناك مياة وأراض [يمكن للاجئي قطاع غزة أن يعيشوا عليها في العراق]." وبعد ستة أشهر طرحت فكرة جديدة للتخلص من لاجئي قطاع غزة مؤداها إمكانية نقل ربع مليون لاجئ إلى الضفة الغربية. وكان وراء هذه الفكرة دوافع عديدة، منها أن نقل هؤلاء الفلسطينيين من القطاع إلى الضفة سيسمح لهم بالانصهار داخل المجتمع الفلسطيني هناك وبذلك تنتفي عنهم صفة اللاجئين التي كانت تسبب لإسرائيل الكثير من الحرج، كما أن ذلك سيمنع عودة فلسطينيي الضفة الذين رحلوا إلى الأردن أثناء الحرب من العودة إلى منازلهم. وتضيف المحاضر أن هذا الاقتراح كان يرمي أيضا إلى تأجيج الفتنة بين الفلسطينيين أنفسهم. وفي نفس الاجتماع مع رئيس الحكومة أشكول أكد روبرت باكي، رئيس الجهاز المركزي للإحصاء، على أن نقل فلسطينيي القطاع إلى الضفة يمثل فرصة ذهبية لإسرائيل، وأضاف موضحا: "لنتصور للحظة أننا استطعنا أن ننقل مائة ألف [فلسطيني من غزة] إلى الضفة. إذا أعطيت هذه الأرض برمتها [أي الضفة الغربية] إلى الأردن [في إطار تسوية سلمية مستقبلية] فسنكون قد نجحنا في رمي العرب خارج حدودنا. وهذا شئ مستحب. أما إذا بقيت هذه الأرض بحوزتنا ففي هذه الحالة سيشكل هؤلاء الفلسطينيون مشاكل أقل في الضفة عما يمكن أن يسببوه في القطاع لأنهم سيظهرون للعالم كله كلاجئين إذا بقوا في القطاع." ويوضح سيجيف إن هذه الخطط الخبيثة اصطدمت بمعارضة مناحم بيجين، الوزير دون حقيبة في وزارة أشكول، الذي كان مصمما على فتح الضفة الغربية للاستيطان اليهودي. ويتتبع سيجيف خططا أخرى ناقشها أشكول مع وزرائه ومستشاريه تهدف جميعها للتخلص من لاجئي قطاع غزة، وربما أكثرها خبثا تلك التي كانت تهدف إلى إعطائهم حوافز نقدية لتشجيعهم على الهجرة، وموافقة أشكول على اعتماد ميزانية لهذا الغرض (في أحد الاجتماعات قبل الحرب قال: "أريدهم أن يرحلوا جميعا، ويا حبذا لو ذهبوا إلى القمر"). وفي خطة أخرى اقترح شمويئل توليدانو، مستشار أشكول للشئون العربية، أن يعطوا للفلسطنيين جوازات سفر أجنبية كانت إسرائيل قد حصلت عليها بعد رشوة وزير داخلية إحدى دول أمريكا اللاتينية. على أن هذه الخطة تم استبعادها نتيجة مخاوف من تغيير هذا الوزير وافتضاح أمر هذه الجوازات. أما أخطر ما أفرده سيجيف في هذا الإطار، أي محاولة التخلص من اللاجئين الفلسطينيين بعد الحرب، هو شرح السياسة المتبعة لمنع الفلسطينيين من العودة لديارهم عبر نهر الأردن، فقد اكتشف سيجيف أن بعض الجنود كتبوا لأشكول يخبرونه أنه صدرت لهم تعليمات بإطلاق النار على النساء والأطفال الذين يعبرون نهر الأردن غربا بغرض قتلهم، وهو ما حدا برئيس الوزراء لأن يعقد اجتماعا مع قادة الجيش ليستطلع الأمر. ويقتبس سيجيف من محاضر اجتماعات مجلس الوزراء ومن تقارير للجيش الإسرائيلي عن "قواعد الاشتباك" التي اتبعت في الوحدات العسكرية المتمركزة على نهر الأردن والتي كانت تنص على توزيع خمسين كمين على طول نهر الأردن. ويذكر تقرير الجيش إنه في مدة ثلاثة أشهر أعقبت الحرب وقع 95 اشتباكا مع أشخاص حاولوا التسلل غربا، كما ذكر رابين، رئيس الأركان، في هذا الاجتماع أنه تم قتل 146 شخصا وهم يعبرون النهر في محاولة للعودة إلى ديارهم. وعندما طالب أشكول بضرورة وقف عمليات القتل هذ،ه صمم رابين على بقاء "قواعد الاشتباك" دون تغيير؛ أما موشى ديان، وزير الدفاع، فقد قال: "الأمر ليس بهذا السوء". وفي كتابه الجديد يخلص سيجيف إلى أنه بالرغم من انتصارها العسكري الحاسم فإن إسرائيل لم تستطع أن تجد حلا لأهم مشكلة تواجهها وهي كيفية التعامل مع الفلسطينيين والوصول إلى حل للمعضلة المهيمنة على العقلية الأمنية الإسرائيلية: الاحتفاظ بالأرض ولكن دون السكان القاطنين عليها. فهو يوضح كيف أن القادة الإسرائيليين كانوا على يقين بأن الوصول إلى حل سلمي مع الفلسطينيين يستدعي إعادة القدس والضفة الغربية، الأمر الذي لم يكونوا مستعدين له (وما زالوا غير مستعدين له حتى الآن). وبالتالي فإن حرب 1967 زادت مستقبل إسرائيل تعقيدا ولم تساهم في خلخلة العقلية الأمنية الإسرائيلية فيما يخص السؤال المحوري: الأرض أم السلام. كتاب سيجيف عن حرب 1967 ليس كتابه الأول، فقد سبق له أن كتب كتابا هاما بعنوان (المليون السابع) عن علاقة الإسرائيليين المعقدة والملتبسة مع الهولوكوست (والمتواطئة أحيانا في حالة يهود الـ"يشو?" أي المجتمع اليهودي في فلسطين قبل 1948). كما أنتج كتابا بعنوان (1949) عن السنوات الأولى من عمر الدولة الصهيونية، وفيه أورد الكثير من التفاصيل التي تثبت استمرار سياسة طرد الفلسطينيين، بالرغم من مرور شهور عديدة على انتهاء العمليات العسكرية. وبأعماله تلك ينتمي توم سيجيف لمجموعة صغيرة من الكتاب الإسرائيليين المعروفين بـ"المؤرخين الجدد" والتي تشمل بيني موريس وسيمحا فلابان وآفي شلايم وإيلان بابيه. وقد دأب هؤلاء المؤرخون منذ ما يقرب من الربع قرن على التنقيب في الوثائق المفرج عنها حديثا لكي يلقوا الضوء على نواح مبهمة من تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي ولكي يطرحوا أسئلة صعبة ويشككوا في الكثير من المسلمات التي آمنت بها النخب السياسية والثقافية في إسرائيل منذ إنشائها. (على أن بيني موريس تراجع عن مواقفه الأولى تحت وطأة الضغط الأخلاقي الذي مثلته انتفاضة الأقصى وأصبح يطالب بالقيام بتطهير عرقي تتخلص به إسرائيل من الفلسطينيين نهائيا).
يطرح في الأسواق هذا الأسبوع كتاب جديد يتناول حرب يونيو 1967 يعرض ليس فقط للأجواء العسكرية والسياسية والدبلوماسية للحرب بل أيضا لنواحيها الاجتماعية والثقافية. الكتاب يعتمد على مصادر أولية أفرج عنها أخيرا ويصل إلى نتائج جديدة تشكك في الكثير من المسلمات التي جرى تداولها على مدار سنوات طوال. ولمن يستغرب الحديث عن وثائق أميط عنها اللثام مؤخرا أو عن باحث يطرح أسئلة جديدة ويستخلص نتائج غير تقليدية أسارع بتوضيح أن الكاتب ليس مصريا أو عربيا بل إسرائيليا اسمه "توم سيجيف"، وأن كتابه صدر بالفعل بالعبرية العام الماضى أما ترجمته الإنجليزية فهي التي ستطرح في الأسواق هذا الأسبوع بمناسبة مرور أربعين عاما على حرب يونيو. الكتاب عنوانه (1967: إسرائيل والحرب والسنة التي بدلت الشرق الأوسط). وفيه يعتمد الصحافي الجاد الذي شكك بكتبه السابقة في الكثير من الأساطير المؤسسة لإسرائيل على وثائق أفرجت الأرشيفات الإسرائيلية عنها أخيرا ومنها مجموعة كاملة من محاضر اجتماعات مجلس الوزراء الإسرائيلي في الفترات قبل وأثناء وبعد الحرب. هذا إضافة إلى محاضر لقاءات الإسرائيليين مع القادة الفلسطينيين بعد الحرب. كما أظهر سيجيف مهاراته الصحافية في قدرته على الوصول إلى مصادر غير تقليدية منها لقاءات مع أرامل القادة الإسرائيليين ومن أهمهم ليفي أشكول، رئيس الوزراء وقت الحرب. واعتماداً على هذه المصادر غير المعروفة خلص سجيف إلى نتائج جديدة تشكك في الكثير من المقولات التي رددتها النخب السياسية والإعلامية الإسرائيلية دون كلل، فمثلا ينفي سيجيف، اعتمادا على الوثائق التي اطلع عليها، الاعتقاد الشائع بأن القادة الإسرائيليين كانوا يشعرون بأن بلدهم كان يواجه خطرا وجوديا قبل الحرب. كما يلقي سيجيف الضوء على مراحل مبهمة من تطور العمليات العسكرية منها مثلا أن قرار الاستيلاء على القدس الشرقية، كما يظهر من محاضر اجتماعات مجلس الوزراء، اتخذ دون الرجوع إلى أي أوراق أو دراسات وفي غياب خطة واضحة تأخذ في الحسبان المشاكل القانونية والدينية والديموغرافية التي ستترتب على الاستيلاء على الأماكن المقدسة في المدينة. كما يؤكد على أن التقارير الاستخباراتية كانت تنصح بعدم ضم الضفة الغربية نظرا لوجود أعداد كبيرة من الفلسطينيين هناك. ومن أهم التفاصيل التي يوردها سيجيف تلك المتعلقة بالسلاح النووي الإسرائيلي وباقتراح تقدم به شمعون بيريز قبل أيام من اندلاع المواجهة العسكرية للقيام بتفجير نووي بغرض استعادة عامل الردع الذي رأى بيريز أن إسرائيل فقدته في أزمة مايو ـ يونيو 1967.
وفي فصل محوري عن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين التي تفاقمت بعد الحرب (وهو فصل ستنشره مجلة الدراسات الفلسطينية في عددها القادم وقد أمدني به د. بشارة دوماني محرر المجلة) يستعرض سيجيف تفاصيل الخطط العديدة التي وُضعت للتخلص من اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة. واعتمادا على محاضر اجتماعات مجلس الوزراء بعد أيام معدودة من انتهاء الحرب يعرض لنا سيجيف ما دار بين الوزراء في هذا الخصوص. ففي اجتماع تم يوم 15 يونيو اقترح أشكول القيام بعملية تبادل للسكان مع العراق وقال ما نصه: "لقد استقبلنا مائة ألف يهودي عراقي، وهم سيستقبلون مائة ألف عربي [من القطاع]. إنها نفس الفكرة، نفس مستوى المعيشة، هناك مياة وأراض [يمكن للاجئي قطاع غزة أن يعيشوا عليها في العراق]." وبعد ستة أشهر طرحت فكرة جديدة للتخلص من لاجئي قطاع غزة مؤداها إمكانية نقل ربع مليون لاجئ إلى الضفة الغربية. وكان وراء هذه الفكرة دوافع عديدة، منها أن نقل هؤلاء الفلسطينيين من القطاع إلى الضفة سيسمح لهم بالانصهار داخل المجتمع الفلسطيني هناك وبذلك تنتفي عنهم صفة اللاجئين التي كانت تسبب لإسرائيل الكثير من الحرج، كما أن ذلك سيمنع عودة فلسطينيي الضفة الذين رحلوا إلى الأردن أثناء الحرب من العودة إلى منازلهم. وتضيف المحاضر أن هذا الاقتراح كان يرمي أيضا إلى تأجيج الفتنة بين الفلسطينيين أنفسهم.
وفي نفس الاجتماع مع رئيس الحكومة أشكول أكد روبرت باكي، رئيس الجهاز المركزي للإحصاء، على أن نقل فلسطينيي القطاع إلى الضفة يمثل فرصة ذهبية لإسرائيل، وأضاف موضحا: "لنتصور للحظة أننا استطعنا أن ننقل مائة ألف [فلسطيني من غزة] إلى الضفة. إذا أعطيت هذه الأرض برمتها [أي الضفة الغربية] إلى الأردن [في إطار تسوية سلمية مستقبلية] فسنكون قد نجحنا في رمي العرب خارج حدودنا. وهذا شئ مستحب. أما إذا بقيت هذه الأرض بحوزتنا ففي هذه الحالة سيشكل هؤلاء الفلسطينيون مشاكل أقل في الضفة عما يمكن أن يسببوه في القطاع لأنهم سيظهرون للعالم كله كلاجئين إذا بقوا في القطاع." ويوضح سيجيف إن هذه الخطط الخبيثة اصطدمت بمعارضة مناحم بيجين، الوزير دون حقيبة في وزارة أشكول، الذي كان مصمما على فتح الضفة الغربية للاستيطان اليهودي.
ويتتبع سيجيف خططا أخرى ناقشها أشكول مع وزرائه ومستشاريه تهدف جميعها للتخلص من لاجئي قطاع غزة، وربما أكثرها خبثا تلك التي كانت تهدف إلى إعطائهم حوافز نقدية لتشجيعهم على الهجرة، وموافقة أشكول على اعتماد ميزانية لهذا الغرض (في أحد الاجتماعات قبل الحرب قال: "أريدهم أن يرحلوا جميعا، ويا حبذا لو ذهبوا إلى القمر"). وفي خطة أخرى اقترح شمويئل توليدانو، مستشار أشكول للشئون العربية، أن يعطوا للفلسطنيين جوازات سفر أجنبية كانت إسرائيل قد حصلت عليها بعد رشوة وزير داخلية إحدى دول أمريكا اللاتينية. على أن هذه الخطة تم استبعادها نتيجة مخاوف من تغيير هذا الوزير وافتضاح أمر هذه الجوازات.
أما أخطر ما أفرده سيجيف في هذا الإطار، أي محاولة التخلص من اللاجئين الفلسطينيين بعد الحرب، هو شرح السياسة المتبعة لمنع الفلسطينيين من العودة لديارهم عبر نهر الأردن، فقد اكتشف سيجيف أن بعض الجنود كتبوا لأشكول يخبرونه أنه صدرت لهم تعليمات بإطلاق النار على النساء والأطفال الذين يعبرون نهر الأردن غربا بغرض قتلهم، وهو ما حدا برئيس الوزراء لأن يعقد اجتماعا مع قادة الجيش ليستطلع الأمر. ويقتبس سيجيف من محاضر اجتماعات مجلس الوزراء ومن تقارير للجيش الإسرائيلي عن "قواعد الاشتباك" التي اتبعت في الوحدات العسكرية المتمركزة على نهر الأردن والتي كانت تنص على توزيع خمسين كمين على طول نهر الأردن. ويذكر تقرير الجيش إنه في مدة ثلاثة أشهر أعقبت الحرب وقع 95 اشتباكا مع أشخاص حاولوا التسلل غربا، كما ذكر رابين، رئيس الأركان، في هذا الاجتماع أنه تم قتل 146 شخصا وهم يعبرون النهر في محاولة للعودة إلى ديارهم. وعندما طالب أشكول بضرورة وقف عمليات القتل هذ،ه صمم رابين على بقاء "قواعد الاشتباك" دون تغيير؛ أما موشى ديان، وزير الدفاع، فقد قال: "الأمر ليس بهذا السوء".
وفي كتابه الجديد يخلص سيجيف إلى أنه بالرغم من انتصارها العسكري الحاسم فإن إسرائيل لم تستطع أن تجد حلا لأهم مشكلة تواجهها وهي كيفية التعامل مع الفلسطينيين والوصول إلى حل للمعضلة المهيمنة على العقلية الأمنية الإسرائيلية: الاحتفاظ بالأرض ولكن دون السكان القاطنين عليها. فهو يوضح كيف أن القادة الإسرائيليين كانوا على يقين بأن الوصول إلى حل سلمي مع الفلسطينيين يستدعي إعادة القدس والضفة الغربية، الأمر الذي لم يكونوا مستعدين له (وما زالوا غير مستعدين له حتى الآن). وبالتالي فإن حرب 1967 زادت مستقبل إسرائيل تعقيدا ولم تساهم في خلخلة العقلية الأمنية الإسرائيلية فيما يخص السؤال المحوري: الأرض أم السلام. كتاب سيجيف عن حرب 1967 ليس كتابه الأول، فقد سبق له أن كتب كتابا هاما بعنوان (المليون السابع) عن علاقة الإسرائيليين المعقدة والملتبسة مع الهولوكوست (والمتواطئة أحيانا في حالة يهود الـ"يشو?" أي المجتمع اليهودي في فلسطين قبل 1948). كما أنتج كتابا بعنوان (1949) عن السنوات الأولى من عمر الدولة الصهيونية، وفيه أورد الكثير من التفاصيل التي تثبت استمرار سياسة طرد الفلسطينيين، بالرغم من مرور شهور عديدة على انتهاء العمليات العسكرية. وبأعماله تلك ينتمي توم سيجيف لمجموعة صغيرة من الكتاب الإسرائيليين المعروفين بـ"المؤرخين الجدد" والتي تشمل بيني موريس وسيمحا فلابان وآفي شلايم وإيلان بابيه. وقد دأب هؤلاء المؤرخون منذ ما يقرب من الربع قرن على التنقيب في الوثائق المفرج عنها حديثا لكي يلقوا الضوء على نواح مبهمة من تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي ولكي يطرحوا أسئلة صعبة ويشككوا في الكثير من المسلمات التي آمنت بها النخب السياسية والثقافية في إسرائيل منذ إنشائها. (على أن بيني موريس تراجع عن مواقفه الأولى تحت وطأة الضغط الأخلاقي الذي مثلته انتفاضة الأقصى وأصبح يطالب بالقيام بتطهير عرقي تتخلص به إسرائيل من الفلسطينيين نهائيا).
أما إذا انتقلنا إلى الساحة المصرية فللأسف لا نجد لدينا إنتاجاً علمياً يتصدى لتاريخ حرب 1967 بالدراسة النقدية والتحليل الدقيق مثلما تصدى سيجيف والمؤرخون الجدد الإسرائيليون لنواح عديدة من الحروب العربية الإسرائيلية. ففي مقابل اعتماد هؤلاء المؤرخون على وثائق أصلية أفرجت عنها دور الوثائق الإسرائيلية (وتوجد أكثر من دار وثائق واحدة هناك) تنعدم تماما الدراسات العربية التي تعتمد على وثائق رسمية. صحيح أننا نسمع في الآونة الأخيرة دعوات لتأسيس حركة للمؤرخين الجدد هنا في مصر، ولكن عند القراءة المتأنية لهذه الدعوات نجد أنها تطالب ليس بالإفراج عن الوثائق وعرضها على جموع الباحثين من صحافيين وأكاديميين وغيرهم، بل تدعو إلى الاستماع إلى شهادات السيدة فاتن حمامة والفنانة هند رستم اللتين تبين أن لديهما الكثير لتضيفانه عن ذكرياتهما أثناء الحرب. ومع احترامي لشخص هاتين الفنانتين وتقديري لفنهما أجدني أقل شغفا إلى معرفة حقيقة شعورهما في يونيو 1967 وأكثر إصراراً على المطالبة بالإفراج عن وثائقنا الرسمية.
ما هو سر غياب الدراسات الأكاديمية الموثقة عن حرب 1967، أي تلك الدراسات التي تعتمد على وثائق رسمية وليس على شهادات وإن كانت هذه الشهادات لأناس عاصروا الأحداث وشاهدوها؟ بالطبع الأمر لا يعود إلى عدم الوقوف على عمق الهزيمة وفداحتها، فهزيمة يونيو لم تكن هزيمة بسيطة، وبغض النظر عن الأبعاد السياسية والدبلوماسية والتاريخية وبالتركيز على البعد العسكري وحده تحتل هزيمة 1967 مكانة مميزة في التاريخ الحربي ليس للمنطقة فحسب بل على مستوى التاريخ البشري كله. فقد راح ضحية الحرب عشرة آلاف شهيد. وخسائرنا في المعدات كانت فادحة بكل المقاييس: 85 % من القوات الجوية والدفاع الجوي، ونسبة مماثلة من القوات البرية. واتضح بعد انتهاء القتال أن الكثير من الخسائر في المعدات البرية كانت نتيجة ترك الجنود لها، فقد تبين أن 6 % فقط من الأفراد هم الذين التزموا بمعداتهم. أما خسائر القوات الجوية بالتفصيل فكانت 100 % من القاذفات الثقيلة و100 % من القاذفات الخفيفة و85 % من المقاتلات القاذفة (حسب ما أورده الفريق أول محمد فوزي في كتابه "حرب الثلاث سنوات" الصادر عام 1984). ولعل أبلغ دليل على عمق الهزيمة هي الطريقة التي انسحب بها أكثر من مائة ألف مقاتل من سيناء مشيا على الأقدام تاركين سلاحهم وعتادهم متجهين غربا بفوضى وعشوائية قلما شهدت الجيوش الحديثة مثيلا لهما.
إن قراءة وقائع التاريخ بموضوعية والنظر إلى تطور الأحداث التي أدت إلى الحرب ودراسة موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية قد تؤدى بنا إلى القول بأن الهزيمة كانت حتمية، فقد أجمع الكثيريون ممن كتبوا عن الحرب أن خللا جوهريا في القيادة العسكرية المتمثلة في شخص المشير عبد الحكيم عامر وعدم قدرة القيادة السياسية المتمثلة في الرئيس جمال عبد الناصر على السيطرة على القوات المسلحة كانا يحتمان هزيمة الجيش في أول اختبار حقيقي له. هذا فضلا عن فساد الحياة السياسية برمتها الأمر الذي انعكس على شتى نواحي الحياة، ناهيك عن استعار الحرب الباردة العربية حتى أصبح النزاع المصري السعودي أكثر أهمية من النزاع العربي الإسرائيلي. ذلك كله مهم ومحوري لفهم حتمية الهزيمة، ولكن أن تأتي الهزيمة بهذا الشكل وبهذا العمق-ذلك هو السؤال المحوري.
هناك بالطبع العديد من المحاولات الجادة للإجابة على هذا السؤال قام بها الكثير ممن شارك في العمليات الحربية أو عاصرها. على أن هذه المحاولات، بطبعها، لا تزيد عن كونها رؤى شخصية لأحداث ووقائع شهدها المؤلفون وفي بعض الأحيان شاركوا في صنعها. وأظن أن الوقت قد حان لتولي جيل جديد لا يحمل حزازات الماضي ولا يتأثر بأوهامه مسئولية التأريخ لتلك الحرب المحورية بشكل جديد. وعلى هذا الجيل من "المؤرخين الجدد" المصريين أن يجتهد في طرح أسئلة جديدة وليس في تقديم إجابات جديدة على أسئلة قديمة. ولكن الأسئلة الجديدة لا تأتي إلا من مصادر جديدة، فإعادة قراءة شهادات القادة العسكريين والصحافيين وغيرهم ممن كتب عن حرب 1967 سيؤدي حتما إلى طريق مسدود، طريق تتضارب فيه الروايات ووتتجاذب فيه الأهواء. أما المصادر الوثائقية فهي التي ستمكننا من الخروج من تلك الحلقة المفرغة الرهيبة التي ما برحنا ندور فيها منذ أربعين عاما. وتحديدا يريد هذا الجيل أن يطلع على محاضر اجتماعات القيادة السياسية مع القادة العسكريين قبل اندلاع القتال، ونريد أن نعرف من هذه المحاضر ما إذا كان هناك أي قائد عسكري أبدى تحفظات على طريقة إدارة الجيش وأسلوب قيادته. ونريد أن نطلع على محاضر اجتماعات عبد الناصر مع القادة العرب لمعرفة مدى تقدير القيادات العربية لخطورة الوضع والوقوف على كيفية اتخاذهم لقراراتهم وهل كان يحركهم الموقف من إسرائيل أم الموقف من بعضهم البعض. ونريد أن نطلع على التقارير الاستخباراتية والتأكد من صحة ما قيل من أن المخابرات الحربية فشلت في التنبؤ بقدرة مقاتلات العدو على الوصول إلى مطاراتنا في وسط الدلتا والقاهرة. ونريد أن نطلع على محاضر اجتماعات المشير عامر مع قيادات الجيش ومدى مسئولية القادة العسكريين عن الخلل الهيكلي الذي أصاب طريقة إدارة القوات المسلحة. ونريد أن نطلع على تقارير الخارجية المصرية عن التحركات الديبلوماسية المصرية قبل المعركة وتحديدا تقرير السفير مراد غالب سفيرنا في موسكو عما قاله بالفعل المارشال غريشكو، وزير الدفاع السوفييتي، لشمس بدران، وزير الحربية، أثناء زيارة الأخير لموسكو يومي 26 و27 مايو 1967. ونريد أن نطلع على محاضر اجتماعات مجلس الوزراء وتحديدا على محضر الاجتماع الذي عقد في الأسبوع الأخير من مايو والذي عرض فيه شمس بدران تقريرا عن رحلته لموسكو، وهل أبدى أي من الوزراء الحاضرين تحفظات على ما قيل أنه لهجة بدران المتفائلة. نريد أن نطلع على التقارير اليومية لمختلف وحدات الجيش في سيناء للوقوف على نواح مختلفة لحالة تلك الوحدات قبل وأثناء وبعد اندلاع القتال. نريد أن نطلع على وثائق القيادة العسكرية ورئاسة الجمهورية للتحقق من حقيقة قرار الانسحاب المأساوي الذي لم يستطع أي من الباحثين التأكد من مصدره أو توقيته أو محتواه. نريد أن نطلع على قرارات وتقارير هيئة الاستعلامات وأرشيف إذاعة "صوت العرب" لنحدد المسئولية عن التصعيد الإعلامي الذي فاقت به الإذاعات العربية (التي كانت تعيد بث برامج "صوت العرب") خطب عبد الناصر في راديكاليتها.
إن فتح أرشيفات رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء والمخابرات الحربية ووزارتي الخارجية والحربية (الدفاع) وهيئة الاستعلامات وغير ذلك من الجهات السيادية ليس منة نستجديها من أحد وإنما هو حق نطالب به، فقانون تنظيم دار الوثائق القومية، وهي الجهة المنوط بها حفظ وثائق الدولة وإتاحتها لجمهور الباحثين، حدد فترة سرية الوثائق بثلاثين سنة، وقد مرت على حرب يونيو أربعين سنة وآن لصفة السرية أن ترفع عن الوثائق المتعلقة بتلك الحرب وأن يتطلع عليها الشعب صاحب المصلحة الأولى والأخيرة. على أن فتح الأرشيفات وحده لن يؤدي بالضرورة إلى ظهور حركة حقيقية للـ"مؤرخين الجدد"، حركة تسمح بالنظر للماضي بعيون نقدية وتنطلق بأسئلتها من قراءة واعية للحاضر وتتطلع للمستقبل برؤية واثقة. فتلك الحركة تتطلب بالأساس الاستعداد لمواجهة ما قد تسفر عنه هذه الأرشيفات من حقائق واستنتاجات، والقدرة على التخلي عن أحلام وأوهام تتستر وراء شعارات براقة، والشجاعة لتوجيه اللوم لمن يستحقه والتضحية نتيجة ذلك بما رفضنا أن نضحي به يومي 9 و10 يونيو.
على أن الدعوة إلى تأسيس حركة للـ"مؤرخين الجدد" في مصر والعالم العربي تعتمد في تأريخها على الوثائق الرسمية وتتمسك بحقها في الإفراج عن تلك الوثائق لا يجب أن ينظر لها على أنها حركة موازية لحركة "المؤرخين الجدد" في إسرائيل أو أن الغرض منها التواصل مع هؤلاء المؤرخين أو الاهتداء بهم. فـ"المؤرخين الجدد" في إسرائيل تحركهم أساسا الرغبة في إعادة النظر في الأسس الأخلاقية التي بنيت عليها دولتهم، وقد أجمع كل من تصدى لتاريخ هذه الحركة على أن مقاومة الشعب الفلسطيني وتمسكه بأرضه وعدم "ذوبانه" في المحيط العربي أو قبوله بالـ"خيار الأردني" وعدم امتثاله للسيناريو الذي أعدته له النظريات الصهيونية - هذا الموقف الفلسطيني هو ما أجبر هؤلاء المؤرخين في نهاية المطاف على الاعتراف بفقر الصهيونية الأخلاقي. وبناء عليه قرر هؤلاء المؤرخون (اللذين يمكن عدهم على الأصابع) مواجهة الماضي والاعتراف بما ارتكبته إسرائيل من خطايا في حق الشعب الفلسطيني والتأكيد على أن استمرار الاحتلال هو آفة المشاكل التي تعاني منها دولتهم وأس البلاء الذي يحيق بمجتمعهم. وبمعنى آخر فإن الاستعداد للإقرار بـ"خطيئة إسرائيل الأصلية" هو ما يحرك هؤلاء المؤرخين ويملي عليهم أجندتهم البحثية.
أما الدعوة إلى تأسيس حركة للـ"مؤرخين الجدد" في مصر والعالم العربي فلا تنطلق من أرضية مشابهة كتلك التي أفرزت حركة "المؤرخين الجدد" في إسرائيل، فالمطالبة بالإفراج عن الوثائق وفتح الأرشيف لا يقصد منها الإقرار بخطأ المشروع القومي العربي في معاداة الصهيونية أو التساؤل عن جدوى التصدي لهذه النظرية العنصرية التي تنتمي للقرن التاسع عشر أكثر من انتمائها للقرن العشرين أو الحادي والعشرين. ولا يقصد من هذه الدعوة أيضا التشكيك في عدالة موقفنا من صراعنا مع إسرائيل أو التخلي لها عن الريادة الأخلاقية. فنحن أصحاب حق ما في ذلك شك، وهزيمتنا في 1967 بالرغم من فداحتها على المستويات العسكرية والدبلوماسية والسياسية لم تكن أبدا هزيمة أخلاقية.
إن كان للمشروع القومي العربي، الذي مثلت الناصرية إحدى أهم ملامحه، خطيئة أصلية فتلك الخطيئة لم تكن أبدا الموقف العدائي الذي اتخذته من الصهوينية ومن إسرائيل، تلك الدولة الاستعمارية الاستيطانية التي تجب مقاومتها أخلاقيا كما تجب محاربتها عسكريا حتى تتخلى عن طبيعتها العنصرية. لا، الخطيئة الأصلية للناصرية تتمثل في موقفها من الشعب المصري ذاته ومن الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج. وتحديدا تتمثل خطيئة الناصرية الأصلية في انتهاج ذلك الأسلوب الأبوي الذي صادر الحريات وكمم الأفواه وعلق الحقوق بحجة "الوقوف ضد الاستعمار وأعوان الاستعمار وألاعيب الاستعمار". إن هذه الخطيئة هي التي صادرت حق أفراد هذا الشعب في التمايز بعضهم عن بعض، وهي التي قررت، كما أوضح شريف يونس في كتابه البليغ "الزحف المقدس"، الامتناع عن محاولة تنظيم هذا التمايز الطبيعي والصحي بين أفراد المجتمع (أي فتح آفاق السياسة أمامهم) وأجبار هؤلاء الأفراد إلى الانخراط في تنظيم واحد أوحد حولهم إلى كتل متراصة تزحف زحفا مقدسا نحو آفاق وأهداف مبهمة، وإذ بتلك الجموع في عام 1967 تزحف زحفا غير مقدس نحو هاوية سحيقة.
إن المطالبة بتأسيس حركة للـ"مؤرخين الجدد" في مصر والعالم العربي لا يقصد مها إذن التشكيك في جدوى مقاومة الصهيونية أو التخلي عن ضرورة التصدي للاحتلال، بل يقصد منها المطالبة بفتح سجلاتنا لنحدد الخلل الجوهري الذي أدى بنا إلى هزيمة 1967 وألا نتوانى عن توجيه اللوم إلى المتسبب في هذه الهزيمة النكراء.