ينطوي هذا الملف على مجموعة من الأوراق والشهادات والآراء التي فجرها انعقاد المؤتمر ورهانات الواقع الثقافي عليه. وهي رهانات تتفاوت بين الدراسة التي تعرض لمسار طويل عاشه الاتحاد، وبرنامج عمل المرشح لرئاسته، ووجهة نظر المعارض لكثير مما دار فيه، مما جعله ملفا قادرا على تقديم صورة حية عما دار من جدل وقضايا.
°1°
تعددت القراءات وآراء المتتبعين لفعاليات المؤتمر الوطني الثامن عشر لاتحاد كتاب المغرب والذي أنهى أشغاله بانتخاب الناقد عبدالرحيم العلام رئيسا له لولاية جديدة، هو الذي تولى إدارة الاتحاد منذ إقالة رئيسه السابق الناقد عبد الحميد عقار عام 2009 واستقالة كل من الشاعر جمال الموساوي والناقد عبدالفتاح الحجمري، وهي المرحلة التي اعتبرها البعض "نهاية هذه المؤسسة الثقافية التنويرية" بفعل الشلل الذي أصاب فعلها الثقافي في المشهد المغربي. العودة لهذه الصيغة الانتخابية للرئيس، بعد تم تعديلها في مرحلة سابقة {لحظة تولي الناقد محمد برادة لرئاسة الاتحاد}، وصادق المؤتمرون بأغلبية 75 صوتا مقابل 52 صوتا على البند الرئيسي الذي يقضي بانتخاب رئيس الاتحاد مباشرة من المؤتمر العام قبل انتخاب أعضاء المكتب التنفيذي.
وازت العديد من تغييرات بعض بنود القانون الأساسي والتي صادق عليها المؤتمر ال18 سعيا من اتحاد كتاب المغرب الاستجابة للعديد من الأصوات التي ظلت تنادي ب"دمقرطة" هذه المؤسسة التي ظلت تعتبر من بين الاتحادات القلائل في العالم العربي التي حافظت على استقلاليتها من الدولة. وساد جو من الترقب على أشغال المؤتمر قبل ولحظة انعقاده، إذ كانت بعض المؤشرات ترى استحالة "تجاوز الأزمة التي ظل يتخبط فيها الاتحاد طيلة أربع سنوات الماضية". وزادت فعاليات أشغال اليوم الأول من المؤتمر من رفع حدة التشاؤم حول مصير الاتحاد بفعل الصراعات الحادة والتشنجات بين المؤتمرين وأعضاء المكتب التنفيذي السابقين تعلقت بتدقيق عضوية المؤتمرين واتهامات ب"مخزنة الاتحاد" وانتقاد علاقته ببعض دول الخليج وعرض التقريرين الأدبي والمالي، واللذين تخلى بعض أعضاء المكتب السابق عن مسؤوليتهم المباشرة عليه مما جعل كل من الناقد عبدالرحيم العلام والكاتب هشام العلوي {أمين المال السابق} يظلا في مواجهة المؤتمرين.
وحصل الرئيس الجديد الناقد العلام على 108 أصوات مقابل منافسيه: الشاعر محمد بودويك (36 صوتا)، والقاصة ليلى الشافعي (12 صوتا)، والشاعر عبد الناصر لقاح (3 أصوات)، والمسرحي بوسلهام الضعيف (صوتان). كما انتخب المؤتمر ال18 مكتبا تنفيذيا جديدا ضم أربع نساء وضمت لائحة المكتب التنفيذي الجديد إلى جانب الرئيس عبد الرحيم العلام وداد بنموسى وأمينة المريني وليلى الشافعي وفاطمة الزهراء بنيس وسعيد كوبريت وإدريس الملياني وعبد المجيد شكير ويحيى عمارة وعبدالدين حمروش ومصطفى لغتيري، هذا الأخير الذي اختارته القرعة بعد تعادله في الأصوات مع عضوين آخرين. وكان المؤتمر الوطني الثامن عشر للاتحاد قد صادق على التقرير الأدبي ب94 صوتا مقابل اعتراض عضو واحد وامتناع ستة أعضاء عن التصويت. وصوت لصالح التقرير المالي 88 صوتا وامتناع 6 أصوات.
°2°
ويعتبر مؤتمر اتحاد كتاب المغرب الثامن عشر مؤتمرا استثنائيا بكل المقاييس، لاعتبارات عديدة تحكمت في سياق تنظيمه. لعل أبرزها السياق السياسي العام الذي تزامن مع انعقاد المؤتمر، عربيا في ظل الحراك العربي وما حفل به من هبوب رياح التغيير والثورة على الاستبداد.. مغربيا صعود حركة 20 فبراير وما أحدثته من خلخلة للنسق السياسي المغربي وما تلاه من تغيير دستوري وصعود حزب العدالة والتنمية للحكومة..وهذا المعطى الجديد أحدث رجة في المشهد الثقافي وهو ما دفع العديد من الإطارات المدنية أن توجه دعوة مفتوحة للدفاع عن الحريات. كما عرف اتحاد كتاب المغرب فتورا وتراجعا على مستوى أدائه التنظيمي والإشعاعي بفعل الهزات التنظيمية التي عرفها منذ إقالة رئيسه الناقد عبدالحميد عقار واستقالة عضوين آخرين من المكتب التنفيذي السابق وهو ما جعل الاتحاد يرتهن لهذا المعطى الجديد، وأمست صورة الاتحاد تعرف العديد من التشوهات. معطى ثالث وهو أساسي تزامن المؤتمر مع إحياء اتحاد كتاب المغرب ذكرى الاحتفاء بخمسينية تأسيسه، وهو ما يدفع، في ارتباط بالعديد من المعطيات التي عرفها المؤتمر الأخير، الى التأكيد على أن مرحلة أساسية من تاريخ الاتحاد انتهت وبدأت مرحلة جديدة ستتحدد ملامحها قريبا. لن نتوقف عند تجديد آليات التنظيم القانونية في الانتخاب سواء الرئيس أو تحديد صلاحيات مسؤوليات المكتب التنفيذي والمجلس الإداري ولا التمثيلية الجديدة للمرأة {الكوطا}، ولا مستويات النقاش المعرفي الذي عرفه المؤتمر، وهل شكل محطة حقيقية للنقاش الحقيقي حول الثقافة المغربية؟ واستراتيجية تتمثلها هذه الهيئة في مغرب اليوم والمستقبل؟ لكن العديد من الكتاب الذين سألناهم عبروا عن شعورهم بحالة "اللاطمأنينة" على الاتحاد ومستقبله، وهو ما أكدته الأحداث لاحقا. إذ سرعان ما أعلنت مجموعة من المبدعات والكاتبات المغربيات عن تأسيس إطار ثقافي جديد باسم "رابطة كاتبات المغرب" وكما جاء في البيان أن الرابطة تسعى إلى جمع شمل كل صاحبات الأقلام الجادة من مختلف جهات المغرب والإحتفاء بإبداعهن وكتاباتهن وكذا التعريف بها داخل إطار يضمن لهن المتابعة والإستمرار والتواصل. وذكر البيان أن تأسيس الرابطة يعتبر حقا حضاريا ودستوريا وماليا وأن أهداف الرابطة تتمثل بالخصوص في التواصل بين الكاتبات والتعرف على إنتاجهن ومتابعته والعمل على وضع بيبليوغرفيا لإنتاجات الكاتبة المغربية. وستستكمل الرابطة هياكلها كما سيتم تشكيل المكتب بحضور كل الأسماء المتواجدة في الساحة.وتتكون اللجنة التحضيرية ل"رابطة كاتبات المغرب" من الكاتبات عزيزة احضيه عمر٬ ومليكة العاصمي٬ وبديعة الراضي٬ ورجاء الطالبي٬ وزهور كرام٬ والعالية ماء العينين..
هذا وعرف حفل الافتتاح الذي احتضنه مسرح محمد الخامس وبمناسبة الاحتفاء بخمسينية اتحاد كتاب المغرب، احتفاءا خاصا برموز اتحاد كتاب المغرب الذين ساهموا في تأسيسه {عبدالكريم غلاب، العربي المساري، محمد الصباغ، محمد عزيز الحبابي، مبارك ربيع، انتهاء بمحمد برادة}. وقد عرف الافتتاح حضورا لافتا لأطياف تمثل الحقل السياسي والأدبي والفني كما حضر وفد حكومي مثل حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال كما عرف الحفل حضورا وازنا لفعاليات من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية {معارض}. لقد كان الرهان أن يخرج اتحاد كتاب المغرب منتصرا على أزمته وعلى نفسه كي يعود الى الانشغال بالقضايا العميقة التي شغلته طيلة ال50 سنة الماضية، قضايا ثقافية يفترض أن تسهم في إعادة الحياة للمشهد الثقافي في المغرب. لكن من متابعة لأشغال المؤتمر، والذي تمحور النقاش خلاله على قضايا تهم سؤال الثقافي والسياسي، تعزيز الحكامة والدمقرطة داخل اتحاد كتاب المغرب والتمسك باستقلالية الاتحاد، الاهتمام باللغة الأمازيغية والتفكير في سياسة لغوية الى جانب تمثيلية المرأة داخل الأجهزة وإعادة الاعتبار للفكر التنويري داخل المجتمع.. لقد تبين أن القضايا المسطرية لانتخاب الرئيس الى جانب مناقشة التقريرين الأدبي والمالي والبيان الثقافي العام شهد تجاذبات كادت تعصف بالمؤتمر وهو ما خلف استياء عميقا عند بعض الكتاب.
°3°
يبدو أن مؤسسة الاتحاد "ترهلت" وأمست تستدعي التفكير في آليات عملها واستراتيجياتها الثقافية. خصوصا أننا إمام إطار ثقافي يجر وراءه تاريخا حافلا من الانخراط الفعلي في ترسيخ مفهوم الثقافة الوطنية. أي اتحاد كتاب المغرب يريده الكتاب المغاربة اليوم؟ هذا الإطار الجمعوي والذي ظل بمنأى عن التدجين، وناضل على استقلاليته اتجاه الدولة. أمسى تائها اليوم في خضم، التحولات السياسية والمجتمعية والثقافية المتسارعة، والأسئلة الكبرى. وعوض أن يتحول أفق مرور نصف قرن على تأسيس الاتحاد (1961 إلى 2012) الى لحظة من لحظات استعادة تاريخ المنظمة الثقافي والفكري والنضالي، كإطار تنظيمي، يجمع الكتاب والمبدعين والباحثين، في اهتماماتهم الإبداعية والفكرية والمعرفية المختلفة، من أجل صياغة مشروع ثقافي، وتحديد استراتيجية ثقافية.. والمطالبة بالمحافظة على استقلاليته في مواقفه وقراراته، وباستعادة دوره النقدي وموقعه الأخلاقي، وقوته الاقتراحية، للمواجهة وتفعيل المشهد الثقافي.. أمسى اتحاد كتاب المغرب اليوم إطارا ثقافيا مثقل بالهزات والانكسارات متفرغ لتدبير أزماته المتكررة.