في الحاجة إلى اتحاد كتاب المغرب

رشيد يحياوي

قد يبدو اختيارنا عنوانا مثل «في الحاجة إلى اتحاد كتاب المغرب» اختيارا زائدا عن الحاجة، لانبنائه على التسليم بالمسلّمات. لكن المتتبع عن قرب لمحيط هذه الجمعية، العريقة تاريخيا، يلاحظ أن التساؤلات
حول وضعها ومصيرها قد تصل إلى حد الدعوة إلى إلغائها من الوجود، تحت مبررات مثل كون الحاجة إليها لم تعد ضرورية، أمثال هذه الدعوات أعتبرها صادرة عن ردود فعل غالبا ما تكون ذاتية لكتاب من خارج الجمعية، وقد يكونون من داخلها غير مرتاحين لوضعهم ضمنها، إحساسا منهم بعدم استجابتها لآرائهم ومواقفهم.

الكتاب الذين لا يخفون تذمرهم من السير العام لاتحاد كتاب المغرب ويجهرون بسخطهم على هذا التنظيم الجمعوي، نجدهم لا يترددون في الانضمام إلى تنظيمات جمعوية ثانية ذات صلة بحقل الكتابة والإبداع، مثل جمعيات العالم الافتراضي والجمعيات الثقافية المحلية والجهوية والجمعيات الثقافية الوطنية ذات التخصص في أنواع أدبية بعينها، من شعر، قصة، مسرح وزجل... وهذا يفيد بوجود مستويات من الخلل واقعة بالفعل، يمكن اختصارها في مستوى خارجي وآخر داخلي. فعلى المستوى الخارجي، لا بد من الإقرار بضعف في التواصل بين الكتاب غير المنتمين إلى اتحاد كتاب المغرب وبين الاتحاد ذاته، وكثير من هؤلاء يتخيلون أن الاتحاد جمعية غارقة في النعيم، يتقاسم أعضاؤها الغنائم المادية ويجعلونها حكرا على أنفسهم، ومنهم من يُصرّون على التموقع خارج الاتحاد، متذرعين بمبررات، كالاعتقاد بكون الاتحاد يخضع لأجندة جهات سياسية بعينها.

المطلوب هنا أن تكون دائرة الوضوح بين الطرفين أوسع، أن يحاول الكتاب من خارج الاتحاد تصحيح نظرتهم إلى هذه الجمعية، بقراءة المزيد من أدبياتها وتتبع برامجها ومشاريعها والانخراط فيها، للإسهام من داخلها في تطوير مسارها وتصحيح الخلل المُفترَض فيها. والمطلوب من الاتحاد، بدوره، القيام -بمناسبة نصف قرن على تأسيسه- بحملة تواصلية واسعة موجهة لأعضائه ولغير أعضائه، عبر مختلف وسائل التواصل، لتقديم صورة واضحة وشفافة عن واقعه وآفاقه المرجوة.

أما على مستوى الخلل الداخلي في الاتحاد، فمما لا شك فيه كون تمظهراته أسهمت، بدورها، في زرع الشك في جدواه وتماسكه ومدى انخراطه في تفعيل العمل الثقافي في بلادنا، بل حتى في أهدافه. وقد تابع الملاحظون والمنخرطون ما وصلت إليه الأوضاع الداخلية لسفينة الاتحاد في السنتين الأخيرتين، حتى كادت تعصف به، لولا أن بعض أعضائه في المكتب المركزي حافظوا على أمانة تسييره وقيادته نحو المؤتمر القادم، الذي يجب أن يكون محطة حاسمة للتواضح في الرؤى وتصحيح الاختلالات من أجل بدء نصف قرن جديد من عمر الاتحاد بعزيمة أقوى وتفاعل أكثر إنتاجا وتجذراً في الحياة الثقافية.
إن ما قد يخفى على كثيرين هو كون قوة الاتحاد كامنة في قوة أعضائه. أما تربيع الأيدي، مع تحميل المكتب المركزي حل مشكلات الكُتّاب والكتابة في المغرب فليس موقفا سليما. الاتحاد، في آخر المطاف أو في أوله، ليس سوى تجميع إرادات وكفاءات ضمن إطار منظم قانونيا له أهداف جماعية، تنزيلها إلى أرض الواقع رهين بأداء جماعي لا يمثل المكتب المركزي وأعضاء مكاتب الفروع سوى حلقة منه.
فإذا كانت قوة الاتحاد تتجلى في قوة مواقفه وجدية برامجه ومدى عمله على تحريك المشهد الثقافي، فإن هذه القوة ذاتها لا طاقة لها دون قوة أخرى، هي قوة حضور أعضائه أنفسِهم، حضورِهم كقوة اقتراحية وقوة تنفيذية معا، فضلا على قوة حضورهم كمثقفين على عاتقهم رهانات تجديد الأفكار والرؤى والدفع بعجلة التغيير نحو المزيد من الآفاق الإبداعية والثقافية.

وعلى هيآت الاتحاد وأعضائه الوعي أن الحاجة إلى جمعيتهم هي الآن أكثر إلحاحاً، ما دامت الآفاق الإبداعية والثقافية التي نتطلع إليها موضوعة على محك التغيرات السوسيو ثقافية المستجدة.
وقد يكون من محاسن الصُّدَف تزامن ختم نصف قرن من عمر الاتحاد مع الظهور اللافت لتلك التحولات، المتجلية حديثا في الثورات العربية واكتساح العالم الافتراضي وسائلَ التواصل وظهور أنماط جديدة من التعبير والإبداع الرقميين وإقرار دستور جديد يشير، بوضوح، إلى عناصر الهوية الوطنية، التي طالما طال النقاش حولها في مؤتمرات سابقة لاتحاد كتاب المغرب، كما أنه دستور يوسع اختصاصات الإدارة الترابية الجهوية، مما يتطلب من الاتحاد استثمارها لإعطاء مشاريعه اللا مركزية مزيدا من الزخم.
السؤال المطروح في ضوء ذلك سؤال مزدوج: أي عمل ثقافي نريد؟ وإلى أي اتحاد كتاب نتطلع؟ إنه سؤال نتمنى أن يكون المؤتمر القادم لاتحاد كتاب المغرب كفيلا بالإجابة عنه.

وفي انتظار ذلك، نرى أيضا أن تفعيل أداء الاتحاد سيكون أقوى باتخاذ بعض الخطوات التواصلية، من بينها:
-
التحيين المستمر للموقع الإلكتروني لاتحاد كتاب المغرب وتوسيعه، مع رقمنة وأرشفة أعمال الكتاب الراحلين وتضمينها في الموقع، فضلا على أعمال الكتاب الأحياء؛

-الحرص على انتظام إصدار مجلة «آفاق»، مع إعادة النظر في أبوابها ومحتوياتها؛

-تفعيل صفة الجمعية ذات النفع العام؛

-تخصيص جائزة -ولو رمزية- للإبداع المغربي المكتوب لأعضائه؛

-عقد المزيد من الشراكات مع جهات ممولة، مغربية أو عربية، للرفع من نسبة إصدارات أعضاء الاتحاد، خاصة في صنف الإبداع، بالنظر إلى صعوبات النشر الفردي في هذا المجال.