«ليلة التنبؤ» في رثاء اتحاد كتاب المغرب

مصطفى غلمان

مثلما دعانا الروائي الأمريكي بول أوستر في روايته الشهيرة “ليلة التنبؤ”، من خلال عملية المحكي داخل المحكي، بتمثل المستقبل والتحلل من العلاقة بالزمن. أدعوكم الآن وعلى وجه المكاشفة الصريحة، إلى مغالبة اليقين بالشك، بعد الجدل الذي خلفه السعار العشوائي لبيانات أعضاء المجلس التنفيذي السابق لاتحاد كتاب المغرب سابقا، قبل انعقاد المؤتمر الثامن  عشر لاتحاد كتاب المغرب. حيث سيصبح من الأكيد إغواء الكراسي بالظهور، على الوهم البديل، الذي يحيل الجثث إلى منصات لإطلاق النيران.

القراءة الأولية للمسرحية الدراماتيكية، التي أبدعتها مخافر شرطة الإفلاس، تبدأ من مشهد الافتتاح بمسرح محمد الخامس، حيث التركيب الفني الملفوف بأعشاب البروفيليا، شاهقا مثل غمامة مغلولة. نطيل النظر إليها دون دراية كبيرة بطرق الطبخ وكمائنه. يمكن هنا أن نخرج كلمة المؤتمر باسم الاتحاد من المحاسبة، دون الخوض فيمن حررها “تحت الطلب”.

لا يمكن للغاية أن تبرر، مهما كانت الوسيلة ضرورية وملحة. فقد فقدت الميكيافيلية شرعيتها وانسحبت، بعد أن طالها التلف الحضاري، وأصبحت من معوقات الفكر والجدال الحر، اللهم إلا في حالات أتفق مع ألبير كامي في بعضها، يقول في محادثاته مع كويستلر:

“الغاية تبرر الوسيلة، في حالة واحدة فقط، وهي إذا كان النظام النسبي للأهمية معقولاـ

مثال:”بوسعي أن أرسل سان ـ اكزويري في بعثة محفوفة بخطر الموت لإنقاد فريق, بيد أنني لا أستطيع نفي ملايين الأشخاص وقمع كل مظاهر الحرية، من أجل نتيجة معادلة كميا مع حساب ثلاثة او أربعة أجيال ضحت في السابق”.

إنها طرق الاستدلال التي تحيل إلى الإبادة. كما هو الشأن بالنسبة للطريقة التي تمت بها إعاقة أنشطة اتحاد كتاب المغرب، بعد الإجهاز على الشرعية، وإدامة القفز على حاجز الزمن. من أجل الانفراد بالقرار وتحويل المؤسسة الثقافية إلى مجرة خارج السيطرة؟

لقد فقد اللاعبون الجدد، الذين طالما تغنوا بالعمل الجماعي والروح الجماعية، فقدوا بوصلة الحسم،وهم يلتفون حول مائدة متواضعة وكئيبة، لم تفلح سوى بإعادة التجييش والتسلح الكاريكاتوري الفج. وهو ما اتضح بالأسماء والصفات عند انطلاق أشغال اتحاد كتاب المغرب في فندق الإقامة. 

كان بوسعنا معانقة حلم العودة إلى الأمل. حيث الإذعان للكمونة وهي تشخص بالأبصار مستوعبة زمانها بقوة وإحكام. لم يكن بإمكاننا الضمور في غليان لا ينظمه واق رصاصي أومجال يحفظ للامتداد هيبته وانعتاقه واستقلاليته. فارتجعنا نلهب الشوق ونثير موارد الحياة بماهي طفرة واستعادة للدور، من منطلق الموقف والفعالية والالتزام.

ولكنها عقدة أوديب مرة أخرى، تكشف عن أنيابها. “قتل الأب” هذه النظرية الناقمة، التي لا تنفك تفسد قيم التسامح والحب. سلطة أحرقت العالم. وهي الآن مأوى للصراعات العميقة التي شكلت علامة فارقة في الثقافة والفكر في عالمنا العربي.

أكبر المهازل ما تلا مشاهد الردة، من سب وقذف ونصب واحتيال. الورقة الثقافية الرديئة عديمة الجدوى. التي كتبت هي الأخرى، بالسرعة الفائقة والدمغة اللاقفة. لم يكن للثقافة فيها مكان. فبالإضافة إلى مسخها ونسخها للسياسوية وربيبتها “المقالبية” ـ نسبة إلى القوالبية بلغتنا الدارجة المغربية”، فإنها لم تكن سوى عتمة ملفقة تتلاشى فعليا عند انبلاج أول خيط من صباح مشرق، بلغة جوليان بارنز في كتابه الأخير”الإحساس بالنهاية”.

حقا أحسست بالنهاية، في وقت ضائع. لم أكن موفقا في تنبؤي. فليلة المؤتمر أجهزت على ما تبقى من إحالات أو توقعات مفترضة بالاستناد إلى مذهب الإيجاب الذي أحب أن أعتنقه في مثل هذه الظروف؟

لكن خاب ظني. فالردة الثقافية أكبر من التصور. أكبر من الاعتقاد ذاته. أوارها يجهز على روح النص. إنه متواطؤ وهدام جسور. يخلف الموعد مع الحدث. ولكنه يتماهى في القبض على المعابر المبدعة، مطوقا حدوسها بسلاسل البتر والقطع والإزهاق.

ليلة التنبؤ تلك ستضع العائق الأنطولوجي، مسمارا في النعش المسجى. وسنكون ـ نحن أبناء اتحاد كتاب المغرب ـ محمولين على قائمته الطويلة العريضة، بغير دعامات متنقلة، في مستقبل الأيام، مما تبقى من المشاريع المجهزة، ومن الخيول المركوبة وغير المركوبة.

 

 * شاعر وإعلامي من مراكش عضو اتحاد كتاب المغرب