-1-
جسّد اتحاد كتاب المغرب،(1) بوجوده واستمراره على مدى عقود، الفاعلية الثقافية الأبرز التي تمثلت " حقيقة " النهوض بالثقافة الوطنية: ثقافة تقدمية متطلعة إلى التغيير الديمقراطي في البلاد في كافة مناحي الحياة. فكما لا يخفى، فإن تاريخ الجمعية الحافل ما فتئ يعكس تاريخ الحركة السياسية- الاجتماعية التقدمية في المغرب، في سياق تميز بمناكفة التوجه التقليدي/ الرسمي، في سياسته لتدبير ملفات البلاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ومنها بشكل خاص الملف الثقافي.
ولئن اعتُرف لاتحاد كتاب المغرب باستقلاله عن الدولة، بعكس غالبية الاتحادات العربية، فإن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لاستقلاله عن توجهات ما يسمى الأحزاب الوطنية، إلى درجة غدت معها جمعية الكتاب بمثابة الامتداد الطبيعيى لبعض الأحزاب الوطنية. وإن كان في هذا الارتباط إيجابيات شتى، بحكم التطلعات الحداثية- الديمقراطية، فإن الارتباط ذاته كانت له انعكاسات أخرى، جاءت بفعل الانخراط " غير المضمون" في مرحلة التهيئ لما سمي، من قبل النخبة السياسية، "التناوب الديمقراطي"، وإن كان في حقيقة أمره تناوبا علــى " الحكومة ".
في ضوء الموقف السياسي- الثقافي الصريح، بحكم اختيار التخندق في صف القوى التقدمية، وجدنا اتحاد كتاب المغرب عنصرا فاعلا بآرائه وموافقه، اتجاه كل ما كانت تشهده البلاد من قضايا وأحداث. وأعتقد أن في هذا الأمر، ظل يكمن سحر اتحاد كتاب المغرب وإشعاعه. وبتعبير آخر، يمكن القول بأن الاتحاد لم يكن ليقف عند حدود المساهمة في المجال الثقافي بالمعنى الضيق للكلمة: فبقدر ما كان معنيا بملف تعليم وطني متكامل، كان معنيا بتسوية ملفات حقوق الإنسان من جهة ثانية، وكان معنيا بالقضية الفلسطينية من جهة ثالثة، وهلم جرا. وأرى أن هذا الانخراط التام في المسألة الوطنية، بكل أبعادها الإقليمية والعربية، هو ما صار يفتقده الاتحاد اليوم، وبالتالي يفتقد معه قدرا مهما من تاريخ نضاله، ومصداقية صورته. وبدأ هذا الأمر يظهر جليا في ما تلا تجربة" التناوب التوافقي "، حيث الصراعات الذاتية حول بعض المسائل التنظيمية والامتيازات الشخصية، بمثابة العناوين العريضة للديناميكية التي صار الاتحاد يعيش يومياتها.
ولعل أكبر تجل لما صار يعيشه الاتحاد من " أزمة"، هو ما تجسد في غياب الأسئلة الثقافية " الحقيقية" عن برامجه، وسيرورات اشتغاله منذ مدة غير قريبة. ولأن الأمر يتعلق بابتداع أسئلة ثقافية، تكون موازية لما يشهده المغرب من تحولات على مختلف الصعد، فإنه لا مناص من إطلاق ديناميكية جديدة، يكون محور النقاش فيها: آفاق اتحاد كتاب المغرب اليوم، في ظل ثورات الشباب العربية الواعدة، مدعومة بثورات الإعلام والمعلوميات المتلاحقة. والملاحظ أنه باستثناء رئاسات كل من الأساتذة محمد عزيز الحبابي، عبد الكريم غلاب، ومحمد برادة، لم يعرف الاتحاد أسئلة ثقافية جادة، كانت تتحكم، من خلف، في طبيعة اختيار البرامج الثقافية.(2)
وانعكاسا لغياب الأسئلة الثقافية، وجدنا الاتحاد، في معظم فتراته اللاحقة، منشغلا بأسئلة غير ثقافية، وإن كانت ذات أهمية في جانب آخر، من قبيل الحصول على صفة النفع العام وطرق تحيينها. من جهة أخرى، فإن من الجدير ذكره أن في سياق تجربة التناوب تسربــت " أشياء" من تحت جسر الثقافة المغربية.. أشياء من طبيعة رمزية، تمثلت في إشراف ثلة من مثقفي " اتحاد الكتاب " على السياسة الثقافية في البلاد، وعلى رأسهم الوزير الاشتراكي محمد الأشعري، ومن بعد " الفيلسوف" بنسالم حميش. فعلى الرغم مما راكموه من تجربة داخل الجمعية، كانت في معظمها قائمة على خطاب تقدمي- حداثي، انقلبت إلى ممارسة تستقي من سلطة التقليد تفكيره وطقوسه العتيقة: الإشراف على بعض المواسم الصوفية، مثل تقديم الذبيحة لمولاي إدريس زرهون، وغير ذلك مما لا علاقة له بـ " تقدمية" أعضاء الاتحاد في تاريخه " المجيد".
سيرا على نفس الطريق، المعبدة من قبل جزء كبير من الأحزاب الوطنية بدخولهم تجربة التناوب، صار المغرب الثقافي يعرف نوعا جديدا من المثقفين، يصح نعتهم بـ " مثقفي الدواوين الوزارية ". وبذلك، اختفى صوت ثقافي متقدم بخطابه، فاسحا المجال لأصوات أخرى، " متعيشة " من صلتها بالعمل الثقافي: الإشراف على بعض المهرجانات، الرحلات الثقافية إلى بعض الدول، المشاركة في لجن الدعم والتحكيم الثقافيين والفنيين، التمثيل في بعض المجالس العليا، من قبيل المجلس الأعلى للتعليم، وغير ذلك.. نظير امتيازات مادية وغير مادية، كما صار يعرف تفاصيلها الجميع.
في ظل هذا الواقع الثقافي الجديد، غدونا مفتقدين لصوت المؤسسات الثقافية، ذات الزخم التاريخي القوي، اللهم إلا ما كان يعلو منها بخصوص بعض الأمور الجانبية. غير أنه في مقابل خفوت نبرة الجمعية، صرنا نلحظ بروز أصوات فردية، بين الفينة والأخرى، هنا أوهناك، لمثقفين محدودين، مذكرين بالأدوار النقدية التي ينبغي أن يضطلع بها المثقف في علاقته بنفسه أولا، وبالآخر ثانيا، سواء تجسد في مؤسسة أو غيرها. من خضم هذا الواقع الثقافي، سينبثق صوت مثقف، له قيمة أدبية- رمزية لا يجادل فيها أحد، معلنا رفضه جائزة المغرب للكتاب، في صنف الإبداع، التي حاز عليها سنة 2002، عن مجموعته القصصيــة " ققنس ". والسبب الرئيس خلف رفض الجائزة، سوء الوضع الثقافي في البلاد، الذي صار له أكثر من عنوان، ومنه انحسار سوق القراءة بالتحديد. لقد كان صوت القاص أحمد بوزفور عاليا مزلزلا، خصوصا أنه جاء في سياق مرحلة مهمة من تاريخ المغرب الحديث، روج لها باسم التناوب تارة والانتقال تارة أخرى، مقترنين، معا، بعبارة الديمقراطية. والأكثر من ذلك كله، أن رفض القاص الجائزة جاء في فترة تولي محمد الأشعري مسؤولية وزارة الثقافة، وهو المثقف الاشتراكي الذي اكتسب معظم رمزيته من نضاله في صفوف القوات الشعبية من جهة، ومن نضاله في طليعة مثقفي اتحاد كتاب المغرب من جهة ثانية.
يبدو، مما سبق، أن موقف بوزفور كان ذا معنى رمزي، يسير في غير ذات الاتجاه التي أتت حكومة التناوب لتكرسه، بائعة الحلم للمغاربة في غد مشرق، ومنه غد ثقافة متنورة، فعالة بمساهمتها في بناء المغرب الديمقراطي الحداثي. ولعل ذلك ما فطن له الأستاذ بوزفور حين تعدى رفضه قبول الجائزة المجال الثقافي، من خلال إشارته التالية " كنت أتمنى أن أفرح بجائزة تعطيني إياها حكومة بلدي: حكومة تستطيع أن تضرب بيد من حديد على أيدي المفسدين ولصوص المال العام.. حكومة تريد وتستطيع أن تقنع شبان هذا البلد بإمكان الحياة فيه، بدل دفعهم إلى الانتحار غرقا في مياه البوغاز ".
ولعل ذات الأمر سيتكرر، مرة أخرى، في ظل وزير الثقافة الجديد، الاشتراكي بدوره: بنسالم حميش. فخلال فترة تدبير هذا الأخير قطاع الثقافة، ستتراجع الأسئلة الثقافية إلى الوراء، لتحل محلها الأهواء الشخصية وتصفية الحسابات. وبالرغم مما يمكن تسجيله من عودة الصوت النقدي للجمعيات الثقافية الكبرى، إلا أن ذلك لم يحجب عن المتتبع للشأن الثقافي ببلادنا عمق الأزمة التي باتت تعيشها نفس الجمعيات، ومنها اتحد كتاب المغرب بوجه خاص.(3) ولعل أهم ما ميز هذه المرحلة، صدور عدة بيانات في شأن الوضع الثقافي السيء، يأتي في مقدمتها بيان الشاعر عبد الطيف اللعبي. ونظرا لما اكتسبه البيان من أهمية من قبل عدد من المهتمين، مثقفين وصحافيين، يجدر بنا الوقوف على بعض عناصره القوية في ما يأتي:
أ- وضع تصميم وطني استعجالي يستهدف الاستئصال النهائي لآفة الأمية ضمن سقف لا يتعدى خمس سنوات؛
ب- تكوين لجنة علمية متعددة الخبرات، تعهد إليها مهمة تقصي الأوضاع والحاجيات في ميادين التعليم والثقافة والبحث العلمي؛
ج- إطلاق تصميم يستهدف تغطية الحاجيات الثقافية الأساسية للبلاد: إنشاء البنيات التحتية؛
د- إنشاء مركز وطني للفنون والآداب يسعى إلى نسج العلاقات مع المبدعين؛
ه - إنشاء وكالة تعنى بإشعاع الثقافة المغربية في الخارج؛
و- إنقاذ الذاكرة الثقافية المغربية؛
ي- إعطاء انطلاقة جديدة وحازمة لإصلاح التعليم.
يعتبر " نداء " عبد الطيف اللعبي، في تاريخه وسياقه، مهما من عدة نواح، يأتي في مقدمتها منح الشأن الثقافي الزخم المطلوب من حيث المناقشة والتعليق، في اتجاه إكسابه قوة دفع أكبر، يكون من نتائجها الوقوف على مكامن الخلل في ما يخص التدبير الشأن الثقافي ببلادنا. أما غير ذلك، فإن النداء يستحق قراءة متوسعة، شيئا ما، تتعدى الشأن الثقافي في مجاله، في محاولة لربطه بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية من جهة، وربطه بالمسألة الديمقراطية في اختيارها الحداثي من جهة ثانية. ومن المناسب الإشادة، بهذا الخصوص، بإشارته إلى أهمية وصل الشأن الثقافي بمنظومة إصلاح التعليم، والقضاء على آفة الأمية(4) .
-2-
عهدنا، في العقود الأخيرة، سماع أن العالم الحالي يشهد ثورة علمية، لم يسبق لها مثيل في مجال الاتصال والإعلام. وقد ذهب البعض إلى اعتبار ثورة المعلوميات من أكبر الثورات وأهمها، التي عرفتها الإنسانية على مدى آلاف من سنين البحث العلمي، والسعي الحثيث للأخذ بأسباب التقدم والحضارة. والملاحظ أن لذلك التقدم أوجها عدة، يهمنا منها وجهان:
أ- انتشار قنوات البث الفضائي بشكل كبير، لدرجة تحقق معها، بالملموس، ما درجنا على توصيفه بعبارة " العالم قرية صغيرة ". فسهولة الانتقال من قناة فضائية إلى أخرى، ساهم في الاطلاع الموسع على ثقافات الشعوب، في مختلف تجلياتها الحياتية والحضارية، وبالتالي في تجسيد مقولة حوار الثقافات والشعوب. وبالطبع، كانت الأسئلة الثقافية جزءا من البرامج التي كان يقف عليها المتتبع في هذه القناة أو تلك، لهذا البلد أو ذاك. فجهاز التحويل الرقمي الصغير، صار بمثابة مفتاح الدخول إلى العالم، في جميع قاراته ودوله، بدون تأشيـرة " فيزا".
ب- انتشار استعمال الأنترنيت: بالمقارنة مع قنوات البث الفضائي، يعتبر الأنترنيت الوسيلة الأهم، بالنظر إلى قدرتها على اختزال كافة تقنيات الاتصال والإعلام: الهاتف، التلفزة الراديو، البريد، الصورة الفوتوغرافية، المطبعة، السينما، الكتاب، وغير ذلك مما لا نستطيع توقع حدوثه الآن. والواقع أن الفضاء الرقمي، بفضائياته وأنترنيته، غدا مميزا لمرحلة من تاريخ الإنسانية، لا علاقة له بما سلفه بأي حال من الأحوال. إن الأمر يتعلق، في حدود موضوعنا، بعلامة فاصلة بين عهدين من التعاطي الثقافي: ثقافة الكتاب في مقابل الثقافة الرقمية.
وإن ظل الكتاب حاضرا في تداولنا الثقافي اليومي، بل ويظل مطلوبا حضوره لاعتبارات شتى، إلا أنه ليس باستطاعتنا الغض مما أصبح يلعبه الأنترنيت، بصفحاته ومواقعه، من أدوار جليلة، سواء على المستوى الثقافي العام، أو المستوى الخاص. فإضافة إلى التواصل الثقافي الاجتماعي، مجسدا في غرف الدردشة في الفايسبوك والتويتر وغيرهما، يحضر التواصل الثقافي بالمعنى الحصري للكلمة، ممثلا في انتشار المدونات والمجلات الإلكترونية، وما إلى ذلك.
ومن الملحوظ أن توسع كثير من المثقفين في استعمال الأنترنيت، بوصفه مجالا لنشر الإبداع وأصناف عديدة من المعرفة، أخذ يفرز ما يمكن تسميته: المثقف الرقمي. ولعل من سمات هذا المثقف، أنه مثقف ذو بعد كوني، باعتبار تجاوز إنتاجه الثقافي حدود المتلقي المحلي من جهة، وانفتاح أسئلته على قضايا أكثر اتساعا في أبعادها، نتيجة للخدمات التي صار يمنحها له الأنترنيت من ناحيتي: الاطلاع المعرفي والتواصل الثقافي- الإنساني.
والواقع أن موجة استعمال الأنترنيت، ساهمت في ظهور فئة عريضة من المثقفين، لم يكن بالإمكان ظهورهم اعتمادا على الطرق التقليدية المعهودة: الصحافة والكتاب. وبناء عليه، أصبح الجميع بمكنتهم الإبداع والنشر، وبالتالي إيجاد مكان مناسب تحت شمس هذا العالم الثقافية، بعد أن كان الأمر مقتصرا على فئة قليلة محظوظة من قبل، ممن أتيح لهم الانتشار الثقافي التقليدي لهذا السبب أو ذاك. وأعتقد أن بحسب هذه الوسيلة المستحدثة، صرنا في قلب الديمقراطية الثقافية سلوكا وممارسة: الحرية في الإبداع من جهة، والحق في النشر والتداول الثقافيين من جهة أخرى.
انطلاقا من هذا الواقع الثقافي الجديد، بتأثير من هيمنة وسائل الاتصال الحديثة، غدونا بصدد مثقفين متميزين بروحهم النقدية العالية، إلى جانب جرأتهم المغامرة في طرح الأسئلة الأكثر اختراقا للطابوهات، مستفيدين في ذلك من فضاء الحرية التي بات يوفرها العالم الافتراضي للوالجين إلى جنانه الفسيحة المنطلقة. ويبدو أن أكبر تجسيد لذلك، ما يعرفه العالم العربي، في هذه اللحظات التاريخية، من ثورات على جميع المستويات، وعلى رأسها الثورات على الأنظمة القمعية التقليدية البليدة. فالثورات الحالية، في بدايتها، انطلقت من غرف الدردشة الاجتماعية على مواقع الفايسبوك والتويتر. إنها ثورات الشباب العربي الثقافية ضد الظلم، والقمع، والفساد، والديكتاتورية: تنطلق من غرف الدردشة إلى الشارع، من عالم الافتراض إلى عالم الواقع.
لا يجوز، في ظل الانفتاح الثقافي الحالي، الذي يوفره الفضاء الرقمي، الركون في زاوية بعيدة، في إطار من الانغلاق على الذات، وعلى محيطها الضيق. العالم قرية صغيرة، ولذلك سرعان ما وجدنا ربيع الثورات العربية يشتعل ما بين الخليج والمحيط في موجة مد عارم. ومن اللافت أن ما لم تستطع أن تطوله الشعوب العربية، على مدى عقود وقرون، صار بالمتناول اليوم: التغيير الجذري الشامل. ويعود الفضل في ذلك إلى هذا النوع من المثقفين الشباب الإلكترونيين، المتميزين بحسهم السياسي العالي، وإن لم تضم الغالبية منهم أحزاب سياسية. هذه هي المفارقة الآن: الأنترنيت بمثابة الحزب الثوري الجديد، ومثقفوه بمثابة الطليعة التي تحدث عنها غرامشي داخل المجتمع، انتصارا للإنسان ولسعادته فوق الأرض.
ويظهر من الشعارات التي ظل يحملها هؤلاء المثقفون، أنها شعارات عبر حزبية، بحكم تركيزها على الأسس الكونية الكبرى: الديمقراطية، حقوق الإنسان، العدالة الاجتماعية، محاربة الفساد والريع الاقتصادي، وما إليها يمت بصلة. لا يعني ذلك أن جل الأحزاب لا تقتسم نفس الأسس، إلا أن طريقة تبني تلك الأسس كان يطبعها الاستخدام التكتيكي- البراغماتي في علاقتها بالسلطة. ومن هنا، كان من الضروري أن يظهر فاعل جديد على الساحة السياسية، يمنح الأحزاب نفسها، " المتحفظة " بشأن الإصلاحات المرجوة، قوة دفع لتجديد المطالبة بتلك الإصلاحات، ممثلة في ضرورة تعديل الدستور على الصعيد المغربي، مقرونا بالشروع في محاربة الفساد.
- 3-
يبدو واضحا، بناء على ما ذُكر، أن الثقافة ترتبط، في فهمنا، بمجالين اثنين: عام وخاص. وأعتقد أن المجال الأول جاء في سياق اقتران العمل الثقافي بالعمل السياسي(5) . وقد حظي هذا الاقتران بغير قليل من الاهتمام، وهو اهتمام ذهب في اتجاه نقد تبعية الثقافي للسياسي من قبل بعض المثقفين، المشتغلين بالثقافة بمعناها الخاص.(6) وقد ترسخ هذا النقد، بفعل وجود بعض الأصوات الفردية " المستقلة؟"، التي لم تكن لترتاح لتدخُّل بعض الأحزاب في تدبير شؤون اتحاد كتاب المغرب مثلا، ابتداء من التحالفات التي كانت تجري على صعيد اختيار رئيس الاتحاد وأعضاء مكتبه المركزي. وقد ترسخت، لدى كثير من تلك الأصوات، صورة نمطية عن المثقف " الحزبي": مثقف القبيلة، وصوتها الدعائي لها. والأكثر من ذلك أن الإبداع، نفسه، تأثر بما كانت تلهج به بعض الألسنة من أحكام، كانت صلتها بالسياسة أولى من الثقافة. في هذا السياق، جرى عنف رمزي قوي، مثلا، بحق شاعر من طليعة الشعراء المغاربة، من خلال اختزاله في صف مثقفي الحزب(7) .
غير أن واقع العلاقة بين السياسي والثقافي، إذا تجاوزنا الأحكام المطلقة التي كانت خلفها جملة من النوازع الذاتية، يمكن القول بأنه واقع مركب، أخذ يفرض نفسه، بجلاء، منذ أن تم تبني السلفية الوهابية في عهد السلطان سيدي محمد، باعتبارها نقيضا حادا للثقافة -الطرقية السائدة(8) . أما إذا اقتصرنا على التاريخ المعاصر القريب، فإن لا أحد بمكنته إنكار امتزاج الثقافي بالسياسي في فكر النخبة الوطنية المناضلة من أجل الاستقلال. ففي ظل الحماية، كان الواقع يفترض اقتران الثقافي بالسياسي، خصوصا بالنسبة لقضايا كبيرة، من قبيل مواجهة الظهير البربري بصفته قضية سياسية- ثقافية.
وإذا كانت النخبة الوطنية، وقتذاك، تضم في صفوفها شعراء ومفكرين وعلماء دين، فإن تأسيس المدارس الحرة الوطنية يبقى البرنامج الأكثر اتصالا بالوعي الثقافي لدى النخبة الوطنية: المقاومة ثقافية بالدرجة الأولى، خصوصا بعد القضاء على ثورة الريف المجيدة، تحت قيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي. وفي هذا الإطار كذلك، ينبغي إدراك أن المعركة الدستورية ظلت، في جوهرها، معركة ثقافية بالأساس. فابتداء بـ" عقد البيعة المشروطة على عهد السلطان عبد الحفيظ، مرورا بـ " دفتر مطالب الشعب المغربي"، ظل الهاجس الدستوري مقيما في وعي النخبة المغربية المتطلعة إلى التغيير. ومثلما يرى الأستاذ محمد عابد الجابري، فقد برز نشاط النخبة الوطنية، في هذه الحقبة، في مجالي الصحافة والدستور.(9)
لقد كان الاتجاه العام للنخبة المغربية المثقفة، في الثلاثينيات من القرن الماضي، بتأثير من إكراهات الحماية، يقتضي توجيه الحداثة، في الميدان الثقافي، توجيها وطنيا، وهو الأمر الذي نتج عنه لجم الاختلاف الثقافي – الفكري، في ما بعد، أي خلال عقد الأربعينيات على حد تعبير الجابري(10). والملاحظ أن الإرث الثقافي- السياسي للنخبة الوطنية، لم يتم تجاوزه إلى يومنا هذا، حتى بعد مرور عقود على الاستقلال. فالشرعية الوطنية المكتسبة، نتيجة المشاركة في معركة الاستقلال، ظلت تحكم نظرة جزء مهم من الفاعلين السياسيين إلى أنفسهم، وإلى باقي الفاعلين الأخرين من حولهم. إن الأمر يتعلق بحضور تاريخي قوي، .. حضور لم تستطع الفكاك منه النخبة المثقفة في ظل الانفراز السياسي الذي ظل قائما، وإن بدأ في الخفوت في المرحلة الأخيرة، خصوصا بعد المشاركة في ما سمي حكومة التناوب. فالشرعية الديمقراطية في خلفيتها السياسية، والحداثية في خلفيتها الثقافية، غدتا تخلفان الشرعية الوطنية في نزعتها التحديثية، وهي مسألة تحتاج إلى استيعاب من النخبة الثقافية التقليدية، التي تربت على إرث الحركة الوطنية، في مختلف امتداداتها الجمعوية: الثقافية بشكل خاص، والمدنية بصفة عامة.
-4-
من الاستنتاجات التي يمكن تحصيلها في ما يجري من ثورات شبابية، أن البلدان العربية تتشابه في بنياتها الاجتماعية- الاقتصادية، إضافة إلى أنظمة الحكم المتسلطة فيها، مما حتم انتشار عدوى الثورات من بلد عربي إلى آخر. ولأن تلك الثورات حملت شعارات كونية بطبيعتها، من قبيل المطالبة بالحريات الفردية والجماعية، في إطار محاربة الفساد ضمن دولة الحق والقانون، وتكريس الديمقراطية بوصفها آلية لتدبير الحكم والسلطة داخل الدولة والمجتمع، فقد لقيت صدى مؤيدا من قبل مختلف الفئات الاجتماعية والإثنية والدينية. ويمكن الزعم، اليوم، أن الديناميكية التي بلورتها الثورات الشبابية/ الشعبية، عجلت بتشكيل " كتلة تاريخية " أجمعت في مضامينها وأهدافها على شعارات محددة، من بينها شعاران رئيسان: القطع مع الاستبداد السياسي، ومحاربة الفساد. وأعتقد أن تلك الثورات لم تترك الفرصة لأي طرف للتخلف، وبالنتيجة ألفيناها تحتضن مختلف الفئات الاجتماعية، من حساسيات سياسية وثقافية وإثنية مختلفة.(11)
ولعل من المثير أن مختلف الثورات العربية، إلى حد الآن، اعتمدت على الأنترنت، في تلاحم عجيب بين التقنية/ العلم والثورة.(12) فقد أضحى الفضاء الافتراضي بمثابة المقر الحزبي، الذي تختمر فيه الشعارات والمطالب، لتنطلق مدوية في الشوارع العامة والساحات في ما بعد. ومن دلالات هذا المعطى الجديد، أن الفضاء الافتراضي صار بديلا للحزب الطليعي في أدبيات اليسار الثوري. ولأن الأمر يتعلق بشعارات محددة، مجمع عليها من قبل معظم الفئات الاجتماعية، فقد صرنا بصدد كتلة تاريخية لم تتحقق في واقعنا العربي، من قبل، على الإطلاق(13) . هكذا، بدأ يبرز على ساحة الأحداث مثقف جديد، لنسمه مثقف الأنترنت أو المثقف الافتراضي. ومن بين أهم سمات هذا المثقف، أنه متميز بعدة مواصفات، تأتي في مقدمتها:
- تشبعه بقيم العلم والمعرفة، ومنها خبرته باستعمال تقنيات العلم الحديثة؛
- تمثله للبعد الإنساني الكوني، بحكم تواصله الثقافي الافتراضي مع مواطني مختلف الشبكات العنكبوتية في العالم، على اختلاف هوياتهم وأعراقهم؛
- قدرته العجيبة على التحرك السريع في الدعاية والتعبئة؛
- صدوره عن عقلية عملية، تنأى بنفسها عن كل سفسطة وديماغوجيا.
- تخففه من كل تعصب حزبي، أو إيديولوجي مغلق.
إن انتشار استعمال الأنترنيت، باعتباره آلية تختزل ثقافة جيل جديد، عجَّل بانبثاق ممارسات جديدة على جميع الصعد، السياسية، الثقافية، الاجتماعية، والاقتصادية. وبذلك، يكون العالم الافتراضي قد حل محل العالم الواقعي، من خلال تجاوز حواجزه، بالنظر إلى إمكانية " التحرر المطلق من الزمن وإكراهاته".(14) إضافة إلى التحرر من إكراهات المكان نفسه. وبالنتيجة، يكون التحرر من شرطي الزمان والمكان عاملا حاسما في الانقذاف الذاتي- الجماعي في خضم مختلف ثقافات العالم، شرقه وغربه، شماله وجنوبه. وعلى هذا الأساس، ليس من الغرابة في شيء أن يكون العالم الافتراضي العالم الأمثل لممارسة الديمقراطية، بكل ما تعنيه من حرية في التعبير، حرية في الاختلاف وحرية في الاعتقاد.
في هذا السياق، بتنا نسمع عن بعض المحللين أن الحزب الأكثر شعبية وديمقراطية وقدرة على تحشيد الراي العام وتعبئته، هو الحزب الالكتروني/ الافتراضي. وما يراه البعض حول عدم إمكانية حلول ما نسميه " الحزب الافتراضي" محل الحزب التقليدي، بدعوى غياب مبدأ المساءلة بصفتها شرطا تعاقديا بين الحاكم والمحكوم، هو أمر يقصر عن الذهاب بعيدا في الاعتراف بالمتغيرات المفترض حدوثها في العلاقة بين المتعاقدين.(15) فالتعاقد، في أساسه أخلاقي، ومن ثم فإن فسخه يكون بقطع الصلة " الأخلاقية"، التي من مرتكزاتها فقدان الثقة في المتعاقد معه بناء على برنامج محدد.
ليس بغريب أن يتوقع المرء انتهاء أجل ظاهرة الحزب، بصفته المادية، في ظل المتغيرات المعلوماتية الطارئة المتسارعة. هذا، كما أن لا شيء يحول دون التعاقد على البرامج السياسية عبر المواقع الافتراضية، التي يمكن تصورها على أساس أنها " مقرات" حزبية حقيقية. فالتعاقد يكون على الأفكار، ومن ثم لا يهم طبيعة الفضاءت التي يتم التواصل عبرها ومن خلالها. والواقع أن غير قليل من الأحزاب شرعت في التقليل من الاحتكاك المادي في صفوف مناضليها، لفائدة احتكاك آخر من طبيعة افتراضية عبر الشبكات العنكبوتية.
من جهة أخرى، ليس صحيحا أن التواصل بين المثقفين الافتراضيين، عبر الأنترنيت، يكون موضوعه الثابث قضايا " مستعجلة" محدودة في الزمان والمكان. فمثلما يكون التعاقد على تنظيم مسيرة معينة، محددة في موضوعها وزمانها، يكون التعاقد على التواصل المستديم، خدمة لقضايا ذات أبعاد طويلة الأمد. إن للمسألة صلة بتعاقد أخلاقي، تكون متانته مترتبة بحكم طبيعة الخلفيات الاجتماعية والسياسية وحتى العاطفية المشتركة. هل يمكن القول بأن من سمات الكائن الافتراضي، الذي هو بفعل وجوده مثقف، الانعزال في غرف الدردشة، بمنأى عن عالم التواصل المادي المباشر؟ هناك أكثر من مؤشر على ذلك، بحيث لا يبقى للتواصل المادي من معنى غير تتويج التواصل الافتراضي في لحظة حسم معينة.
-5-
لقد بات من نتائج الحراك الشبابي العربي، انبثاق حركات شعبية مطالبة بالتغيير الجذري في أكثر من بلد. وقد مثلت هذه الحيوية الاجتماعية، على الصعيد الوطني، حركة شباب عشرين فبراير. والملاحظ أن وجود هذه الحركة، ساعد باتجاه الانعتاق من " عنق الزجاجة" على أكثر من صعيد. فبعد ما عرفته الحكومة الأخيرة من ركود في أكثر من واجهة، ومنها الثقافية تحديدا، جاءت مطالب الفبرايرين في إبّانها، مُعجِّلة باتخاذ الدولة عدة إجراات للجواب على أسئلة المرحلة. فإضافة إلى بعض التدابير الاجتماعية، من قبيل الزيادة في الأجور وتشغيل عدد من معطلي الشهادات العليا، يمكن الحديث عن إجراءين مرتبطين، اعتبرتهما السلطات العليا إجراءين حاسمين، من شأنهما تلافي البلاد المصائر المرعبة، التي شهدتها بعض البلدان العربية. وقد تمثل هذان الإجراءان في ما يلي:
- التعديل الدستوري من جهة؛
- إجراء انتخابات سابقة لأوانها من جهة أخرى.
فبعد الجمود الذي عرفته المسألة الدستورية، بفعل التماطل " البراغماتي" الذي أبداه معظم الفاعلين الحزبيين اتجاه الموضوع، انبثقت حركة الشباب ليكون على رأس مطالبها الاستعجالية: تعديل الدستور. ويمكن القول بأن موضوع التعديل، نفسه، بات متجاوزا، مادام المطلوب تغييرا جذريا، يراهن على ملكية برلمانية مثلما هي متعاقد عليها دُولياً. وإذا كانت مطالب الشباب، في مختلف الثورات العربية الأخيرة، التفت حول شعار " إسقاط النظام"، فإنها التفت لدى الشباب المغاربة حول شعارين اثنين عموما، هما:
- تغيير الدستور الحالي، باتجاه تأسيس ملكية برلمانية آنيا؛
- إسقاط الفساد بجميع أشكاله، مع البدء بمحاكمة المتورطين في ممارسته.
مما لا شك فيه أن شعار التغيير الدستوري، استهدف القطع مع تلك الإصلاحات " النسبية"، التي كانت تتحقق جزئيا وفق كل مرحلة وسياق موازين القوى فيها. وبالنظر إلى طبيعة المرحلة، فقد شهد الاستفتاء على التعديلات الدستورية الأخيرة " مبالغة" كبيرة في التعاطي معه، إلى درجة اعتُبِر فيها الاستحقاق استفتاء على " شخص" الملك نفسه. وبصفة عامة، فقد توزع الرأي العام الوطني، في ما يخص الموضوع الدستوري، موقفان:
1- موقف إيجابي، انتهى إلى أن الدستور " المعدَّل" خطوة متقدمة، بالمقارنة مع الدستور المعمول به سابقاً. والملاحظ أن هذا الموقف ظل يقوم، في أساسه، على مبدإ التدرج النسبي/ التعديل بالـ" جرعة" في التعاطي مع المسألة الدستورية ، بما لا يذهب إلى حد إقرار الملكية البرلمانية، هكذا دفعة واحدة.
2- موقف نقدي، انتهى إلى اعتبار التعديل الأخير التفافا على إرادة " الشارع"، المتمثلة في المطالبة بتحقيق ملكية برلمانية صريحة "الآن". وبالنسبة لمتبني هذا الموقف، فإن من شأن هذه الملكية نقل البلاد من طور إلى آخر، في إطار رفع مختلف التحديات التي تعترض تقدم البلاد، ورفاهية المواطن فيها وكرامته، خصوصا في السياق الدولي الحالي الذي توالت فيه العواصف المالية والاقتصادية من كل جانب.
واليوم، وإن أريد للموضوع الدستوري أن يجد منتهاه في صناديق الاستفتاء لدى البعض، فإن السجال حوله ما يزال يشحد همم البعض الآخر، خصوصا بالنسبة لمن يقدرون حتمية الانتقال إلى الملكية البرلمانية "الآن". ولأن الدستور ظل يشكل موضوعا ثقافيا بامتياز، منذ أن تم تدشين التفكير فيه وفي جدواه مغربيا، فقد اكتسب الأمر بعدا أقوى، بالنظر إلى قضيتين اثنتين، شغلتا حيزا مهما من الاهتمام. تتصل الأولى بطبيعة الدولة من حيث هويتها الدينية، في حين تتصل الثانية بطبيعة المكانة المزمع إيلاؤها للمسألة اللغوية، في جانبها الخاص بالأمازيغية.
أما في ما يخص الجواب الثاني على الحراك الشبابي، فقد تمثل في إجراء انتخابات سابقة لأوانها بتاريخ 25 نونبر الفائت (2011). ومثل النقاش الدستوري الذي لم يتم إغلاق بابه بالمرة، كذلك كان الحال بالنسبة لفوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي بالأغلبية النسبية، نظرا لطبيعة الخصوصية الهوياتية التي يمركز خطابه عليها، والتي يتوقع أن يكون لها تأثير في طبيعة الاختيارات المزمع تجسيدها على أرض الواقع، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا.
وبالرغم من براغماتية الحزب الإسلامي على المستوى السياسي، المشهود له بها منذ أحداث 16 ماي الإرهابية، فإن صفته تلك سرعان ما كانت تنتفي، بفعل توجيه سهام إعلامه الحزبي إلى بعض القضايا ذات العناوين الثقافية، من قبيل جرأة بعض الأعمال السينمائية و المسرحية. ولعل اصطفاف حزب القواات الشعبية ضمن قوى المعارضة، من شأنه المساهمة في تحشيد قوى اليسار، بما يجعل التقاطب السياسي حادا بين كتلتين كبيرتين: إحداهما محافظة ذات نزوع وطني- إسلامي، وثانيتهما حداثية ذات نزوع يساري- ليبرالي. ونظرا لحجم التحديات الاجتماعية والاقتصادية المطروحة على البلاد، فإن التحديات الثقافية لا تقل عن سابقاتها أهمية، بالنظر إلى التربة الاجتماعية التي ستكون مجالا لحيويتها ونشاطها.
إن المرآة الثقافية لشد ما تتمرأى، على صفحتها، التجاذبات السياسية والاجتماعية، وحتى الاقتصادية. ولذلك، فإن المجال الثقافي، مدعوما بالمجال الإعلامي، سيتقرر غناه بحجم الأسئلة المراد اختبارها داخل المجتمع، المنوي تكريسه أو حتى التبشير به من قبل هذا الطرف أو ذاك. من هذا المنطلق، تبدو الاصطفافات الحزبية/ الإيديولوجية " الطبيعية" موضوعا ثقافيا، بحكم الوضوح الذي يمكن أن تسلطه على مختلف الأسئلة، المزمع تجسيد أجوبتها في شكل برامج حكومية أو برامج مُعارضة.
وبغض النظر عن طبيعة الانتظارات الحكومية، من حيث إمكانية تحققها على كافة المستويات أو بعضها، فإن تحشيد المواقف باتجاه دعم حركة 20 فبراير يعتبر حيويا بالنسبة لقوى التغيير والتقدم، خصوصا في ما يتصل بالمطالبة بإسقاط الفساد في المرحلة الحالية، بدءا بمحاكمة مقترفيه المتعددين، الذين تتوفر " الدولة" بشأنهم على تقارير من المجلس الأعلى للحسابات. ومن الجدير القول بأن المطالبة المتمثلة في تخليق الحياة العامة، يجعل جمعية مثل اتحاد كتاب المغرب في قلب المعضلة الاجتماعية، إلى جانب جمعيات أخرى قطاعية مهتمة بالموضوع. ويبدو أن اصطفاف اتحاد كتاب المغرب ضمن هذه القوى التغييرية الحية، بإمكانه تخويله دوره الاستراتيجي- التاريخي، الذي تميز به على مدى عقود، خدمة لتقدم المغرب ورفاهية مواطنيه.
-6-
يبدو أن الاعتراف بحقوق الذات في اكتساب صوتها النقدي المستقل، يكون غير ذي معنى واقعي، في حال الذهاب إلى حدود الفصل القيصري بين ما هو ثقافي وبين ما هو سياسي. فالفصل، إن اقتضى الحال، هو فصل منهجي ليس غير.. وإلا كيف لا يكون الدستور، في هذه الأيام، مسألة ثقافية بامتياز، من حيث هو لغة وفكر قبل كل شيء. وفي الإطار نفسه، لا ينبغي أن ننسى أن المسألة الثقافية في المغرب الحديث والمعاصر، اكتسبت قوة حضورها وإشعاعها من مجالين كبيرين اثنين، هما: الدستور والصحافة.
من المؤكد أن المسالة الثقافية، في العقود الأخيرة، آخذة في التنوع والتعقد بشكل كبير ومتسارع. ولا يدري أحد، إلى اليوم، مآل استهلاك الإنتاج الثقافي وتداول منافعه، في ظل ما يشهده العالم من ثورة في وسائل الإعلام والاتصال. من هنا، يعتبر من الذكاء الالتفات إلى ما يعتري المجال الثقافي من متغيرات، بفعل تأثير التكنولوجيا الرقمية الحديثة، سواء على مستوى الإنتاج أو الاستهلاك أو التداول. ولذلك، يبدو أن كثيرا من المؤسسات الثقافية، بالنظر إلى طبيعة أسئلتها وأبعادها، في حاجة إلى إعادة قراءة، تنتهي منها إلى مبادرات جديدة.. من شأنها أن تتعدى قاعة الانتظار الضيقة، التي وضعت نفسها داخلها منذ عقد ونصف، وما يزيد بقليل.
مما لا شك فيه أن الثقافي، في تقاطعه بالسياسي بهذه الصورة أو تلك، سيظل له حضوره الرمزي الفاعل في المخيلة والوجدان. والملاحظ أن ظهور نوع جديد من المثقف، أي الافتراضي، سيستديم الحاجة إلى المثقف الإيجابي: الحاجة إلى فكره النقدي التنويري، الذي يجعله في طليعة مجترحي الأسئلة القلقة الجريئة، في علاقتها بمصير الإنسان وسعادته على وجه الارض.
وبالنظر إلى تلك الحاجة للمثقف، هناك قضايا مطلوب تعميق النقاش فيها داخل اتحاد كتاب المغرب، بل وأكثر من ذلك الحسم فيها. ولعل من بين أهم القضايا، تبرز تلك التي لها صلة بعنوان الحداثة، وبالأخص في نزوعها العلماني.. هذه الحداثة المطلوب ودها من قِبَل غير قليل من النزعات" التنويرية"، سواء تمثلت في أفراد أو مؤسسات. وفي هذا السياق، يبدو تحقيق التوازن بين جناحي الحداثة، ممثليْن في الفكر والممارسة، أمر له نتائجه في استعادة حيوية هذه الحداثة، بوصفها حتمية تاريخية إن أريد لنا مكان ما تحت شمس العالم. فما أخطر من استهلاك الحداثة، باعتبارها تحديثا سطحيا، دون أن يطول ذلك مجال القيم في حياة المواطن، ونظرته إلى الواقع وطرق تدبيره له.. المطلوب، هنا، الحداثة بوصفها تربية على احترام الإنسان، والإيمان بقدراته على العطاء والإبداع.
ومن الغريب، والحال على نحو مضطرب، أن تتقدم الشعارات الحداثية المرفوعة، كأنها الحداثة نفسها متجسدة على أرض الواقع. في هذا السياق التحديثي، الذي غالت فيه ثورات الاتصال والمعلوميات المتتالية، يُلاحظ ارتداد قوي لشرائح اجتماعية واسعة إلى ثقافة التقليد، من خلال دعم قوى المُحافظة على الصعيد السياسي/ الحزبي. ولعل من المفارقات القوية بهذا الخصوص، استفادة هذه القوى المُحافظة من ثورات الربيع العربي، بالرغم من تعاملها البراغماتي مع هذه الثورات حينا، أو الوقوف في وجهها " على الضد" حينا آخر.
إن الحداثة هي الإطار العام، الذي ينبغي لاتحاد كتاب المغرب تأكيد التحرك ضمنه في هذا السياق العربي/ المغربي الملتبس. وأعتقد أن ما يمكن التنصيص عليه بهذا الخصوص، يطول جملة أمور.. ومنها، بالتحديد، العناوين التالية:
- حقوق الإنسان، في أبعادها الفردية والجماعية، وهي حقوق لم يتم الأخذ بها على نحو واسع وحاسم. فقضايا من قبيل المثلية الجنسية، إفطار رمضان، ينبغي أن تندرج ضمن إطار عام، ألا هو حرية الاعتقاد والتمذهب. وإذا أضفنا مطلب حرية النشر والإعلام، اتضحت أمامنا نوعية القضايا الحقوقية الملحة، التي تؤشر بوجودها على طبيعة المجتمع المزمع بعثه وتكريسه. إن تبني هذه الحقوق وغيرها التبني الملموس، مثلمل هو متعارف عليه كونيا، من شأنه أن يحول دون الالتفاف على قضايا أخرى تبدو أكثر استعجالا، لها صلة بتحقيق العدالة الاجتماعية: اقتسام الثروة الوطنية تحت جميع عناوينها ومسمياتها.
- المسألة اللغوية، في مقاربتها الثقافية، بما هي قضية مجتمع كامل، وليس جزءا من مجتمع. وحين تتم الإشارة إلى المقاربة الثقافية، يُراد أن تنتفي تلك " المظلومية" الاجتماعية التي يرفعها جزء من المجتمع في وجه الجزء الآخر، والتي تشتغل على مستوى الوجدان والمخيلة والذاكرة. فلا الاعتراف الرسمي/ الدستوري، يمكن أن يحسم في الموضوع، في غياب إرادة مجتمعية متكاملة، تعترف بالهوية المتعددة والمتحولة باستمرار.. مادام البحث عن الإنسان، في كينونته، هو الهدف الأسمى من كل مقاربة ثقافية. ويبدو أن أي اختبار حقيقي لتجسيد التعدد والتحول في الهوية، ينبغي أن ينصب على السير، بحزم وثبات، في طريق تبني " الجهوية" المتكاملة والمتضامنة، في مختلف أبعادها الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ومن المطلوب بهذا الصدد، أن يشجع تبني الجهوية على انتفاء واقع التمركز الذي ظل يحكم الإدارة المغربية على مختلف الأصعدة.
- قضية المرأة، ضمن مجال أكبر هو مجال الأسرة، بما هي قضية يتوقف عليها تقدم المجتمع نحو تكامله السعيد. فالمطلوب أن يمس التغيير البنية، بما لا يجعل القضية منحصرة في الأفراد، مهما حاولت المبادرات الاجتماعية والسياسية تمييز المرأة تمييزا إيجابيا.. من خلال إعمال مبدإ الكوطا. وأعتقد أن سنوات من إخراج قانون تنظيم الأسرة، ما يزال الواقع دون أن يخول لـ" نصف المجتمع" المكان الحقيق به، ضمن المشهد الاجتماعي العام: المساواة بين الجنسين. بهذا المعنى، تكتسب قضية المرأة بعدها الثقافي، الذي بدونه تنتهي مختلف المبادرات التنموية بخصوص تعليم العنصر النسوي، والحد من استعمال العنف ضده.. إلى الفشل، بحكم المقاربة التكنوقراطية المُراهنة الكبيرة على البعد المادي.
- التنمية الإعلامية، باعتبارها حقا ينبغي تحصيل خيراته من قبل جميع المواطنين، إضافة إلى الحق في الشغل والصحة والتعليم، وغيرذلك. فالكائن الكوني، المطلوب الحلول فيه، بما هو تجسيد لقيم الإنسان الحديث، ينبغي أن يكون على مرمى بصر الجميع، الغني والفقير، المديني والقروي، القريب والبعيد. ولأن العنوان الكبير هو التواصل، فمما لا معنى له أن يظل بعض من المجتمع َقصِيّ في وحدته، ما يزال واقعه لا يطول حتى الحافلة في مدشره، فبالأحرى القطار والطائرة والباخرة والأنترنيت. يبدو أن التواصل، في مفهومه العام، عنصر دلالة على حياة المجتمع وحيويته في نفس الآن. وإن كان التواصل المادي، عبر وسائل النقل المختلفة، يساهم في فك العزلة عن فئة عريضة من المواطنين، وبالتالي تمكينهم من سبل عيش وصحة جيدين، فإن من شأن التواصل الثقافي أن يمنح لحياة هؤلاء المواطنين معنى، خصوصا بالنظر إلى وسائل الاتصال المستحدثة في الموضوع. ولصلته بالبعد الثقافي، فإن من خصوصية الاتصال الحديث العمل على ردم الحدود " القائمة" بين الشعوب، بفعل التمترس الديني والعرقي واللغوي وما شابه.
- استهلاك الآداب والفنون، في إطار استراتيجية ثقافية- سياسية، بمكنتها أن تضمن للمواطنين، على اختلاف مشاربهم الاجتماعية والتعليمية، الولوج إلى ساحات تلك الآداب والفنون، والاستفادة من خدماتها، باعتبارها عناصر تربوية مساهمة في تحصيل قيم الخير والجمال، وإشاعتها داخل المجتمع. وبطبيعة الحال، يمكن أن يكون المدخل إلى ذلك أكثر من باب، مما يقترحه مجموعة من الفاعلين الثقافيين للنهوض بالشأن الثقافي في بلادنا. وإن كان غير قليل من الفاعلين الثقافيين يسجلون، بارتياح، تدشين بعض من البنيات التحتية المهمة، من قبيل المكتبة الوطنية، المتحف الوطني.. ، إضافة إلى تبني برامج طموحة ممثلة في دعم الكتاب والمسرح.. فإن المراهنة المستقبلية ينبغي أن تتركز على المبادرات ذات الطابع الأفقي، عبر امتداد التراب المغربي في مختلف جهاته وأقاليمه.
وفي نفس السياق الرسمي، الخاص بتدبير الشأن الثقافي، تدعو الحاجة إلى إعادة بعث المجلس الأعلى للثقافة، باعتبار أهميته في ما يخص التنسيق بين مختلف القطاعات ذات العلاقة بالثقافة. وإن كانت الأخيرة تقع تحت التصرف المباشر لوزارة الثقافة، فإن هذا لا ينفي تميُّز الشأن الثقافي بكونه " أرضا" مشتركة لأكثر من قطاع حكومي، من قبيل التربية والتعليم، الأوقاف، الصناعة التقليدية، السياحة، الخارجية، والشباب. فلكي تتحقق التنمية الثقافية، بشكل متنام ومتساوق، من الأجدر التفكير في وضع استراتيجية ثقافية، يشرف المجلس المذكور على التنسيق بين مختلف المتدخلين الثقافيين، كانوا ممثلين لجهات رسمية أو غير رسمية.
إنها مجرد عناوين، لاشك في أن وجودها يتعزز بعناوين أخرى من حجمها. وإن كانت الحداثة تمثل الأفق الفكري، فإن حقوق الإنسان، الفردية والجماعية، تمثل العناوين الملموسة لذلك الأفق. وأعتقد أن طريق التوسع في تلك الحقوق، ينبغي أن تحكمه تربية على التعاطي، بإيجابية، مع ما يمنحه لنا مجالان معرفيان اثنان، هما: الفلسفة (ضمنها علم الجمال) والسوسيولوجيا، باعتبارهما حصيلة دروس، ينبغي تحصيلها، ابتداء، مما يمنحه التعليم العمومي في بلادنا.
ومن هنا، تبدو حيوية إصلاح التعليم.. الإصلاح غير المجتزأ الذي لا يراهن على بعض المقاربات المحدودة من حيث الموضوع والنوع والفئة. وإذا كانت المراهنة على تعليم " مكيف مع سوق الشغل" بالدرجة الأولى، فإن ذلك لا ينبغي أن يسير باتجاه اختزال الكائن " المواطني" في جانبه العملي/ المادي، دون باقي الأبعاد التي يأتي في مقدمتها البعد الثقافي أساسا.
-7-
وفي الأخير، يمكن القول بأن الواقع المغربي، ضمن الواقع العربي، مُشَرَّعة أبوابه على نسمات التغيير والمستقبل. ولأن الشباب وراء تلك النسمات، فالتغيير والمستقبل يزدادان وضوحا واتساعا وابتهاجا.
فشكرا للحظات الأمل القوية هذه.. أقصد شكرا للشباب العربي الثائر على الظلم والاستبداد والفساد.
شاعر وناقد
هوامش
(1)- هذه الورقة الثقافية جزء من كتيب مخطوط، بعنوان " المثقف المغربي: من العضوي إلى الافتراضي". ونظرا للمتغيرات الطارئة في المغرب خلال السنة المنتهية، بتأثير من ثورات الشباب في أكثر من بلد عربي، فقد تم تحيين كثير من المعطيات الواردة في هذه الورقة، وفي مقدمتها التعديل الدستوري ووصول حزب العدالة والتنمية إلى رئاسة الحكومة.
(2)- في كلمته إبان افتتاح المؤتمر العاشر لاتحاد كتاب المغرب، استعرض الأستاذ اليابوري بعض الأسئلة الثقافية التي شغلت الرأي العام الثقافي، اعتمادا على رئاسيات كل من الحبابي وغلاب وبرادة. ويمكن تلخيص ما جاء في تلك الكلمة، من خلال القول بأن فترة الحبابي تميزت بخطابها الإنساني العام، بموازاة الانشغال بتصليب عود الاتحاد من الناحية التنظيمية، بمعزل " عن تعثرات السياسة وتقلباتها". هذا، في حين تميزت فترة عبد الكريم غلاب بسؤال الديمقراطية، على أساس أن الحرية لا يمكن أن تنمو إلا في إطار نظام ديمقراطي غير مفروض. أما فترة الأستاذ محمد برادة، فقد كان المجال فيها متاحا لبروز سؤال ثقافة تقدمية/ تحررية من منظور قومي، ضدا على ثقافة رجعية " قائمة على إيديولوجية محافظة تبريرية ملتبسة"، اتحاد كتاب المغرب: المسار والأفق، مجلة نوافذ، العدد الرابع عشر، نوبر 2001.
(3)- يتعلق الأمر بثلاثة جمعيات، هي: اتحاد كتاب المغرب، بيت الشعر في المغرب، الائتلاف المغربي للثقافة والفنون . وللإشارة، فإن كثيرا من الأدوار التي كان يقوم بها اتحاد الكتاب صارت بيد الائتلاف، وهو كيان لم يصلب عوده، بعد، ولم تتضح هويته بشكل أكبر، ولا جوانبه التنظيمية.فمن غير المعقول أن يتم توكيل غير قليل من الملفات إلى الائتلاف، في الوقت الذي توجد فيه جمعية بحجم اتحاد كتاب المغرب عاطلة عن كل فعل ثقاافي.
(4)- في نفس الإطار، يمكن الحديث عن دعوتي الأستاذ محمد برادة المثقفين المغربية إلى الالتفاف لمناقشة قضايا الثقافة في البلاد. فبعد الدعوة الأولى التي جرى تاريخها في 04 نونبر2011، بدون حضور مهم، أعاد برادة نفس الدعوة، لكن بتاريخ جديد، حدد له يوم 26 مارس 2011 بالمكتبة الوطنية. وفي إطار البلاغ الصادر، الموقع من قبل برادة، نستطيع استنتاج أهم الخطوط العريضة لمقاربة المثقف للشأن الثقافي بالمغرب. يتعلق المحور الأول بالمحددات العامة للاستراتيجية الثقافية. ويتضمن المرجعية العامة لتمتين الحداثة الثقافية، وعلاقة الرؤية الاستراتيجية بالواقع الثقافي، وتبين سبل تحويل الثقافة إلى شأن عام موسع، والثقافة والتحولات العالمية، والصناعة الثقافية (الارتهان بحاجيات السوق واقتصادياته)، وتدبير القيم، والثقافة وأسئلة المجتمع والهوية، والثقافة والتنشئة الاجتماعية والتعليم، وترشيد الحقل الثقافي وأسئلة الديمقراطية، والوضعالاعتباري للمنتج الثقافي. أما المحور الثاني، فيتعلق بالتصور الاستراتيجي لمجالات الإنتاج الثقافي الفني. ويتضمن هذا المحور المواضيع التالية: الإنتاج الثقافي ومجالاته المتعددة (المسرح- السينما – الفنون التشكيلية… الخ)، الثقافة الشفوية والتراث الشعبي،والثقافة ووسائط الإعلام والتكنولوجيا الحديثة، الإنتاج الثقافي والنشر والتوزيع، الإنتاج الثقافي واستهلاكه، والإنتاج الثقافي والتدبير المؤسساتي (البرامج الحكومية- البرامج الحزبية- مؤسسات التكوين- دور الثقافة – المكتبات…الخ).
(5) ، المغرب المعاصر، ص. 36. - محمد عابد الجابري يرى أنه مع سعيد حجي سـتشرع المسألة الثقافية في فرض نفسها" كقضية وطنية وكقضية مستقبل"
(6)- اتسمت نظرة بعض المثقفين ممن يعتبرون أنفسهم " مستقلين" بالعدمية اتجاه كل ما له علاقة بالأحزاب السياسية. إن إعلاء الذات الفردية في وجه الذات الجماعية، كان يصدر عن نرجسية مغالية، كثيرا ما صار المثقف بحسبها " كأنه حزب بمفرده. حزب مغلق سلبي غير فاعل" على حد تعبير الجابري. ومثلما اعتقد المفكر المغربي، فإن " المشكلة ليست مشكلة الارتباط بالحزب. المشكلة الحقيقية هي مشكلة الحزب ذاته. ذلك أن المثقف الحقيقي لا يتحول إلى قوة مادية إلا داخل حزب ما. المشكلة : أي حزب؟"، مواقف، النقد الإبستمولوجي والاستقلال التاريخي، عدد16، ص58.
(7)- المقصود بذلك الشاعر أحمد المجاطي الذي لم يكف الشاعر محمد بنيس عن اتهامه بارتباط قصيدته بالتأريخ للحزب" الاتحاد الاشتراكي"
(8)- ينظر إلى الوهابية على أنها حركة دينية، في حين أن مضمونها يتعدى ذلك إلى ما هو ثقافي، كان له تأثير كبير، من عدة نواح اجتماعية وسياسية.
(9)جاء في كتاب في المرجع السابق للجابري أن أول صحيفة عربية ظهرت بمدينة طنجة سنة1908،هي صحيفة " المغرب"أسسها عرب مسيحيون من لبنان،ص.19.
(10)- المرجع نفسه، ص.33.
(11) - في الحالة المصرية، وجدنا جميع المصريين يشاركون في الثورة على نظام مبارك، مسلميهم وأقباطهم.أما في حالتنا المغربية، فقد رأينا انخراط جميع المغاربة، من يسار ووسط ويمين وإسلاميين، إضافة إلى فعاليات حقوقية وأمازيغية، وغير ذلك في مسيرات حركة 20 فبراير الشبابية.فباستثناء بعض القيادات الحزبية المتحفظة في البداية، وجدنا الغلبية العظمى من الفئات ممثلة في المسيرات .
(12)- عن أهمية الأنترنيت، نسجل فقرة للأستاذ عبد النبي رجواني، يقول فيها غير بعيد عن السياق الذي نحن بصدده:" من المؤكد أن منظمات المجتمع المدني والحركات الاحتجاجية، المحلية والعالمية، استفادت من توظيف من مميزات الأنترنيت وكاميرات الهواتف المحمولة لتطوير أساليب عملها ( متابعة لحظية غير مكلفة، تنسيق سريع وعن بعد، تعبئة مستمرة، تجاوز بعض وسائل الرقابة) وإسماع صوتها من وفي كل أنحاء العالم..."، الأنترنيت والديمقراطية، إنعاش وتجديد أم تقويض وتأزيم؟، منشورات الزمن، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيؤضاء، 2011، ص.197.
(13) - الكتلة التاريخية مفهوم غرامشي، دعا الأستاذ الجابري إلى تحقيقها على صعيد الوطن العربي.
(14) - عبد النبي رجواني، المرجع السابق، ص.196.
(15)- الواقع أن هذا الراي للأستاذ رجواني الذي عبر عنه من خلال قوله التالي: " والحزب خاضع للمساءلة على عكس الجماعات الافتراضية التي قد تتوفق في الضغط على المؤسسات الديمقراطية في لحظة معينة وبخصوص قضية معينة... وقد يكون أثر الضغط إيجابيا بالنسبة للديمقراطية، لكنه ليس كل الديمقراطية"، نفس المرجع، ص.200.