انتهى مؤتمر الاتحاد إلى تشكيل أجهزة جديدة برئيس قديم جديد انتخبه هذه المرة المؤتمر مباشرة، إلى جانب مكتب تنفيذي ومجلس إداري. واعتبرت وسائل الإعلام أن هذه المنظمة الثقافية العريقة قد خرجت أخيرا من عنق الزجاجة، وتخطت سرير الموت الذي كان ينتظرها قريبا. لكن البيان العام للاتحاد لم يصدر كالعادة في نهاية المؤتمر ليحدد مواقف الكتاب المغاربة من القضايا الوطنية والعربية والدولية التي تشغل بالهم، لأن ما قدم إلى المؤتمر كمشروع كان ضعيفا وناقصا بسبب التهييء الاستعجالي لوثائق المؤتمر، بل إن تلك الورقة لم تكن حتى في مستوى الكلمة التي ألقاها عبد الرحيم العلام في افتتاح المؤتمر، وبالتالي على الرأي العام أن ينتظر اللجنة التي عينها المؤتمر لصياغة ذلك البيان العام على مهل كي تعبر فعلا عن مواقف الاتحاد من تلك القضايا.
كان انطلاق الأشغال بعد الجلسة الافتتاحية البرتوكولية كارثيا، حيث أن أعضاء المكتب التنفيذي الذين لم يلتقوا منذ مدة كما يجري عادة لمناقشة التقريرين الأدبي والمالي والمصادقة عليهما قبل تقديمهما إلى المؤتمر، فضلوا أن يحولوا تلك الجلسة إلى اجتماع للمكتب التنفيذي، يتنابزون فيه ويصفون حساباتهم أمام أنظار المؤتمر، وكل منهم يحاول جر المؤتمرين إلى صفه لولا تدخل عدد من العقلاء لتهدئة الأجواء وتفادي تفجير المؤتمر وإعلان موت المنظمة رسميا.
لم تبدأ تلاوة التقريرين الأدبي والمالي إلا في ساعة متأخرة من الليل، في حين أن البرنامج المسطر لم يضع أمام المؤتمرين إلا يوما وبعض السويعات لينهي أشغاله. ومع ذلك استأنفت الأشغال في صباح اليوم الموالي بشكل متأخر من خلال التدخلات المعقبة على التقريرين، ولم ينتقل المؤتمرون إلى اختيار رئاسة المؤتمر والانطلاق الفعلي في مناقشة التعديلات المطروحة على القانون الأساسي إلا في الوقت الذي كان يفترض –حسب البرنامج المسطر- أن تكون الأشغال منتهية.
طريقة انتخاب الأجهزة أخذت حصة الأسد من النقاش، وبينما كان هناك ثلاث آراء عبر عنها المتدخلون، وهي انتخاب الرئيس لوحده مباشرة من المؤتمر، أو الحفاظ على الصيغة القديمة واختياره من طرف المكتب التنفيذي، أو انتخابه من خلال لوائح واضحة تقدم للمؤتمرين على أساس برامج واضحة، فإن رئاسة المؤتمر فضلت بعد نقاش طويل طرح الرأيين الأولين للتصويت وإقصاء الموقف الثالث الأكثر انسجاما، لسبب مجهول؟
بل إن رئاسة المؤتمر ستتجاوز خلال عد الأصوات تسجيل عدد الممتنعين وقد كان عددهم محترما من الذين لم تقنعهم الصيغتين معا، لأن اختيار الرئيس لوحده من المؤتمر ليس كافيا لتكريس ديمقراطية انتخاب الأجهزة، على أساس أن انتخاب أعضاء المكتب التنفيذي بالطريقة المعهودة يفتح المجال لاستمرار أساليب الكولسة واللوائح السرية، ولا يعطي أي ضمانة للمؤتمرين بعدم تكرار مهازل الفترة السابقة، في حين أن الرأي الذي تم إقصاؤه من التصويت والذي كان يدافع عن انتخابات من خلال لوائح واضحة يتقدمها مرشحون للرئاسة وتستند إلى برامج تحدد التزام كل لائحة أمام المؤتمرين، حتى يختاروا بين هذه اللوائح بحرية وفي وضوح وشفافية تامة، هو الأسلوب الأكثر دموقراطية والأكثر وضوحا والأكثر استيعابا للتعدد الذي يعرفه الاتحاد. لكن العقلية المحافظة داخل الاتحاد أبت إلا أن تفوت الفرصة وتقبل مرغمة على التقدم نصف خطوة بقبولها انتخاب الرئيس مباشرة من المؤتمر لتلتقي مع الاتجاه الذي كان يدافع عن هذا الأسلوب المنقوص، وقد تبين ذلك جليا عندما رفضت رئاسة المؤتمر بشكل قطعي مقترح أحد المرشحين للرئاسة (بوسلهام الضعيف) الذي طالب بإعطاء كلمة لكل مرشح أمام المؤتمرين ليقدم نفسه ويبرر ترشيحه وبرنامجه، وقد بررت الرئاسة هذا الرفض بأن المقترح يتعارض مع تقاليد الاتحاد.
فهل يعقل أن يصل واقع الاتحاد إلى درجة مصادرة حق المرشحين في ألقاء كلمة أمام المؤتمرين بدعوى تعارضها معا تقاليد المنظمة؟ أو ليست بعض هذه التقاليد هي التي أوصلت الاتحاد إلى ما وصل إليه قبل المؤتمر؟ أم أن الأمر يتعلق في الحقيقة بتوافق ضمني على عدم تجاوز تلك التعديلات الجزئية والمحتشمة المتعلقة بطريقة انتخاب الأجهزة أو الكوطا الخاصة بالنساء، وترك هامش واسع لفعالية الكولسة والسرية والزبونية التي أنهكت الاتحاد ونالت من رصيده و سمعته وفعاليته؟
إن ما وقع في المؤتمر لم يكن أبدا تغييرا ولا انسجاما مع التحولات الكبرى التي عرفتها بلادنا ومحيطها الإقليمي والدولي، بقدر ما كان مجرد ترقيعات على أوتار المحافظة والتقليد لإفلات الاتحاد من عنق الزجاجة فقط بشرط استمرار ضبطه داخل الزجاجة وليس إطلاق سراحه للتحليق خارجها.
ومع ذلك يبقى الأمل في أن تتحمل الأجهزة الجديدة مسؤوليتها في العمل على إخراج المنظمة من زجاجة البيروقراطية والكولسة والشللية والغموض إلى أرض الديمقراطية والشفافية والمشاركة والتعدد الفعلي.
*عضو الاتحاد وعضو منتخب في مجلس إداري سابق