ليست الأزمة التي عرفتها جمعية اتحاد كتاب المغرب إثر استقالة الأستاذ عبد الحميد عقار في العام 2009 هي التوتر الوحيد الذي عاشته هذه الجمعية. يذكر أعضاء الاتحاد السنة التي انقسمت فيها الجمعية شطرين احتجاجا من الأديب أحمد المديني على عدم قبوله رئيسا للاتحاد، وهو ما قاده إلى الانسحاب من اتحاد كتاب المغرب وتأسيس جمعية جديدة تحمل اسم «رابطة الأدباء المغرب».
واعتقد البعض حينها امرين: إن الاتحاد سينتهي بسبب هذه الأزمة، أولا، أما الأمر الثاني فيتعلق بمصير الرابطة الجديدة، التي كانت التنبؤات تقول إنها لن تقوم لها أي قائمة. وما وقع هو ما أثبتته الأيام الموالية والسنون التي تلتها، وهو أن هذه النهاية المُفترَضة لمنظمة كتاب المغرب لم تكن ولم تعرف الرابطة النكوص، كما أن مؤسسها لم يرح لوحده إلى الاختيار االذي تبنّاه غضبا واستياء من رفضه رئيسا لجمعية الكتاب.
لقد استخلص الكتاب في ذلك التاريخ عبرة، وهي أن الاتحاد أقوى من أن تعصف به أزماته الداخلية، مهْمَا كانت قوية. وهل وقع في تاريخ المنظمة أخطر من أزمة أدّت الى تأسيس تنظيم جمعوي آخر للكتاب حرص أصحابه على التدقيق في اسمه لدواعٍ وخلفيات لم تخفَ على أحد في تلك الفترة العصيبة من تاريخ الاتحاد. ليس غرضنا هنا استعراض جميع أزمات الاتحاد، فلا فائدة في ذلك الآن. غير أنه لا بد من الإشارة إلى صنفين. يتعلق أحدهما بالصراعات السياسية الناتجة عن ميل الآحزاب إلى التواجد في الجمعيات دعما لخطها الحزبي واختياراتها السياسية، وهو أمر طبيعي تماما لأنه لا يمكن أن ننكر على الأحزاب أن يكون في صفوفها كتاب، مثلما لا يمكن أن ننكر على الكاتب اختياره الانتماء الحزبي.. وبالمثل، لا يمكن أن نتفادى صراع الآحزاب ضد بعضها البعض أو تدافع التيارات المختلفة داخل الحزب الواحد. ومن الطبيعي كذلك أن ينعكس هذا كله على الجمعيات أيا كانت مجالات أنشطتها. غير أن ما يُشكّل خاصية مغربية، هي مدعاة إلى الفخر والاعتزاز، هو من جهة حرص الآحزاب المغربية على أن يمثل داخل الاتحاد كل الطيف الحزبي المعنيّ بهذه الجمعية، ومن جهة ثانية، لم يحدث أبدا أن تم اقصاء اللا منتمين حزبيا..
لهذا المعطى ايجابياته وبالطبع له تبعاته، وهذا أمر لا يمكن الانفلات منه في مجتمع يسمح بالتعددية ويتخذ «الحرية» منطلقا ومنتهى.. وهو شأن الوضع في المغرب، الذي ما يزال الصراع فيه قائما، إلى اللحظة التاريخية التي نعيشها اليوم ببعض الاطمئنان وبكثير من الحذر والترقب، صراعٌ بين توجهين عامين عريضين.. توجه التقليدانية المتحجرة، والتي ما تزال قوية وفاعلة في المجتمع، وتوجه تقدمي حداثي إنساني ومتفتح. ومهْمَا كانت االتوهمات والمسبقات والنظرات التدميرية لدى الكتاب الذين يرفضون هذا القدَر الحزبي الثقافي، والثقافي الحزبي فإن كل متتبع موضوعي ومحايد لا بد أن يلاحظ أن الاتحاد استفاد استفادات هامة ودافعة بعجلة التقدم في مساره الخاص وفي المسار العام لخدمة الثقافة العالمة في المغرب. وبتعبير أكثر وضوحا، فإن التفاعل بين ما هو حزبيّ وما هو شأن خاص بالاتحاد كان، في عمومه، إيجابيا ولمصلحة الاتحاد ولم تكن الأحزاب تستفيد منه أكثر من الدعم الثقافي للتوجه التقدمي الحداثي ضد التوجه المحافظ، الذي كان، وما يزال، ينظر إلى الاتحاد بغير قليلٍ من الريبة والحيطة وعدم التقبل. أما الصنف الثاني من صنفي الأزمات داخل الاتحاد فهو المرتبط بالنزوعات الشخصية المفرطة في الذاتية والمتعاظمة في أنانيتها، وقد كان دائما وَبالاً على الاتحاد في الماضي وفي الزمن الجاري.
وقبل أن نختم هذه الملاحظات الموجَزة لا بد من القول إنّ الكاتب هو كاتب أولا ، يعيش للكتابة وبالكتابة ولا يستطيع أن يكون متلائما مع ذاته ومع العالم إلا وهو يكتب، وهو يكتب ليس لأنّ المجتمع في حاجة إلى كتاباته هو تحديدا، بل هو يكتب لأنه هو نفسه في حاجة تكاد تكون وجودية إلى لكتابة.. وهو ما يعني أن الكاتب المستقل والكاتب المنتمي إلى قضية ينافح من أجلها هو أولا وقبل كل شيء كاتب.. لذلك فإنه لن ينقص انتماء من كتابته بل قد يُعضدّها، ولن يزيده أن يكون عضوا في الاتحاد شيئا على الإطلاق. ومن حسن الحظ أن كل الكتاب يدركون هذه الحقيقة، التي لا يمكن أن تحتمل الاختلاف...
لذلك فإن المطروح اليوم هو التفكير الجدي في دور الاتحاد، الذي لم يعد هو الدور الذي اضطلع به في العقود الماضية، في أفق الإسهام في نمو الثقافة من أجل إنماء المجتمع وخدمة الأدب والإبداع من موقع الدفاع عن المكتسبات والتهيئ لابتكار أساليب جديدة تشمل مجالات الكتابة تحديدا.