اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي في تونس، الإثنين، بنعي الأستاذ الجامعي و"أيقونة" النقد الأدبي توفيق بكار، الذي رحل عمر يناهز 90 سنة بعد صراع طويل مع المرض. ونعت زارة الثقافة التونسية الراحل، في بيان، قالت فيه إن بكار يعد "عموداً من أعمدة الجامعة التونسية، وأحد أبرز مؤسسيها وأقطابها، بفضل سعة علمه وغزارة إنتاجه، أستاذاً معلماً وكاتباً كبيراً ومؤطراً حكيماً وناقداً عميقاً، ومحققا فذاً".
وخلال حفل تكريم اُقيم على شرفه العام 2014 بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس، أعرق كلية في الجامعة التونسية المعاصرة، نادى بكار، في درسه الأخير، بضرورة الاعتناء باللغة العربية والارتقاء بها إلى اللغة المنتجة للعلم والمعرفة وأوصى "وصيته الأخيرة" قائلا: "أوصيكم باللغة العربية خيراً".
تتلمذ على يديه أغلب أساتذة الحضارة العربية في تونس، وقد جايل توفيق بكار الروائي التونسي محمود المسعدي والأديب التونسي الحبيب بولعراس. رحل الأديب التونسي وبقيت قيمته الأدبية راسخة ومكانته الثقافية خالدة، وهو ما انعكس بشكل ملحوظ في عبارات الرثاء والدعاء، التي انهالت على روحه من قبل النخب الفكرية التونسية. ونعاه عدد كبير من الكتاب والأدباء التونسيين بينهم محمد عيسى المؤدب، كمال الرياحي، عبدالجبار المدوري، وعبدالمجيد فرحات، وكذلك "الجمعية التونسية للفنون والآداب" (غير حكومية).
ولد الراحل في 31 ديسمبر/ كانون الأول 1927 بتونس العاصمة، وهو من مؤسسي الجامعة التونسية (1960)، وأحد أبرز أعمدتها الراسخة بفضل سعة علمه وعمق اِطلاعه وتواصل عطائه. ساهم، خلال مسيرته، في إشعاع النقد الأدبي في تونس حيث انكب على التعريف بالمؤلف التونسي عامة وبآثار الأديب الراحل محمود المسعدي خاصة. وتأثر توفيق بكار بالناقد الفرنسي رولان بارت، مؤسس منهج البنيوية في تحليل النصوص الأدبية (دراسة الخلفية السياسية والمجتمعية للنص)، كما أنه أحد مؤسسي سلسلة "عيون معاصرة" لدار الجنوب للنشر ( تونسية/ خاصة) للأعمال الروائية والأدبية وأشرف على العديد من رسائل الدكتوراة في الأدبين العربي والعالمي.
وساهم بكار في ظهور النقد الأدبي في تونس، وفي التعريف بالأثر التونسي وخاصة بكتابات محمود المسعدي حيث اهتم برواية "حدّث أبو هريرة قال"، ورواية "السد" وكتب عنهما بأسلوب نقدي متميز. كما اهتم بالأدباء العرب، وكتب عن "المتشائل" لإيميل حبيبي (روائي فلسطيني)، "موعد النار" لفؤاد التكرلي (روائي عراقي)، ومن "أساطير الصحراء" لإبراهيم الكوني (روائي ليبي).
توفيق بكار، هو أيضاً سليل المدرسة التونسية الوطنية التي كانت جزءاً من الحركة التي قاومت الاستعمار الفرنسي، والتي تلاقحت فيها كل الأفكار الأدبية في تونس من أجل بناء المشروع الوطني. عرفت بدايات بزوغه على الساحة الثقافية في سنوات الخمسينات من القرن الماضي، والتي كانت حقبة منفتحة على جميع الأفكار والتيارات السياسية والثقافية والمتأثرة بمبادئ الجمهورية الفرنسية الثالثة، وهي مبادئ الفيلسوف الفرنسي "فولتير" المؤمنة بالحرية كقيمة مركزية في الكون. ومن أبرز مؤلفاته في التحليل والنقد الأدبي "مقدمات"، و"شعريات" الذي جاء في جزأين، و"قصصيات عربية". -