لأنه حدث استثنائى فى عالمنا العربى، ولأنه ربما حلم عربى يراود العديد من الشعوب العربية، وجدتنى أجلس كالملايين لكى أتابع الشعب العربى التونسى عبر الفضائيات وهو يخط بعضـًا من أنقى وأرقى وأبقى سطور التاريخ العربى لكى يخطو بها ومعها نحو مستقبل سيكون ــ فى أسوأ حالاته ــ أفضل من أعوام الحاضر والمستقبل التى خطها وخطى عليها نظام مستبد واطئـًا أحلام شعبه وآماله ومستحقاته فى حياة كريمة متغافلاً عن عقاب الله الذى إن عجل له فى الدنيا لكان مريرًا وإن أجل عليه فى الآخرة لكان أشد مرارة .كان الشعب التونسى يبدو وكأنه بعث للتو من مقبرة الصبر التى لازالت تضم فى جنباتها العديد من الشعوب العربية، كان يردد فى عفوية أبيات شاعره الراحل الأشهر أبو القاسم الشابى : إذا الشعب يومًا أراد الحياة .. فلا بد أن يستجيب القدر .. ولا بد لليل أن ينجلى .. ولا بد للقيد أن ينكسر .
كان الشعب التونسى يبدو فرحًا مزهوًا فخورًا وكأنه شليل برئ وتحرك أو كأنه كفيف برئ وأبصر أو كأنه أبكم برئ وتكلم، أما أنا فقد كنت فرحًا مزهوًا فخورًا فى ذات الحين التى كنت فيها أشعر بالحزن والخزى والعار، نعم كنت فرحًا مزهوًا فخورًا بثورة الشعب التونسى وعودته بعد طول غيبة إلى الحياة بما يبشر بعودشة ما سواه من أعضاء الجسد العربى إلى الحياة، أما عن الحزن والخزى والعار فلكونى لست أحدهم أو لكون أحدهم ليس أنا .فى هذه الأثناء وجدتنى أدخل فى حوار مع الذات تداخلت فيه الأوراق وتشابكت فيه الخيوط ولكن التساؤلات ظلت واضحة ومحددة وملحة، فهل كان الرئيس التونسى المخلوع زين العابدين هو عنصر الفساد المستبد الوحيد بين حكام العرب ؟ وهل خطر ببال الرئيس التونسى المخلوع ولو لفمتو ثانية زيف الإنتخابات والإستفتاءات والتقارير والأغانى والبرامج والإعلانات والمقالات التى تقسم بالله أنه زعيم الشعب الأمجد ومعشوقه الأوحد ؟ وهل حاول الرئيس التونسى المخلوع أن ينظر يومًا لمعارضيه من العامة والأحزاب والقوى السياسية والشعبية بعين وطنية غير أمنية فلعلهم على حق أو لعلهم ليسوا مغرضين أو مأجورين أو طامعين فى حكم هو أول وأكثر الطامعين فيه بدليل تمسكه به لفترة طويلة لم يسبقه إليها سوى قلة من الرؤساء العرب ؟
لقد تساءلت وكان لابد لى أن أتساءل، هل خروج الرئيس التونسى المخلوع زين العابدين من أرض تونس هاربًا فارًا كالفأر من شعبه هو ذلك الخروج الآمن الذى كتب عنه أحد الإعلاميين من قبل ؟ بمعنى هل الأمان المعنى هو أن يتمكن الرئيس ( أى رئيس مماثل ) من مغادرة بلده دون أن يصيبه وذويه مكروه جسدى ؟ إن كان هذا هو المعنى فإننى أختلف معه كليًا وجزئيًا، فما حدث للرئيس التونسى المخلوع هو خروج مهين يستوجب منى أن أتوجه برسالة إلى كل رئيس أو حاكم عربى مماثل لزين العابدين المخلوع من شعبه الذى ضاقت عليه مقبرة الصبر فبعث إلى الحياة ثائرًا على من جرعوه مرارة الصبر عنوة، رسالة أقول فيها لكل حاكم مماثل : ليس لديك وإن طال بك الزمن أى احتمال فى خروج آمن، إذ ليس أمامك سوى أحد اختيارين، فإما بقاء آمن وإما خروج مهين، فأما البقاء الآمن فهو ثمرة الحكم العادل القائم على المساواة وسيادة القانون ودحر الفساد والمفسدين حتى وإن روجوا أنهم أصحاب رسالات، وأما الخروج المهين فاسألوا عنه الرئيس التونسى المخلوع فى مقره السرى الجديد، فلو أننى منكم لحمدت الله فى كل يوم ألف مرة أو يزيد أن ولانى أمر شعب عربى متفرد بقدرته على البقاء حيًا ــ وأكرر حيًا ــ فى مقابر الصبر عما سواه من شعوب الأرض، أللهم هل بلغت .. أللهم فاشهد ..
كاتب مصري