إذا كانت الرسائل التي تبعثها أحداث العنف الطائفي، في العراق ولبنان ومصر، هي من النوع الذي يدعونا للتشاؤم من الواقع العربي، فإن ما يجري في أماكن أخرى، كتونس والجزائر، مع الأسف لسقوط الضحايا، والتمنيات بألا يسقط المزيد منها، يستدعي بعض التفاؤل. فسواء توقفت الاحتجاجات التي شهدتها، ومازالت، سيدي بوزيد والقصرين وتالة وغيرها من المناطق التونسية، عند هذا الحد، أم لا، فإن الرسائل التي بعثت بها تلك الاحتجاجات قد وصلت، وأهمها:
1- إن الحديث عن سلبية الجماهير العربية ومواتها، فيه كثير من المبالغة، بل إنه، بات مجافياً للحقيقة، بعد ما شهدته المنطقة العربية من تحركات شعبية، سواء في تونس أو غيرها من البلدان العربية. ربما من الخطأ إعفاء الشعوب العربية وقواها السياسية من أية مسؤولية عن تراجع الحياة السياسية في بلدانها، لكن الخطيئة تكمن في عدم تحميل أنظمة تلك البلدان المسؤولية الرئيسية عن هذا التراجع، والتسليم بحتمية استمراره
2 - إذا كان البعض، وربما يكون محقاً في ذلك، قد رأى في تحرك الجماهير العربية من أجل القضايا القومية ( فلسطين، العراق،...إلخ) مؤشراً غير كاف للحكم على إيجابية هذه الجماهير وحيويتها، فإن التحركات الأخيرة التي أشرنا لها، والتي جاءت بدوافع داخلية، اجتماعية واقتصادية وسياسية، يجب أن تغير من الرأي السلبي لذلك البعض، لجهة إعادة الثقة بالجماهير العربية والتفاؤل بها.
3 - تؤكد تحركات الشعب التونسي، على أن القمع غير قادر على الاستمرار في أداء دوره إلى الأبد، فالضغط يولد الانفجار، وصبر الشعوب على ظلم حكامهم ليس بلا حدود. من جانب آخر، تثبتت تلك التحركات، أن الأوضاع الاقتصادية، ما زالت تتصدر سلم أولويات الشعوب العربية، التي وإن كانت قادرة على تحمل حرمانها من حقوق السياسية، إلا أنها لن تقف مكتوفة الأيدي عندنا تجوع وتحرم من رغيف الخبز.
4 - تقول احتجاجات التوانسة في سيدي بوزيد وغيرها، عكس ما ذهب إليه البعض من أن إقدام بعض الشبان على إحراق أنفسهم هو دليل على انسداد آفاق التغيير واستحالته، وأنه لم يعد هناك من حل إلا الانتحار؟!. فانتحار هؤلاء الشبان، وهو خيار فردي، جرى على مرأى من العالم، ولذلك دلالاته، فضلاً عن أنه كان الشرارة التي فجرت، الاحتجاجات الشعبية، وليس الانتحارات، الجماعية، التي رأى فيها التونسيون وسيلتهم للضغط من أجل التغيير.
5 - تثبت أحداث تونس أن الأنظمة الاستبدادية، لا تفهم إلا لغة واحدة هي لغة الشارع. وإذا كانت الاحتجاجات قد أجبرت النظام في تونس على إطلاق الوعود وإعلان نيته القيام بسلسلة من الإجراءات لحل المشاكل التي يعاني منها الشباب التونسي، إلا ذلك النظام، لم يشذ عن غيره من الأنظمة العربية، وذلك بلجوئه للقمع، الذي وصل حد القتل، لإيقاف الحركة الاحتجاجية الشعبية، واتهامه بعض أطراف المعارضة بالارتباط بجهات خارجية، ناهيك عن إقالة بعض الوزراء والمسؤولين للإيحاء بأن هؤلاء ( القرابين) هم من يتحمل المسؤولية عن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.
6 - تشير التحركات الشعبية في تونس، والتي لم ترفع أياً من الشعارات الدينية المعروفة ( الإسلام هو الحل،...) على خطأ ما يقال حول هيمنة الخطاب الديني في عموم المنطقة العربية. في هذا السياق، من المهم التذكير بأن موقف التيارات الإسلامية من التحركات المطلبية هو موقف براغماتي، لا علاقة له بموقفها الحقيقي الرافض لهذا النوع من الاحتجاجات. ولعلنا نذكر موقف الإخوان المسلمين بعدم دعم التحركات التي قام بها عمال حلوان في مصر.
7 - لا شك أن التحركات الشعبية في تونس، قد أكدت على حقيقة أن هناك فجوة كبيرة ما زالت تفصل بين الشعوب العربية وقواها السياسية. لكن، ومن باب الإنصاف، لا بد من الإشارة بإيجابية إلى جرأة بعض القوى، وسرعة انحيازها للحركة الاحتجاجية، وموضوعيتها في التعاطي مع الأحداث، الأمر الذي تجلى في مشاركتها في العديد من الفعاليات، مع تأكيدها على عفوية تلك الاحتجاجات ولا حزبيتها، والدعوة إلى استمرارها بالوسائل السلمية والتحذير من محاولات جرها للعنف.
أخيراً، لا بد من الإشارة، إلى إن نقل أحداث تونس عبر شاشات الفضائيات ومواقع الانترنت، يؤكد، مرة أخرى، على الدور التاريخي الذي تلعبه ثورة الاتصالات والمعلومات، في خدمة الشعوب وقضاياها. فقد ولى، إلى غير رجعة، زمن التعتيم الإعلامي وحجب الحقائق وتشويهها.