تساورنا المخاوف دائما على ثورة الشعب التونسي من أجل الحرية ان تضل طريقها، بالأمس كتبت في ذات السياق عن ان الثورة التونسية كانت شعبية بإمتياز بعيدا عن كل الإيعازات النخبوية وكنت أعدها من مسببات النجاح وهي كذلك لكنها قد لا تكون كذلك عندما نتحدث عن الحفاظ على الثورة واهدافها العامة التي تكمن في الحرية والخلاص من نظام القمع بشكل نهائي، لذلك فنحن نخشى على هذه الثورة من مهددات كثيرة تجعل إمكانيات عبورها بسلام نحو تغيير شامل محفوفة بالمخاطر. وتتدرج المخاوف عند تحليلها صعودا من مرحلة التآمر الداخلي المتمثل في إثارة الفوضى البنآءة والعنف وأعمال والنهب والتي تعطل النشاط الإقتصادي وتشل قدرات البلاد الإقتصادية وتشوه صورة الشارع العام وتثير الشكوك كل الشكوك حول جدوى الحراك الشعبي إلى الإلتفاف على الثورة من خلال عودة بعض طوابير النظام المخلوع للحكم متحصنين بحجج كثيرة من ضمنها الدستور القائم و الذي لا يمكن بحال من الأحوال احترامه او البناء عليه كمرجعية سياسية وقانونية في تشكيل حكومة انتقالية تدير شؤون البلاد بإعتباره دستورا إقصائيا يلغي وجود العديد من التنظيمات و الأحزاب المدنية ويحرمها من ممارسة نشاطها السياسي العام، إذ كيف يستقيم إقصاء بعض الأحزاب والتنظيمات عن المشاركة في إدارة شؤون البلاد وثورة الشعب التونسي قامت من أجل القضاء على الإقصائية والدكتاتويرية؟
وكيف إذا كنا سنشرك الكل أن نتحاكم لدستور لا يعترف بهذا الكل؟
الأمر الثاني الذي نخشى منه هو عدم ممارسة الأحزاب التونسية للعمل السياسي بشكل منهجي جراء العزل والتضييق الذي غيبها عن دواوين الحكم طوال المرحلة الممتدة بعد استقلال تونس ونخشى ان تكون خبرتها الرقيقة في هذا الشأن مدعاة للقصور وعدم الكفاءة في إدرة شأن البلاد.
المهدد الثالث - ونحن نتدرج في استشعار مكامن الخطر صعودا - يتمثل في العامل الإقليمي وفي دول الجوار المغاربي شرقا وغربا والتي تتوجس كثيرا من تجليات الثورة الشعبية في تونس ويضيق صدرها بدولة ديموقراطية تشاركها الجوار جغرافيا وثقافيا وعرقيا، هذه الدول لم ولن ترحب بالقادم الجديد وقد تعمل بشكل أو بآخر على محاربته.
المهدد الرابع يأتي من تلقاء الشواطي الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، من أوروبا خصوصا والغرب عموما الذي طالما غض الطرف عن ممارسات الطاغية المخلوع غير الإنسانية وتضييقه على الشعب التونسي وذلك لخبرته وكفاءته العالية في محاربة التيارات الإيدلوجية في البلاد.
ولو تأملنا بعض التجارب في منطقتنا سنجد أن للديموقراطية مفهومين متناقضين في ذهنية الغرب وهو ينظر إلينا، حيث أنهم يعرفون الديموقراطية بجسمها المعافى الكامل لديهم ولكنهم يرفضونها كاملة لدينا لأنها تأتي أحيانا بالتيارت الراديكالية لسدة الحكم، أليس ذلك تعبير عن نبض الشارع وراي الشعب ؟
لكنه في مثل هذه الحالات يكون رأي الشعب مرفوضا عندما يأتي بالقوى الأيدلوجية للحكم وليس تجربة حماس في فلسطين ببعيدة، وإذ لا أخشى على شعب تونس من تجربة حماس في غزة فإنني أعود بالنظر لتجربة الشعب الجزائري في مطلع تسعينات القرن الماضي حيث فازت جبهة الإنقاذ الإسلامية في الإنتخابات وقامت الدنيا ولم تقعد وكأن فوز القوى الأصولية في الإنتخابات يبرر الكفر بالإنتخابات وبالنظم الديموقراطية التي تفرزها!.
إنني هنا لا ادلل على تدخل مباشر من دول غربية بعينها في عملية التحول في تونس بقدرما أشير لكثير من الرسائل الصارمة والتهديدات والتحذيرات المتوقعة التي قد ترد إلى كبار المسؤلين التونسيين بشكل أو بآخر من أجل إستبعاد بعض القوى عن المشاركة في النشاط السياسي العام في البلاد. مثل هذه الرسائل قد تعود بتونس للمربع الأول في حال اصابت مطلوبها ولو لم تفعل فإنني أخشى على الشعب التونسي من محاولات التخريب والتدخل في إفساد كل العملية وإفقاد العملية السياسية بوصلتها وإدخال البلاد في حالة من الفوضى والتردي.
أرجو أن يعي جميع الساسة في تونس وكل قطاعات المجتمع المستنيرة ومن ثم جماهير الشعب التونسي ان القادم من أيام سيكون أشد بأسا من تفجير الثورة وإقتلاع الطاغية، فحماية الحرية في أرضنا تحتاج الكثير الكثير حتى ترسل الحرية جذورها في الأرض عميقا.
فتحية لنضال الشعب التونسي من أجل الحرية أولا وأخيرا وليعلموا أننا معهم بقلوبنا وبكل ما نستطيع من بعد ذلك ولو بإبداء النصح وهو أضعف إيمان.
عبدالله عبدالعزيز الأحمر
طرابلس ليبيا
16. 01. 2011
abdellah abdelaziz [alahmer2003@yahoo.co.uk