عن ثورية الخطاب الثقافي والممارسة الابداعية
المتابع - هذه الأيام - للتحركات وردود الأفعال والمواقف التي تبدو جديدة - وبالكامل في توجهاتها - لقطاع عريض من الفنانين والمثقفين والمبدعين على خلفية انتصار ثورة الشعب في تونس سيلحظ أن عددا كبيرا من هؤلاء خاصة من أولئك الذين «استيقظ» فيهم - متأخرا نسبيا - حس «النضالية» و الانتصار لضرورة أن يكون الخطاب الثقافي والابداعي بمختلف انواعه محملا ( بفتح الميم وسكون الحاء ) أو رافعة لاعلاء هموم الناس والجهر بقضاياهم وقضايا الوطن قد أصابتهم «تخميرة» أو ما يشبه «التخميرة» فراحوا - عن حسن نية على ما نقدر - ينفثون خليطا من المواقف والتحركات الشجاعة و»الثورية»... فنظموا - مثلا - الاجتماعات وعبروا - جهارا نهارا - هذه المرة عن مخزونهم الثوري من خلال - لا فقط - بيانات ترشح «عنفا ثوريا» - حتى لا نقول «عنتريات» وانما من خلال «مطالب» مختلفة بدا أصحابها وكأنهم تحينوا فرصة «ما حدث» - وبنوع من الانتهازية مع الأسف - لتصفية «حسابات قديمة» مع بعض المبدعين الكبار من زملائهم أو مع بعض «الهياكل» ( المسرح الوطني - اتحاد الكتاب...) على سبيل الذكر لا الحصر.
طبعا ، لسنا - هنا - في وارد التشكيك في صدق ونبل مجموع هذه «التحركات» كما أننا لا نعارض - من حيث المبدأ - أن يسارع بعض هؤلاء الى المطالبة بتقويم أوتصحيح بعض المظاهر والتوجهات السلبية التي طبعت سير النشاط الابداعي على مدى سنوات القهر والجمر العشرين الماضية... ولكننا نريد - فقط - أن ننبه لمسألة تبدو لنا على غاية من الأهمية تتمثل في ضرورة أن يبتعد «البعض» عن منطق المزايدة على «البعض» بل وأن يتجنبوا أساليب «الترهيب»... فالمبدعون الكبار من ذوي النبوغ في بلادنا معروفون لأنهم - وهذه حقيقة - يعدون على أصابع اليد الواحدة... كما أن رجال ونساء الثقافة التونسيين من أصحاب المواقف المشرفة ابداعيا من الذين رفعوا عاليا اسم تونس في محافل الابداع الفني والأدبي دوليا معروفون أيضا فلا داعي «للشوشرة» الاعلامية أو النضالية أو غيرها فالذاكرة الثقافية الوطنية ليست ضعيفة بالقدر الذي قد يتخيله البعض...
نقول هذا الكلام - لا فقط - دفاعا عن سمعة بعض الأسماء من ذوي النبوغ الفني من أولئك الذين ناضلوا - تاريخيا - ولا يزالون من أجل مشهد ثقافي ابداعي وطني راق فنيا ومتحررا ابداعيا من أمثال محمد ادريس وفاضل الجعايبي وفاضل الجزيري وتوفيق الجبالي وجليلة بكار ونورالدين الورغي... وغيرهم في مجال المسرح وكذلك من سواهم من المبدعين الشرفاء من ذوي النبوغ في مختلف مجالات الابداع... ولكن دفاعا أيضا عن صفاء الذاكرة الوطنيّة الثقافية والابداعية خاصة وأن البعض من «محترفي» الفعل الثقافي - ولا نقول الابداع - بدا وكأنهم قد توهموا أن «الفرصة» أصبحت قائمة من أجل «التطاول» الجبان على من علمهم «الصنعة» وفتح لهم أبواب الشهرة...
في كلمة واحدة و «من لخر» - كما يقول اللسان العامي الشعبي البليغ - كفوا عن الهراء وهاتوا ابداعكم ان كنتم صادقين... فثورية الخطاب الثقافي والابداعي في رقي مستواه الفني والجمالي وليس في الشعارات و»الصراخ» من على المنابر...