وجهت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون نصيحتها السياسية، في وقت كان الشباب التونسيون ينزلون الى الشارع مطالبين بالاصلاحات السياسية. الترابط بين النصيحة والحدث واضح ولا يحتاج الى توضيح ومعالجة والمغزى واضح.نحن الان في القرن الحادي والعشرين. اصبح الاتصال بين الناس سهلا، عبر وسائل الاتصال والتعارف الكثيرة المتداولة، وفي مقدمتها الفيس بوك، ذلك المجتمع العالمي الافتراضي الكبير، فضلا عن البريد الالكتروني والمسجات عبر البلاكبيري وغيره، ولم يعد الفرد في أي بلد يجهل ما يحصل في بلدان العالم الاخرى، مهما كان مستوى ثقافته ومعيشته. لم يعد العالم قرية صغيرة، كما كنا نقول قبل سنوات، بل اصبح "مسطحا" كما يقول توماس فريدمان في كتابه الشهير الذي يحمل نفس العنوان. اصبح من الميسور على كل واحد منا ان يرى بوضوح ما يجري في أي مكان اخر في العالم، وان يتصل به، وان يتأثر به ويؤثر فيه.ما يجري في تونس ليس بعيدا عنا، وما قالته هيلاري كلينتون ليس جديدا. اصبح بمقدور الانسان ان يقارن "نوعية" حياته بنوعيات اخرى معاشة في بلدان اخرى. وصار من السهل ان يلمس الفروقات السياسية والمعرفية والاجتماعية والاقتصادية والحضارية في تلك البلدان. ومن الطبيعي ان يجري مقارنة بين ما عنده وبين ماعند الاخرين. فيفرح اذا كان افضل منهم، ويغضب اذا كانوا افضل منه. وهذا ما حصل للشعب التونسي. ليست المقارنة صعبة بالنسبة للتونسيين وهم يعيشون على "مرمى حجر" من الدول الاوروبية مثلا. ولعلهم تمنوا ان تكون حياتهم شبيهة بما يجري في السقف الشمالي للبحر المتوسط الذي يشغلون جنوبه.
الدرس التونسي درسان، الدرس الاول: صعوبة قطع الاتصال بين شعب واخر، وبالتالي صعوبة منع شعب ما من الاطلاع على احوال شعب اخر، ومعه صعوبة منع رياح التأثير من الوصول الى الضفة الاخرى، خاصة اذا كان الشعب المعني يعاني من البطالة والفقر والمرض وتردي الخدمات والنقص في الخيرات والحريات وغير ذلك. والدرس الثاني: ان صعوبة احوال العيش في بلد ما ستؤدي اجلا ام عاجلا الى ثورة هذا الشعب واحتجاجه ورفضه لحياته، والمطالبة بتحسين نوعية هذه الحياة ورفع مستوى معيشته. وقد تفشل الثورات الشعبية، خاصة اذا بقيت مطلبية، محصورة على صيغ محدودة، وبدون افق سياسي واضح.لكنها قد تتطور وتنجح وتطيح بانظمة ورؤوس وتطرح بدائل سياسية جديدة وبرامج ورؤى سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة. وقد تسارع الانظمة المعنية الى الانحناء امام الموجة لتفادي ما هو اعظم من القادم، كما فعل الرئيس التونسي بن علي، حين اعلن انه لن يرشح لدورة رئاسية جديدة، ملقيا اللوم على اجهزته بعدم ايصال الصورة الواقعية اليه. تكلم بن علي الى التونسيين بلغتهم، وقال لهم "فهمتكم". وما كان هذا ليحصل لو لم يتصرف الشبان وينزلوا الى الشارع. لسنا ندري ما سوف يحصل بعد هذا. لكن الحدث مفتوح على كل الاحتمالات.من المفيد ان نقرأ كلمات كلينتون بعناية. لقد قالت ان المنطقة تواجه تحديات، داعية الى دول المنطقة الى العمل على نشر الديمقراطية ومحاربة الفساد، ومعاجلة البطالة. قالت ان "الناس تريد اصلاحات سياسية واقتصادية"، داعية الى اشراك الشباب ومنحهم فرصا لبناء المستقبل، والى تعزيز دور المجتمع المدني، وتحسين حياة الناس.قد يقول البعض لسنا بحاجة الى نصائح كلينتون. وقد يكونون على صواب. فنحن في المنطقة نعرف ذلك، لكن ما نحن بحاجة اليه هو العمل من اجل معالجة ما نعرفه من ارتفاع معدلات الفساد والبطالة والفقر والنقص في الديمقراطية. كما اننا لسنا بحاجة الى انتفاضة شعبية تذكرنا بما نعرفه، وتفرض علينا ما يتوجب علينا فعله. فالمبادرة الى الاصلاح السياسي، والاجتماعي، والاداري، والاقتصادي اقل كلفة من الاضطرار الى ذلك بسبب خروج التظاهرات وحدوث الاضطرابات.
نحن في العراق من احوج دول المنطقة الى الاصلاح، الاصلاح الشامل على مختلف المستويات. فذلك افضل وقاية من الانفجار الذي لا يمكن استبعاده اذا تجاهلنا ذلك.
وجهت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون نصيحتها السياسية، في وقت كان الشباب التونسيون ينزلون الى الشارع مطالبين بالاصلاحات السياسية. الترابط بين النصيحة والحدث واضح ولا يحتاج الى توضيح ومعالجة والمغزى واضح.نحن الان في القرن الحادي والعشرين. اصبح الاتصال بين الناس سهلا، عبر وسائل الاتصال والتعارف الكثيرة المتداولة، وفي مقدمتها الفيس بوك، ذلك المجتمع العالمي الافتراضي الكبير، فضلا عن البريد الالكتروني والمسجات عبر البلاكبيري وغيره، ولم يعد الفرد في أي بلد يجهل ما يحصل في بلدان العالم الاخرى، مهما كان مستوى ثقافته ومعيشته. لم يعد العالم قرية صغيرة، كما كنا نقول قبل سنوات، بل اصبح "مسطحا" كما يقول توماس فريدمان في كتابه الشهير الذي يحمل نفس العنوان. اصبح من الميسور على كل واحد منا ان يرى بوضوح ما يجري في أي مكان اخر في العالم، وان يتصل به، وان يتأثر به ويؤثر فيه.ما يجري في تونس ليس بعيدا عنا، وما قالته هيلاري كلينتون ليس جديدا. اصبح بمقدور الانسان ان يقارن "نوعية" حياته بنوعيات اخرى معاشة في بلدان اخرى. وصار من السهل ان يلمس الفروقات السياسية والمعرفية والاجتماعية والاقتصادية والحضارية في تلك البلدان. ومن الطبيعي ان يجري مقارنة بين ما عنده وبين ماعند الاخرين. فيفرح اذا كان افضل منهم، ويغضب اذا كانوا افضل منه. وهذا ما حصل للشعب التونسي. ليست المقارنة صعبة بالنسبة للتونسيين وهم يعيشون على "مرمى حجر" من الدول الاوروبية مثلا. ولعلهم تمنوا ان تكون حياتهم شبيهة بما يجري في السقف الشمالي للبحر المتوسط الذي يشغلون جنوبه.
الدرس التونسي درسان، الدرس الاول: صعوبة قطع الاتصال بين شعب واخر، وبالتالي صعوبة منع شعب ما من الاطلاع على احوال شعب اخر، ومعه صعوبة منع رياح التأثير من الوصول الى الضفة الاخرى، خاصة اذا كان الشعب المعني يعاني من البطالة والفقر والمرض وتردي الخدمات والنقص في الخيرات والحريات وغير ذلك. والدرس الثاني: ان صعوبة احوال العيش في بلد ما ستؤدي اجلا ام عاجلا الى ثورة هذا الشعب واحتجاجه ورفضه لحياته، والمطالبة بتحسين نوعية هذه الحياة ورفع مستوى معيشته. وقد تفشل الثورات الشعبية، خاصة اذا بقيت مطلبية، محصورة على صيغ محدودة، وبدون افق سياسي واضح.لكنها قد تتطور وتنجح وتطيح بانظمة ورؤوس وتطرح بدائل سياسية جديدة وبرامج ورؤى سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة. وقد تسارع الانظمة المعنية الى الانحناء امام الموجة لتفادي ما هو اعظم من القادم، كما فعل الرئيس التونسي بن علي، حين اعلن انه لن يرشح لدورة رئاسية جديدة، ملقيا اللوم على اجهزته بعدم ايصال الصورة الواقعية اليه. تكلم بن علي الى التونسيين بلغتهم، وقال لهم "فهمتكم". وما كان هذا ليحصل لو لم يتصرف الشبان وينزلوا الى الشارع. لسنا ندري ما سوف يحصل بعد هذا. لكن الحدث مفتوح على كل الاحتمالات.من المفيد ان نقرأ كلمات كلينتون بعناية. لقد قالت ان المنطقة تواجه تحديات، داعية الى دول المنطقة الى العمل على نشر الديمقراطية ومحاربة الفساد، ومعاجلة البطالة. قالت ان "الناس تريد اصلاحات سياسية واقتصادية"، داعية الى اشراك الشباب ومنحهم فرصا لبناء المستقبل، والى تعزيز دور المجتمع المدني، وتحسين حياة الناس.قد يقول البعض لسنا بحاجة الى نصائح كلينتون. وقد يكونون على صواب. فنحن في المنطقة نعرف ذلك، لكن ما نحن بحاجة اليه هو العمل من اجل معالجة ما نعرفه من ارتفاع معدلات الفساد والبطالة والفقر والنقص في الديمقراطية. كما اننا لسنا بحاجة الى انتفاضة شعبية تذكرنا بما نعرفه، وتفرض علينا ما يتوجب علينا فعله. فالمبادرة الى الاصلاح السياسي، والاجتماعي، والاداري، والاقتصادي اقل كلفة من الاضطرار الى ذلك بسبب خروج التظاهرات وحدوث الاضطرابات.نحن في العراق من احوج دول المنطقة الى الاصلاح، الاصلاح الشامل على مختلف المستويات. فذلك افضل وقاية من الانفجار الذي لا يمكن استبعاده اذا تجاهلنا ذلك.