مقدمة: التونسي معذب بين تصوره عن نفسه وواقعه
كلما تحقق لبلد من بلاد العرب والمسلمين ولا سيما إذا كان قريبا تفوق في مجال من مجالات الانجاز الحضاري، فشل التونسيون في تحقيقه، إلا واستبدت بهم الحيرة وتزاحمت على أفواههم الأسئلة حتى وإن حرص بعضهم على مداراتها وقمعها وتجاهلها: لماذا نجحوا حيث فشلنا؟ ومبعث هذه الحيرة الموجعة والتساؤل المضني الملحاح لدى التونسيين ما ترسخ في أنفسهم من تصور عن أنفسهم، قد بلغ من الرسوخ والانتشارأن غدا يشبه أن يكون جزء من هويتهم، ومصدرا أساسيا من مصادر شرعية دولة الاستقلال التي طالما لوحت بفكرة المقارنة بين نوع ممارستها للسلطة وممارسة السلطة في بقية البلاد العربية. وكانت المقارنة حتى أواخر الثمانينيات تنهض حجة لصالح الحكم التونسي، فحيثما قلب التونسي نظره في الساحة العربية ارتد اليه حسيرا، غير واجد ما يتحدى به السلطة القائمة، فيردد المثل الشعبي رغم ما يحمله من نزعة محافظة شديدة "شد مشومك لا يجي ما أشوم منه".
وظلت هذه الحجة صالحة وعامل استقرارحتى زمن انطلاق ربيع الديمقراطية في الجزائر أواخر الثمانينيات فاستبد القلق بالسلطة التونسية وتململ التونسيون وشعروا بالضيم وارتفع سقف مطالبهم. ولم تتنفس السلطة الصعداء إلا بسقوط تلك التجربة وغرق البلد الشقيق في أتون فتنة لم يكد يخرج منها. إلا أن هواجس السلطة لا تني تتجدد كلما تحقق لبلد عربي تفوق في مجال من مجالات النمو والتحضر من مثل إجراء انتخابات نزيهة، أو قيام إعلام حر. ويشتد القلق إذا كان الاسلاميون طرفا في تلك التجربة مثلما حصل في اليمن والاردن والكويت ولبنان والبحرين ومصر. إلا أنه بحكم البعد النسبي لتلك البلاد لم تكن تلك التجارب قادرة على ادخال قدر كاف من الاضطراب على السلطة والنخبة الحاكمتين لا سيما وقد مرت تلك التجارب وتونس في وضع انتعاش اقتصادي بلغ حد الحديث عن معجزة بينما يقتحم الحدث المغربي الساحة التونسية وقد دخلت مرحلة الأزمة، حاملة كل مواصفات الازعاج والاثارة والتحدي للسلطة التونسية والمس من أساس من أسس شرعيتها: "نحن خير من أمثالنا"، وذلك أنه رغم التشابه بين البلدين من حيث التجربة الاستعمارية، وتأثر النخبة في البلدين بثقافة نفس المستعمر، وحصولهما على الاستقلال في نفس السنة، فالمنتظر أن يكون التفوق لتونس إذا كان صحيحا ما يزعمه التونسيون لأنفسهم من سبق تاريخي في مجال التحديث والاصلاح يرتقي الى النصف الأول من القرن التاسع عشر، حيث كان لهم أول دستور في العالم الاسلامي وكانوا أول من حظر الرق، وسنّ قانونا لتحرير المرأة، فضلا عما يقال عن تفوق للدخل الفردي التونسي ولمستوى التعليم بالقياس الى نظيره المغربي، مع كل ذلك فقد جاءت التشريعيات المغربية الأخيرة خاصة لتسجل البون الشاسع بين النظامين والتفوق الساحق لصالح المغرب في مجال يعد أهم عناوين الحداثة والميزان الذي توزن به الأنظمة: البعد أوالقرب من النموذج الديمقراطي.
لقد اكتسبت الانتخابات المغربية الأخيرة خاصة أهمية بالغة لأسباب كثيرة منها:
1- درجة الشفافية التي اتسمت بها ووقوعها في الطرف الآخر من النسب الخيالية التي أدمنت عليها التجربة التونسية 99.99% لدرجة عدم قدرة أي حزب على تشكيل حكومة بمفرده.
2- إتاحة فرصة المشاركة أمام الجميع إلا من أبى، مشاركة لم تقص أحدا ممن يرغب في المشاركة. وبينما ظلت أحزاب مهمة في تونس تدق باب القانون والقانون يطاردها، يكاد القانون في المغرب يستجدي كل الأطراف للدخول تحت مظلته، سواء أكانت: يسارية أم اسلامية من أجل تعزيز شرعية الحكم واستقراره، فكان اتجاهه صوب استيعاب المزيد من قوى المجتمع، تعويلا على أدوات السياسة في البحث عن وفاقات وتسويات، بينما كانت وجهة النظام التونسي صوب المزيد من النبذ والاقصاء والتهميش والاستئصال، تعويلا على اساليب الامن في التشويه وتلفيق التهم والمحاكمات الصورية.
3- مشاركة "الأصوليين" كابوس هذا العصر، وحصولهم على نسبة محترمة رفعتهم من حزب صغير الى حزب من الدرجة الأولى، بينما أسست السلطة التونسية موقفها، ولك أن تقول إيدولوجيتها بدفع من اليسار الانتهازي المعادي للدين على أساس استئصالهم وتجفيف ينابيع دينهم.
4- وتكتسي مشاركة الاسلاميين أهمية خاصة ضمن الظروف الدولية القائمة التي يشيطن فيها الاسلام من قبل الدولة التي تهمين على العالم وبتحريض من الدهلزة الصهيونية، فتتخذ قيمه ومؤسساته وحركاته وكل ما يتصل به مرمى للسهام. وهكذا بدل أن يصطلي النظام المغربي بنار الأصولية- حال كثير من الأنظمة- يستضيء بها ويعزز بها وحدته وشرعيته واستقراره وتجربته التنموية.
لماذا نجحوا حيث فشلنا؟
إن التونسي بسبب ما استقر ورسخته الثقافة السياسية السائدة من فكرة عن نفسه- أيا كانت درجتها من الصحة إذ يقبل دون اعتراض يذكر تفوق أي بلد أوروبي ولو كان في المؤخرة بل قد يبلغ هذا القبول درجة تعطل عقله النقدي إزاء كل ما يصدر من هناك، فإنه يظل حساسا إزاء كل تفوق يأتي نبأه من بلاد العرب والمسلمين، فترى الحيرة تتصاعد والتساؤل يلح لدى النخبة التونسية والرأي العام عامة كلما جرت في بلد مجاور انتخابات على قدر معقول من الشفافية: لماذا نجحوا حيث فشلنا؟ بينما نحن نزعم لأنفسنا أننا الأعرق ثقافة والأسبق الى الحداثة، وأننا الأرفع نسبة في مجال التعليم وفي مستوى الدخل الفردي من المغرب مثلا. فضلا عن اليمن وبنغلاداش والباكستان والسينغال والمالاوي وغامبيا..الخ. وقد يضيفون لصالح التجربة التونسية في التحديث موضوع "تحرير المرأة"، مما يفترض معه أن تكون التجربة التونسية متفوقة في أهم عناوين ورموز الحداثة أي الديمقراطية. فكيف تفسر النخبة التونسية تفوق بلاد عربية وإسلامية كثيرة في مجال الديمقراطية سواء أكان من جهة حرية التعبير أم من حيث استيعاب أنظمتها لكل مكونات المجتمع دون إقصاء لأي طرف بمن فيهم الاسلاميون
"الأصوليون" بدء من تركيا وماليزيا وأندونيسيا والباكستان وبنغلاداش والاردن ومصر واليمن والجزائر وانتهاء بالمغرب؟؟ ويهمنا هنا تركيز الحديث على التجربة المغربية بسبب القرب الجغرافي وتشابه مكونات النخبة ومسار وتزامن الاستقلال. لماذا نجح المغرب في تطوير تجربته الديمقراطية في اتجاه إرساء نوع من نظام التناوب النسبي واستيعاب كل مكونات المجتمع بمن فيهم الاسلاميون وإطلاق حرية الصحافة واستقلال مؤسسات المجتمع المدني مرورا بتصفية ملف حقوق الانسان وإفراغ السجون والتعويض للمتضررين؟ بينما كان تطور التجربة التونسية في الاتجاه المعاكس: الإمعان في اتجاه التضييق والقمع والغش وإفراغ شعارات الديمقراطية ومؤسساتها كالصحافة والأحزاب والبرلمان والقضاء من كل محتوى حقيقي، وتفاقم المحاكمات السياسية والزج بالمزيد من المساجين السياسيين والامعان في انتهاكات حقوق الانسان مثل سلامته الجسدية من خلال تحول التعذيب عادة يومية للمعتقلين من كل نوع الى حد الموت والتعويق؟
هل يمكن اعتبار الحركة الاسلامية مسؤولة عن اتجاه جملة عناصر التحول الديمقراطي صوب الانحدار، مع ما عرفت به، وما شهد به الدارسون لأدبياتها من سبق بين الحركات الاسلامية الى التأصيل للفكرة الديمقراطية في الفكر السياسي الاسلامي وقبولها بكل مقومات النظام الديمقراطي بما في ذلك دفاعها عن الأحزاب العلمانية وحقها في الحكم على أساس تفويض شعبي حقيقي، فضلا عما عبرت عنه من حرص على العمل في إطار القوانين السائدة على ضيقها؟ أكتفي في الجواب عن هذا الاشكال المحير بالمبادرة - مغامرا - بطرح الافتراضات التالية، فقط من أجل إثارة النقاش وتركيز الأنظار حول طبيعة الإعاقة التي صاحبت التجربة التونسية للتحديث وفرضت عليها التعثر إن لم يكن السير القهقرى عكس اتجاه التاريخ والعالم والمنطقة؟ إن الكشف عن أسباب هذه الإعاقة هو الأهم في نظري من مسألة صواب أو خطإ ما أدلي به من فرضيات، تبقى مجرد احتمالات، وآراء شخصية:
أسباب الإعاقة والفشل في التجربة التونسية للتحديث بالقياس إلى التجربة المغربية وما تحققه من تقدم رغم كل ظروف التشابه:
تاريخيا: رغم أن كلا من البلدين حكم قبل الاستقلال بنظام ملكي مدعوم بمؤسسة دينية عريقة وأن الحركة الوطنية في كل من البلدين كانت ملتفة حول العرش جاعلة من مطلب عودة عاهلها لمّا نفاه الاستعمار في نفس الفترة (محمد الخامس في المغرب والمنصف باي في تونس رحمهما الله) أهم مطلب شعبي، إلا أن من حسن حظ المغرب أن عاد الملك محققا الاستمرارية بينما من سوء حظ تونس أن توفي الباي العظيم " المنصف" وهو يحزم حقائبه عائدا من منفاه الفرنسي منتصرا، ليخلفه باي ضعيف، لا يملك شرعية سلفه النضالية، وهو ما مكّن للوزير الأول الحبيب بورقيبة يومئذ - مندفعا بطموحات عارمة الى الزعامة والمجد الشخصي ومدعوما بقوى خارجية نافذة- من الإطاحة به وبالعرش جملة، والتأسيس لنظام جديد مثّل قطيعة مع العهد السابق قطيعة ثقافية وحضارية في مستوى إيدولوجية النظام لا في طبيعته الإطلاقية التي لم تستمر فقط بل قد تفاقمت. فما من شك أن سلطات رؤساء تونس أوسع من سلطات باياتها. والرئاسة مدى الحياة نفسها بالغة الدلالة.
- تاريخيا أيضا: في حين حافظ المغرب في معظم تاريخه الاسلامي على وصفه دولة مركزية مستقلة تتوارث حكمها عائلة تنتمي الى النسب الشريف وهو ما يضفي عليها شرعية دينية عميقة على أساس التعاقد التقليدي الذي أسس لحكم ما بعد الراشدين بين الأمراء والعلماء، فإن تونس ظلت في فترات طويلة من تاريخها الاسلامي جزء من مركزية كان آخرها وأطولها الخلافة العثمانية التي كانت شرعيتها وإن كانت تستند الى الاسلام وفق رؤية تقليدية ضيقة يغلب عليها التصوف وطرقه المتحجرة، فقد كان للسيف النصيب الأوفى في ضبط امبراطورية مترامية الأطراف، القائمون عليها غرباء اللسان والعنصر والثقافة عن أغلب رعاياهم. فكان مفهوما أن تلاقي نداءات الاصلاح الديني التي انطلقت في القرن الثامن عشر في الجزيرة العربية دعوة الى العود الى أصول الدين في الكتاب والسنة ونبذ البدع والخرافات التي ألصقت بالدين، الى جانب الدعوة الى فتح باب الاجتهاد، أن تلاقي الرفض الشديد من طرف باي تونس بإشارة من العلماء، فرُدّت رسالة المصلح ابن عبد الوهاب ردا شنيعا باعتباره خارجا عن سلطة الخلافة وإيدولوجيتها الصوفية التقليدية المحافظة.
- مقابل ذلك وجدت الدعوة الموجهة الى المغاربة حسن الاستقبال من طرف العرش والعلماء، وبذلك أرسي في المغرب أساس مبكر للدعوة السلفية بمعنى العود الى أصول الدين ونبذ التقليد والخرافة، وهو ما مثل أساسا آخر للاستمرارية الفكرية من خلال قيام الحركة الوطنية على منظور ديني تم في إطاره استيعاب الحداثة وتجديد العقد بين العرش والحركة الوطنية ومقتضيات التجدد، بينما دفعت شدة الولاء للخلافة المتداعية للسقوط التونسيين أو قل القطاع الأوسع من مؤسستهم الدينية الى مقاومة تيار التجديد بما دفع الى انشاء مؤسسات موازية للمؤسسة الدينية إطارا للتحديث، لم تلبث أن تعلمنت، وهو ما زرع بذورا سامة لا تزال تحصدها تونس حتى اليوم: أعني الصراع المدمر صراع التنافي بين القديم والحديث. بين تراث الاسلام والتوجه الى المشرق وبين تراث الثورة الفرنسية مصطبغا بصبغة فاشية مع التوجه شطر أوروبا. ورغم أن تيار التحديث داخل المؤسسة الدينية قد انتصر في النهاية إلا أن ذلك لم يمنع التغريبيين من إلغائها جملة. ولقد بلغت حدة الصراع بين النخبة الزيتونية -وكانت الأوسع عددا- وبين النخبة الحداثوية، وكانت الرياح الدولية تهب لصالحها، أن وقع انقلاب
داخل الحركة الوطنية التي تأسست في رحاب جامع الزيتونة وبتعبير أدق على أطرافه، انقلاب بذر بذور القطيعة بين المدرسيين والزيتونيين بين القديم والحديث بين زيتونة ظلت مشرّقة -حسب تعبير عياض ابن عاشور- ومعها جملة الاتجاه الروحي للشعب وبين نخبة جديدة ولّت وجهها شطر ما وراء البحار، ولم تعد ترى في الدين ومؤسساته ورجاله غير عقبة في طريق التقدم. ولأن موازين القوة الدولية مائلة لصالح الأخيرين والرياح تهب رخاء في اتجاههم فقد تمكنوا من انتزاع قيادة الحركة الوطنية وكانوا هم من وقع على وثيقة الاستقلال، فكان نصرهم مزدوجا: نصرا على الاحتلال ونصرا لا يقل عنه أهمية إن لم يكن أهم على جامع الزيتونة بكل ما حمله من رموز وأرصدة الهوية الاسلامية العربية ومن ارتباطات ثقافية استراتيجية مع المشرق العربي ومن تراث الحسن منه والسيئ. ولذلك لا عجب أن جاء إغلاق جامع الزيتونة على رأس قرارات دولة الاستقلال، هذا إذا لم يكن ذلك جزء من صفقته كما يقول البعض، بينما جامع القرويين نظير جامع الزيتونة قد زاد بالاستقلال مجدا بل تم تعزيزه بمؤسسات دينية ضخمة، على اعتبار الدين أحد أركان سيادة النظام.
وكان من ثمار هذا الوضع التاريخي المختلف سياقه بين البلدين جملة من النتائج غاية في الخطورة:
- فعلى حين كان الحزب الدستوري"القديم" شبيها بحزب الاستقلال من حيث المرجعية الدينية إلا أن مرجعية الأخير كانت أعلى سندا ورسوخا في المؤسسة الدينية من أختها التونسية التي رغم انتمائها الى المؤسسة الدينية إلا أنها بسبب الطبيعة المحافظة لهذه الأخيرة لم يتم تزكيتها وتبنيها من قبل العائلات المدينية المتنفذة في المؤسسة الدينية فظلت على الأطراف، بل محل طعن في دينها أحيانا، بينما كانت مرجعية الدستور الجديد مرجعية علمانية على النمط الفرنسي المتطرف، وإن اضطر الى تقديم بعض التنازلات والمجاملات الشكلية رعاية للواقع الشعبي المتدين. إن حزب الدستور شبيه من بعض الوجوه من حيث بنيته الايدولوجية بالتنظيمات اليسارية التي انشقت عن حزب الاستقلال، قبل أن ينتهي بها مطاف الصراع مع العرش بغرض الإطاحة به الى القبول به ضمن سلسلة من التسويات كانت آخرها بين الحسن واليوسفي. وكانت حكومة التناوب ثمرتها. ومقتضى تلك التسوية تبادل الاعتراف بين العرش ممثل الاستمرارية التاريخية والدينية والأحزاب والنخب السياسية: وتظهر ترجمة تلك التسوية في احتفاظ العرش بتعيين عدد من وزارات السيادة: الداخلية والخارجية والأوقاف والعدل ضمانا
لقدرته على ضبط الاتجاه العام ويبقى لممثلي الشعب سلطة اختيار بقية الوزارات (صالح بشير، جريدة الوسط 10/10/2002). ومعلوم أن آلية التسويات والبحث عن وفاقات من أهم آليات الحكم الديمقراطي التي تترجم عن وجود قوى حقيقية تتبادل الاعتراف وتتقاسم السلطة، وهي الآلية التي لم توجد بعد في تونس إذ ظلت السلطة رافضة للاعتراف بقوى مضادة جديرة بالجلوس معها على طاولة المفاوضات في ندية. وظلت "الديمقراطية" هنا و"المعارضة" مجرد عناوين خادعة وعطايا ومكارم سلطانية وليست بحال حقوقا. ويعتبر تاريخ الصراع بين الدستوربين واتحاد الشغل مثلا ليس إلا صراعا من أجل ارساء نظام تعاقدي بين الدولة والمجتمع، وهو ما ظل الدستور باستمرار رافضا له، مصرا -حتى عندما كان في المعارضة على احتكار النطق باسم الشعب. وتلك كانت الخلفية الأساسية للمحاكم السياسية التي ظلت شغالة بل يتفاقم شغلها منذ الاستقلال: صراعا بين مجتمع يريد أن يثبت ذاته وهويته وسلطته وحقوقه -عبر كتائب يجهزّها الواحدة بعد الأخرى كلما انكسرت شوكة واحدة أرسل بأخرى، تنوعت راياتها واتحدت أهدافها: ترويض دولة تغولت وتوحشت مستغلة مسالمته واستنكافه من الدم، فظلت مصرة على رفض الاعتراف به لا سيدا ولا حتى شريكا، بينما العقلانية المغربية وصل نضالها الى اقتناع كل الأطراف بترك المغالبة والتنافي لصالح تبادل الاعتراف والمشاركة على طريق االوصول يوما ما الى حكم السيادة الشعبية عبر إقرار ملكية دستورية.
- وهكذا مكنت الاستمرارية السياسية "العرش" والثقافية "الاسلام"، وعقلانية الحكم والمعارضة المغرب بعد تجارب مريرة من الصراع الايدولوجي والسياسي بين العرش من جهة والمعارضة اليسارية والاسلامية من جهة ثانية من لقاء أهم الأطراف في الحكم والمعارضة على نوع من تجديد العقد يتم بمقتضاه تبادل الاعتراف وتقاسم السلطة بين الطرفين. بعد أن تخلى كل من طرفي المعارضة اليسارية والاسلامية عن محاولات تغيير السلطة وقبل الجميع على نحو أو آخر العمل في إطارها والمراهنة على تطويرها، بعيدا عن كل أساليب العنف. وبذلك رأينا حتى الجماعات الاسلامية واليسارية التي قاطعت الانتخابات لم تتبنىّ واحدة منها التحريض على قلب الحكم سواء أكان عبر الثورة أم عبر الانقلاب. وهكذا يبدو الحكم المغربي قد تعزز استقراره من خلال استيعابه المتزايد لقوى كانت تناضل من أجل الاطاحة به.. صحيح أن جماعة العدل والاحسان وهي الجماعة الأكبر لم تنخرط بعد انخراطا واضحا في الشرعية ولكنها بعيدة عن تهديدها أو التحريض على الاطاحة بها وهو ما جعل الحكم يخفف الضغط على قيادتها ويفسح في وجهها مساحات معقولة من النشاط في نطاق المجتمع المدني، هي ذاتها يبدو أنها لا تطلب بأكثر من ذلك في الوقت الراهن.
خصوصية مغربية
وفي الوقت ذاته أقدم العاهل الراحل على خطوة استراتيجية مهمة جدا تتمثل في استيعاب جناح مهم من الحركة الاسلامية في إطار القانون والجدير بالملاحظة ومن الطريف أنه خلال صعود الموجة الاسلامية في الجزائر في نهاية الثمانينات عبّر فصيل " التجديد والاصلاح" عن عزمه الانتقال من جمعية ثقافية الى حزب سياسي فأرسل اليهم الملك أحد مستشاريه يبلغهم رسالة واضحة يقرئهم فيها السلام ويذكرهم بأن الوضع العام ومصلحة البلد لا يسمحان له بالاستجابة الآن الى طلبهم وأنه سيجد نفسه مضطرا إذا هم أصروا الى أن يتخذ ضدهم إجراءات لا يرغب فيها. وقد فهمت الجماعة الرسالة فتركوا الموجة تمرّ، حتى إذا حصل ذلك تم التفاوض على صيغة معدلة لانخراط هذا الفصيل المهم في المعترك السياسي عبر تحريك حزب خامل على رأسه رمز في الصف الأول من قيادة الحركة الوطنية هو الدكتور عبد الكريم الخطيب. وهكذا نجح حكم المغرب في استيعاب قوة جديدة عزز بها شرعيته واستقراره وكسبه الحداثي الديمقراطي، وخاض الفصيل الجديد أول تجربة له انتخابية سنة 97 وحصل على عشر مقاعد، ارتفعت خلال انتخابات جزئية الى 14 مقعدا، وشهد لهم منافسوهم خلال ممارستهم النيابية بالتعقل والاعتدال والمسؤولية وهو ما أكده مسؤول رسمي ردا على حملة التخويف التي شنها اليسار خلال الحملة الانتخابية مستغلا امتدادات 11سبتمبر وردا على صدمة النتائج التي ضاعفت مقاعد الاسلاميين قرابة الأربع مرات ناقلة إياهم من حزب صغير الى حزب من الصف الأول.
فخ انتخابات 89 في تونس:
لقد مارس الاسلاميون درجة عالية من المسؤولية مستفيدين من تجربتي تونس والجزائر. فسدوا الطريق في وجه كل مغامرة بامتناعهم عن الترشح في أكثر من نصف الدوائر. بينما في تونس والجزائر حيث لم يألف الحاكم استعمال آلية التفاوض والبحث عن تسويات مع معارضيه ترك الأمر للعملية الانتخابية مجردة عن كل الظروف المحلية والدولية، بما جعل الأمر يبدو مجرد فخ نصب للإسلاميين في استهتاركامل من طرف السلطة بمدى خطر مثل هذه الألاعيب على مستقبل البلاد وأجيالها، وكان التفاوض مع ممثلي الاسلاميين وغيرهم كفيلا بالتوصل الى وفاق حول وضع البلد في ظرف معين وما يفرضه من سياسات. وأذكر بهذا الصدد أنه خلال الاعداد لانتخابات 89 - التي ظلت البلاد محكومة بنتائجها حتى اليوم- لم تكن السلطة راغبة في مشاركتنا، ولم نكن أنفسنا معتبرين تلك المشاركة أولوية، فطلبنا مقابلا لعدم المشاركة يقنع قواعدنا التي عبئت، هو الاعتراف بنا، ولكن السلطة رفضت- مما فهم منه بعد ذلك تبييت من طرفها للإيقاع بالحركة، وهكذا مضينا الى صناديق الاقتراع من دون تقدير دقيق للمخاطر والمفاجآت ومنها الرغبة الشعبية الجامحة والواسعة في التغيير والآمال المعلقة على لاعب جديد
نزل الى الساحة ممتلئا إشعاعا وطهورية، فكانت النتائج المذهلة لكل من اطلع عليها وأولهم الطرف الاسلامي الذي لم يحدث نفسه يوما بالسلطة ضمن الظروف المحلية والاقليمية والدولية القائمة ولا أرهق الوسط السياسي بمطالب عالية مثل تطبيق الشريعة.
وكانت المفاجأة الثانية في انتخابات المغرب تكليف الملك أحد المستقلين بتشكيل الحكومة الجديدة بينما كانت كل الأنظار متجهة الى اليوسفي، الامر الذي يتيح إمكانية مشاركة الاسلاميين في الحكم الجديد على غرار مشاركة الاسلاميين الجزائريين في كل من السلطة التشريعية والتنفيذية، خطوة أخرى على طريق تطبيع وضعية الإسلاميين يرفع شبح التخويف منهم على الاستقرار والديموقراطية.
رحلة في اتجاه مختلف:
وهكذا انتهت رحلة المغاربة مع ايدولوجية التواصل السياسي والفكري الى تصالح معقول بين الدولة والمجتمع أو قل عقد جديد بينهم يستوعب كل قوى المجتمع بدرجات مختلفة بما عزز شرعية الدولة ووفر للمشروع المغربي التنموي السياسي مزيدا من الطاقات وسد الأبواب في وجه التطرف والتصادم والتآكل والتدخل الخارجي والأحقاد، بينما فشلت تجربة التحديث على النمط التونسي - بما قامت عليه من قطيعة ثقافية وسياسية مع الماضي- في استيعاب قوى المجتمع وإفرازاته الثقافية والسياسية، بل مضى مسارها التاريخي حتى الآن في اتجاه معاكس صوب مزيد من الاستبعاد والنبذ لقوى أخرى والتعويل أكثر فأكثر على وسائل العنف لدرجة تحويل الدولة كلها ماكينة ضخمة للعنف والاستئصال بما يجذر القطيعة يوما بعد يوم ويوسعها بين الدولة والمجتمع، وبين تيارات النخبة نفسها، ويفشي مزيدا من الأحقاد والآلام ورغبات الثأر والانتقام واستعدادات العنف، الذي تبدو ملامحه واضحة في الشارع التونسي وما يسوده من عنف وبذاءة الى ما يفشو من إجرام فردي وجماعي وتمزقات خطيرة في أنسجة المجتمع مثل فشو الطلاق والعنف العائلي، فضلا عن العنف السياسي الذي قد يعد حادث جربة المؤلم أحد نذره بالقياس الى ما يكشف عنه يوميا من عشرات من الشباب التونسي متهمين بصلات مع جماعات دولية عنيفة، ناهيك عنفا شحن السجون بالمئات بل الآلاف من خيرة طاقات الأمة بسبب ضيق الوعاء الثقافي والسياسي، وتكميم الأفواه، بل تحويل البلاد كلها معتقلا ضخما وتحول التونسيين الى ناهب ومنهوب وجلاد ومجلود ولاعن وملعون. وفي هكذا مجتمع لا أمن لمحكوم ولا حاكم. وحتى الذين كتب لهم الفوز بالافلات من هذا السجن الرهيب -وما بلغوا عددا- ولا سيما السياسيينn ما بلغوه خلال العشرية السوداء الأخيرة (المنتسبون للنهضة فقط حوالي ألفين توزعوا على أكثر من خمسين دولة) حتى هولاء يطاردهم بنو جلدتهم ويتعاونون عليهم مع مختلف الأجهزة الدولية المجعولة لمطاردة المجرمين فهلا أدرك التونسيون نخبة وسلطة خطر التمادي على نهج القطيعة والتنابذ والتكايد والاستئصال والغش والقمع بدل التواصل والحوار والاعتراف المتبادل بين الجميع والقبول بآليات الديمقراطية في التفاوض والبحث عن تسويات ووفاقات تستوعب كل قوى المجتمع بعيدا عن القطيعة والاقصاء فتكون تونس حضنا رحيما لكل أبنائها امتدادا متطورا لتاريخها الحضاري المشرق وجزء لا يتجزأ من وطن العروبة والاسلام.
التخلي عن الرهانات المستحيلة:
- إنه لا مناص للنخبة التونسية إذا أرادت أن تضع حدا لحالة الحرب الباردة التي لم يحل بينها وبين التحول إلى حرب أهلية ساخنة - حتى الآن- غير المزاج الحضاري التونسي المسالم-، الحرب بين القديم والحديث، بين الدولة والمجتمع ، بين جماعات النخبة نفسها: من اتخذ منهم سبيل التجديد في نطاق ثوابت الدين والاستمرارية الثقافية والحضارية والسياسية مع تراث الاسلام، ومع أمة العرب والمسلمين، وبين من راهن على القطيعة وولى وجهه شطر الغرب نموذجا ومصيرا لتونس، وصمم على إعادة تشكيل الهوية التونسية وفق ذلك مسفّها كل ما توارثته الأجيال من عقائد وشرائع ومسالك، ناظرا بكل استخفاف واستعلاء لما أثّله علماء الاسلام عن الاسلام من علوم وتفاسير وتشريعات ومناهج أصولية، لا يتردد في وصمهم بالجهل والتعصب وخدمة السياسة بل خدمة مكانتهم الشخصية. إنه مالم يتخل هذا القطاع من النخبة التونسية الذي يمتلك بين يديه اليوم مؤسسات القرار السياسي والثقافي والاقتصادي عن هذه المهمة المستحيلة التي ورط فيها بورقيبة تونس متأثرا بالدهلزة الماسونية ورواسب الفكر اليعقوبي الفرنسي، مهمة إعادة تشكيل هوية تونس من خلال إعادة تشكيل الاسلام وإعادة تأسيسه على أصول جديدة نقيضا لأصوله الأساسية في الكتاب والسنة، الأصول التي ارتضاها علماء الاسلام كما صاغها الشافعي وحظيت بقبول الأجيال وإجماع العلماء، فسيبقى فتيل التنازع والتحارب مشتعلا بينهم وبين شعبهم. إن هذه المهمة المستحيلة التي ورط فيها بورقيبة تونس، يبدو أن أقسام العلوم الإنسانية بالجامعة التونسية قد تبنتها مشروعا إستراتيجيا وباشرت التخطيط والإنجاز على خلفية إعادة تشكيل الاسلام وفق أصول جديدة تنقض أصول الشافعي العدو الألد لهذه المدرسة، الأصول التي تشكلت وفقها الأمة وعقلها الجمعي وعلومها الدينية وجملة حضارتها بعد أن حظيت بالقبول من قبل جمهور علماء الأمة.
إن النخبة التونسية التي طالما تجاهلت الاسلام، أو سخرت منه، وناوأته واستهدفته واعتبرته عقبة في طريق التقدم سيرا على نهج بورقيبة الثقافي حتى وإن تصادمت مع نهجه السياسي، مولية وجهها شطر مغرب الشمس نراها، اليوم تعود إليه بقوة وحماس شديدين لا لاستهدائه والأوب إلى ينابيعه الصافية، وإنما ضمن مشروع شامل لإعادة تأسيس الاسلام أو "تحديثه" على أصول جديدة من خارجه، مستمدة من المناهج الطافية في الإنسانيات واللسانيات الغربية التي يمكن الإفادة منها دون الغفلة عن نسبيتها حتى لا يفرغ الاسلام نهاية من سلطانه المطلق الموجه للناس في جملة علاقاتهم بينهم وبين خالقهم والتي فيما بين بعضهم بعضا... علاقتهم بالأنظمة التي تحكمهم، علاقاتهم بالصديق والعدو وبالكون جملة .. إنهم يبغون إسلاما بلا شريعة، بلا سنة، إسلاما في المحصلة قابلا لكل صورة كما ذكر إمامهم ابن عربي يتلون بلون قارئه، إنها الحلولية الجديدة .. التي يتولى إحياءها بعض اللائكيين من أساتذة القانون والآداب في الجامعة التونسية. إنه الإمعان في البورقيبية والإمعان في ظلالها .. والرهان على استمرار القطيعة والتحارب.. والنأي أكثر فأكثر عن سبيل الديمقراطية التي لا يمكن أن تتأسس إلا على وفاق بين النخب يحترم هوية الشعب الإسلامية العربية ويعيد تأسيس علاقات الارتباط المصيري بين تونس وسياقها العربي والإسلامي بدل أن تؤسس القطيعة معه لحساب الارتباط بما وراء البحار.
مقامات مشتركة مطلوب توسيعها:
إنه ما ينبغي أن يخفي الصراع المرير حول هوية البلاد بين النخبة العلمانية المعارضة أو على الأرجح القطاع الأوسع منها وبين التيار الإسلامي المنبعث من أعماق البلاد ومن قلب مؤسسات الحداثة والذي تهب رياحه من كل مكان في العالم رغم الهجمة الدولية على الإسلام وبسببها، ما ينبغي أن يخفى المقامات المشتركة بينها والمتمثلة في:
1-التسليم بحقوق متساوية لكل التونسيين على أساس المبادء العامة للمواثيق الدولية المعترف بها لحقوق الانسان.
2- رفض النظام الدكتاتوري مهما اختلفت مسوغاته الأيديولوجية والدعوة في المقابل إلى نظام ديموقراطي كامل.
3-الدفاع عن قضايا التحرر في كل مكان ولا سيما مواجهة العدوان الصهيوني والأمريكي، في فلسطين والعراق.
4-رفض سياسات الهيمنة العسكرية والاقتصادية والثاقفية الأمريكية، ومقابل ذلك الدعوة إلى تنمية مستقلة.
إن هذه الأرضية المشتركة قابلة للتوسع والتعميق لا سيما في مواجهة الهجمة الدولية الامبريالية الأمريكية الصهيونية على الاسلام باعتباره أهم سد في وجهها ودرع لمقاومتها والتصدي لمخططها وهو ما يفسر تصاعد واتساع الولاء للإسلام داخل العالم الإسلامي وخارجه، وتترجمه الانتخابات وحركة الشارع ومؤسسات المجتمع المدني وكذلك المشاريع النضالية المشتركة بين الجماعات الإسلامية والقوى المناهضة للعولمة والنقابات كما حصل في المظاهرات الكبرى في أوروبا وأمريكا ولا سيما مظاهرة لندن الأخيرة.
هاجس فقدان الاستقرار:
كثيرا ما سوغ الحكم الفردي، حكم الحزب الواحد نفسه وسوّقها للجمهور بالضرب على وتر هاجس الفوضى والنكوص إلى عهد الفتن بين القبائل والعروش مرحلة تونس ذرات الرمال nكما يزعم بورقيبة أنه وجدها- ومن هنا كانت أيديولوجية الوحدة القومية والاستهداف المنظم لكل تعدد طبيعي في المجتمع بقصد الوصول إلى احتوائه أو تدميره، فكان الآخر هو الجحيم، هو الفوضى، والتخلف و العروشية..
وإذا كان لهذا الهاجس رصيد من الحقيقة وعليه استند تواصل نظام البايات في شكل جمهوري ضمانا للاستقرار فيمكن ضمان ذلك بوسائل أقل كلفة. لماذا لا يفكر التونسيون مثلا في رئاسة يمكن أن تستمر مدة طويلة ولكن تكون مهمتها رمزية وسلطاتها محدودة، ثم توزع السلطات بين وزارة مسؤولة أمام البرلمان وبين حكومات أو ولايات جهوية منتخبة؟ هل من سبيل للديموقراطية في تونس من دون توزيع واسع جدا للسلطات مع استبقاء حكم مركزي رمزي؟
أما آن لنهج التنافي أن ينتهي؟
إن ذلك لا يتطلب ضرورة العود الى العهد الملكي -على فرض أننا قد غادرناه- وإنما فقط قدرا معقولا من التواضع والحكمة والاعتراف بالواقع ومنه الاعتراف بتونس متعددة، تونس لكل التونسيين، الاعتراف بأننا جميعا نبحر في سفينة واحدة، تتربص بها وتنتظرها غير بعيد أخطار جسام تحتاج معها لكل أبنائها بعيدا عن كل أنانية وإقصاء وغش، وأن التصالح والتشارك بدل التنافي والمغالبة أصلح للبلد، وأن الأوضاع القائمة لا يمكن بحال أن تستمر لأمد بعيد فرياح التغيير تهب من الداخل وتغذيها رياح خارجية. هل من طريق بديل عن العنف المتصاعد الذي يتطاير شرره منذرا بأوخم العواقب غير الحوار -وما يتطلبه من إجراءات عاجلة ومناخات صحية تعيد الأمل وتطرد شبح اليأس- بحثا جماعيا عن الطريق المسدود، قبل الاعلان عن غرق السفينة؟
"إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب"