يقدم ملف "الكلمة" في هذا العدد أوسع تغطية للمشهد الشعري المغربي المعاصر ورهانات شعرياته المفتوحة، حيث يضم إلى جانب مجموعة من الدراسات عن المشهد الشعري مختارات ضافية للشعر المغربي المعاصر.

القصيدة المغربية الحديثة: رهانات لشعريات مفتوحة

عبدالحق ميفراني

نقترح في هذا الملف حول القصيدة المغربية الحديثة، تأمل اللحظة الشعرية في تشعب مفارقاتها. فهذا المشهد جزء من كل، جزء مصغر من مشهد متعدد، بحمولاته العربية والأمازيغية. كما أن ألسن التعبير تتعدد بتعدد حضور المنجز النصي، النص الشعري المكتوب باللغة العربية أو باللغة الفرنسية أو لغات أخرى<هولندية مثلا..>، شعر أمازيغي يمتد بجذوره في أثون التاريخ القديم، وقصيدة زجلية تحمل رهان الحضور في ديدن الممارسة الشعرية المغربية. اللحظة الشعرية اليوم، في سياقها الثقافي العام، هي صيرورة لا تنتهي صيرورة مفتوحة، سواء على مستوى الأنساق، البناء، الرؤى، أو الأشكال. صيرورة منجز يلتئم داخل رهان أسئلة الحداثة، وآخر ظل وفيا لنسق تقليدي يغالب في الحضور، وهي صيرورة لا نمطية، لا تجيب إلا على لحظتها، لحظة مفتوحة في الأفق والرهان الجمالي الذي تفتحه..

القصيدة المغربية الحديثة، جغرافية من جغرافيات شعرية، مادام الشعر أساسا جغرافية لا نهائية في المطلق، وكائنه الشعري مهووس باللاستمرار. في صيرورة تشكل القصيدة المغربية الحديثة ثمة نزوع دائم لبناء المختلف، من خلال تجاوز تبني أدبيات إبداعية سابقة، نزوع يرتهن بثيماته، وبعمق التحرر الشكلي .. في إطار فوضى مجازية لا تخضع لأقانيم صارمة.

تجربة قصيدة النثر كنموذج بوحدتها العضوية، تحولت الى تجربة تنفرد في خلق كيان شعري لا يخضع لنمط أو نموذج بنائي محدد، وتتميز التجربة الشعرية المغربية في هذا الباب باللاتبات، وبمستوى الخرق العميق الذي مس جسد القصيدة من الداخل، مما يؤهل للحديث عن شعريات تتشكل داخل ننسق شعري مفرد. وحى النزوع الآخير للقصيدة المكتوبة بالأمازيغية أمست توازي هذا الفعل، إذ لا قاعدة "توحد الشعر، إلا قاعدة التحول".

حركة الشعر في المغرب لم تكن معزولة عن سياق حركة الشعر العربي الحديث، بل تفاعلت داخل ما نفترض أنه أنماط شعريات، سعت الى فتح رهانات القصيدة على شعريات مفتوحة على اللغة، والرؤى والتي من خلالهما أمكن للشعر العربي الحديث، وللقصيدة المغربية الحديثة خصوصا، أن تتخطى أنماط أشكال لإمكانية شعرية وحيدة نحو شعريات مفتوحة. وقد تفاعل هذا البحث مع سياق سوسيو ثقافي، ميزه هذا الجنوح عند الشاعر المغربي الى خلق صوته الشعري المختلف أمام السقوط المدوي ليقينيات ظلت تسيج أفق القصيدة المغربية بموضوعات الطاعة الأبدية، أو ما وسمه البعض "بالوعي المغلوط". ليتجه الشاعر بعدها، الى صدى تشظي الذات. ثمة إشراقات لهذا المشهد المحكوم بالمفارقة، إذا ما سقنا نماذج لم تستطع التحرر من أفقها "المشرقي" أو تلك التي ذابت في آثون النصوص العابرة فقدمت نسخا غير أصلية لمحاولة "تفرد شعري" هذا إذا ما زدنا إشارة بالغة ميزت المشهد ككل، تتعلق "بالحراك النقدي الشعري" الذي غاب وآفل صوته منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي لاعتبارات تتعلق بطبيعة وصيرورة تشكل القصيدة المغربية الحديثة.

في هذا الملف لمجلة الكلمة، نستجيب لنداء يسعى للاقتراب من واقع الشعر المغربي، من خلال مستويات محددة، الخطاب النقدي وحضور لافت للنصوص. وهذه المستويات سواء الخطاب أو النص تنطلق بمجموعها صوب محاولة التعرف على تجربة هذا المتن الشعري والانفتاح على أفقه، وعندما نحدد القصيدة المغربية الحديثة، فلأننا تروم تأمل أوجه هذه الحداثة بمنظور منفتح على أسئلة الزمن الشعري في لحظته الإنسانية التي يفتحها. مع الالتزام بروح الممارسة العالمة المتحررة من أنماط بدت تلف المشهد الشعري عموما. ولعل الأوراق النقدية المنشورة في إطار هذا الملف، كفيلة بتجسيد عميق لهذه الفكرة المتمثلة في كون القصيدة المغربية الحديثة تحتاج إلى قراءات تستجيب لأفق القصيدة ولرهاناتها، وأيضا لزمنها، بما هو لحظة شعرية غاية في التركيب.