الذاكرة المتعقدة

تقديم

عبدالحق ميفراني

. محمد خير الدين (1941-1995)

رأى محمد خير الدين النور بالجنوب المغربي في قرية أمازيغية تدعى azvru n wadvu ، بمنطقة تافراوت في أحد أيام سنة 1941، وقد خص الكاتب قريته هذه بتكريم خاص في روايته.Légende et vie d'Agounchich. في شهادة الروائي المغربي إدمون عمران المليح، يقول عنه: "صعب جدا الحديث عن تجربة محمد خيرالدين الإبداعية، لقد باشر مغامرة الكتابة وهو ما يزال مراهقا، وكتب أشعارا رائعة تبرز القدرة الإبداعية التي يتوفر عليها، وأغلبها منشور بالصفحة الأدبية لجريدة La vigie marocaine ، وقد قيل زمن صدور روايته الأولى "أكادير" أنها لا تنبئ فقط عن ميلاد روائي مبدع باللغة الفرنسية وإنما عن ميلاد شاعر كبير بأنفاس شعرية وأسطورية كبيرة".روايته "أكادير" كانت محطة أولى، تلتها أعمال منها: أسطورة وحياة أكونشيش، شمس عنكبوتية (شعر)،هذا المغرب (شعر) 1975.يجمع خير الدين بين كتابة الشعر والرواية. هو أحد الكتاب المغاربة البارزين، الذين يكتبون باللغة الفرنسية. لغته الشعرية تتميز بقوة ومتانة الشعراء الكبار.

نص محمد خير الدين:

حيوان تالف

سيأتون على علو صورتهم، في المياه الموحلة وتحت الأشجار، لن يروا الا عيونهم المفتوحة عند مستوى الأرض، لأنهم سيسقطون كفراشات ثقيلة من شدة المطـر.

هكذا تبدأ حياة أخرى التي منها تذهب كل طرق العالم. لقد تبينوا قطعة صغيرة من الضوء وقالوا لأنفسهم: لربما هو النهار، لكنهم لن يتوقفوا أبدا عن التخبط في دمائهم.

ينادي أخوتي على الدورات المشتركة، وهكذا عندما تنتهي أشبار الرياح ورهطها، تبدأ وشوشة الشفتين اللتين تعلنان عنك، أنت من سينام عارياً على الشاطئ، سنجد جمالك عادياً في الزبد وفي الحصى الأملس.

لقد عشت في احمرار الصخور التي تشخص في جبلتي، أنا سليل سلالة منسية، لكني أحمل في يدي بقايا نارهم. سيأتي سلالة، أكبر من الذريات المحتمة، نحن نراها عندما نتمزق في حركة جناح.

لقد استسلمت للملوث وأصبحت بركة من الميكروبات. فهل بإمكاني أن أقلّل من الشره، يا أنا الذي لم يعد صالحاً لشئ؟

لا أريد أن أكون مثل الزير الذي جوف الحر. أخمل غسقاً وأدعو الموتى لتفكيكه. أسكن الوحل لأنصت إلى المطر وهو يحولني الى فراشة.

عديد من العذاب خرج من الظلمات، وإليها عاد، معلماً القلق والدمار. أكلمكم، أيتها الأرض المصنوعة من الثلج لكنها التي ما زال الجير فيها متقدا، إنه الصحراء الخرساء التي تخشونها، هذه الصحراء ذاقها التي هي فيكم.

تخلقون بمقدار الأكوان من أجل مصارعة اللانهائي، إنكم تنتحرون لوحدكم في موتكم البطئ، ترفعون العروش لأجل مهارتكم، عروش المهانة، تجهلون أن الجداول لا تجري أبعد من المحاولات القاتلة.

أتجاوز الطفولة (الطفولة بالنسبة لكل شخص عبارة عن علامة)، لأن الأمر لا يتعلق أبداً بأن نستعيد متتالية من الأفكار مقطعة بطريقة سيئة، الأفكار التي تحتدم كبغال عطشى، بل لم أعد أعرف إن أنا قمت بالصاقات، إن رسمت طبيعات ميتة بظهر لغتي، ويبدو لي مع ذلك أني كنت لغة بلد معدني، لا شئ يأتي من إصبع. كنت خصمين في خصومة كبيرة، وإن أنت تفهمني، أنت الذي يعتقد في جسدي، فأنت ستندم على ذلك. وأنت، أيها المنقب الذي لا يكلّ، حبيب المكتشفات النفسية، توقف إذن ونم في الجثة المشمسة للواقع.

2. أحمد الجوماري(1939-1995)

من مواليد مدينة الدار البيضاء سنة 1939. تابع تعليمه بالمدارس الحرة وبجامع ابن يوسف بمراكش. عمل مدرساً بالسلك الاعدادي بمدينة الدار البيضاء. توفي بنفس المدينة سنة 1995. نشر قصائده بداية من سنة 1960، بعدد من الجرائد والمجلات المغربية منها: جريدة (العلم) و(المحرر) ومجلة (أنفاس) و(أقلام) و(الآداب) البيروتية. نشر ديوانين شعريين:

- أشعار في الحب والموت - الدار البيضاء، دار النشر المغربية، 1979.
2- أوراق الليل - الدار البيضاء، دار النشر المغربية، 1989.

قصيدة للشاعر أحمد الجوماري:

رأس الشاعر يسقط

(فيروز شاه) مالك الرقاب،
حاكم الأمصار، قدوة الرجال،
أتاه الحاجب الرعديد يوماً، راكعاً، وقال:
مولاي شاعر، مشرّد، بالباب
لعلّه مجنون
يقول أيضاً إنه عرّاف
يستنبئ الحظوظ، والسعود،
فهل يرَ سيدي، ومولاي
أن يسلّي نفسه الممجدة
هنيهة بهذا الشاعر المشرد الفقير؟
إشارةٌ بالسيف
وغمزةٌ بالعين
-مولاي أعطني الأمان
- .
-رأيتُ نجمكَ السعيدَ في المنام
وكان يا مولاي في يمناك صولجان
بين ملوك الأرض كنتَ يا مولاي
شمس هذا العصر، نور مهرجان، قاهر الزمان
تضرب ضربة بالسيف
فتسقط الوجوه، والرؤوس،
وهي بالعظيم تستغيث
وفجأة رأيت يا مولاي طائراَ كأنه تنين، أو جبل
يحوم حول الخيمة المقدسة
ومن جناحيه الخرافيين، كانت تسقط الأشجار
والخيول، والسيول، والبروق،
ويا لدهشتي -مولاي- واغفر لي
رأيت تاجَكَ العظيم
تقدفه الرياح
يلهو به الصغار
- .
******
لم يكملِ المشرّدُ الفقير قصّته
إشارةٌ بالسيف
وغمزةٌ بالطرف
وبعدها سقط
على زليج القصر
رأس الشاعر المجنون!!

3. أحمد المجاطي (1936-1955)

ولد بمدينة الدار البيضاء سنة 1936. درس بإحدى الجامعات السورية بدمشق، ومنها حصل على شهادة الإجازة. أحرز على دبلوم الدراسات العليا سنة 1971 ودكتوراه الدولة 1992 من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. وكان يعمل أستاذاً بنفس الكلية. توفي بمدينة الرباط سنة 1995.يعتبر المجاطي من رواد القصيدة المعاصرة بالمغرب. وأحد أبرز شعراء الستينات. حصل على جائزة ابن زيدون للشعر بمدريد سنة 1985 عن ديوانه (الفروسية) وهو نفس الديوان الذي حصل به على جائزة المغرب الكبرى للآداب والفنون. صدر له ديوان واحد:الفروسية، الرباط، منشورات المجلس القومي للثقافة العربية 1987 ضمن (سلسة إبداع).إلى جانب دراسته الجامعية حول أزمة الحداثة في الشعر العربي.

قصيدة للشاعر أحمد المجاطي:

كبوة الريح

تسمر الموج على الرمال
والريح زورق بلا رجال
وبعض مجداف وعنكبوت من يشعل الفرحة في مدامعي؟
من يوقظ العملاق من يموت؟
رائحة الموت على الحديقة
تهزأ بالفصول
وأنت يا صديقة
حشرجة ودمعة بتول
ووقد أقدام على الطلول
تبحث عن حقيقة
عن خنجر عن ساعد يصول
وكان ريش النسر في جراحنا العميقة
فماً وصمتاً ظامئاً لدقة الطبول
لعصفة من كرم الريح تبل ريقه
وحلبة النزال أي غيمة رقيقة
تحوم حول كبوة الخيول
عودوا بأشلائي، دمي لم يبتسر طريقه
من مد للفجر يداً يستعجل الوصول؟
من شد عند صخرة ظنوني؟
ومد منقاراً إلى عيوني؟
يا سارق الشعلة إن الصخب في السكون
فاقطف زهور النور، عبر الظلمة الحرون
نحن انتجعنا الصمت في المغارة
لأن نتن الملح لا تغسله العبارة
فانزل نعي للبحر تحت الموج والحجارة
لا بد أن شعلة تغوص في القرارة
فارجع بها شرارة
تنفض توق الريح من سلاسل السكوت
تعلم الإنسان أن يموت .

4. محمد الخمار الكنوني (1941-1991)

ولد بمدينة القصر الكبير بشمال المغرب. تابع تعليمه الثانوي بمدينة العرائش، ثم انقطع عن الدراسة سنة 1959 لاعتبارات صحية. اشتغل بالإذاعة الوطنية 1961 ثم سافر بعد ذلك الى القاهرة حيث حصل على شهادة الباكالوريا سنة 1963. تابع دراسته العليا بكلية الآداب بفاس ومنها حصل على شهادة الإجازة سنة 1966.اشتغل مدرساً بالتعليم الثانوي ثم أستاذاً مساعداً بكلية الآداب بفاس. حصل على دبلوم الدراسات العليا من كلية الآداب بالرباط سنة 1974. ليشتغل، بعد ذلك، أستاذاً بنفس الكلية، إلى أن توفي بمدينة القصر الكبير سنة 1991. اقترن ذكر محمد الخمار الكنوني باسمي أحمد الجماطي ومحمد السرغيني باعتباره أحد هؤلاء الشعراء الثلاثة الذين عرفوا برواد القصيدة المعاصرة بالمغرب. وهم جميعاً من شعراء جيل الستينات.صدر له ديوان واحد:

1- رماد هسبريس - الدار البيضاء، دار توبقال للنشر 1987.

قصيدة الشاعر محمد الخمار الكنوني:

مرثية السور الغربي

1_ الأبواب:
يشرع السور أبوابه
يلتقي في المدى عالمان
يلتقي الحرف والنقش
يسكن للوردة العنكبوت
ويمتزج القوس والخط
لا يبغيان ،
لقد قضي الأمر
واندحر المرجفون.
وهبت من السور
رائحة الجير والخشب المهترئ.
كان الصوت المعاول يعلو ويخفت،
إنهم يفتحون
هنا وهناك
الى جهة البحر بابا
سوى بابي السوق والمقبرة
كان ما بين دائرة السور والبحر
سرب نوارس،
بينهما نجمتان
اذا عسعس الليل،
بينهما الموج
يقذف بالقار والريش والزبد المرمري

2- الحصار
كان ينسل بين العمارات
يخفي ويظهر،
حتى اذا ما التوى جهة النهر في المنأى
حاصرته المزابل
فامتد بين الصفيح
وبين البروج التي هجرتها اللقالق
كانت خيوط الفعال التي
ينسج العابرون
تحاصره في الفضاء الذي عاد أسود
فاغبر ما شيدته الأوائل
واندحر العنفوان
وفي الملتقى حيث تبدو المساحات فارغة
حاصرته العلامات
بين الكتابة والملصقات،
اختفى في المداد
وفي الورق المتجدد
كان الطريق السريع
يحاصره بالضجيج وبالعجلات
وحين استدار تدلت على جسد السور
بين الغبار وبين الدخان
وردتان !

5. محمد الطوبي (1955-2004)

من مواليد مدينة القنيطرة سنة 1955. اشتغل موظفا بدار الثقافة بالقنيطرة. اعتبره اتحاد كتاب المغرب شاعرا من خيرة شعراء الحداثة المغربية والعربية..وأن حضوره وطنيا وعربيا ظل متميزا لحرصه الشديد على معجمه الشعري وعلى أناقة اللغة العربية في أرقى ما تمتلك من ذخيرة في اللفظ والعبارة والنبر والإيقاع الداخلي. من أعماله الشعرية:

1- سيدة التطريز بالياقوت - دمشق. اتحاد الكتاب العرب 1980.
2- صعوداً أناديك سهواً - دمشق. اتحاد الكتاب العرب 1983.
3- أيقونة العاشق المغربي - طرابلس. المنشأة العامة للنشر 1985.
4- في وقتك الليلكي هذا انخطافي - بيروت. دار الحداثة 1987.
5- تجربة الإكليل في كمنجات الخريف - القنيطرة. منشورات البوكليل 1995.

قصيدة للشاعر محمد الطوبي:

           قمرٌ يرتدي نشوةَ الماء (والتفّتِ الساقُ بالساق)

والوقتُ نهرُ حنينٍ عبيق
جسدان يزقّان فوضى البهاءِ المقدَّس
فاتَحَدا جَسداً واحداً عازفاً والأساور
رقراقة
بالهديل على نرجس المعصم الكحل
مبتهل
في جفون مؤلقة ولها عندم جانح
للشهيق
جسد ساجع كسهوب السنى الصبوات
مرايا يرتلها الورد والجيد في مجده ملك.
الصدر يشرق رمانه باحتفال أنيق
ذهب بهج يتدفق من جسدين عشيقين
يتحدان وحيدين لما يخوضان فتنة
موجهما
نحو أقسى الغوايات يشتعلان كأغنية من
نبيذ عتيق.

6. عبدالله راجع (1948-1988)

ولد سنة 1948 بمدينة سلا، حصل على الباكالوريا بعد التحاقه بالتجنيد الإجباري بمدينة الحاجب. أحرز على شهادة الإجازة في الأدب العربي من كلية الآداب و العلوم الإنسانية بفاس سنة 1972، كما حصل على دبلوم الدراسات العليا في الأدب المغربي المعاصر من كلية الآداب بالرباط سنة 1984 . اشتغل أستاذا بمدينة الفقيه بن صالح ثم حارسا عاما بالتعليم الثانوي بالدار البيضاء، فأستاذا بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بنفس المدينة. التحق باتحاد كتاب المغرب سنة 1976 انضم إلى هيئة تحرير مجلة " الثقافة الجديدة " ابتداء من عددها التاسع سنة 1978 . أصدر رفقة أمجد ناصر حسون ( عراقي مقيم في المغرب) مجلة " رصيف". أصدر عبد الله راجع مجموعة من الأعمال الشعرية والدراسات النقدية: في الشعر، الدواوين التالية:

ـ الهجرة إلى المدن السفلى : شعر ( دار الكتاب) ـ 1976
ـ سلاما و ليشربوا البحار: شعر ( منشورات الثقافة الجديدة) ـ 1982
ـ أياد كانت تسرق القمر: شعر ( دار النشر المغربية) ـ 1988
في الدراسات:
ـ القصيدة المغربية المعاصرة: بنية الشهادة و الاستشهاد جزءان ـ عيون المقالات.
الجزء الأول: 1988 ـ 316 صفحة.
الجزء الثاني: 1989 ـ 208 صفحة.
توفي في 28 يوليوز 1990 بإحدى مصحات الدار البيضاء.

قصيدة للشاعر عبدالله راجع:

قصيدة تروبادور

ها وردةٌ أولى :
هي الأرضُ التي تحبو على كتفي تترك في القصيدةِ
لحمَها
و أنا امتدادُ الحلم في الجسدِ المحاصرِ بالكتابة
لا شيء يُنقدني من الأرض التي تمشي
سوى الأرضِ التي تأتي
و ليس رحيلُ أحبابي سوى مرِّ سحابه
و أنا أحبكِ يا زهيراتِ الخريف ،
و لكنْ ،
كيف أمشي
و على جفنيكِ ظلٌّ من كآبه ؟

ها وردةٌ أخرى :
هي الموتُ المؤجلُ ،
وهي خاتمتِي الغريبه
والتي تأتي لتسأل عن دخانِ القلب
تُحْيِِينِي
تُضيف إلى سنينِ العمرِ شهراَ
عندما أنحازُ للموت المؤجل ِ أستضيءُ بنجمتينْ
و إذا أتتْ , أرتاحُ ساعاتْ ، و أُسبِلُ دمعتينْ
و أنا امتدادُ الحلمِ
و الموتُ المؤجلُ
كلما نبتتْ بقلبي
وردةٌ
أحسستُ أن جراحَه تزدادُ شبراَ
الأرضُ أرضي ، لا حدودَ و لا جوازاتِ سفرْ
فُقَراؤُها أحبابُها ، أصحابُها ، و لهم حكاياتٌ طويله
و التي صعدتْ إلى الأعلى يلامسُ كفُّها سطحَ القمرْ
أما التي هبَطتْ إلى أرضي ، فأهدتني جديله
و أنا امتداد الأرض ليس لديَّ غيرُ ترابِها
عصفورةٌ سُرقتْ ، و قلب يرتمي في الطينْ
ليس لديَّ غيرُ سُوَيعةٍ لو كان يكشفُ سرَّها ,
نطقَ الحجرْ
و أنا امتدادُ الأرضِ ليس لديَّ غيرُ همومِها
و أحبَّتي الفقراءُ في الأرض التي تمشي
و حكايةٌ خبأتها حتى يبللَها المطرْ
لأني أُُحِسُّ بأن َّ النهايةَ أقربُ من شفتي إليَّ
ستفتحُ كل ُّ الحوانيتِ أبوابَها لو رحلْتُ
تقام ُ الولائمُ في الصيفِ ، يبكي عليَّ
عزيزاً عشقتُ ، و عاما يفتحُ أبوابَه للقمرْ
و ينمو السؤال ُ المقدسُ فوق جبين ِ ابنتي :
ـ " أبي ... أين راحا ؟
لماذا إذنْ لم نعدْ نرتخي بين حِضنِه
حتى نذوبَ ارتياحاَ ؟ "
لأني أَحسَّ بأن السياحة َ في الأرضِ ليست تدومُ
دوام َ العمرْ
و أني على الأرض سائحْ
سينبتُ في جسدي من بقاعِ البلادِ التي قد رأيتُ
شـجـــرْ
سيذكرني لحظةً في المقاهي التي عرفتني
رفاقٌ رأوا جبهتي تتغضن قبل الأوانْ
يقولون راح هدَرا و هدَراَ
و كان يطارحنا الهمَّ حينا بهذا المكانْ
و حينا يخبئ حزنَ البلادِ وراء ابتسامتِهِ
ثم كان , و كانَ , و كانْ....
لأني أحس بأن السفينةَ تهوي إلى مستقرٍّ و لا
مستقرْ
و أن الربيعَ الذي وعدوني به ليس غيرَ الخريفْ
صرختُ من القلبِ : لا
لعصفورتي أن تعودَ ، لقلبي حنينٌ.. أحبّ ُ أن أبوحَ بهِ
لبلادي التي شردتْ أصدقائي...
يدٌ تمسحُ الدمَ عنْ
جسدي
صرخت من القلب : لا
و أدركت أني أميل إلى البحر مرتحلا
و أكتشف الزيف في هزة الرأس، في بسمة،
أو حديث " لطيف "
و أكتشف الموت يرصدني في الممر
و يطرق بابي في مكتب ، أو يتابعني في الرصيف.

7. أحمد بركات (1960-1994)

أحمد بركات من مواليد الدار البيضاء سنة 1960 ، تابع دراساته الابتدائية و الثانوية في كل من مدينتي فاس و البيضاء و انقطع عن دراساته الجامعية، اشتغل بجريدة "بيان اليوم"، حاز على جائزة اتحاد كتاب المغرب للشعراء الشباب في دورتها الأولى سنة 1990 مات في التاسع من سبتمبر عام 1994. رحل عنا وهو في عنفوان الشباب، إذ لم يبرح سن الرابعة والثلاثين، وقد خلف مجموعتين شعريتين: "أبدا لن أساعد الزلزال< الصادرة سنة 1991 والمتوجة بجائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب في دورتها الأولى، أما المجموعة الأخرى فتحمل عنوان: - دفاتر الخسران- وقد صدرت بموازاة مع الذكرى الأربعينية لوفاته.

قصائد للشاعر أحمد بركات:

لن أساعد الزلزال

حذر، كأني أحمل في كفي الوردة التي توبخ العالم
الأشياء الأكثر فداحة:
قلب شاعر في حاجة قصوى إلى لغة
والأسطح القليلة المتبقية من خراب البارحة
حذر ، أخطو كأني ذاهب على خط نزاع
وكأن معي رسائل لجنود
وراية جديدة لمعسكر جديد
بينما الثواني التي تأتي من الوراء تقصف العمر
هكذا
بكثافة الرماد
معدن الحروب الأو
لى تصوغ الثواني صحراءها الحقيقية
وأنا حذر ، أخطو نحوكم وكأن السحب الأخيرة تحملني
أمطارها الأخيرة
ربما يكون الماء سؤالا حقيقيا
وعلي أن أجيب بلهجة العطش
ربما حتى أصل إلى القرى المعلقة في شموس طفولتكم
علي أن أجتاز هذا الجسر الأخير وأن أتعلم السهر مع أقمار
مقبلة من ليال مقبلة حتى أشيخ
وأنا أجتاز هذا الجسر الأخير
هل أستطيع أن أقول بصراحتي الكاذبة : لست حذرا لأنني
أعرفكم واحدا واحدا ؟
لكن ، أين أخبئ هذه الأرض الجديدة التي تتكون في عين
التلميذ ؟
وماذا سيقول المعلم
إذا سأله النهر ؟
حذر ، ألوح من بعيد
لأعوام بعيدة
وأعرف - بالبداهة - أنني عما قريب سأذهب مع الأشياء
التي تبحث عن أسمائها فوق سماء أجمل ولن أساعد الزلزال
فقط ، سأقف لحظة أخرى
تحت ساعة الميدان الكبيرة
هناك العربات تمر بطيئة
كأنها تسير في حلم
هناك قطع الغيم في الفضاء
لا تشبه سرب طائرات خائفة
هناك امرأة تقترب من الخامسة مساء تنتظرني
سأذهب عما قريب
دون أن أعرف لماذا الآن أشبه الحب بكتاب التاريخ
أحب
أحيانا أتوزع قبائل تتناحر على بلاد وهمية
أحيانا أضيع
ولكنني دائما أحمل في كفي الوردة التي توبخ العالم

نشيد المنتحرين
هاهي الخطوات
وإيقاع الخطوات
هاهي الخطوات ثانيا
وكما لو كنا نمشي وراء شجر ولهان
نرفع بالسلام التام للصنوبر
بقبعات الدوم عاليا
نصحب الفصول مع الصفصاف حزينا أو فرحانا
بالجنون الأخضر نطرق باب الخوخة
ونعرف جيدا تاريخ الغابة السري
ثم ونحن ابتعدنا كثيرا ، ثم انحرفنا قليلا
كما لو كنا سنقف باللغة على حافة المدينة
نمشي وراء نساء آيلات للسقوط
كما لو كنا نمشي قرب مسرح العرائس المخذولة
هاهي الخطوات
وإيقاع الخطوات
هاهي الخطوات ثانية
ومن النافذة الثالثة في الخراب الجميل الذي عبرناه أطل الطفل
قبل منعطف المشهد بقليل وكان سيودعنا
نحن الذين كنا سنختلس المسافة كلها
من أجل وهمنا
في هذا الليل الأخير
نتحرك مثل مصارعين تجرهم نزوات غامضة
الوشم وحده واضح وشديد
وأذكر - اليوم - رقمناه على أذرع من معدن مولوي
صيرناه دليلنا الحركي
كلما تفرقنا في غرف ملتبسة
قبل منعطف المشهد بقليل
انتبهنا لآلهة بأوسمة عديدة تتراجع بجلال والأب الأعمى
وحيدا يموت بالنشيد الكبير
هذا أفول كبير
ما تبقى سيقوله قمر هذا الليل الأخير
وحتما سيسطره في الأبعاد السفلى

من أهمل القمر؟
من أهمل القمر
وفي الليل كل صيف هناك أزواج متغيبون ونساء القرى
يصعدن في الضوء سرير الوحدة صامتات
وأنا أقول هذا لأنني كنت هناك
وكنت أفكر مليا قرب حذاء جندي قدي
وأنت ماذا تقول لذباب المحطة ؟
ماذا تصنع الآن ؟
أنا حين وقعت في يدي الورقة الرئيسية للزهرة النابتة في الريح
أعدتها للريح
وصعدت سلمي
دون أن ألتفت للعربة الأخيرة تمر منتحبة
دون أن أكترث
بالحديد المبلل
صعدت
وسألت القبرة التي حطت على أسلاك الهاتف :
لماذا يقطع الطفل أصابعه
ألأن آلة العمر حديثة ؟
ولماذا انتحر شبيهي
هذا الانتحار ؟
سألت حين صعدت
وجاوبتني الخطوات
وإيقاع الخطوات
وجاوبتني الخطوات ثانية

الأرض
الأرض ليست لأحد
الأرض لمن لا يملك مكانا آخر
الأرض عباءة الموتى
والأرض عراء
الأرض درب
مقيمون وجوالون
الأرض شارع بأعمدة وعابرين
الأرض قفص عصافير ومداحين
الأرض حانوت الهم
عويل العربات
الأرض غبار
الأرض مقهى مفتوح ليل نهار
الأرض مسجد صغير
به حرم صغير
فيه قبر صغير
عليه شمعة صغيرة أيضا
الأرض في كف صبي يقف عند باب المسجد
الأرض في كفه قرش واحد
والأرض ليست لأحد
الأرض لمن لا يملك مكانا آخر

الصحراء
الصحراء الساعة الرملية في معصم الريح
والوقت لم يحن بعد
هكذا هي الصحراء على حدود دمي

الحاكم العام لا يقول الصراحة
أنا الذي كنت أراقبه
حين ترتعش الخريطة وهي في يده
تسقط صورة كانت على الجدار
تسقط كأس كانت بين عشيقين
حين تسقط الخريطة وهي في يده
اسأليني أنا الذي كنت أراقبه
إن كان سيحتفظ بهذه الأسماء
أو سيمزقها
ويرمي بها في وجه الأرض
إ سأليني أنا
إن كان سيسلمك مفاتيح الحبس القديم

هذا هو الكرسي
عليه يستوي الصانع الملول
كما تستوي باقة الورد المجهولة
وعليه تستريح الفصول
عليه يستوي المعطف
مثلما يستوي الملوك
وعليه تستريح الأرض إذا أكملت دورتها..