عقد اتحاد كتاب المغرب مؤتمره الثامن عشر يومي 7/8/ شتنبر 2012 بالرباط. وكان المفترض أن يعقد هذا المؤتمر قبل هذا التاريخ، لكن أسبابا عديدة حالت دون ذلك. قبل التطرق إلى هذه الأسباب، أو بعضها على الأقل، تجدر الإشارة إلى أن اتحاد كتاب المغرب منظمة ثقافية تقوم على ركائز و مبادئ أساسية يرجع لها الفضل في المكانة التي كان يحتلها في النسيج الثقافي المغربي العام، لاسيما بعد نهاية المرحلة التي كان فيها محمد عزيز الحبابي، الذي لا ينكر فضله في تأسيسه، رئيسا له. إن ميوله الفكرية التي يمكن نعتها بالمحافظة جعلت مثقفين مغاربة، لهم اختيارات فكرية و سياسية تختلف عن تلك التي كان يتبناها الحبابي، يرسمون لهذا الاتحاد أفقا مغايرا اعتمادا على مبادئ معينة.
من بين هذه المبادئ التعدد الفكري والثقافي، والحق في الاختلاف، والتمسك بالديمقراطية والحداثة، وكذلك استقلالية اتحاد كتاب المغرب عن السلطة. وقد حافظ على هذه الاستقلالية نسبيا. أقول نسبيا لأن الوقائع تكشف أن البعض حاول الانحراف به نحو السلطة، في استغلال مكشوف للاتحاد بغية تعزيز موقع داخل دواليب هذه الأخيرة، أو بحثا عن المغانم والامتيازات والاستفادة من الريع الثقافي.
لقد كان لاتحاد كتاب المغرب دور أساسي في ترسيخ قيم الحداثة الثقافية والتقدم والتنوير، والدفاع عن الحرية، لاسيما في السنوات التي توصف بكونها سنوات الرصاص بالمغرب. كما كان له دور أساسي في تطوير الأدب والفن والنقد والفكر في المغرب. وكان فضاء للسجال الفكري والنقدي والسياسي الخلاق. ولم يقتصر إشعاعه على المغرب بل امتد هذا الإشعاع ليشمل العالم العربي.
هذا إذن إرث ثقافي يعود الفضل فيه إلى المثقفين المغاربة أنفسهم وتضحياتهم. وإذا كانت السلطة تغدق من المال العام على جمعيات الوديان والسهول والأنهار التابعة لها، وكان الإعلام الرسمي، لاسيما القناة التلفيزيونية الأولى، الوحيدة آنذاك، في خدمة أدعياء الفن ، كما هي اليوم، بسبب سياسة إعلامية مدروسة إقصائية، فإنها بالمقابل كانت تقوم بالتضييق على أنشطة الاتحاد بشتى الوسائل. انطلاقا من هذه الملاحظة الأخيرة يتعين على الاتحاد اليوم، وقد اكتسب المكتب التنفيذي شرعية انتخابية ديمقراطية، أن يعمل من أجل حضور يليق بالثقافة المغربية اليوم في الإعلام العمومي. على أن يعكس هذا الإعلام الممول من قبل دافعي الضرائب التنوع والتعدد اللذين يميزان هذه الثقافة. فلا يعقل أن تترسخ في أذهان ناشئتنا صور مهرجين وتجار الفن وتردد أسماءهم، ولا تعرف هذه الناشئة حتى أسماء مثقفين مغاربة، ومنهم معروفون على نطاق عربي وربما عالمي ومشهورون بين النخبة، والثقافة المغربية. هذا علما بأن للصورة اليوم سحرها الخاص.
إرث يجب العض عليه بالنواجذ من قبل المثقفين لصيانته وتطويره في فضاء الحرية، لأنها طبيعية وأصلية في الفكر والثقافة والإبداع. كما يجب الحرص على استقلاليته أي أن يكون الاتحاد مستقلا عن السلطة وبعيدا عن الوصاية الحزبية . وأظن أن للاتحاد دورا يجب أن يؤديه خدمة لقضايا شعبنا ووطننا نظرا لكون المغرب، فيما يبدو، مازال في " قاعة الانتظار"، ومازال في مرحلة ما يعرف ب " الانتقال الديمقراطي " الذي طال أكثر من اللازم.
وغني عن البيان أنه لا يمكن أن تتحقق الحداثة والتقدم إلا مع الحرية، الحرية غير المسيجة بالممنوعات والمحرمات الفكرية والسياسية. على اتحاد كتاب المغرب أن يكون فضاء للحرية الفكرية وحرية الإبداع لجميع أعضائه، وأن يتسم التسيير فيه من قبل أجهزته المنتخبة بالديمقراطية والشفافية. هذا مع ضرورة الاحتكام إلى قواعد الديمقراطية لأن الاختلاف والحق في الاختلاف يستدعيان ذلك. هنا تكمن قوته.
لقد انعقد المؤتمر الثامن عشر لاتحاد كتاب المغرب في سياق عام علا فيه صوت الاحتجاج على الأوضاع السياسية والاجتماعية من قبل حركة 20 فبراير. وقد نتج عن ذلك دستور 2011 الذي لم تصوت عليه نسبة كبيرة من المواطنين الذين يحق لهم التصويت. وقد يتم الالتفاف على بعض المكتسبات الواردة فيه بسبب التأويل غير الديمقراطي، وبسبب إرادة التحكم التي تتعارض مع الحداثة والديمقراطية.
أما السياق الخاص فيتمثل في وضعية الأزمة التي كان عليها الاتحاد منذ المؤتمر السابع عشر، وبالضبط منذ لحظة الإعلان عن اسم الرئيس، وهو عبد الحميد العقار، الذي وقع عليه الاختيار من قبل أعضاء من المكتب التنفيذي المنتخب. عبرت هذه الأزمة عن نفسها من خلال البيانات، والبيانات المضادة، والاستقالات، والإقالة، والاتهامات. ويحز في النفس أن يكون سبب الأزمة الرئيسي هو الرغبة في الاستفادة من الريع الثقافي: " العلاوات " و" الهبات " و" الهدايا " (مع عدم التأكيد وعدم النفي أيضا في غياب الحجج) كما عبر عن ذلك أحد الذين ترشحوا لرئاسة الاتحاد عشية انعقاد المؤتمر الثامن عشر في مقالة منشورة، في مجال أساسه القيم، وليس التصورات الفكرية والسياسية والبرامج التي تزيد من إشعاع الاتحاد ودوره الطليعي كما كان الشأن في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. علما أن لكل مرحلة سياقها ورهاناتها وأحلامها.
لكن رغم وضعية الأزمة، التي أدت إلى أن يكون الصراع خلال انعقاد المؤتمر الثامن عشر صراعا مسطريا وتنظيميا وليس صراعا فكريا وسياسيا، يمكن القول إن الاتحاد خرج من عنق الزجاجة كما يقال. فقد وقع تعديل أساسي في قوانين الاتحاد، بمقتضى هذا التعديل صار الرئيس ينتخب من المؤتمرين أنفسهم وليس من المكتب التنفيذي. إن إجراء من هذا النوع وضع حدا لمناورات أعضاء من المكتب التنفيذي، بعضهم على الأقل، التي قد يكون اللجوء إليها لهذا السبب الشخصي أو ذاك. كما أدى هذا الإجراء إلى أن يكون المؤتمر سيد نفسه، وبذلك تخلص اتحاد كتاب المغرب من الوصاية الحزبية.
إن اتحاد كتاب المغرب هو لجميع أعضائه وليس لهذه الفئة أو تلك. لذلك يتعين أن يكون التسيير فيه ديمقراطيا وشفافا. كما يتعين عليه أن يستعيد دوره الطليعي والإشعاعي خدمة لقضايا الشعب والوطن والثقافة المغرية. لقد وجدت أزمة الاتحاد حلا لها بالديمقراطية التي ميزت أشغال المؤتمر الثامن عشر، حيث تم انتخاب عبد الرحيم العلام من المؤتمرين أنفسهم، وليس من المكتب التنفيذي، رئيسا له. كما تم انتخاب أعضاء المكتب التنفيذي والمجلس الإداري بالطريقة نفسها. وهنا لابد من التنويه بدور الشاعر عبد الرفيع الجواهري الذي ترأس أشغال المؤتمر. لقد أدار تلك الأشغال، رغم قوة الصراع وحدته، بحكمة ومسئولية وبروح ديمقراطية.
في " هذه اللحظة التاريخية " ينبغي البحث عن الوسائل الكفيلة بتنشيط فروع الاتحاد كي تساهم في نشر وتعميم والتعريف بالثقافة المغربية التي تنسجم مع هوية الاتحاد. هذه آمال واقتراحات، تضاف إلى آمال واقتراحات قد يقدمها أعضاء آخرون، أتمنى أن يعمل المكتب التنفيذي الجديد على تحقيقها، وأتمنى أن يكون هذا المكتب في مستوى الآمال المعقودة عليه من لدن كل أعضاء الاتحاد.